Tuesday, September 1, 2015

ورود لفظ الخزنة والملائكة بيان وبلاغة



ورود لفظ الخزنة والملائكة بيان وبلاغة:

يتفاعل المسلم مع القرآن من حيث أنه مؤمن به فيجعله متفكرا في آياته متدبرا في كلامه، ليجعل منه شخصا آخر مليئ بالإيمان ومستعد للتضحية في سبيل الله، ليصل لمرضاة الله ودخول الجنة والبعد عن النار.
وفي بعض آيات الله في القرآن الكريم، يأتي ذكر خزنة جهنم بلفظ(خزنة) مع أنهم ملائكة، فما الذي دعا إلى وصفهم بـ(خزنة) دون(ملائكة)؟
هذا ما سنعرفه في هذا الموضوع.

الله سبحانه وتعالى يصف  مشهدا من مشاهد يوم القيامة: (قَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ(49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50))[غافر49-50].
فالمراد من الخزنة في الآية هم الملائكة، ولو جاء التعبير القرآني (وقال الذين في النار لملائكة جهنم) بدلا من [خزنة جهنم] لكان المعنى صحيحا.

لكن القرآن الكريم اختار كلمة [خزنة]دون [ملائكة] لما توحي به كلمة[خزنة] من صورة حراس يقومون على حراسة جهنم وحفظها، وفي هذا ما يوحي بالسخرية بهؤلاء القوم الكافرين والاستهزاء بحالهم التي وصلوا إليها.

كذلك يدل هذا اللفظ[خزنة] بأن الذين يُدفعون إلى جهنم قد يحاولن الهرب والفرار، فيحتاجون إلى حفظة يمنعونهم من الهرب.
كما يشير هذا اللفظ[خزنة] بأن في جهنم من العذاب والألم  والرغبة عنها بحيث يَتنافس الناس للخروج منها ويتسابقون إلى الانفكاك منها، فهي لذلك تحتاج إلى حراس تمنعُ الناسَ عن ذلك وتحجزهم عن التسلل إلى خارجها..

وهذه الإيحاءات والدلالات يرسمها في الذهن لفظ [خزنة] كما يرسم أن الخزنة هي لمكان جميل فيه متعة وجمال ورغبة يتطلع إليها الناس لما فيه من النعيم والسرور، وما فيه من الأشياء الثمينة فتكون الخزنة لمنع الناس من الدخول أو أخذ الأشياء الثمينة.

ومجئء  لفظ[خزنة] لجهنم هو في الحقيقة التي يؤيدها العقل ولا يرتاب فيها هي أن النار لا يناسبها شيء من ذلك، فليس فيها شيء يُطمع فيه، فيحتاج إلى حراسة، وليست النار مغريةً حتى يفكر أحد في التسلل إليها راغبا فيها، حتى تحتاج إلى حارس يحميها،أو حاجب يمنع من دخولها.
قال البيضاوي: وإنما وضع جهنم موضع الضمير {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} بدلاً من «لخزنتها» للتهويل والتفظيع.

أما ورود [خزنة] في جهنم هو للاستهزاء والسخرية من أهل النار الواقعين فيها المعذبين بها، لأنهم أنكروا الله والرسل وسخروا من الأنبياء وحاربوا الإسلام، وارتكبوا المحرمات ولم يتوبوا، وظلوا معاندين حتى ماتوا، فكان جزاؤهم جهنم فيها عذاب أليم وعذاب مقيم وعذاب شديد، وللعذاب النفسي لهم جيء بخزنة جهنم حتى يزدادوا إيلاما وعذابا.

قال الجاحظ: الخزنة الحفظة، وجهنم لا يضيع منها شيء فيُحفظ ولا يُختار دخولها إنسان فيُمتنع منها، ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت بالخزنة.

وخزنة: جمع خازن، وهو الحافظ لما في المكان من مال أو عروض.
ولخزنة جهنم هم الملائكة الموكلون بما تحويه من النار ووقودها والمعذبين فيها وموكلون بتسيير ما تحتوي عليه دار العذاب وأهلها ولذلك يقال لهم: خزنة النار، لأن الخزن لا يتعلق بالنار بل بما يحويها.

(وقال الذين في النار لخزنة جهنم)
 قلنا فيه وجهان:
 الأول: أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع.
 والثاني: أن يكون جهنم اسما لموضع هو أبعد النار قعرا، من قولهم بئر جهنام أي بعيدة القعر، وفيها أعظم أقسام الكفار عقوبة وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة.

ومما يدل على أن لفظ [خزنة] يشير إلى الاستهزاء ويوحي بالسخرية من هؤلاء، هو أن سياق الآية كلها يبدو فيه التوبيخ والتقريع والتهكم؛ فنجد الملائكة يقولون لأهل النار استخفاف بهم (أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات؟قالوا:بلى، قالوا: فادعوا، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال). 

إن الملائكة تسخر من أهل جهنم بقولهم لهم: (فادعوا)، وهم يعلمون أن دعائهم غير مقبول وندائهم مرفوض،ثم إن كلامهم ذيل بـ(وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).

إن التفكر في آيات الله توحي للمسلم بكثير من العبر وتمده بكثير من العلم والمعرفة اللازمة له في الحياة الحقيقة التي هي في الدار الآخرة.
فكان لزاما على كل مسلم أن يتدبر في آيات القرآن ليعمر قلبه بالإيمان ويزكي نفسه ببدائع القرآن ويرقي روحه بآيات الرحمن.

ألا إنه التنزيل والذكر والهدى *** فأكرم بتاليه وأعظم له الأجرا 
ففيه من الإعجاز ما الفكر عاجزٌ *** وفيه من الإيجاز ما حير الفكرا
تحدَّى به الأقوام فالكل مفحَم *** وأي بليغ ما تغنى به فخرا ؟
تحداهم أن ينهجوا مثل نهجه *** ومن أين للفحَّام أن يصنع الدرا ؟
فإما عجزتم أن تجيئوا بمثله *** فهاتوا لنا في مثل آياته عشرا 
فما هو بالشعر البليغ نظامه *** ولا السحر فالألباب في فهمه حيرى
وقد فتق الألباب حسن بيانه *** ولطف معانيه كما شرح الصدرا

والله أعلم
المصادر والمراجع:
-تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 24/164
-التفسير الكبير،مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي 27/522
-أسرار التعبير في القرآن الكريم صفاء الكلمة لصلاح لاشين ص111-112

No comments :

Post a Comment