Monday, September 29, 2014

(ولا تـمنن تستكثر) أدب وفقه وعلم العطاء والانفاق



(ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر):

المنّ بالعطاء وبالانفاق أمر لا يقوم به المؤمن الصادق ولا يفعله المسلم المخلص لأن ذلك المنّ يحبط العمل ويحعله هباءا منثورا.
المنّ بمساعدة الآخرين وتذكيرهم بهذه المساعدة دائما والحديث عنها في كل مكان هو تعبير عن نقص وشعور بالضعة النفسية والخلل الايماني.

ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر:
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، فيتحول عملك إلى رماد ويستحيل فعلك إلى غبار تذروه الرياح.
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، فتكون من الذين يريدون أن يَعلوا على أكتاف الآخرين بمساعدتهم واستغلالهم فيما بعد.
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، فتستغل مساعدتك للآخرين بأن تُلقي على نفسك الضوءَ وتجذب الآخرين إليك لتحصل على شهرة أو ذِكْر حسن أو منصب، وبذلك يذهب عملك سدى وتلقاه في القبر قد تحول لك عذابا.
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، إذ المنّ مَنٌّ فتصبح مثل (الْمَنّ) (وهو صغار الحشرات يتغذى على الأشجار والنباتات فيذهب رونقها ويميتها بأخذ غذائها).
 ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، لتجلب لنفسك ما لا يحل لك، ولتحضر لنفسك ما يبعدك عن دينك وقرآنك وشريعتك.
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، فتقع في مستنقعات التكبر، وتخوض في أوحال العجب بالنفس، وتتوه في متاهات الغرور.

ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر:
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت فتكون من المنافقين وذوي المصالح المالكين للقلوب العفنة والنفوس المريضة والعقول السقيمة.
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله لا يريد به وجه الله، فيطلب ممن أعطاه مالا أن يرده عليه مضاعفا،ويستغله ليتعامل معه فقط.
ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر، هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل ربح ماله لالتماس عونه لا لوجه الله تعالى فلا يربو عند الله لأنه لم يرد بعمله وجه الله.

ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر :
-لا تعط شيئا لمجازاة الدنيا أعط لله وأَرِدْ به وجه الله.
-لا تمنن على الله بعملك فتستكثره، ولا يكثرن عملك في عينك فإنه مما أنعم الله به عليك وأعطاك.
-لا تمنن على أصحابك بما تعلمهم من أمر الدين وتبلغهم به و تعوهم  إليه كالمستكثر بذلك عليهم، فهو واجب عليك وفرض عليك، فلا تغتر بنفسك ولا يدخلها رياء.
- لا تمنن بعملك على ربك تستكثره، فإن الله هو الذي هداك للعبادة ويسر لك الطاعة،فلا تمنن عليه بل يجب عليك حمد الله وشكره.
- لا تعط عطاء مهما كان كثيرا وأنت تقدر في نفسك أنه كثير، بل اعتقد أنه قليل، وأعط عطاء من لا يخاف الفقر بحال.

ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر :
فيه إشارة للبذل والانفاق بلا رياء أو مصلحة شخصية.
وفيه تلويح بمزيد فضل الله لمن يعطي وينفق من ماله وعلمه وجاهه بمساعدة الفقير والمسكين والمضطر والمحتاج.
وفيه إيماء بأن العاطي الحقيقي هو الله والمنفق هو الله فلا يخطر ببالك أنك تعطي لأنك تملك بل تفضلا من الله، فكن متواضعا ومخلصا وصادقا.
وفيه تلميح للتخلق بخلق الجود والإحسان تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلقا بأخلاق الله وتحقيقا لاسم الله (الجواد-المفُضِل- الوهاب).
وفيه إرشاد لترك الأخلاق السيئة المتعلقة بالعطاء والانفاق فيبتعد المسلم عن المَنّ والعجب بالنفس والتكبر على الآخرين والتعجرف والغطرسة.
وفيه تسليط ضوء على نشر المحبة بين الناس وتوثيق العلاقات مع الآخرين بالإحسان إليهم ومساعدتهم لوجه الله من غير رياء ولا افتخار.
وفيه إفصاح بأن يكون العمل خاليا من الرياء وبواعثه، خاليا من طلب الشهرة وكوامنها، خاليا من النفاق وأغراضه، ليغدو العمل قنطرة تأخذك للجنة وتبعدك من النار.
وفيه تَبْيِّن أهمية الإخلاص في الأعمال والأفعال، وأهمية الصدق في مساعدة الناس والمضطرين والمحتاجين.

ولا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثِر :
سر النهي أن يكون العطاء خالياً عن انتظار العوض تعففاً وكمالاً
وسر النهي أن يكون المسلم خاليا عن الرياء المحبط لعمل والكذب القاطع للمجتمع.
وسر النهي أن يكون المسلم منارة حب وتفاهم ،وموضع تعاون وتآلف...
وسر النهي أن يقترب المسلم من ربه بأعماله الخالصة، وأن يتقرب المؤمن لربه بأفعاله النقية من شوائب حظوظ النفس والأهواء.

فأعط دون طلب امتنان ، وأنفق لوجه الله خالصا دون رياء أو حب شهرة أو ابتغاء سمعة.
وأخلص العمل لوجه الله وكن صادقا في أفعالك وأعمالك حتى يتقبل الله منك.

Sunday, September 28, 2014

اثر الحضارة الإسلامية على أوروبا في علم الفلك والرياضيات والجغرافيا والفلسفة والكيمياء وسائر العلوم



اثر الحضارة الإسلامية على أوروبا في علم الفلك والرياضيات والجغرافيا والفلسفة والكيمياء وسائر العلوم:
(وقل رب زدني علما) .
[ طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة].
من الغريب أن تجد بين المسلمين من ينكر اثر الحضارة الإسلامية على أوروبا تماشيا مع بعض علماء اوربا، وهذا من الضياع الذي حصل لهم والتشرذم الذي لحق بهم، جراء متابعة بعض مثقفي ومفكري المسلمين والعرب لما ينتج عن علماء أوربا من ثقافة وأقوال وأفكار.
بينما المنصفون من علماء الغرب وأحداث التاريخ تبين أن للحضارة الإسلامية أثرها البالغ على ما حولها من الأمم والقارات سواء الأوربية أم الآسيوية.  
و ها هنا بحث حول اثر الحضارة الإسلامية على أوروبا لما بين العرب والغرب من الاتصال والانفصال والمجاورة والشد والجذب.
وجدير بالمسلم الواعي المتعلم أن يطلع ولو لمحات مختطفة أو ومضات سريعة على اثر الحضارة الإسلامية على أوروبا ليكون على بينة من أمره ونور في دربه ليواجه المنهزمين فكريا وعقليا التابعين بإرادتهم أو بالتقليد للغرب من أثر الانبهار أو الانبطاح أو طلبا للشهرة أو لمصلحة شخصية،كظهور إعلامي أو نفوذ أو كسب مال.
ومن منطلق التعرف على الحضارة الإسلامية وأثرها على غيرها يكتسب المسلم سلاح العلم ليواجه به جهل الجاهلين وتعصب المتعصبين ونفاق المنافقين.
لقد قامت الحضارة العربية الإسلامية بدورها الطليعي خير قيام في بناء النهضة العلمية العالمية ، وقد نقل العلماء العرب والمسلمون التراث الأغريقي وغيره من ألوان التراث العلمي الذي تقدّم عليهم في التاريخ، نقلوه إلى اللغة العربية، التي كانت لغة علم وثقافة، وأثر العلماء العرب والمسلمون في النهضة الأوروبية، وكان طابع الثقافة العربية الإسلامية غالباً وواضحاً ومؤثّراً في عديد من المجالات العلمية والفكرية والثقافية، مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر والنظام العشري، ونظرية التطور قبل "داروين" بمئات السنين، والدورة الدموية الصغرى قبل "هارفي" بأربعة قرون، والجاذبية والعلاقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون متطاولة، وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا الانعكاس والانكسار، وتقدير محيط الأرض، وتحديد أبعاد الأجرام السماوية، وابتكار الآلات الفلكية، واكتشاف أعالي البحار، ووضع أسس علم الكيمياء.
ويمكن القول إجمالاً إن الحضارة العربية الإسلامية كانت واسطة العقد بين العلوم والثقافات القديمة وبين النهضة الأوروبية ؛  فالفكر العربي الإسلامي، والثقافة العربية الإسلامية، سلسلة متّصلة الحلقات، امتدّت من الحضارات القديمة، من مصرية، وآشورية، وبابلية، وصينية، إلى حضارة الأغريق والاسكندرية، إلى العصر الإسلامي الذي تأثّر علماؤه بمن تقدّمهم، وأثّروا بدورهم فيمن لحقهم من علماء النهضة الأوروبية الذين قرأوا أعمال العلماء العرب في كتبهم المترجمة إلى اللغة اللاتينية واللغات الأوروبية.
دور الحضارة الإسلامية فى الحفاظ على الحضارات السابقة
 لقد حافظت الثقافة العربية الإسلامية على الثقافة اليونانية من الضياع، إذ لولا المثقفون والعلماء العرب، لما وصلت إلى أيدي الناس مؤلفات يونانية كثيرة مفقودة في أصلها اليوناني ومحفوظة بالعربية.
ولقد ظلّ الغرب يشتغل على الثقافة العربية حتى بعد أن تقلّص ظلّها في الأندلس بجيلين أو أكثر حتى وصل إلى العصور الحديثة.
وظلت الثقافة العربية الإسلامية تستهوي الكثيرين من أبناء العالم الغربي، إذ لم تتوقف الترجمة عن العربية في عصر النهضة وما بعد عصر النهضة، رغم الاتصال المباشر بالعالم اليوناني والحضارة اليونانية اعتباراً من منتصف القرن الثالث عشر للميلاد عندما بدأت الكتب اليونانية تُنقل رأساً إلى اللاتينية من دون الاستعانة بالترجمات العربية.
فالثقافة العربية لها قيمتُها وشخصيتها، فقد أنتجت الكثير مما لم تستطع الثقافة اليونانية إنتاجه في الحقول كافّة : إضافات وتعليقات وابتكارات واكتشافات عربية لم يعرفها اليونان.
إن حركة النقل من الثقافة العربية الإسلامية التي خرجت بها أوروبا من عصورها المتوسطة المظلمة إلى عصورها الحديثة المتنورة، لم تقتصر على "نقل" المعارف القديمة من يونانية وهندية وبابلية ومصرية، من كتب باللغة العربية إلى اللغة اللاتينية فحسب.
إن أوروبا المسيحية قد "نقلت" أيضاً معارف عربية خالصة، كما نقلت أنماطاً من الحضارة الإسلامية ومن الإيمان الإسلامي إلى حياتها العامة وحياتها الخاصّة.
ولو أن الكنيسة الكاثوليكية لم تضع ثقلها إلى جانب  الفِرنجة في معركة تُورَ سنة 114هـ (732م) ، لعمَّت الحضارةُ الإسلامية والثقافةُ العربية الإسلامية في أوروبا منذ ذلك الزمن الباكر، ولوفَّرت الكنيسة الكاثوليكية على العالم نِزاعاً طويلاً وشقاء مريراً.
لقد انتشرت الثقافة العربية الإسلامية في العالم الغربي، ونهل علماء أوروبا من المصادر العربية الأصلية، ووجدوا أنها تراثٌ علميٌّ عظيمٌ، فاشتغلوا بدراسته وتحليله. ولقد كان العرب والمسلمون يمثّلون العلم الحديث بكل معنى الكلمة، كانوا رواداً في المناهج العلمية الحديثة، وقد اكتسب المثقفون والعلماء في أوروبا من الثقافة العربية الإسلامية، أكثر من مجرد المعلومات، إنهم اكتسبوا العقلية العلمية ذاتَها بكل طابعها التجريبي والاستقرائي، بحيث وجد الأوروبيون في التراث العربي الإسلامي وفي الثقافة العربية الإسلامية ضالتهم المنشودة، فعكفوا على نشره.
إن الانبهار بحجم تأثير الثقافة العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية، وفي الثقافة والعلوم الأوربيَيْن، جعل مفكرةً عالمةً ألمانيةً تصدع بهذه الحقيقة بقولها : "إن تلك الحضارة الزاهرة التي غمرت بأشعتها أوروبا عدّة قرون، تجعلنا نعجب أشدّ العجب؛ إذ هي لم تكن امتداداً حضارياً لبقايا حضارات غابرة، أو لهياكل حضارية محلية على قدر من الأهمية، أو أخذاً لنمط حضاري موجود، أو تقليداً يُنسج على منواله المعهود، كما نعرف في الأقطار الأخرى مهد الحضارات في الشرق. إن العرب بثقافتهم هم الذين أبدعوا هذه الروعة الحضارية إبداعاً".
الحضارة الإسلامية منارة العلم فى العالم:

بينما كانت أوروبا ترتع في غياهب العصور الوسطى ، كانت الحضارة الإسلامية (التي هي محضن الثقافة العربية الإسلامية) في أوج ازدهارها، لقد أسهم الإسلام كثيراً في تقدّم العلم والطب والفلسفة.
قال ( ويل ديورانت Will Durant) في كتابه "عصر الإيمان" ( The Age of Faith) : "إن المسلمين قد ساهموا مساهمة فعالة في كل المجالات، وكان ابن سينا من أكبر العلماء في الطب، والرازي أعظم الأطباء، والبيروني أعظم الجغرافيين، وابن الهيثم أكبر علماء البصريات، وابن جبير أشهر الكيميائيين". وكان العرب رواداً في التربية والتعليم. وقال ديورانت في هذا الشأن أيضاً : "عندما تقدّم (روجر بيكو Reger Bacon) بنظريته في أوروبا بعد 500 عام من ابن جبير، قال إنه مَدينٌ بعلمه إلى المغاربة في إسبانبا الذين أخذوا علمهم من المسلمين في الشرق. وعندما ظهر النوابغ والعلماء في عصر النهضة الأوروبية، فإن نبوغهم وتقدّمهم كانا راجعين إلى أنهم وقفوا على أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي".
إن الحضارة الاسلامية قامت على الحوار مع الشعوب والحضارات الاخرى التي تعامل معها المسلمون مثل حضارة الهند  وحضارة الفرس في الشرق وحضارة اليونان في الغرب ، وقد كان فضل العلماء  العرب عظيما على الحضارة الانسانية، حيث كانوا لبنة اساسية من لبناتها،
والحضارة الإسلامية كانت من اهم معابر الحضارة إلى اوربا ، من خلال  الاندلس ، صقلية ، وجنوب إيطاليا ، بلاد الشام ، والحروب الصليبية .
الحضارة الإسلامية وازدهار حركة الترجمة:
في  النصف الثاني من القرن الرابع الهجري كانت قرطبة اعظم المدن الثقافية في اوربا،  فقد حوت خزانة الخليفة ما يزيد على الاربعمائة ألف كتاب .
وأقبل الأسبان على اللغة العربية والترجمة منها إلى اللاتينية ، وكانت الاندلس المركز الرئيسي لحركة الترجمة.
أما صقلية فقد حكمها المسلمون من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري، فانتشرت فيها مظاهر الحضارة الاسلامية من مساجد وقصور وحمامات ومستشفيات وأسواق وقلاع ، ودخلت فيها صناعات منها صناعة الورق والحرير  والسفن والفسيفساء ذات الرخام الملون، إضافة إلى استخراج المعادن. واستمرت العلاقات الثقافية بين المسلمين واهل صقلية بعد ذلك، فنجد - مثلا - الملك روجر  الاول احتضن الثقافة العربية وكتبت مراسيمه بالعربية إلى جانب اللاتينية، وصك  على احد وجهي النقود كتابات بالعربية، وعلى الوجه الآخر كتابات لاتينية ويونانية.
وهكذا سارت صقلية في أيامه مملكة نصف اسلامية في دينها ونظامها الاداري والعسكري، وقد سار خلفاء روجر على طريقته. فقد استعان روجر الثاني بالعلماء المسلمين، ومنهم العالم الجغرافي محمد الإدريسي الذي رسم له خريطة للعالم  المعروف في عصره على دائرة فضية مسطحة طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف المتر، كما ألف له كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي يصف هذه الخريطة ..
وعن طريق الحروب الصليبية التقى الغربيون بالمسلمين، فنقلوا عنهم نباتات عرفوها لأول مرة وسموها بأسمائها العربية مثل السكر والارز والقطن والسمسم، وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون والخزف  والزجاج والأصباغ والحلي والعقاقير وهكذا كانت الحروب الصليبية ميدانا للكسب الحضاري، ففيه بدأت محاولات الغرب المنظمة للاقتباس من حضارة العرب، وكانت كفة العرب في هذه العلاقات هي الراجحة، فقد كانوا يملكون من مقومات الحضارة المادية والعقلية ما يستطيعوا ان يقدموا منه لاوربا، على حين لم تكن اوربا حتى القرن السادس عشر تملك من المقومات التي تمكنها من ان تضيفه لتراث العرب لهذا اخذ الاوربيون من العرب اكثر مما اعطوا، فاقتبسوا الكثير من علوم العرب وفلسفتهم وعمارتهم وفنونهم العسكرية وصناعتهم وتجارتهم وحياتهم الاجتماعية، وتاثرت لغاتهم وآدابهم ومجتمعاتهم إلى حد كبير باللغة العربية والآداب العربية والحياة، يضاف إلى ذلك العرب كانوا يملكون مفاتيح التجارة التي يحتاجها الاوربيون مثل التوابل والعقاقير وغيرها من منتجات الشرق المعروفة.
هناك الكثير من الشواهد التي تدل على تأثر اوربا بالتراث العربي في مجالات متعددة، ففي  الادب تأثرت اوربا بشعر المفاجأة والشعر العربي والحكم والأمثال والقصص الإسلامي، وطبعت قصص (ألف ليلة وليلة) طبعات كثيرة بالانجليزية والفرنسية.
الفلسفة والجغرافيا فى الحضارة الإسلامية:
في الفلسفة تأثرت أوروبا بابن سينا والفارابي وابن رشد، والأخير خاصة نقلت كتبه إلى اللاتينية.
وفي مجال الجغرافيا استفاد الاوربيون من كتاب احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم" لشمس الدين المقدسي، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي ، و مروح الذهب للمسعودي.
 أما اهم جغرافيي المسلمين وأكثرهم اثرا  فكان الشريف عبد الله الإدريسي صاحب الدور الأكبر في تجديد هذا العلم والعناية به، لدرجة ان لقبه البعض بأنه كان استاذ الجغرافيا الذي علم اوربا هذا العلم وليس بطليموس.
الفن الإسلامي والعمارة الإسلامية:
في مجال الفنون والعمارة أخذ رسامو أوروبا فكرة تزيين الاسقف بالصور الملونة،  إلى درجة انهم نقلوا كتابات عربية زينوا بها الاسقف، رغم انها ذات طابع اسلامي.
  وقد فرضت العمارة الاسلامية على عناصر العمارة المسيحية العديد من الظواهر مثل النوافذ المزدوجة، والعقود المنسوخة، والعقود الثلاثية الفتحات، ومثل الشرفات والكوابيل والأبراج، ومثل القباب المضلعة، ومثل الزخارف والمنحوتات الغائرة المتعددة الالوان، وغير ذلك من الاشكال والعناصر، وكانت الفكرة الزخرفية هي وحدها التي اوحت للفنان الاوربي منذ القرن الرابع الهجري فكرة الاقتباس من حروف العربية وتسجيلها بالحفر على تيجان الاعمدة.
وقد برع الفنانون العرب في صناعة الاواني الخزفية المنقوش عليها زخارف بالخط الكوفي، ويوجد بعضها في المتاحف الاوربية.
وللعرب فضل على الرياضيات ، فقد اخترع الخوارزمي علم الجبر، وقد دخلت هذه الكلمة إلى اللغات الاوربية بنطقها العربي، وبالاضافة إلى الخوارزمي يوجد آخرون مثل ابي الوفا البوزجاني ونصير  الدين الطوسي و ثابت بن قرة والخازن البصري وابن الهيثم والبيروني والبتاني.
وللعرب فضل كبير على علم الفلك، حيث تعمقوا في دراسته وخلصوه من التنجيم  والخزعبلات.
وقد تقدم العرب بعلم الفلك عن طريق إنشاء المراصيد وابتكار الأجهزة والآلات والأدوات ورسم الجداول الفلكية.
اما علم الكيمياء فقد اعطاه العلماء العرب صورة العلم الحقيقي بعد أن ادخلوا التجربة الموضوعية في دراسته.
الحضارة الإسلامية وتطور مفهوم الكيمياء:
وقد استفاد الاوربيون كثيرا من بحوث العرب في الكيمياء. وبمعنى آخر فإن الكيمياء في صورتها العلمية انجاز حققه المسلمون. إذ انهم ادخلوا الملاحظات الدقيقة والتجارب العلمية وعنوا برصد نتائجها، وحللوا كثيرا من المواد تحليلا كيميائيا،  وفرقوا بين الاحماض والقلويات، واكتشفوا العلاقة بينهما، ودرسوا ووصفوا مئات العقاقير، ومن اهم اكتشافاتهم انهم كانوا اول من طبق الكيمياء على الطب.
وهناك جهود اخرى افاد بها المسلمون اوروبا في الطبيعة (الفيزياء) والطب والصيدلة والموسيقى والتاريخ .
ان حوار الحضارات حقيقة حتمية، و ان الاسلام جوهره التسامح، ويقر بتعددية الثقافات والأعراق، وان ايحاء البعض بان الاسلام وريث الخطر الشيوعي ايحاء باطل روجه اعداء الإسلام للإساءة إليه.
لقد كان للحضارة الإسلامية أثر كبير في الحضارات الأخرى في ميدان الفلسفة والعلوم، وخاصة الحضارة الغربية ، فقد انتقلت الفلسفة وكثير من العلوم كالطب والفلك إلى الغرب عن طريق الحضارة الإسلامية ، وترجم الغرب كتبًا كثيرة للعرب والمسلمين ،بل كانت الجامعات الأوربية تدرس كتب ابن سينا وغيره طيلة ستة قرون ، في وقت كانت أوربا تعيش حالة من الظلام والجهل والخرافات والأوهام ، ففتحت أوربا عينها للعلم عن طريق الحضارة الإسلامية ، وبذلك شهد كثير منهم من الكُتَّاب الأوربيين  .
إن الأمر الذي يكاد يجمع عليه الباحثون عدا بعض المستشرقين والمفكرين الأوربيين المتعصبين هو أن أوربا أفادت من علاقاتها بالإسلام وأهله في مواطن اللقاء كلها، وإن النهضة الأوربية لم تحدث في القرن السادس عشر كما هو شائع، بل بدأت قبل هذا منذ القرن العاشر بفعل الشروع بحركة الترجمة والنقل عن العربية عبر الأندلس وصقلية.
والله أعلم
المـراجــع والمصادر:
1-  دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الاوروبية كنموذج لحوار الحضارات ، د. عبد المنعم الجميعي ، منشور بوزارة الثقافة المصرية ، العلاقات الثقافية الخارجية
2 - الحضارة الاسلامية في اوروبا الموحدة ، د. محمد نعمة ، مدير مجلة "مدارات غربية" ، باريس
3 - الحضارة الإسلامية لها دور بارز في تقدم الحضارات الاوروبية ، د. ناصر الجاسم من الرياض .
4- أثر الحضارة الإسلامية على أوربا سلمى ياسر غراب.