Thursday, April 30, 2015

العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي

العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي:
تحقيق العدالة كهدف في الاقتصاديات المختلفة:
العدالة تُمثل هدفاً مشتركاً لكل الأنظمة الاقتصادية، ولكن تختلف دلالة مفهوم العدالة من فكر اقتصادي إلى آخر، فقد تَدُلُ على تساوي دخول جميع الأفراد، أو حصول كل فرد على دخله اعتمادًا على حاجته، وقد تكون تبعاً للفروق الطبيعية في قدرات الأفراد، ولكن لتحقيق أنَّ العدالة هي هدف مشترك علينا الرجوع أولاً إلى مكانة هذا الهدف في بنية النظام الاقتصادي، وثانيها: هل يحقق هذا النظام العدالة؟ وهل أدوات تحقيق العدالة جزء من أصل النظام أم مفروضة عليه من خارجه؟.
أولا: العدالة في الفكر الرأسمالي:
هي هدفٌ تابع لجوهر هذا الفكرِ (الحرية)، وكذا لا يُعارض هذا الهدفُ هدفًا أساسيًا آخرًا الذي هو تحقيق الكفاءة، فتحقيق العدالة في الفكر الاقتصادي الرأسمالي تدل على إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم سواء المادية أو الفكرية، فيُعطى كلَّ واحدٍ على حسب ما عنده من أصول رأسمالية سابقة، أو على حسب ما عنده من قدرات ومهارات.
وأما تحقيق العدالة بمعنى تقليل التفاوت في الثروة والدخل بين أفراد المجتمع فليست من بُنيةِ النظام الأساسية، وإنما جاءت تحت تأثيرات وضغط المد الاشتراكي في بداية القرن العشرين.
وكنتيجة للأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم في بداية القرن الماضي برز ضرورة تدخل الدولة من جديد في الاقتصاد لتحقيق العدالة من خلال مراقبة سَير النشاط الاقتصادي والتدخل فيه عند وجود مشاكل، ومحاولة تخفيف حدة التفاوت في الدخول من خلال الضرائب التصاعدية، أو من خلال الإعانات الاجتماعية المباشرة، أو من خلال قيام الدولة بالمشاريع التي تستفيد منها بصورة أولية الطبقة الفقيرة.
والخلاصة أنَّ العدالة موجودة في أدبيات الفكر الرأسمالي ولكن من خلال رؤية خاصة تتحكم فيه الأسس التي قام عليها هذا الفكر، وتَقْدُمهُ في الأهمية أهدافٌ أُخرى، كما أنَّه عند التحقيق يتضح أنَّ النظام الرأسمالي في خلال سيره الطبيعي لا يحقق العدالة، بل إنَّ ظاهرة التفاوت هي ظاهرة ملازمة للاقتصاد الرأسمالي.
ثانيُا : العدالة في الفكر الاشتراكي:
تحقيق العدالة في الفكر الاشتراكي هي الهدف الأساس له، ولكنه في الجانب التطبيقي يميل إلى المساواة أكثر من العدالة، ولذا يقوم بنزع ملكية عناصر الإنتاج من مالكيها واعتبار الطبقة المالكة (البرجوازية) طبقة لا بد من إزالتها على حسب مفهومه للعدالة رغم أنَّ حقيقة العدالة تُراعي كل فئات المجتمع، وهم نظروا إلى مصلحة طبقة واحدة تُسمى (البرولتاريا) وهي طبقة العمال الفقراء.
وهذا التصور الخاص للعدالة أدى إلى خسارة في جانب الكفاية لضعف الحواجز، وكانت النتيجة أنَّ المساواة تظهر على حساب النمو الاقتصادي، وعلى مستوى العمل حصلت أيضاً خروقات في تقدير الجهود بعدالة؛ لأنَّ التقدير يَقوم به مُقَدِّرُون لا يخضعون لنظام السوق، وإنما إلى تقديراتهم الخاصة، فحصل الخلاف في مقدار الرواتب في الوظائف العامة.
كما أنَّ الجانب التطبيقي كانت فيه خروقاتٌ كثيرةٌ في تحقيق المساواة، فمن الحصول على امتيازات خاصة لذوي السلطة كالحصول على أولوية السكن الجيد والسلع والعلاج الممتاز محليًا، وحقُ الاستخدام الشخصي للثروة العامة كالسيارات الرسمية، إلى الحصول على الوظائف الممتازة ...الخ.
ثالثا: العدالة في الاقتصاد الإسلامي:
العدالة في توزيع الثروة والدخل في الاقتصاد الإسلامي هي جزء من العدالة التي يقيم عليها الإسلام مجتمعه؛ لأن عدالة الإسلام تتم على كل المستويات، وتشمل كل جوانب الحياة الإنسانية ومقوماتها، وليست مجرد عدالة اقتصادية محدودة.
ولذا فإنَّ لعملية تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي أهمية كبرى، وتظهر هذه الأهمية من الاهتمام بها من خلال عدة مؤشرات وأدوات دينية ودنيوية.
ففي الجانب الديني هناك عبادات مفروضة تعمل على تحقيق العدالة في الجانب الاجتماعي كالزكاة، والكفارات والنفقات وغيرها، وتعتبر أدوات تحقيق التكافل من أكثر ما دعا إليها الشرعُ وحض عليها، كما أنّ إقامة التكافل وإشباع الحاجات للمحتاجين من مقاصد الشريعة.
وأما الجانب الدنيوي ففي هذه المرحلة يتم معالجة ما حصل من قصور بعد عملية الإنتاج في تخصيص الموارد واستغلالها، أو بسبب سوء التوزيع وعدم مكافأة عنصر العمل بما يستحق من أجور، فيتمُ معالجةَ عدم وصول الدخول إلى حد الكفاية - خلال التوزيع الأولي- بإيجاد مصفاة أخرى للدخول والثروات هي تحقيق العدالة للوصول إلى حد الكفاية، والابتعاد عن خط الفقر من خلال الزكاة، والصدقات والهبات والتكاليف الشرعية الأخرى.
ويؤكد هذه الأهمية اهتمام الشريعة الإسلامية بالعدالة الاجتماعية من خلال عدة من المظاهر ومنها:
1-كثرة وشمول أدوات تحقيق العدالة، وتنوعها بين الإلزامية وغير الإلزامية.
2-التصريح في القرآن الكريم إلى أنَّ من مقاصد الشريعة تخفيف التفاوت بين الناس في المال، وما جاء في السنة من الاستعاذة من الفقرِ، ووجوبِ مدِّ يد العون للفقراء والمحتاجين.
3-ربط تراتيب شرعية نتجت بسبب التقصير في جوانب عبادية بأدوات التوزيع التكافلي كالكفارات، وكذلك عدد من  الأحكام السلطانية كالفئ وخمس الغنيمة والخراج لنفس الغرض.
ولكن إقامة العدل الاجتماعي في الإسلام تتحقق بشكلٍ رئيسٍ من خلال تحقق العدل الاقتصادي، وذلك بتوفير الظروف الصحية لتوزيع عادل على المستوى الاقتصادي، وكذلك يمكن تحقيق العدالة إنْ لم تكن ممكنة عن طريق التوزيع العادل للدخل عن طريق الصدقة .
فتحقيق العدالة الاجتماعية كجزئية من جزئيات النشاط الاقتصادي ومرحلة من مراحل التوزيع في الاقتصاد الإسلامي تحقق الأهداف العامة للنشاط الاقتصادي الإسلامي بشكل عام، والتوزيع بشكلٍ أخص.
ولذا فإنَّ أهداف العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي تتمحور في تحقيق هدفين هما: توفير حد الكفاية لأفراد المجتمع المسلم، والتخفيف من حدة التفاوت في المجتمع المسلم.
والاتجاه في التوزيع الأولي للدخول والثروات ثم في إعادة التوزيع في الاقتصاد الإسلامي هو إعمال أصلين هما: أصل العدل، وأصل المواساة.
 فإعطاء المكسوب لمكتسبه الواحد أو المتعدد عدل.
وإعطاء من لم يكتسب بعضاً مما اكتسبه غيره مواساة.
 وذلك أصل مشروعية الزكاة، وإخراج خُمس المغنم وإيثاره بما لم يكتسبه هو ولا غيره مواساة أيضاً من مثل إعطاء الفيء لمن عُيَّن له في الآية .
والعدالة في التوزيع تقوم على أساسين:
 العدالة في تكافؤ الفرص، والعدالة في استحقاق الحصول على عائد الإنتاج.
فتكافؤ الفرص في العمل والتشغيل أمر ضروري لتحقق العدالة في التوزيع، وهذا يعني أنه لا بد من أن تُكفل فرص العمل والإنتاج للجميع، وتُضمن حرية التعامل والتعاقد. فقد وضع الله كل الموارد الطبيعية التي خلقها الله في خدمة الإنسانية جمعاء، وشَرع الله أنْ تُعطى الفرصة لكل إنسان أن يعمل فيها.
ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك ما فعله عمر رضي الله عنه مع ولديه عبد الله وعبيد الله رضي الله عنهما عندما عادا مع الجيش من العراق فقال لهم عامل عمر هناك  ": لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ها هنا مالٌ من مالِ الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق، ثم تبيعانه في المدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما ربحه، فقالا: وددنا، ففعل، فكتب إلى عمر أنْ يأخذ منهما المال، فلما قدما، وباعا، وربحا، فقال عمر: أكل الجيش قد أسلف كما أسلفتما؟ فقالا: لا، فقال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما؛ أديا المال وربحه، فأمَّا عبد الله، فسكت، وأمَّا عبيد الله، فقال: يا أمير المؤمنين، لو هلك المال ضمناه. فقال: أدياه، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضاً، فأخذ رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال".
ويُفهم تكافؤ الفرص في الاقتصاد الإسلامي من بُعدين:
 1- التمكين، 2- القسمة.
أي: التمكين للجميع في المعايش فيما هو جاهز أو فيما هو محصل نشاط أو عمل، أما القسمة فهي مرهونة بقدرة البشر وسعيهم في الحياة الدنيا.
أي: أنَّ العدالة تتحقق بتكافؤ الفرص، وبعد ذلك تترك المواهب تعمل في الحدود التي لا تتعارض مع الأهداف العليا للحياة.
والأساس الثاني وهو إقامة العدالة في استحقاق الحصول على عائد الإنتاج:
 وتظهر في حصول كل مجتهد وكل عامل على المكافأة العادلة المقابلة لجهده وعمله، ومَنعُ أيّ تعدٍ على هذا الحق بأي صورة، ولذا حَرَّم الإسلامُ الاحتكارَ، والربا والغرر والغش والقمار، وكل ما يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل.
وهذه المرحلة لا تظهر ثمرتها إلا بوجود مرحلة العدالة في تكافؤ الفرص.
وفي هذه المرحلة يتم توزيع الناتج وفق معايير عادلة، تتناسب مع الجهد المبذول، أو المخاطر المتضمنة، أو التكافل الاجتماعي المنشود.
فيتضح أن المساواة ليست ضرورية، بل ربما يكون عدم المساواة مرغوباً بها لأسباب منها:
أنَّ عدم المساواة يكون متماشياً مع عدالة أنَّ كل واحد يُخصِص ما يكسب، وهذا لا يحبط التطلعات، ولا يقتل المبادرة، ويشجع الناس للعمل بجد.
فمِنْ الثابتِ أنَّ العقيدة الإسلامية لا تدعو إلى مثالية المساواة بين الناس المصطنعة.
 وعلى أيِّ حال فالإسلام يوفر عددًا من الأدوات التي يمكن من خلالها إعادة تحقيق العدالة الاجتماعية وإزالة التفاوت الكبير كالزكاة والكفارات والنذور وغيرها، والتي تُسهم بشكل فعلي في نقل جزء من الأموال الموجودة لدى الأغنياء إلى الفقراء، وأدوات تؤدي إلى تفتيت الثروات كالإرث والنفقات الواجبة، وعن طريق توسيع دائرة الثروة أيضاً بوسائل غير مباشرة مثل تحريم الربا والقمار والرشوة والاحتكار.
وهذه الأدوات تعمل ضمن القواعد الهادفة إلى ضمان توزيع عادل للمداخيل المبنية على التعويض العادل لعوامل الإنتاج، وإلى تشجيع خَلقِ فرص تشغيل جديدة، وإلى إنشاء نظام حماية اجتماعية بهدف المساعدة المنتظمة للفقراء والمحتاجين والمسنين والمعاقين.
فنظرة الإسلام للعدالة تقتضي أنَّ كل جهة من الجهات الموجودة في المجتمع تنظر إلى صاحب الحاجة، وحقه في إشباع حاجته، وتنظر إلى صاحب الجهد والعمل وحقه في أن ينال جزاء جهده وعمله.
فنخرج مما سبق بأنَّ الإسلام يقر نتائج أنشطة السوق ما دامت ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن هذا لا يعني أنه لن يقوم بإصلاح هذه النتائج، فهو يتدخل في نتائج توزيع الدخل لصالح الفقراء والأضعف، وكذلك له من الأدوات ما تعمل على إعادة توزيع الثروة، وهذه الحقيقة تظهر من خلال الجمع بين  إقرار الحرية الاقتصادية مع مظاهر أهمية تحقيق العدالة السابقة.

والله أعلم.
المصادر والمراجع:
-نظرية التوزيع. رفعت العوضي. الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية. القاهرة. 1394هـ-1974م.
-أصول الاقتصاد للبعلي، ومقدمة في الاقتصاد للقري.
- نظم التوزيع الإسلامية. محمد أنس الزرقا. مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي. جامعة الملك عبدالعزيز. جدة. 1404هـ- 1984م. مجلد 2/العدد1.
- حق الفقراء المسلمين في ثروات الأمة الإسلامية. عطية عبدالواحد. دار النهضة العربية-القاهرة. 1992م.
- عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية. رؤية إسلامية مقارنة. أحمد إبراهيم منصور. مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت. سلسلة أطروحات الدكتوراه (66). ط 1. يونيو 2007م .
- أصول النظام الاجتماعي، محمد الطاهر بن عاشور، الشركة التونسية للتوزيع- تونس، ط 2، 1985م.
- العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصاد الإسلامي، عبدالحميد براهيمي، مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت، ط 1، سبتمبر 1997م.
- منهج الاقتصاد في القرآن. زيدان عبدالفتاح قعدان. مؤسسة الرسالة- بيروت. ط 1. 1418هـ-1997م.
- موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس، أبو عبدالله الأصبحي، دار إحياء التراث العربي- مصر، 1406هـ- 1986م، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
-مسند الشافعي، محمد بن إدريس، أبو عبد الله الشافعي، شركة غراس للنشر  الكويت، ط 1، 1425هـ- 2004م، ترتيب: سنجر بن عبدالله الناصري، وتحقيق: ماهر ياسبن الفحل.
- العدالة الاجتماعية. لسيد قطب. دار الشروق القاهرة. 1415هـ.
- مقدمة في أصول الاقتصاد الإسلامي. محمد القري. دار حافظ-جدة. ط 2. 1414هـ - 1993م.
- الإنسان أساس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية. عبدالحميد الغزالي. إصدار المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب. البنك الإسلامي للتنمية. جدة المملكة العربية السعودية.
- أبحاث في الاقتصاد الإسلامي. محمد فاروق النبهان. مؤسسة الرسالة – بيروت. ط 1. 1406هـ- 1986م.
- توزيع الدخل في الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية المعاصرة، صالح حميد العلي، اليمامة- دمشق/ بيروت، ط 1، 1422هـ- 2001م.
- الحاجات الأساسية وتوفيرها في الدولة الإسلامية. عابدين أحمد سلامة. بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثاني للاقتصاد الإسلامي. جامعة الملك عبدالعزيز. جدة.مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي. م1.ع2 1404هـ-1984م.

Thursday, April 23, 2015

وسائل الحفاظ على المال في الإسلام

وسائل الحفاظ على المال في الإسلام:

نظرة الإسلام للحياة، نظرة شاملة ومفصلة، يقوم على أساس الإيمان والتوحيد،وتلبية فطرة الإنسان السليمة واحتياجاته ورغباته التي خلقه الله عليها.

وهذا إن دل فإنما يدل على أن الإسلام دين يهتم بالإنسان بكليته وجزئياته، ليس دينا مغلقا على نفسه وليس فقط اهتمامه بأداء العبادات المعروفة، بل الإسلام يشمل العبادات ومعاملات الإنسان وما يحتاجه في حياته.

وهذا رد على المتغطرسين من العلمانيين والليبراليين وأعداء الإسلام الذين يسخرون منه ويستهزئون به والذين ينظرون من زاوية ضيقة لتعاليمه ولا ينظرون للصورة الكلية له ولا لتفصيلاته.

والإسلام حافظ على المال بما يؤدي للإنسان غرضه ويضمن له تحقيق حاجاته.

وكما هو شأن الإسلام دائما مع النزعات الفطرية للإنسان حيث يبيح إشباعها ويلبي مطالبها ضمن الحدود المعقولة، مع التهذيب والترشيد حتى تستقيم وتحقق الخير للإنسان ولا تعود عليه بالشر، كان هذا شأنه مع نزعة حب التملك الأصلية في الإنسان.

 فقد أباح الملكية الفردية وشرع في ذات الوقت من النظم والتدابير ما يتدارك الآثار الضارة التي قد تنجم عن طغيان هذه النزعة من فقدان للتوازن الاجتماعي، وتداول للمال بين فئة قليلة من المجتمع.
 ومن النظم التي وضعها لأجل ذلك نظم الزكاة والإرث والضمان الاجتماعي.
ومن ثم اعتبر الإسلام المال ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانية، وشرع من التشريعات والتوجيهات ما يشجع على اكتسابه وتحصيله، ويكفل صيانته وحفظه وتنميته، وذلك على النحو التالي:

وسائل الحفاظ على المال إيجادا وتحصيلا:
1 ـ الحث على السعي لكسب الرزق وتحصيل المعاش فقد حث الإسلام على كسب الأموال باعتبارها قوام الحياة الإنسانية واعتبر السعي لكسب المال -إذا توفرت النية الصالحة وكان من الطرق المباحة- ضربا من ضروب العبادة وطريقا للتقرب إلى الله ، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ )، وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ).
2 ـ أنه رفع منزلة العمل وأعلى من أقدار العمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده».
 وقرر حق العمل لكل إنسان وجعل من واجب الدولة توفير العمل لمن لا يجده، كما قرر كرامة العامل وأوجب الوفاء بحقوقه المادية والمعنوية.
 يقول صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه»، ويقول فيما يرويه عن ربه: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا ولم يوفه حقه».
 وقرر أن أجر العامل يجب أن يفي بحاجياته، قال صلى الله عليه وسلم: «من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتخذ زوجة، أو ليس له مركب فليتخذ مركبا».
وهذا ما يطلق عليه في العصر الحديث بمبدأ " تحديد الحد الأدنى للأجور".
3 ـ إباحة المعاملات العادلة التي لا ظلم فيها ولا اعتداء على حقوق الآخرين، ومن أجل ذلك أقر الإسلام أنواعا من العقود كانت موجودة بعد أن نقاها مما كانت تحمله من الظلم، وذلك كالبيع والإجارة والرهن والشركة وغيرها، وفتح المجال أمام ما تكشف عنه التجارب الاجتماعية من عقود شريطة أن لا تنطوي على الظلم أو الإجحاف بطرف من الأطراف أو تكون من أكل أموال الناس بالباطل.
وسائل المحافظة على المال بقاء واستمرارا:
1 ـ ضبط التصرف في المال بحدود المصلحة العامة ومن ثم حرم اكتساب المال بالوسائل غير المشروعة والتي تضر بالآخرين، ومنها الربا لما له من آثار تخل بالتوازن الاجتماعي، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وقال: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ).
2 ـ كما حرم الاعتداء على مال الغير بالسرقة أو السطو أو التحايل وشرع العقوبة على ذلك قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، وأوجب الضمان على من أتلف مال غيره ، قال صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» .
3 ـ منع إنفاق المال في الوجوه غير المشروعة، وحث على إنفاقه في سبل الخير، وذلك مبني على قاعدة من أهم قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وهي أن المال مال الله وأن الفرد مستخلف فيه ووكيل قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)،( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).
 ومن ثم كان على صاحب المال أن يتصرف في ماله في حدود ما رسمه له الشرع، فلا يجوز أن يفتن بالمال فيطغى بسببه لأن ذلك عامل فساد ودمار قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ).
 ولا يجوز له أن يبذر في غير طائل قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).
4 ـ سن التشريعات الكفيلة بحفظ أموال القصر والذين لا يحسنون التصرف في أموالهم، من يتامى وصغار حتى يبلغوا سن الرشد ومن هنا شرع تنصيب الوصي عليه قال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)، وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ).
 ومن ذلك الحجر على البالغ إذا كان سيئ التصرف في ماله قال تعالى(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).
5 ـ تنظيم التعامل المالي على أساس من الرضا والعدل ومن ثم قرر الإسلام أن العقود لا تمضي على المتعاقدين إلا إذا كانت عن تراض وعدل ولذلك حرم القمار قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
6 ـ الدعوة إلى تنمية المال واستثماره حتى يؤدي وظيفته الاجتماعية وبناء على ذلك حرم الإسلام حبس الأموال عن التداول وحارب ظاهرة الكنز ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ).
وبهذه التشريعات كلها حفظ الإسلام المال وصانه عن الفساد حتى يؤدي دوره كقيمة لا غنى عنها في حفظ نظام الحياة الإنسانية، وتحقيق أهدافها الحضارية والإنسانية.
شأنه في ذلك شأن كل المصالح السابقة التي تمثل أساس الوجود الإنساني وقوام الحياة الإنسانية ومركز الحضارة البشرية، والتي بدون مراعاتها وحفظ نظامها يخرب العالم وتستحيل الحياة الإنسانية ويقف عطاؤها استثمارها في هذا الوجود.
كل ما سقناه كان دليلاً على كمال الشريعة الإسلامية كمالاً نظرياً وكمالاً عملياً يدفع الإنسان إلى التنمية والتقدم والرخاء .
أما الشُّمُول:
فقد شملت هَذِه الشَّرِيعَة جَمِيع الطَّبَقَات والطوائف والأفراد وَالْجَمَاعَات. ونظمت علاقَة الْخلق بالخالق وَالْحَاكِم بالمحكوم فِيمَا بَينهم.
فاشتملت على التشريع الديني فِي الْعِبَادَات والدنيوي فِي الْمُعَامَلَات والأخروي فِي طرق اكْتِسَاب الْحَسَنَات وَاجْتنَاب السَّيِّئَات.. فَهِيَ شَرِيعَة الدّين وَالدُّنْيَا أَو كَمَا يُقَال: الدّين والدولة. وكل شَيْء كَمَا قَالَ تَعَالَى: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ).
وَمن أوسع مَعَاني الشُّمُول فِيهَا أَنَّهَا شملت كل أمة من عرب وَمن عجم وجمعت بَينهم سواسية وسايرت كل زمَان وَمَكَان.. فَهِيَ شَامِلَة لكل النَّاس على اخْتِلَاف أجناسهم صَالِحَة لكل زمَان قَدِيما وحديثا وَلكُل مَكَان حَاضِرَة وبادية..
وَمن آثَار هَذَا الشُّمُول وَذَاكَ الْكَمَال فَهِيَ تساير الدُّنْيَا إِلَى أَن يَرث الله الأَرْض وَمن عَلَيْهَا بِخِلَاف الشَّرِيعَة الْمُتَقَدّمَة عِنْد الْيَهُود حينما قست قُلُوبهم وغلبتهم ماديتهم مالوا بهَا إِلَى المَال بِكُل حِيلَة وَاسْتَحَلُّوا لكل غَايَة كل وَسِيلَة حَتَّى استحلوا مَا حرم الله عَلَيْهِم من الصَّيْد يَوْم السبت وَأكل الشحوم بِالْبيعِ وَأكل الثّمن..
فَجَاءَت الدّيانَة للمسيحيين تخفف من مادية الْيَهُود فمالوا إِلَى الرهبانية، فَلم تأخذها الْيَهُود وَلم يَأْخُذ المسيحيون بِمَا عِنْد الْيَهُود من تشريع للمعاملات وَأخذُوا يشرعون لأَنْفُسِهِمْ تَتِمَّة لما تشمله تشريعاتهم..
أما هَذِه الشَّرِيعَة فَجَاءَت كَمَا قُلْنَا للدّين وَالدُّنْيَا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ` فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أما السماحة فِي الشَّرِيعَة: فَهِيَ صفتهَا الْخَاصَّة كَمَا فِي الحَدِيث بعثت بالحنيفية السمحة.
وَمن سماحتها أَن الله لم يَجْعَل فِيهَا من حرج فِي التَّكْلِيف كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، وَقَوله (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ )، وَلم يُكَلف نفسا إِلَّا وسعهَا: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا).
وَمن قواعدها: إِن كل مشقة تجلب التَّيْسِير، وَمن هَذَا الْبَاب جَمِيع الرُّخص فِي الشَّرِيعَة.. وَمن السماحة عدم الْمُؤَاخَذَة فِي حَالَة النسْيَان أَو الْخَطَأ أَو الْإِكْرَاه..
وَقد كَانَ إصرا على من كَانُوا قبلنَا فحط الله عَنَّا وَفِي الحَدِيث: "إن الله وضع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ".
 كَمَا أعْطى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبله كَمَا فِي الحَدِيث "نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَأحلت لي الْغَنَائِم وَأعْطيت الشَّفَاعَة وَكَانَ الرجل يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة فَبعثت إِلَى النَّاس كَافَّة، وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا".
فقد خص بِمَا لم يخص بِهِ غَيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، وَفِي قَوْله ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ )  .. إِلَى قَوْله تَعَالَى: ( أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )  .. فَيَقُول الله تَعَالَى عِنْد كل دُعَاء قد فعلت.
قال الشاعر:
هو القرآنُ يفتحُ كلَّ بابٍ***ويُدني بالهدايةِ كلَّ ناءِ
يذكِّرُنا بأنَّ الحقَّ أقوى***وأعظمُ من ضحايا الكبرياءِ
وأنَّ يدَ الأمانةِ لم تُصافحْ***يداً إلاَّ على جِسْرِ العَنَاءِ
وأنَّ شهامةَ الإنسانِ تأبَى ***مواجهةَ المواقفِ بانزواءِ
هو القرآنُ يوقظُ كلَّ غافٍ ***ويدعو من تعلَّقَ بالمِراءِ
يعلِّمُنا ويرشدُنا ويبني ***لنا صَرْحَ الفَضيلةِ والحياءِ
ويرعى دوحة الأخلاقِ ممّا***يُمَدُّ إلى حماها في الخَفاءِ
ويمنحنا السَّعادةَ في حياةٍ***يلوِّثُ وهْمُها أَنْقَى هَواءِ
يعلِّمُنا سُموَّ القولِ لمَّا***يردِّدُ غيرُنا لُغَةَ الجَفاءِ
هو القرآنُ يُوْقِظُ كلَّ قلْبٍ***يعيشُ من التّذَبْذُبِ في غشاءِ

والله أعلم.
المصادر:
-القرآن الكريم.
ـ صحيح البخاري و صحيح مسلم.
- المعجم الكبير و الأوسط والصغير للطبراني.  
ـ سنن أبي داود و الترمذي  و النسائي وابن ماجه.
ـ مسند الإمام أحمد ،وصحيح ابن حبان.
ـ الأموال لأبي عبيد ، و الأموال لابن زنجويه.
ـ مقاصد الشريعة الإسلامية كتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف.
ـ محاسن الشريعة ومساوئ القوانين الوضعية،عطية بن محمد سالم ،العدد الأول - السنة السادسة - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1393هـ - 1973م.
-تنمية المجتمع من منظور إسلامي، إبراهيم عبد العزيز

 إبراهيم محمد السمري،2011م.

دور العمل في تحقيق اقتصاديات الغنى في الإسلام وحضارته:

دور العمل في تحقيق اقتصاديات الغنى في الإسلام وحضارته:

الإسلام دين قويم ودين يقوم على الدنيا والآخرة، ومن خلال النظر لتعاليمه وشرائعه، فإنا نجد اهتمامه بالأمور الدنيوية فينظمها ويشذبها، ويسعى لتحقيق مصالح الناس ،بدفع الظلم عنهم، وإقامة العدل بينهم،وتنمية الإبداع فيهم، وتحريكهم للعمل والكسب والسعي في  طلب الرزق.

والناظر نظرة صدق للقرآن الكريم والسنة النبوية فإنه يجد ذلك واضحا جليّا، أما المتعصب والمتطرف من العلمانيين والليبرالين، فإنهم بغضون النظر عن دعوة الإسلام للعمل وعمارة الأرض، ويدعون أن الإسلام يدعو للكسل والتكاسل، حقدا منهم على الإسلام وضغينة منهم على القرآن الكريم والرسول العظيم.

أما من ينظر نظرة حق ويرى رؤية صادقة ويبحث بعدل وإنصاف، يجد أن الإسلام يدعو للعمل ويدعو للحركة وفي الحركة بركة، ويدعو لعمارة الأرض ولكسب الرزق بالطرق المشروعة.

لقد دعا الإسلام في البداية إلى كسب المال بالجهد والعمل، واعتبر ذلك من أزكى وسائل الكسب والتحصيل، ما لم يكن في محرم أو شبهة، أو ينتج عنه ضرر.
 فقد قال تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون".
 وقال تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاًُ  فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور".

وتبين لنا السنة النبوية أن أشرف وسائل الكسب العمل، فهاهو النبي r يقول (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) .
 وعن المقدام بن معد يكرب الزبيدي، عن رسول الله r قال: (ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل عـن نفسه وأهله وولده وخادمه فهـو صدقة).
وفي الحديث: (ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده).

فالأصل في الإسلام أن يشبع الإنسان حاجاته الاقتصادية والمعيشية من ثمار عمله ونتاج سعيه، والاستفادة من إمكاناته الاقتصادية ولو كانت محدودة أو متواضعة.
فعن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله، فقال: (أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: آتني بهما، فأخذهما رسول الله r بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم، فقال: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياها، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً، فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فآتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله r عوداً بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فاشترى ببعضها ثوباً، وبعضها طعاماً، فقال رسول الله r: هذا خيراً لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع".
  
فالحديث يرفض بوضوح البطالة والمسألة للرجل، ما دام يملك بعض الأصول المالية، التي يمكن توظيفها توظيفاً أمثل، يخدم أغراضه الاستهلاكية وأغراضه الاستثمارية، فالسؤال من غير حاجة أو ضرورة ملجئة حرام في الإسلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمراً، فليستقل، أو ليستكثر) ، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي).
 فالإسلام يحث الناس على كسب المال الحلال، الذي يغني صاحبه عن المسألة، مهما كان نوع هذا الكسب، ومهما 

نظر إليه الناس نظرة استهانة أو احتقار.

فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يحتطب أحدكم

حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه) .

 إلى غير ذلك من النصوص النبوية الدالة على فضل السعي 

والعمل عند الله، وذم المسألة وقبحها عنده.

 فالإسلام يحذر من البطالة والمسألة، ويطاردهما بشتى 

الوسائل، بل ويغلق الأبواب التي ينفذ منها المال 

الحرام إلى جيوب الناس، فقد قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن 

تكون تجارة عن تراض منكم"، فما لم يكن الحصول على المال ناتجاً عن رضاء متبادل أو مقابل 

عمل أياً كان هذا العمل يكون هذا الحصول أكلاً للمال بالباطل.

ونتيجة لذلك كان الاحتكار حراماً، وكان الغصب حراماً، وكانت السرقة حراماً، وكانت المسألة بدون مبرر حراماً، فلا كسب بلا جهد ولا مال بلا عمل، فقد حارب الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، والزحف نحو الثراء غير المشروع.

قال الشاعر:
هو القرآنُ للمولى كَلامُه التشريعُ للدنيا نظامُ
له الإجلالُ .. مَنْ قاموا بنورٍ مع القرآن بالحسنى أقاموا
ونالوا الخيرَ في أُنْسٍ وأمْنٍ بحكم الله بالعيش استقاموا
وعاشوا بالهدى نهجا وقصدا حميدا في مرابعه السلامُ
فبالفرقان سَعْدُهمُ تَبَدَّى بعزٍّ فيه بالمجد انتظامُ
كتابُ الله رَبِّ العرش نرقى به العلياءَ يبلغها الكرامُ
ضياءُ القلب والأرواحِ رَوْحٌ وريحانٌ به الأطهارُ هاموا
به واللهِ للإنسانِ عزٌّ وتعليمٌ وفقهٌ واحتكامُ

والله أعلم
المراجع:
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، كتاب البيوع، باب كسب الرجل.
- صحيح مسلم،باب كراهة المسألة للناس.
- سنن أبو داود،باب الزكاة.
-سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب.
- الإسلام والاقتصاد، د. عبد الهادي النجار، عالم المعرفة، الكويت، 1403هـ.
- الإسلام والاقتصاد، د. محمد البهي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1401هـ.
- العقود التجارية في ظل الشريعة،د. عبد الرحمن زكي، مجلة آفاق اقتصادية، المجلد22، العدد88، 1422هـ.
-اقتصاديات الغنى في الإسلام، د. عمر بن فيحان المرزوقي.
 -النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي، د. عمر بن فيحان المرزوقي، مجلة الشريعة، جامعة الكويت، عدد 45، 1422هـ.


Tuesday, April 14, 2015

نظرة علمية ومعرفية خاطفة في اثر الحضارة الإسلامية على أوروبا

نظرة علمية ومعرفية خاطفة في أثر الحضارة الإسلامية على أوروبا:

لقد قامت الحضارة العربية الإسلامية بدورها الطليعي خير قيام في بناء النهضة العلمية العالمية ، وقد نقل العلماء العرب والمسلمون التراث الأغريقي وغيره من ألوان التراث العلمي الذي تقدّم عليهم في التاريخ، نقلوه إلى اللغة العربية، التي كانت لغة علم وثقافة، وأثر العلماء العرب والمسلمون في النهضة الأوروبية، وكان طابع الثقافة العربية الإسلامية غالباً وواضحاً ومؤثّراً في عديد من المجالات العلمية والفكرية والثقافية، مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر والنظام العشري، ونظرية التطور قبل "داروين" بمئات السنين، والدورة الدموية الصغرى قبل "هارفي" بأربعة قرون، والجاذبية والعلاقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون متطاولة، وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا الانعكاس والانكسار، وتقدير محيط الأرض، وتحديد أبعاد الأجرام السماوية، وابتكار الآلات الفلكية، واكتشاف أعالي البحار، ووضع أسس علم الكيمياء.
دور الحضارة الإسلامية فى الحفاظ على الحضارات السابقة:

 لقد حافظت الثقافة العربية الإسلامية على الثقافة اليونانية من الضياع، إذ لولا المثقفون والعلماء العرب، لما وصلت إلى أيدي الناس مؤلفات يونانية كثيرة مفقودة في أصلها اليوناني ومحفوظة بالعربية. ولقد ظلّ الغرب يشتغل على الثقافة العربية حتى بعد أن تقلّص ظلّها في الأندلس بجيلين أو أكثر حتى وصل إلى العصور الحديثة.
وظلت الثقافة العربية الإسلامية تستهوي الكثيرين من أبناء العالم الغربي، إذ لم تتوقف الترجمة عن العربية في عصر النهضة وما بعد عصر النهضة، رغم الاتصال المباشر بالعالم اليوناني والحضارة اليونانية اعتباراً من منتصف القرن الثالث عشر للميلاد عندما بدأت الكتب اليونانية تُنقل رأساً إلى اللاتينية من دون الاستعانة بالترجمات العربية. فالثقافة العربية لها قيمتُها وشخصيتها، فقد أنتجت الكثير مما لم تستطع الثقافة اليونانية إنتاجه في الحقول كافّة : إضافات وتعليقات وابتكارات واكتشافات عربية لم يعرفها اليونان.

إن حركة النقل من الثقافة العربية الإسلامية التي خرجت بها أوروبا من عصورها المتوسطة المظلمة إلى عصورها الحديثة المتنورة، لم تقتصر على "نقل" المعارف القديمة من يونانية وهندية وبابلية ومصرية، من كتب باللغة العربية إلى اللغة اللاتينية فحسب.
إن أوروبا المسيحية قد "نقلت" أيضاً معارف عربية خالصة، كما نقلت أنماطاً من الحضارة الإسلامية ومن الإيمان الإسلامي إلى حياتها العامة وحياتها الخاصّة. ولو أن الكنيسة الكاثوليكية لم تضع ثقلها إلى جانب  الفِرنجة في معركة تُورَ سنة 114هـ (732م) ، لعمَّت الحضارةُ الإسلامية والثقافةُ العربية الإسلامية في أوروبا منذ ذلك الزمن الباكر، ولوفَّرت الكنيسة الكاثوليكية على العالم نِزاعاً طويلاً وشقاء مريراً.

لقد انتشرت الثقافة العربية الإسلامية في العالم الغربي، ونهل علماء أوروبا من المصادر العربية الأصلية، ووجدوا أنها تراثٌ علميٌّ عظيمٌ، فاشتغلوا بدراسته وتحليله. ولقد كان العرب والمسلمون يمثّلون العلم الحديث بكل معنى الكلمة، كانوا رواداً في المناهج العلمية الحديثة، وقد اكتسب المثقفون والعلماء في أوروبا من الثقافة العربية الإسلامية، أكثر من مجرد المعلومات، إنهم اكتسبوا العقلية العلمية ذاتَها بكل طابعها التجريبي والاستقرائي، بحيث وجد الأوروبيون في التراث العربي الإسلامي وفي الثقافة العربية الإسلامية ضالتهم المنشودة، فعكفوا على نشره.

 إن الانبهار بحجم تأثير الثقافة العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية، وفي الثقافة والعلوم الأوربيَيْن، جعل مفكرةً عالمةً ألمانيةً تصدع بهذه الحقيقة بقولها : "إن تلك الحضارة الزاهرة التي غمرت بأشعتها أوروبا عدّة قرون، تجعلنا نعجب أشدّ العجب؛ إذ هي لم تكن امتداداً حضارياً لبقايا حضارات غابرة، أو لهياكل حضارية محلية على قدر من الأهمية، أو أخذاً لنمط حضاري موجود، أو تقليداً يُنسج على منواله المعهود، كما نعرف في الأقطار الأخرى مهد الحضارات في الشرق. إن العرب بثقافتهم هم الذين أبدعوا هذه الروعة الحضارية إبداعاً".

الحضارة الإسلامية منارة العلم فى العالم:
 وبينما كانت أوروبا ترتع في غياهب العصور الوسطى ، كانت الحضارة الإسلامية (التي هي محضن الثقافة العربية الإسلامية) في أوج ازدهارها، لقد أسهم الإسلام كثيراً في تقدّم العلم والطب والفلسفة.

وقال ( ويل ديورانت Will Durant) في كتابه "عصر الإيمان" ( The Age of Faith) : "إن المسلمين قد ساهموا مساهمة فعالة في كل المجالات، وكان ابن سينا من أكبر العلماء في الطب، والرازي أعظم الأطباء، والبيروني أعظم الجغرافيين، وابن الهيثم أكبر علماء البصريات، وابن جبير أشهر الكيميائيين". وكان العرب رواداً في التربية والتعليم. وقال ديورانت في هذا الشأن أيضاً : "عندما تقدّم (روجر بيكو Reger Bacon) بنظريته في أوروبا بعد 500 عام من ابن جبير، قال إنه مَدينٌ بعلمه إلى المغاربة في إسبانبا الذين أخذوا علمهم من المسلمين في الشرق. وعندما ظهر النوابغ والعلماء في عصر النهضة الأوروبية، فإن نبوغهم وتقدّمهم كانا راجعين إلى أنهم وقفوا على أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي".

إن الحضارة الاسلامية قامت على الحوار مع الشعوب والحضارات الاخرى التي تعامل معها المسلمون مثل حضارة الهند  وحضارة الفرس في الشرق وحضارة اليونان في الغرب ، وقد كان فضل العلماء  العرب عظيما على الحضارة الانسانية، حيث كانوا لبنة اساسية من لبناتها.

والحضارة الإسلامية كانت من اهم معابر الحضارة إلى اوربا ، من خلال  الاندلس ، صقلية ، وجنوب إيطاليا ، بلاد الشام ، والحروب الصليبية .
الحضارة الإسلامية وازدهار حركة الترجمة:
وفي  النصف الثاني من القرن الرابع الهجري كانت قرطبة اعظم المدن الثقافية في اوربا،  فقد حوت خزانة الخليفة ما يزيد على الاربعمائة ألف كتاب . 
وأقبل الأسبان على اللغة العربية والترجمة منها إلى اللاتينية ، وكانت الاندلس المركز الرئيسي لحركة الترجمة.
أما صقلية فقد حكمها المسلمون من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري، فانتشرت فيها مظاهر الحضارة الاسلامية من مساجد وقصور وحمامات ومستشفيات واسواق وقلاع ، ودخلت فيها صناعات منها صناعة الورق والحرير  والسفن والفسيفساء ذات الرخام الملون، إضافة إلى استخراج المعادن. 
واستمرت العلاقات الثقافية بين المسلمين واهل صقلية بعد ذلك، فنجد - مثلا - الملك روجر  الاول احتضن الثقافة العربية وكتبت مراسيمه بالعربية إلى جانب اللاتينية، وصك  على احد وجهي النقود كتابات بالعربية، وعلى الوجه الآخر كتابات لاتينية ويونانية.

وهكذا سارت صقلية في أيامه مملكة نصف اسلامية في دينها ونظامها الاداري والعسكري، وقد سار خلفاء روجر على طريقته. فقد استعان روجر الثاني بالعلماء المسلمين، ومنهم العالم الجغرافي محمد الإدريسي الذي رسم له خريطة للعالم  المعروف في عصره على دائرة فضية مسطحة طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف المتر، كما ألف له كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي يصف هذه الخريطة ..

وعن طريق الحروب الصليبية التقى الغربيون بالمسلمين، فنقلوا عنهم نباتات عرفوها لأول مرة وسموها بأسمائها العربية مثل السكر والارز والقطن والسمسم، وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون والخزف  والزجاج والأصباغ والحلي والعقاقير وهكذا كانت الحروب الصليبية ميدانا للكسب الحضاري، ففيه بدأت محاولات الغرب المنظمة للاقتباس من حضارة العرب، وكانت كفة العرب في هذه العلاقات هي الراجحة، فقد كانوا يملكون من مقومات الحضارة المادية والعقلية ما يستطيعوا ان يقدموا منه لاوربا، على حين لم تكن اوربا حتى القرن السادس عشر تملك من المقومات التي تمكنها من ان تضيفه لتراث العرب لهذا اخذ الاوربيون من العرب اكثر مما اعطوا، فاقتبسوا الكثير من علوم العرب وفلسفتهم وعمارتهم وفنونهم العسكرية وصناعتهم وتجارتهم وحياتهم الاجتماعية، وتاثرت لغاتهم وآدابهم ومجتمعاتهم إلى حد كبير باللغة العربية والآداب العربية والحياة، يضاف إلى ذلك العرب كانوا يملكون مفاتيح التجارة التي يحتاجها الاوربيون مثل التوابل والعقاقير وغيرها من منتجات الشرق المعروفة.

هناك الكثير من الشواهد التي تدل على تأثر اوربا بالتراث العربي في مجالات متعددة، ففي  الادب تأثرت اوربا بشعر المفاجأة والشعر العربي والحكم والأمثال والقصص الإسلامي، وطبعت قصص (ألف ليلة وليلة) طبعات كثيرة بالانجليزية والفرنسية.

الفلسفة والجغرافيا فى الحضارة الإسلامية

وفي الفلسفة تأثرت أوربا بابن سينا والفارابي وابن رشد، والاخير خاصة نقلت كتبه إلى اللاتينية. وفي مجال الجغرافيا استفاد الاوربيون من كتاب احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم" لشمس الدين المقدسي، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي ، و مروح الذهب للمسعودي، أما اهم جغرافيي المسلمين وأكثرهم اثرا فكان الشريف عبد الله الإدريسي صاحب الدور الأكبر في تجديد هذا العلم والعناية به، لدرجة ان لقبه البعض بأنه كان استاذ الجغرافيا الذي علم اوربا هذا العلم وليس بطليموس.

الفن الإسلامي والعمارة الإسلامية
وفي مجال الفنون والعمارة تأخذ رسامو أوروبا فكرة تزيين الاسقف بالصور الملونة،  إلى درجة انهم نقلوا كتابات عربية زينوا بها الاسقف، رغم انها ذات طابع اسلامي،  ويشير المؤلف إلى انه فرضت العمارة الاسلامية على عناصر العمارة المسيحية العديد من الظواهر مثل النوافذ المزدوجة، والعقود المنسوخة، والعقود الثلاثية الفتحات، ومثل الشرفات والكوابيل والأبراج، ومثل القباب المضلعة، ومثل الزخارف والمنحوتات الغائرة المتعددة الالوان، وغير ذلك من الاشكال والعناصر، وكانت الفكرة الزخرفية هي وحدها التي اوحت للفنان الاوربي منذ القرن الرابع الهجري فكرة الاقتباس من حروف العربية وتسجيلها بالحفر على تيجان الاعمدة.

وقد برع الفنانون العرب في صناعة الاواني الخزفية المنقوش عليها زخارف بالخط الكوفي، ويوجد بعضها في المتاحف الاوربية. وللعرب فضل على الرياضيات ، فقد اخترع الخوارزمي علم الجبر، وقد دخلت هذه الكلمة إلى اللغات الاوربية بنطقها العربي، وبالاضافة إلى الخوارزمي يوجد آخرون مثل ابي الوفا البوزجاني ونصير  الدين الطوسي و ثابت بن قرة والخازن البصري وابن الهيثم والبيروني والبتاني.

وللعرب فضل كبير على علم الفلك، حيث تعمقوا في دراسته وخلصوه من التنجيم  والخزعبلات، وقد تقدم العرب بعلم الفلك عن طريق إنشاء المراصيد وابتكار الأجهزة والآلات والأدوات ورسم الجداول الفلكية. اما علم الكيمياء فقد اعطاه العلماء العرب صورة العلم الحقيقي بعد أن ادخلوا التجربة الموضوعية في دراسته.
الحضارة الإسلامية وتطور مفهوم الكيمياء:
وقد استفاد الاوربيون كثيرا من بحوث العرب في الكيمياء. وبمعنى آخر فإن الكيمياء في صورتها العلمية انجاز حققه المسلمون. إذ انهم ادخلوا الملاحظات الدقيقة والتجارب العلمية وعنوا برصد نتائجها، وحللوا كثيرا من المواد تحليلا كيميائيا،  وفرقوا بين الاحماض والقلويات، واكتشفوا العلاقة بينهما، ودرسوا ووصفوا مئات العقاقير، ومن اهم اكتشافاتهم انهم كانوا اول من طبق الكيمياء على الطب. وهناك جهود اخرى افاد بها المسلمون اوربا في الطبيعة (الفيزياء) والطب والصيدلة والموسيقى والتاريخ . وآخر فصول الكتاب يخلص إلى ان حوار الحضارات حقيقة حتمية، وفي الخاتمة يقدم المؤلف حقيقة مؤكدة هي ان الاسلام جوهره التسامح، ويقر بتعددية الثقافات والاعراق، وان ايحاء البعض بان الاسلام وريث الخطر الشيوعي ايحاء باطل روجه اعداء الإسلام للإساءة إليه.

ويمكن القول إجمالاً إن الحضارة العربية الإسلامية كانت واسطة العقد بين العلوم والثقافات القديمة وبين النهضة الأوروبية ؛  فالفكر العربي الإسلامي، والثقافة العربية الإسلامية، سلسلة متّصلة الحلقات، امتدّت من الحضارات القديمة، من مصرية، وآشورية، وبابلية، وصينية، إلى حضارة الأغريق والاسكندرية، إلى العصر الإسلامي الذي تأثّر علماؤه بمن تقدّمهم، وأثّروا بدورهم فيمن لحقهم من علماء النهضة الأوروبية الذين قرأوا أعمال العلماء العرب في كتبهم المترجمة إلى اللغة اللاتينية واللغات الأوروبية.

كان للحضارة الإسلامية أثر كبير في الحضارات الأخرى في ميدان الفلسفة والعلوم، وخاصة الحضارة الغربية ، فقد انتقلت الفلسفة وكثير من العلوم كالطب والفلك إلى الغرب عن طريق الحضارة الإسلامية ، وترجم الغرب كتبًا كثيرة للعرب والمسلمين ،بل كانت الجامعات الأوربية تدرس كتب ابن سينا وغيره طيلة ستة قرون ، في وقت كانت أوربا تعيش حالة من الظلام والجهل والخرافات والأوهام ، ففتحت أوربا عينها للعلم عن طريق الحضارة الإسلامية ، وبذلك شهد كثير منهم من الكُتَّاب الأوربيين  .

إن الأمر الذي يكاد يجمع عليه الباحثون عدا بعض المستشرقين والمفكرين الأوربيين المتعصبين هو أن أوربا أفادت من علاقاتها بالإسلام وأهله في مواطن اللقاء كلها، وإن النهضة الأوربية لم تحدث في القرن السادس عشر كما هو شائع، بل بدأت قبل هذا منذ القرن العاشر بفعل الشروع بحركة الترجمة والنقل عن العربية عبر الأندلس وصقلية.
والله أعلم.
المـراجــع:
1-دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الاوروبية كنموذج لحوار الحضارات ، د. عبد المنعم الجميعي ، منشور بوزارة الثقافة المصرية ، العلاقات الثقافية الخارجية
2 - الحضارة الاسلامية في اوروبا الموحدة ، د. محمد نعمة ، مدير مجلة "مدارات غربية" ، باريس
3 - الحضارة الإسلامية لها دور بارز في تقدم الحضارات الاوروبية ، د. ناصر الجاسم من الرياض .
4-موقع ويكبيديا ، الموسوعة الحرة

5 - موقع http://www.amin.org