Thursday, April 23, 2015

دور العمل في تحقيق اقتصاديات الغنى في الإسلام وحضارته:

دور العمل في تحقيق اقتصاديات الغنى في الإسلام وحضارته:

الإسلام دين قويم ودين يقوم على الدنيا والآخرة، ومن خلال النظر لتعاليمه وشرائعه، فإنا نجد اهتمامه بالأمور الدنيوية فينظمها ويشذبها، ويسعى لتحقيق مصالح الناس ،بدفع الظلم عنهم، وإقامة العدل بينهم،وتنمية الإبداع فيهم، وتحريكهم للعمل والكسب والسعي في  طلب الرزق.

والناظر نظرة صدق للقرآن الكريم والسنة النبوية فإنه يجد ذلك واضحا جليّا، أما المتعصب والمتطرف من العلمانيين والليبرالين، فإنهم بغضون النظر عن دعوة الإسلام للعمل وعمارة الأرض، ويدعون أن الإسلام يدعو للكسل والتكاسل، حقدا منهم على الإسلام وضغينة منهم على القرآن الكريم والرسول العظيم.

أما من ينظر نظرة حق ويرى رؤية صادقة ويبحث بعدل وإنصاف، يجد أن الإسلام يدعو للعمل ويدعو للحركة وفي الحركة بركة، ويدعو لعمارة الأرض ولكسب الرزق بالطرق المشروعة.

لقد دعا الإسلام في البداية إلى كسب المال بالجهد والعمل، واعتبر ذلك من أزكى وسائل الكسب والتحصيل، ما لم يكن في محرم أو شبهة، أو ينتج عنه ضرر.
 فقد قال تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون".
 وقال تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاًُ  فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور".

وتبين لنا السنة النبوية أن أشرف وسائل الكسب العمل، فهاهو النبي r يقول (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) .
 وعن المقدام بن معد يكرب الزبيدي، عن رسول الله r قال: (ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل عـن نفسه وأهله وولده وخادمه فهـو صدقة).
وفي الحديث: (ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده).

فالأصل في الإسلام أن يشبع الإنسان حاجاته الاقتصادية والمعيشية من ثمار عمله ونتاج سعيه، والاستفادة من إمكاناته الاقتصادية ولو كانت محدودة أو متواضعة.
فعن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله، فقال: (أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: آتني بهما، فأخذهما رسول الله r بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم، فقال: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياها، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً، فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فآتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله r عوداً بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فاشترى ببعضها ثوباً، وبعضها طعاماً، فقال رسول الله r: هذا خيراً لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع".
  
فالحديث يرفض بوضوح البطالة والمسألة للرجل، ما دام يملك بعض الأصول المالية، التي يمكن توظيفها توظيفاً أمثل، يخدم أغراضه الاستهلاكية وأغراضه الاستثمارية، فالسؤال من غير حاجة أو ضرورة ملجئة حرام في الإسلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمراً، فليستقل، أو ليستكثر) ، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي).
 فالإسلام يحث الناس على كسب المال الحلال، الذي يغني صاحبه عن المسألة، مهما كان نوع هذا الكسب، ومهما 

نظر إليه الناس نظرة استهانة أو احتقار.

فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يحتطب أحدكم

حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه) .

 إلى غير ذلك من النصوص النبوية الدالة على فضل السعي 

والعمل عند الله، وذم المسألة وقبحها عنده.

 فالإسلام يحذر من البطالة والمسألة، ويطاردهما بشتى 

الوسائل، بل ويغلق الأبواب التي ينفذ منها المال 

الحرام إلى جيوب الناس، فقد قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن 

تكون تجارة عن تراض منكم"، فما لم يكن الحصول على المال ناتجاً عن رضاء متبادل أو مقابل 

عمل أياً كان هذا العمل يكون هذا الحصول أكلاً للمال بالباطل.

ونتيجة لذلك كان الاحتكار حراماً، وكان الغصب حراماً، وكانت السرقة حراماً، وكانت المسألة بدون مبرر حراماً، فلا كسب بلا جهد ولا مال بلا عمل، فقد حارب الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، والزحف نحو الثراء غير المشروع.

قال الشاعر:
هو القرآنُ للمولى كَلامُه التشريعُ للدنيا نظامُ
له الإجلالُ .. مَنْ قاموا بنورٍ مع القرآن بالحسنى أقاموا
ونالوا الخيرَ في أُنْسٍ وأمْنٍ بحكم الله بالعيش استقاموا
وعاشوا بالهدى نهجا وقصدا حميدا في مرابعه السلامُ
فبالفرقان سَعْدُهمُ تَبَدَّى بعزٍّ فيه بالمجد انتظامُ
كتابُ الله رَبِّ العرش نرقى به العلياءَ يبلغها الكرامُ
ضياءُ القلب والأرواحِ رَوْحٌ وريحانٌ به الأطهارُ هاموا
به واللهِ للإنسانِ عزٌّ وتعليمٌ وفقهٌ واحتكامُ

والله أعلم
المراجع:
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، كتاب البيوع، باب كسب الرجل.
- صحيح مسلم،باب كراهة المسألة للناس.
- سنن أبو داود،باب الزكاة.
-سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب.
- الإسلام والاقتصاد، د. عبد الهادي النجار، عالم المعرفة، الكويت، 1403هـ.
- الإسلام والاقتصاد، د. محمد البهي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1401هـ.
- العقود التجارية في ظل الشريعة،د. عبد الرحمن زكي، مجلة آفاق اقتصادية، المجلد22، العدد88، 1422هـ.
-اقتصاديات الغنى في الإسلام، د. عمر بن فيحان المرزوقي.
 -النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي، د. عمر بن فيحان المرزوقي، مجلة الشريعة، جامعة الكويت، عدد 45، 1422هـ.


No comments :

Post a Comment