Wednesday, March 30, 2016

منهجية الخليفة عمر بن الخطاب الفاروق في القيادة والإدارة



منهجية الخليفة  عمر بن الخطاب الفاروق في القيادة والإدارة:
لقد استطاع عمر بن الخطاب أن يسجل - وبأحرف من نور- اسمه في قائمة القادة الأعدل والأقوى والأجدر على القيام بأعباء القيادة وتبعاتها ،إنه فاروق الحق والباطل ،إنه الخليفة الذي ما عرفت البشرية أعدل ولا أجسر بالحق منه ،فحكم الناس بخير طريقة وبأفضل نهج وسار بهم الى ما أراد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وفتح البلاد وسير الجيوش إلى  الشام وإلى العراق وفتح بيت المقدس وصلَّى فيه ،وضرب أروع الامثلة في مجال احترام حقوق الإنسان وخاصة حقوق الأقليات غير المسلمة في دولة الإسلام .
لقد صنع عمر بن الخطاب منهجا متكاملا من مناهج الحكم يحوي كل الفنون والأساليب الادارية والقيادية الناجحة ويكفي فيه قول رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام:" قد كان في الأمم محدثون فان يكن في أمتي فعمر "وكذلك قال رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بحقه:" والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا-طريقا- إلا سلك فجا غير فجك "،وقال أيضا :" لو كان نبي بعدي لكان عمر " .
إن مبادئ الإدارة التي طبقها الفاروق في إدارته للبلاد والعباد كثيرة يصعب علينا الاحاطة بها ولكن يمكننا أن نجمل بعضها بما يلي:
1 . الوضوح والدقة:
الإدارة ليست سلطة يتولاها شخص يصبح بموجبها الآمر الناهي، وليست وسيلة بناء مجد شخصي وتحقيق غرض ذاتي، إنما هي مسؤولية ينوء بحملها من لهم قوة وعزم... هكذا يفهمها عمر رضي الله عنه، حيث يقول في أول خطبة "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمرَ انتظار موافقة الحساب..  ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خُلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة له وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي وأتقدم". ويقول: "أنا مسؤول عن أمانتي، لا أكِلُه إلى أحد إلا الأمناء وأهل النصح منكم، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطابه الأول للأمة يعتبر أن الحكم مسؤولية كبرى لا يقوى على حملها إلا من تمتع بالكفاءة والقدرة والقوة ، و تعهد أمام الناس بالحفاظ على هذه الأمانة العظيمة والقيام بها حق القيام ، ويبين لهم أن الرجل المناسب سيوضع في المكان المناسب وسيتم توزيع الصلاحيات والواجبات وتقسيم العمل والتخصص فيه ، ولن يتم التهاون مع المقصر والمتخاذل في أداء واجباته ، وإن الرئاسة هي تكليف لا تشريف وأنها لن تغير منه أبدا ، وهذا ما كان.
 إن هذه الكلمات شكلت شعارا تعامل به عمر بن الخطاب في رئاسته للأمة فصنع بهم دولة قوية يسودها منطق العدل والحق والقوة ، هذه المبادئ الإدارية لم يطلقها عمر شعارا بل كانت واقعا حيا التزم بها في كافة جوانب سنوات خلافته الراشدة.
2. تحديد الأهداف والتزامه بتحقيقها:
لقد أدرك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تحديد الأهداف عامل مهم في تحقيقها بأقل التكاليف وبأقصر الأوقات حيث حدد أهدافه منذ اللحظة الأولى لتوليه المسؤولية حيث قال للناس: "ولكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أجتبي شيئا من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمدكم في ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم؛ فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم".
وهل  هناك أعظم من هذة الأهداف  ،والتي احتوت على كل ما يبغيه الفرد في حياته اليومية من اطمئنان على ماله وعياله وتحسين مستوى معيشته ، والحفاظ على المال العام وحماية الأوطان والذود عنها ،ورعاية أسرته في حال غيابه ،ويكون عمر بذلك قد أقر مبادئ إدارية هامة تطمح لتحقيقها الإدارة المعاصرة أولها الرعاية الاجتماعية والأسرية والضمان الاجتماعي ورفع مستوى المعيشة ....و غيرها من المبادئ الادراية العظيمة .وقد طبق عمر ما وعد وكان خير من التزم بتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل.
3 .أسس نجاح العمل:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل...".
هذه القواعد الثلاثة الهامة التي أقرها عمر رضي الله عنه التزمها في كافة أعماله الإدارية، فما أَجَّلَ عملا إلى غير وقته، وحزم كل أمره حتى اعتقد البعض مركزية القيادة في منهج عمر.
والأمانة كانت العنصر الأساسي في مراحل إدارته للدولة، فكانت خشية الله نصب عينيه، فالتزم التقوى في رعيته.
ومن منهجيه عمر في الحكم وسياسة الناس قوله :" لا تتكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمشي مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عز وجل ". 
4 . معرفه المرؤوسين وإسناد الواجبات  :
من العوامل المساعدة على اتخاذ القرار المناسب فهم خصائص الأفراد والجماعات الذين يشملهم القرار، وفي ممارسة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهذا الأساس في إدارته اعتماد معيارين للتمييز بين الأفراد:
أ - الأسبقية في اعتناق الإسلام وممارسة شعائره.
ب - السمات الخاصة بالإنسان.
وقد ورد عنه في ذلك قوله: "لي رأي في هذا المال: لا أجعل من قاتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتلَ معه".
وقد فضَّل في العطاء بني هاشم والذين حضروا بدرا.. وقد فضَّل أسامة بن زيد في العطاء على ولده عبد الله لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه.
ولم يكن هذا التفضيل في مجال المال فحسب بل كان في مجال الشورى والرأي ومجال الاستقبالات وقضاء الحاجات.
وقد ذكر عمر رضي الله عنه في قيادته للعرب قوله: "إنما مثل العرب مثل جمل أَنِف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق".
وقد التزم عمر هذا المنهج أولا مع ولاته فحملهم على الحق، فكان لا يتردد في التحقيق معهم ومعاقبة المسيء منهم .
ولم يكن الفاروق متساهلاً في الحق حتى في المواقف البسيطة، لأن الخطأ البسيط يولد خطأ كبيرا، والتاريخ حافل بالروايات حول بأس عمر وشدته في سبيل إقرار الحق.
ولعل منها حادثة جبلة بن الأيهم، وهي دليل صادق على ذلك.
 كما كان يميز بين الأفراد في مواقفهم الخاصة وتاريخهم الفردي ، ومن دلائل معرفته بالرجال قوله لأبي بكر يوم الردة:بعد ان قبل رأسه :" انا فداؤك ولولاك لهلكنا " .
وقال في خالد بن الوليد :" عجزت النساء ان يلدن مثل خالد ،رحم الله أبا بكر فلقد كان أعلم مني بالرجال " .
إنها من ضرورات القيادة الناجحة والإدارة الحكيمة معرفه الرجال وإنزالهم منازلهم التي يستحقونها .
5 – القدوة الحسنة والنموذج الأمثل :
من أبرز مشاكل الإدارة المعاصرة غياب النموذج أو القدوة.. وقد كان اهتمام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه  بتطبيق القدوة الصالحة والنموذج الأمثل يقول: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا".
لقد كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه النموذج والقدوة الحقة ، وفضائله كثيرة ومزاياه عديدة ، إذ هو الذي وافقه القرآن في سبعه عشر موضوعا، و هاجر جهارا نهارا ، وهو أول من دعي بأمير المؤمنين ، و أول من كتب التاريخ للمسلمين ، وأول من جمع الناس على صلاة التراويح  ، وأول من وضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة ودوَّن الدواوين وفرض الأعطيات ، وهو صاحب الفتوح وهو من سالت بين يديه الأموال أنهارا وبطنه يقرقر من الجوع ، الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أشبع كل الجياع وما شبع ،و هو الذي كسا العراة وثوبه مرقع، و هو من هز العروش وزلزل الممالك فهابته الدنيا كلها ،فكان خير الرجال وخير القادة وهو قدوة ما بعدها قدوة .
و حدد علاقته بخزينة الدولة وهي أكثر الجوانب حساسية في العمل الإداري فقال: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلتها من مال اليتيم؛ إن استغنيت استعففت؛ وإن افتقرت أكلت بالمعروف".
وقد التزم ذلك بدقة متناهية فلا ينال من بيت مال المسلمين زيادة عن راتبه إلا إقراضا، وقد ساعده ذلك على إلزام ولاته بهذا المنهج القويم.
وقد كان زاهدا لدرجه أن ثوبه كان به اثنتا عشر رقعه ،فقالت له ابنته حفصة: يا أمير المؤمنين هلا اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير،فقال :"اني سأخاصمك إلى نفسك ،أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش وكذلك أبو بكر ،فما زال يذكرها حتى أبكاها ،فقال لها :أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرغيد ".
وقد عرفه الرجال والقادة والسادة وقالوا بحقه ما يجب أن يقال بحق رجل كعمر ، قال فيه أبو بكر :" ما على ظهر الأرض رجل أحب إلى من عمر ".
وقال فيه عثمان بن عفان :" لن تلقى مثل عمر ،ولن تلقى مثل عمر ،ولن تلقى مثل عمر".
 وفيه يقول بن عباس :" كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام،ومحل الأيمان ،ومنتهى الإحسان ، ونادي الضعفاء ومعقل الخلفاء "   .
ولم يكن يمارس هذا المنهج في المال فحسب بل في كافة شؤون الحياة، وقد القاعدة الذهبية "من استعمل رجلا لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".
 يكفي أن نعلم أن عمر الشديد القوي الذي كان الشيطان يخافه ،كان يقبل النقد من الآخرين ويتحمل نصحهم وإرشادهم له بل إنه كان يطلب منهم ذلك ، فيروى أن رجلا قال له :"اتق الله ،فنهرة رجل من المسلمين،فقال عمر: دعه ،لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها " ،  ويروى عنه أيضا انه قال:" أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي " .
6.نشر الوعي بين الجمهور حول الأهداف والصلاحيات:
لكي يحدث التفاعل في العملية الإدارية لا بد أن تحقق درجة من الوعي لدى الجمهور.. ويتحقق ذلك الوعي بالمعرفة الواضحة بأهداف المؤسسة والتحديد الدقيق لصلاحيات ومسؤوليات أعضاء الهيئة الإدارية؛ تحسبا لاستغلال عدم وضوح رؤية الجمهور بالاستغلال السيئ للصلاحيات والمسؤوليات.
ولقد أدرك الفاروق الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه أهمية هذا الأساس.. ورغم محدودية وسائل الإعلام في عهده ،فإن العزيمة والصدق والأمانة ساهمت في نشر الوعي المطلوب.
فقال: "أيها الناس إني ما أرسل إليكم عمالا ليضربوكم ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه...".
ثم خاطب الولاة قائلا: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".
كما قال أيضا: "أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته".
و الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو صاحب المقولة المشهورة :" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "، وكذلك توضيحه للجمهور أسباب عزله لخالد بن الوليد عن قيادة الجيش تجنبا للفتنة كان يصب في ذات المنهج القويم.
يوضح الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأمة أسباب عزل خالد بن الوليد عن الجيش فيقول :" إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة ولكن الناس فتنوا فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به ،فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وألا يكونوا بعرض الفتنة ، وقال له يوما إذا عاتبه :" يا خالد والله إنك عليَّ لكريم وإنك لي لحبيب ولن تعاتبني بعد اليوم أبدا".
ولم تقتصر هذه التوعية على مجال دون آخر بل توعية لكافة المجالات المالية والعسكرية والاجتماعية.
7 .الإدارة الشاملة (الرفاهية ،الخدمة ،الضمان الاجتماعي، الأمن...):
لقد كانت الإدارة الاسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إدارة تقوم على خدمه الناس والسعي لرفاهيتهم والعناية بكل فئات المجتمع.
فقد كان المولود ومنذ ولادته يحظى بالعناية والرعاية حيث خصص عمر بن الخطاب لكل طفل يولد نصيب من المال يؤدى إليه حيث يوجد ،وقد كان شعار القائد الإداري الناجح :" لو أن دابة بصحراء الشام كبت لسئل عمر لماذا لم تصلح لها الطريق ".
ويقول بحقه الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام :"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر ".
 ويقول أحد الباحثين عن إدارة عمر بن الخطاب :" لقد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسليقته كلَّ معاني الإدارة العامة الحديثة بل و وصل الأمر إلى أبعد مما توصلت إليه كثير من الدول الحديثة التي تفاخر بنظمها الاداريه،والفرق بين ما أخذ به عمر بن الخطاب وما تأخذ به الدول الحديثة يكمن في الصياغة لا في الجوهر .." .
إن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يقض مضجعه بكاء الطفل الصغير يريد أن يرضع من أمه ، فتقول لعمر إنه مفطوم قبل أوانه لأنها لم تنال الأعطية المخصصة له ، فيبكي عمر لأنه اعتبر نفسه هو من أذى أطفال المسلمين فيأمر بتخصيص اعطيات لأطفال المسلمين منذ لحظة ولادتهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن عمر بن الخطاب أعطى حق الضمان الاجتماعي لغير المسلمين في الدولة الاسلامية والدليل على ذلك ،ما ورد عن عمر بن الخطاب انه رأى شيخ كبير يسأل ،فقال له:"من أي أهل الكتاب أنت ؟ ،فقال الرجل :يهودي ،فقال له:ما الذي دفعك لذلك ؟ ،فقال الرجل :اسأل الجزية والحاجة والسن ،فأخذ  عمر بيده وذهب به إلى منزله فاعطاة شيء من المنزل؛ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له :" انظر هذا وحاجته ، فوالله ما انصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم ،"إنما الصدقات للفقراء والمساكين "، والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وعن ضربائه".
لقد وضع عمر نظام العسس(الحرس الليلي)وكان هو نفسه كان يتجول بين الأحياء والبيوت ويتفقد أحوال المسلمين ويراقب الدور والبيوت والأحياء ،مما ساهم بشعور الناس بالأمان. وتكفل بتحقيق الأمن الغذائي للناس حيث انشأ دارا للدقيق لتزود الناس المحاجين بما يريدون من الطعام .
وبنى دور الاستراحة على طرق القوافل للمسافرين والحجاج .
وغيرها من الأعمال التي تنشر الأمن والأمان وتؤمن الناس على حياتهم وأموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم.
وبذلك حفظ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاستقرار الاجتماعي في الدولة وغرس في نفوس الناس الشعور بالمسؤولية الاجتماعية .
8.بناء الأجهزة والمؤسسات :
إن من أهم أسس بناء الإدارة الصحيحة هو قيامها على المؤسسات والأجهزة الادارية المختلفة المتينة الأركان والجوانب.
وقد أدرك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وقد فرضت عليه ظروف اتساع الدولة الاسلاميه أيضا ذلك.
 فقام بتأسيس الأجهزة الرسمية (الدواوين)والتي هي بمثابة الوزارات والدوائر الرسمية التي توثق وتحفظ القيود والسجلات والمعلومات الخاصة بكل جوانب حياة الدولة ومن فيها من الأفراد.
حيث أنشأ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديوان الجند وديوان الخراج وبيت المال ورتب الأرزاق للمسلمين على أساس منازلهم وأسبقيتهم في الدخول الى الإسلام وبذلك يكون عمر بن الخطاب هو اول من وضع الأسس الادارية وطبقها من خلال بناء الأجهزة والمؤسسات المختلفة .
هذه هي أهم الأسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه فنفذها وأداها وقام بها حق القيام، فهي لم تكن شعارات نظرية جوفاء؛ بل كانت وقائع وأحداث حقيقية سجلها التاريخ بحروف من نور.
 ويكون بذلك عمر بن الخطاب قد غرس المفاهيم الأولى للإدارة الحقة القائمة على الأمانة والصدق والعدل والحق  والمسؤولية والتقوى والقوة.
وحيث إن الإدارة عمل متواصل يبدأ بتحديد الهدف وينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من مارس الإدارة.
يقول العقاد عن الخليفتين الراشدين أبو بكر الصديق وعمر الفاروق عليهما رضوان الله :" لقد كان أبو بكر نموذج القوة في الرجل الرقيق ، وكان عمر نموذج القوة في الرجل الجسيم ..."

المصادر والمراجع:
- علي الفقير ،الفاروق عمر بن الخطاب ،مجله الاقصى ،العدد736تاريخ 23ك/2 ،1985 .
- فوزي كمال ادهم ، الإدارة الاسلاميه ، دار النفائس ، 2001.
- محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الاسلاميه ، المكتب المصري الحديث ، ط3 ،1979.
- نزار النعيمي ، الجيش وتأثيراته في سياسة الدولة الإسلامية ، دار الكتاب الثقافي ،اربد ،2003.
-فوزي كمال ادهم.
- توفيق سلطان اليوزبكي، دراسات في النظم العربية والإسلامية ،جامعه الموصل ،1988.
- عباس محمود العقاد ، عبقرية الصديق ، ط14، دار المعارف ، القاهرة.
مهدي الحسيني ، مسؤوليات القيادة الاسلاميه ، دار المشرق العربي الكبير ، لبنان ، 1978
- أساسيات في القيادة والإدارة النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة هايل عبد المولى طشطوش،دار الكندي،الطبعة الأولى 2008.

Tuesday, March 29, 2016

منهجيه الخليفة أبو بكر الصديق في الإدارة والقيادة



منهجيه الخليفة أبو بكر الصديق في الإدارة والقيادة :
لقد سار الخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله على ذات النهج النبوي في القيادة والإدارة فكانوا خير القادة وأفضل السادة وانجح الرؤساء والمديرين،كيف لا وهم خريجوا مدرسة النبوة مدرسة النبي محمد عليه الصلاة والسلام  التي استقت مناهجها ودروسها من لدن رب العزة جل وعلا ،فكان لهم الفضل في استمرار دوله الإسلام التي بنى أسسها الرسول القائد والمعلم الأول النبي محمد عليه الصلاة والسلام ،فامتدت واتسعت أركانها وزادت قوتها وهيبتها وانتشر دين الله حتى غمر نورة أركان الكون كله ،وذلك خلال فترة قياسية من الزمن .
لقد تخلق  هؤلاء القادة والخلفاء بأخلاق الإسلام العظيم وطبقوا أخلاقياتهم هذه أثناء حكمهم للأمة متنسمين قول نبيهم الكريم النبي محمد عليه الصلاة والسلام :"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ،فاعتنوا بها وحافظوا عليها ورعوها حق الرعاية فكفلوا اليتيم وعطفوا على الفقير ،وصانوا الأرامل والعجائز ومنعوا الناس من ذل السؤال فوفروا لرعيتهم كل أسباب الكرامة والعيش الكريم.
فضربوا بذلك أروع الأمثلة في مبادئ القيادة والإدارة ما زال الزمان يسطرها بحروف من نور في أنصع صفحات التاريخ الإنساني على الإطلاق ،وسنرى ذلك من خلال بيان منهجية بعض من خلفاء رسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام في القيادة والإدارة .
منهجية أبو بكر الصديق في الإدارة والقيادة :
أبو بكر الصديق هو أول الخلفاء الراشدين وهو الصديق الحميم  لرسول الله رافقه في أعسر وأصعب لحظات حياته آمن به حين كفر به الناس وصدقه حين كذبه الناس ، وأيده ونصره حين خذله قومه ، وآذوه فهاجر معه إلى المدينة في رحلة من أصعب رحلات الفرار من الظلم والقهر فكان له أوفى صديق وخير رفيق .
ذكره رب العزة في القرآن الكريم مادحا صحبته لرسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام فقال الله تعالى :"ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " .
دعم وتأييد من الله عز وجل لرسول الله ولرفيقه الصديق .
لقد كان لهذه الصحبة دور كبير في تخلق أبي بكر بأخلاق المصطفى وإتباعه لكل ما كان النبي النبي محمد عليه الصلاة والسلام يطبق ويلتزم به في حياته.
 وقد ظهر ذلك منذ اللحظة الأولى لتولي أبو بكر مقاليد المسؤولية كخليفة للمسلمين ،حيث طبق ابو بكر كثيرا من مبادئ القائد الإداري الناجح والتي يمكن إيجازها بما يلي:
1.احترام القائد والثقة به :
إن الإخلاص والولاء للقائد وصاحب العمل مبدأ هام من مبادئ الإدارة الناجحة لأنه يشكل دافعا وحافزا نحو العطاء وزيادة الإنتاج والإقبال نحو تحقيق الأهداف وهذا ما أثبتته النظريات الاداريه الحديث.
 ويكفي ان نعرف في هذا المقام أن أبا بكر طبق  هذا المبدأ في أعسر وأصعب اللحظات التي كان يعيشها القائد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وهي الأيام الأخيرة من حياته عليه الصلاة والسلام عندما تراجع ابو بكر عن إمامة الناس في الصلاة في مرض النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما سمع صوته قد دخل المسجد احتراما وتقديرا وولاء له ،وهذا ينفي طابع الاستغلال الذي تمارسه الإدارات المتسلطة حيث يتم تولي السلطة والمسؤولية فور السماع بنبأ مرض القائد أو المدير لأن الثقة تكون بين القائد ومرؤوسيه على حافة الهاوية . 
2.الحكمة والتعقل :
لقد أثبت الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قدرته على ضبط النفس والتروي والتصرف بحكمة عندما سمع بنبأ وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان رابط الجأش رزينا متعقلا لم يندفع الى زعامة ولا رئاسة بل كان هدفه ضبط أمور المسلمين وإرشادهم إلى الطريق التي تستمر فيها المسيرة كما كانت عليه في عهد النبي النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فبعد أن بايعه الناس قام فيهم خطيبا بخطبه موجزة ترسم ملامح السياسة التي سينتهجها والطريقة التي سيتبعها في إدارة شؤون البلاد والعباد حيث قال :" أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فان أحسنتُ فأعينوني وان أسأتُ فقوِّموني،الصدق أمانة ،والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله ، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ".
إنها سياسة حكيمة تراوح ما بين التطمين والتحذير والترهيب والترغيب وهذا هو عادة وصفة القائد الناجح وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها دولة المسلمين آنذاك .
3. الحزم والقوة :
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن تلك اللحظة التي تولَّى بها الصحابي أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة  :"لما توفي رسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام اشرأب النفاق ، وارتدت العرب وانحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بابي لهاضها ، فما اختلفوا في نقطه إلا طار أبي بفضلها ".
ان الأمة كانت بحاجة الى هذا النوع من القادة يحفظون عليها دينها ويستمرون بمسيرتها إلى ما كان يريده الله ورسوله ،حيث قال أبو بكر رضي الله عنه في إنفاذ ما كان يريده رسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام وخاصة استمرار جيش أسامه في مهمته:"..... والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام ما رددتُ جيشا وجهه رسول الله ولا حللتُ لواءاً عقده .." إنه الحزم والقوة والتصميم على الاستمرار والنجاح .
4.التصميم والإرادة:
لا تتحقق الأهداف والغايات بدون عزيمة قوية وإرادة صلبة ،فما بالك إن كانت هذه الأهداف تتعلق بمصير أمة ودولة ودين ورسالة ،إن قول أبي بكر رضي الله عنه عندما أراد محاربه مانعي الزكاة :"والله منعوني عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله لقاتلتهم على منعها  ..."،هذا القول يدل على الإرادة والعزم والتصميم على تحقيق الأهداف والاستمرار بالمسيرة لأن فيها حياة الأمة وبقاء الدين،وفيها أيضا زجر وترهيب لمن يحاول الخروج عن صف الأمة وشق غبارها .
5. الإنصاف والعدالة:
لقد وضَّح أبو بكر رضي الله عنه ملامح سياسته القادمة في خطابه الأول للأمة والذي سبق ان أوردنا نصه ، والذي يدل على عزمه وتصميمه على اقتفاء اثر النبي الكريم في رفع الظلم عن الناس وإحقاق الحق وإنصاف المظلومين ،فبعد أن بويع أبا بكر جاء إلى مكة فطاف بالبيت العتيق ثم جلس قريبا من دار الندوة فقال :" وهل من أحد يشتكي مظلمته أو يطلب حقا ، فما أتاه أحد ، وأثنى الناس على واليهم".
 وبهذا العدل وهذه الطمأنينة التي شملت جميع مواطني الدولة انتقل الإسلام من المدينة الى العالم كله ، ليغمر نوره أرجاء الكون وتنتشر أشعته إلى أطراف الدنيا كلها فتصيب أطراف الصين شرقا فترتد إلى أطراف فرنسا غربا.
6.المتابعة والاهتمام :
مواقف كثيرة تجلَّت بها متابعة الراعي لرعيته واهتمامه بكل صغيرة وكبيرة واهتمامه بدقائق وتفاصيل الأمور وخاضه عندما يتعلق الأمر بالناس ومصالحهم وقضاياهم.
 فوصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيش أسامه بن زيد رضي الله عنه خير دليل على ذلك فهاهو يوصيه فيقول له  :" لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوا ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا الا لمأكله ،وسوف تمرون على أقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له....الخ " .
7.الانسانية والرحمة :
إن وصية أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه التي أوردناها في البند السابق هي خير دليل على رحمة القائد وإنسانيته وتسطيره لكثير من بنود القانون الدولي الإنساني الذي توصلت له البشرية المعاصرة والتي تطمح الأمم التي تعاني من ويلات الحروب أن يتم تطبيقه.
لقد عانت البشرية الحديثة من ويلات الحروب والقتل والدمار وهلاك الزروع والثمار وإبادة الأرض والإنسان بحروب طاحنه سميت بالحروب العالمية والتي تجاوزت خسائرها اابشريه أكثر من خمسين مليون إنسان ومثلهم بل أكثر من الجرحى والمشردين والنازحين والمشوهين والمعوقين ..الخ ، بالاضافه الى الخسائر المادية الفادحة ،فأين الانسانيه اليوم من التهم التي توجه للإسلام بأنه دين العنف والتطرف والإرهاب ؟ ،بل انه دين الرحمة والانسانية والأخلاق الفاضلة والمتعامي عن حقائق التاريخ كالذي يريد أن يغطي الشمس بالغربال .
إن صفات أبي بكر القيادية كثيرة ومتعددة وهي تدل على تخلق هذا الخليفة العظيم بأخلاق صاحبه الكريم محمد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وتنسمه ذكراه وإقتدائه به في حكمه وقيادته ورعايته للأمة ،فكان خير القائد بعد الرسول الكريم ، جرى الخير على يديه وانتشر في عهدة الدين الجديد وغمر أجزاء واسعة وكبيرة من الكون تحت مظلة الرحمة والانسانية وبعيدا عن العنف والتطرف والتعنت .
يقول عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الصديق : يصف أبو بكر الصديق:
"  ... فلم يكن متغطرسا ، بل كان مشهورا بالدعة والتواضع مألفا لقومه كما  قال واصفوه محبا سهلا ،.....
و كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته.
ولم يكن مهددا في سيادة مضروبة على أعناق الناس ،فكان من ذوي الشرف في قريش ...
ولم يكن مغلق الذهن ولا وصفه أحد بهذه الصفة من محبيه ولا من شائنيه؛بل كان معروف الذكاء يلمح اللحن البعيد فيدركه ويسبق الحاضرين إلى فهمه والفطنة إلى موضع الإشارة فيه...
ولم يكن مغماسا للشهوات بل كان يكره ما شاع منها بين الجاهليين من ذوي الأقدار والأخطار...
وعلى هذا لم يكن أبو بكر متعصبا للجاهلية وعبادتها فقط ،فقد كان بجانب ذلك مزدريا لها مستخفا بالأصنام وبأحلام عابديها.
ولم يكن الصديق بالجبان ولا بالشجاع الذي نصيبه من الشجاعة قليل بل كانت شجاعته تفوق شجاعة الأبطال المعدودين في الجاهليه والإسلام.
ولم يكن شيخا فانيا متابعا لكل قديم ولم يكن حدثا صغيرا تطيش به شرة الشباب حين دعاه محمد الى دينه وهداه ...
 كان الرجل صادق الطبع مستقيم الضمير لا يلتوي به عما يعلم أنه الحق ،لا عوج ولا سوء دخله.
وعرف باسم الصديق إذ عرف الناس فيه الصدق من أيام الجاهلية قبل أن يدين بالإسلام لأنه كان يضمن المغارم والديات...
وكان مطبوعا على الحماسة لما يعتقد فيه الخير والصلاح .....".
المصادر والمراجع:
-عباس محمود العقاد،عبقرية الصديق،دار المعارف،القاهرة،ط14.
- سعد أبو ديه،حقوق المواطن ورفع المظالم،المجلة الثقافية،العدد70 أيار 2007 ، الجامعة الأردنية،عمان.
- محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الاسلاميه ، المكتب المصري الحديث ، ط3 ،1979.
- توفيق سلطان اليوزبكي، دراسات في النظم العربية والإسلامية ،جامعه الموصل ،1988.
- فوزي كمال ادهم ، الإدارة الاسلاميه ، دار النفائس ، 2001.
- انظر: نص الوثيقة في: د. نزار عبد اللطيف الحديثي، محاضرات في التاريخ العربي، بغداد، 1979، ص97-101.
- عبد السلام أبو قحف ،أساسيات التنظيم والإدارة ، دار الجامعه الجديدة ، الإسكندرية ،2003.
- عبد المعطي محمد عساف،  مبادئ الاداره ،المفاهيم والاتجاهات ألحديثه، مكتبة المحتسب ، عمان ، 1994.
-زهاء الدين عبيدات ،القيادة والإدارة التربوية في الإسلام ، دار البيارق ، عمان ، 2001.
- أساسيات في القيادة والإدارة النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة هايل عبد المولى طشطوش،دار الكندي،الطبعة الأولى 2008.