Thursday, February 5, 2015

الرَّوْع والرَّوْغ فروق بديعة وبيانية

-(الرَّوْع والرَّوْغ) فروق بديعة وبيانية:

متى ينتبه المسلمون إلى القرآن الكريم فيدرسونه ويتأملونه ويتدبرونه فعند ذلك تبدأ مشاكلهم بالتساقط كأوراق الخريف.

وحينما يَعْمَد المسلمون إلى كتاب الله القرآن الكريم فيقرؤونه بتمعن وتمهل، ويجمعون فكرهم في استخلاص مواضيع القرآن الكريم فيعرفونها ويطبقونها فآنذاك يُبصِرون طريق الحضارة وسبل التقدم وطرق الرقي.

غير أن البعض -والبعض هنا كثير!!!- هجروا القرآن وابتعدوا عنه معنى وحكم، فهما وسلوكا وتشريعا، فحاربوه وسخروا واستهزئوا به، وقَدَّمُوا عليه ما بَطَل مما خالفه، فقست القلوب وغابت الضمائر وتكسرت النفوس وتحطمت الأرواح، فلا ظالم يوجد مَن يوقفه عند حده، ولا مظلوم يجد مَن يُناصره، وتمسكت لحى السوء علماء الدنيا بأذناب المال والشهرة والمنصب فحرفوا تعاليم القرآن وأوجدوا ضباب التفسير الموافق لهوى الملوك والرؤساء والأمراء، فما يرضونه هو الدين وما يشتهون هو حكم الله، فتلاعب علماء الدين لحى السوء بمشاعر المسلمين وعواطفهم ووضعوا الحواجز تلو الحواجز أمام فهم القرآن.

والمطلوب هو الرجوع للقرآن الكريم بتعلمه وتدريسه وتدبره بعقل حكيم وفكر موزون وروح الرسالة النبوية التي دعا لها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ " ، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة.
وعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ " .

وفي القرآن الكريم فروق بديعة وبيانية مثل (الرَّوْع) و(الرَّوْغ):
لم تستعمل مادة (الرَّوْع) و(الرَّوْغ) في القرآن إلا في قصة إبراهيم عليه السلام.
قال الله (فلما ذهب عن إبراهيمَ الرَّوع وجآءته البشرى يجادلنا في قوم لوط).

المراد بالرَّوع هنا: تأثره من مفاجأة تبشيره بالولد،مع أنه كبيرٌ وامرأتًه عاقر، فقد ارتاع وفَزَع من صدمة المفاجأة ، فلما زال هذا الروع والفرع صار يجادل الملائكة في أمر لوط عليه الصلاة والسلام.
  و الروع: الخلد، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).

 والروع: إصابة الروع، واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع، قال: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ) هود/74، يقال: رعته وروعته، وريع فلان، وناقة روعاء: فزعة. والأروع: الذي يروع بحسنه، كأنه يفزع، كما قال الشاعر:
يهولك أن تلقاه صدرا لمحفل *** ونحرا لأعداء وقلبا لموكب.
  
و الروغ: الميل على سبيل الاحتيال، ومنه: راغ الثعلب يروغ روغانا، وطريق رائغ: إذا لم يكن مستقيما، كأنه يراوغ، وراوغ فلان فلانا، وراغ فلان إلى فلان: مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال قال: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِالذاريات/26، ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ الصافات/93، أي: مال، وحقيقته: طلب بضرب من الروغان، ونبه بقوله: (على) على معنى الاستيلاء.

أما الرَّوغ أو الروغان: فقد استُعمل منها الفعلُ المضارع (رَاغَ) ثلاث مرات في الإخبار عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
قال الراغب الأصفهاني عن معنى (الرَّوْغ): هو الميل على سبيل الاحتيال، وحقيقته طلبُ بضرب أي نوع من الروغان.

وليس المرادُ بالرَّوغان هنا حقيقته القائمة على الاحتيال والمكر، فإبراهيم لا يليق به ذلك.

ولكنَّ المراد به هنا:السرعة والخِفَّة والذهاب إلى الشيء بنوع من الخفية والترتيب والإعداد السِّرِّي.

ولما جاءت الملائكة إلى إبراهيم في صورة رجال ظنهم بشراًضيوفاً،فأراد أنْ يُكرمهم:(إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ مُنكَرون*فراغَ إلى أهله فجاء بهجلٍ سمين* فقرَّبه إليهم قال ألا تأكلون).

وروغان إبراهيم هنا بمعنى: مسارعته في إكرام ضيوفه،وإسراعه في الذهاب، في خفة وخفية،ليقدم لهم العجل السمين الحنيذ المشوي.

إن كلمة(راغ) جاءت في قصة إبراهيم فقط،مدحاً له وثناءً عليه،عليه الصلاة  والسلام وعلى نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء وآلِ كلٍّ وصحبِ كلٍّ أجمعين.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله شفيعاً لنا ، وشاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، وأسكنا به الظلل ، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين ، وعند النعماء من الشاكرين ، وعند البلاء من الصابرين ، اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال تعالى:"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا"

قال الشاعر:
سعادتنا في نهجه واتباعه **** وأسلوبه كالشهد عذب مسلسل
ويدعو إلى الإحسان والبر والهدى *** هو العروة الوثقى لمن كان يعقلُ
ألا إنه القرآن دستور ربنا *** فأكرم به ذاك الكتابُ المفصَّلُ
هنيئاً لمن قد جاء يسعى بنوره *** وطوبى لمن في الحشر أقبل يعملُ
إذا فخر الإنسان يوماً برتبةٍ *** فحفَّاظه بالفخر أولى وأفضلُ
فطوبى لحفاظ الكتاب فإنهم *** مع الصفوة الأبرار في الروض ترفلُ

والله أعلم.
المصادر:
- مسند الشهاب القضاعي .
-ديوان أبو تمام وديوان المعاني.
-من لطائف القرآن لصلاح الخالدي.
- الملحمة القرآنية الشعريـة،أبو أسامة.

No comments :

Post a Comment