Monday, February 16, 2015

أمر القرآن بإعمال العقل،ودعوة إلى التفكر والتدبر في الآيات الكونية والتنزيلية والمعنوية

أمر القرآن بإعمال العقل،ودعوة إلى التفكر والتدبر في الآيات الكونية والتنزيلية والمعنوية:
مِنْ أسخف الاتهامات التي اتهم بها القرآن والإسلام أنه يدعو لمحاربة العقل والعلم، وأن العلم والقرآن متعارضان متضادان، وأنه يقيم بينه وبين العقل والعلم سدا كبيرا وحواجز كثيرة.
وهذا القول من أسخف الأقوال وأدناها منزلة، لأن كل الدلائل القرآنية والأدلة الإسلامية تتجه لصوب واحد ونقطة محددة وهي احترام العلم والعلماء واحترام العقل والدعوة للتعقل واستخدام العقل والفكر والفهم في مناحي الحياة وزوايا المعيشة.
والذي حدث أن أعداء الإسلام وكارهي الشريعة الإسلامية من علماء الغرب اتهموا الإسلام بهذه التهمة سواء عن عمد وقصد أو عن جهل، فأخذ هذه التهمة مفكري العرب ومثقفيهم وأذنابهم ممن يَدَّعُون العلم والفهم والفكر والأدب والشعر، فنشروه وأذاعوا به.
فأينما تجد أحداً يقول أن الإسلام والقرآن يحارب العلم والعقل واستخدامه، فاعلم أن قولَه خاطئ واتهامَه باطل وكلامَه ساقط لا أساس له من الصحة، إنما أساسه هو التعصب الأعمى والحقد الواضح لدين الإسلام والكره الظاهر للشريعة الإسلامية والبغض البيّن للقرآن الكريم.
والناظر والمتفحص والمطلع والقارئ للقرآن الكريم يرى اهتمام القرآن الكريم والإسلام بالعلم وإعمال العقل والفكر في آيات الله المسطورة في القرآن أو في الكون.

ولمّا كان العقل هو مناط التكليف, إذ لا تكليف بدون عقل  ففي الحديث الشريف:"رفع القلم عن ثلاثة: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ".

و أمر المولى الكريم في كتابه الكريم بإعمال العقل, وعدم تقييده في النظر والتفكر, والاستنتاج والتدبر, وإيجاد الفروق بين الأشياء, وأمر القرآن هذا لغاية صون العقل عن التبعية والخرافية, ولفته إلى دين الحق, وشريعة الهدى, وما سيجني من وراء تلك التكاليف الإلهية, وكيف يصل المكلف إلى الراحة والسعادة المنشودتين وهو لا يعرف ماذا جنى من وراء ما كلف به.

من هنا نجد دلالات القرآن وإشاراته, صدَّاحة بالدعوة إلى إعمال العقل, وتسخيره في خدمة الأهداف والغايات التي وجد لأجلها الإنسان وقامت عليها الحياة, وعليها يسير نظام الكون المتناسق المرتب الدقيق الدَّال على عظمة خالقه, وبديع صنعه سبحانه.

أمر القرآن بإعمال العقل:
بالنظر إلى آيات القرآن ودلالاته يجد المتأمل الدعوة إلى إعمال العقل في المجالات المختلفة:
في مجال النظر والتفكر, والاستفهام والسؤال, والاستنتاج والاستنباط, والحوار والنقاش, وإثبات الحقائق وإبرازها, والإخبار عن القصص للتفكر والتدبر فيها, والدعوة إلى النظر في الآيات المعنوية والحسية ومدى نفعها للخلق وقدر فائدتها والمحصول منها.
 ولعل أمر القرآن في ذلك يتضح في ما سيأتي من النقاط والآيات:

أولاً: دعوة القرآن لإعمال العقل في الآيات الكونية:
إن الآيات الكونية مجال كبير من مجالات إعمال العقل بالتفكر والتدبر فيما أودعه الله من أسرار في هذا الكون البديع المتقن.
 ولهذا نجد دعوة القرآن الواضحة الصريحة في ذلك حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ), وهذا الموضع على وجه الإجمال, وفي موضع آخر يفصل الله تعالى في ذكر الآيات التي هي مجال للتعقل حيث يقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
قال البغوي في تفسيره:"(لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ)ذوي العقول".
ويذكر الشهيد سيد قطب كلاماً جميلاً حول هذه الآية حيث يقول: " إن هذا الكون بذاته كتاب مفتوح، يحمل بذاته دلائل الإيمان وآياته; ويشي وراءه من يد تدبره بحكمة; ويوحي بأن وراء هذه الحياة الدنيا آخرة وحساباً وجزاء إنما يدرك هذه الدلائل ويقرأ هذه الآيات ويرى هذه الحكمة، ويسمع هذه الإيحاءات (أولو الألباب) من الناس ".

ومن الآيات الدالة على أن الآيات الكونية مجال لعمل عقل الإنسان قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
 وقوله تعالى:(وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
 وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ).
وغيرها من الآيات الدالة على أن الكون وما فيه من الآيات العظيمة دعا القرآن لإعمال العقل فيها والتي تمثل خصائص التصور الإسلامي عن العقل وعلاقته بالفطرة والكون.

 يقول الشهيد سيد قطب: "وهذه الحقيقة تمثل أحد مقومات التصور الإسلامي عن هذا  الكون والصلة الوثيقة بينه وبين فطرة  الإنسان والتفاهم الداخلي الوثيق بين فطرة الكون وفطرة الإنسان; ودلالة هذا الكون بذاته على خالقه من جهة; وعلى الناموس الذي يصرّفه وما يصاحبه من غاية وحكمة و  قصد من جهة أخرى".

ثانياً: الدعوة لإعمال العقل في الجوانب المعنوية:
ولم تقتصر الدعوة في القرآن لإعمال العقل على الجوانب المادية فقط, بل تجاوزت إلى الجوانب المعنوية, حتى يشعر الإعمال بمدى التكريم والتشريف الذي حظي به من خلال آيات الله تعالى المبثوثة في نفسه وكيانه.
ونجد ذلك واضحاً جلياً في آيات الزواج والعلاقة بين الزوجين التي اعتبرها القرآن آية من آيات الله, حيث يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

إن هذه الآية العظيمة لو تفكر العقل فيها اهتدى إلى عظمة الله وقدرته.
 قال البغوي: "(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في عظمة الله وقدرته".
 ومن الآيات الدّالة على إعمال العقل في الجوانب المعنوية للإنسان ما يحدث للإنسان أثناء منامه, يقول تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ), فنوم الإنسان هو الموتة الصغرى, والنوم هو الموتة الكبرى.

ومن الآيات الباعثة على التفكر وفسح المجال فيه في المعنويات, ما ضربه الله تعالى من الأمثلة في القرآن الدّالة على حكمة يريدها الله من الخلق .
ومنها قوله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

ثالثاً: الدعوة لإعمال العقل في الجوانب التنـزيلية:
كما أن الآيات الكونية المادية, والمعنوية المبثوثة في النفوس والخلائق, تعد مجالاً لإعمال العقل بالتدبر فيها, فكذلك الآيات التنـزيلية تعد مجالاً آخر للتفكر والتدبر وميداناً لإعمال العقل, ومن ذلك قوله تعالى(وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).

 ومن ذلك دعوة القرآن إلى التفكر في الآيات والدلائل التي تدل الخلق إلى الخير والهدى الذي أنزل الله من أجله الكتب, وأرسل من أجله الرسل, يقول سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

ومن الآيات التنـزيلية ما ضربه الله لنا في قصة المنفق المرائي الذي احترقت جنته, يقول تعالى: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).

 قال الإمام البقاعي: (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ): "أي ليكون حالكم حال من يرجى أن يحمل نفسه على الفكر ، ومن يكون كذلك ينتفع بفكره".
وبالجملة دعوة القرآن إلى أخذ العبر والعظات من أمثال القرآن, فإنها ليست من باب التسلية والترويح فحسب, بل من أجل أخذ العبرة والعظة الهادفة إلى إقناع العقل بما فيه المصلحة والنفع, قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

رابعاً: دعوة القرآن للتفكر المخلص مثنى وفرادى:
يقول العلامة يوسف القرضاوي: "من أروع الآيات التي حثت على التفكر قوله سبحانه وتعالى في سورة سبأ من القرآن المكي: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).

هذه الخصلة الواحدة المطلوبة مكونه من خطوتين: أولى وثانية.
الخطوة الأولى: أن يقوموا لله مثنى وفرادى, والقومة تعني: النهوض والعزيمة. والخطوة الثانية: أن يتفكروا, أي يعمِلُوا عقولهم ولا يجمدوها".
وفي هذا الأمر من الدلائل والحكم ما لا يمكن تجاوزه, فإن القومة لله تعالى ينبغي أن تكون خالصة لوجهة سبحانه, بعيدة عن كل المؤثرات الخارجية, والأفكار الدخيلة, والمشاعر والعواطف, والضغوطات.

ومن ثم تأتي القومة للتفكير, مثنى وفرادى, ليفكر كل واحد مع نفسه بمعزل عن تأثير الآخرين, وفي هذا تمام الحرية الفكرية, وإطلاق العقل نحو التفكير البناء الموصل إلى الهدى والرشاد.

خامساً الدعوة لإعمال العقل في التذكر:
يعد التذكر إحدى عمليات العقل العليا كما يذكر ذلك العلماء.
والفرق بين التفكر والتذكر:
أن التفكر يعمل لتحصيل معرفة جديدة.
 والتذكر يعمل لجلب معرفة قديمة, ذهل عنها أو غشيتها الغفلة والنسيان.
 وكما أن القرآن دعا إلى إعمال العقل في التفكر, وأكد على ذلك, فإنه دعا إلى التذكر وأكد على ذلك, ويتضح ذلك جلياً من خلال الآيات التي تحدثت عن التذكر, ومنها قوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).

 وذلك لأن القلوب تغفل, والإنسان بطبيعته ينسى, ومنها قوله تعالى: ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ), وقوله تعالى: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ), وقوله تعالى في تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ).

وقوله تعالى في التفريق بين أهل العلم وغيرهم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ).
والكثير من الآيات التي دعت بصيغها وأساليبها المختلفة إلى إعمال العقل, وأثبتت له الدور في العمل والعطاء بوظائفه المختلفة.

والسبب في كثرة الأدلة وتظافرها هو اختلاف عقول الناس.

وسبب تكثير الأدلة أن عقول الناس متفاوتة، فجعل سبحانه وتعالى العالم وهو الممكنات الموجودة وهي جملة ما سواه الدالة على وجوده وفعله بالاختيار على قسمين:
قسم من شأنه أن يدرك بالحواس الظاهرة ويسمى في عرف أهل الشرع الشهادة والخلق والملك.
 وقسم لا يدرك بالحواس الظاهرة ويسمى الغيب والأمر والملكوت.
 فالأول يدركه عامة الناس والثاني يدركه أولو الألباب الذين عقولهم خالصة عن الوهم والوساوس.

 وإن الله سبحانه وتعالى بكمال عنايته ورأفته ورحمته جعل العالم بقسميه محتوياً على جمل وتفاصيل من وجوه متعددة وطرق متكثرة تعجز القوى البشرية عن ضبطها يستدل بها على وحدانيته بعضها أوضح من بعض ليشترك الكل في المعرفة، فيحصل لكل بقدر ما هيئ له، اللهم إلا أن يكون من طبع على قلبه، فذلك هو الشقي والعياذ بالله.

قال الشاعر:
ويا محبّون فعل الخير لا تَدَعَوا ** قرآن خالقكم دعماً وإكثارا
فنحن أحوج للقرآن في زمنٍ ** نرى أباطيله تزدادُ إبهارا
ترمي وسائله فينا قذائفها ** ناراً وسيلاً من التضليل موّارا
حتى الثوابت ألقى المرجفون على ** حصونها الشمِّ أشواكاً وأحجارا
فكم نرى قلماً في كفّ صاحبه ** غدا بأفكاره السوداءِ منّشارا
تشكوا صحائفنا من جوقة سخرت ** بالدين لم ترعى للقرآن مقدارا
هم يسرقون البساتين التي غُرست ** بالحق والصدق والإيمان أشجارا
ولو تغافل عنهم كُل ذي رشدٍ ** لهدّموا بفوؤس الغدر أسوارا
فينا الينابيع من قرآن خالقنا ** وسنة المصطفى علماً وأفكارا
قد يفتح اللص ثقباً في الجدارا فإنّ ** لم يُردع اللص هدّ الركن والدّارا

والله أعلم.
المراجع:
- معالم التنزيل, البغوي, أبو محمد الحسين بن مسعود,  تحقيق: محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش, (دار طيبة للنشر والتوزيع, الطبعة الرابعة, 1417هـ - 1997م).
- في ظلال القرآن, سيد قطب, (القاهرة: دار الشروق, الطبعة العاشرة).
- العقل والعلم في القرآن الكريم, القرضاوي.
-العقل ودوره في البناء المعرفي من منظور القرآن الكريم، نشوان بن عبده خالد قائد.
- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور, برهان الدين أبي الحسن البقاعي,تحقيق: عبدالرزاق غالب المهدي, (بيروت: دار الكتب العلمية,1995م.

Tuesday, February 10, 2015

دعاء عظيم يساوى أكثر من مليار حسنة فلا تحرم نفسك منه

دعاء عظيم يساوى أكثر من مليار حسنة فلا تحرم نفسك منه: 

الإكثار من الإستغفار له فضل عظيم عند الله عزوجل أي عندما يستغفر يحصل على حسنة والحسنة بـ"10"حسنات والله يضاعف لمن يشاء.  

إذاً هل ترغب في أن تكسب في اليوم الواحد على الأقل ألف مليون حسنة؟ فكيف لو كسبت هذا العدد وأكثر منه في جلسة واحدة بل في جملة واحدة .

ما رأيك لو كررت ذلك أكثر من مرة ؟ فكم تتوقع أن يرتفع رصيدك من الحسنات؟.

فلنقف عند هذه المسابقة والتجارة الرابحة فإني لا أظنك ستفرط فيها ولن تمر عليها مرور الكرام دون أن تربح منها وتتاجر فيها مع ربك .
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : 

"من استغفر للمؤمنين والمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة" 

رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع. 

لعل بصرك وذهنك ينصرف في بادئ الأمر إلى كلمة "حسنة " فتستصغر الحسنات التي ستكسبها من هذا الدعاء ولكن لا تحجر ذهنك وانظر بعين أوسع من ذلك فمن المعلوم أن عدد المسلمين اليوم في العالم يتجاوز المليار مسلم. 

ولو افترضنا أن عدد المؤمنين منهم مليار موحد فإن دعاءك واستغفارك لهم كفيل أن يعطيك الله بعددهم حسنات . 

وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات لننال بهذه العبارة القصيرة الجامعة ما لم نحلم به من حسنات في أقصر وقت ممكن . 

فكيف لو قلت هذا الدعاء في اليوم أكثر من مرة أو جعلته مع كل دعاء لك. 

وكم تتوقع أن تزداد حسناتك لو أشركت أموات المؤمنين في الدعاء. 

وكم تتوقع أن يكون العدد لوأضفت استغفارك لأموات المؤمنين ووالمؤمنات والمسلمين والمسلمات؟!

فلا تحرم نفسك من هذا الخير الوفير والعطاءالكبير والثواب الجزيل .
إذن قل معي، وادعوا في وقت فراغك في مشيك وذهابك ورجوعك وانتظارك وووو:

اللهم اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
أو:

ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

Sunday, February 8, 2015

ولربك فاصبر، دعوة إلى الصبر الخالص الصادق،فضيلة وصفة عظيمة وخلق كريم عظيم

(ولربك فاصبر) دعوة إلى الصبر الخالص الصادق،فضيلة وصفة عظيمة وخلق كريم عظيم:

أمر إلهي في الصبر لله ، صبراً خالصا لله لا حظ فيه للنفس ولا طريق به للهوى ولا سبيل له للشيطان.

لربك فاصبر:
صبراً جميلاً على أذية الآخرين لك ،واحتساب صبرك لله يدفعك للصفح عن المخطئ والعفو عمن زلَّ ومسامحة من آذاك.

ولربك فاصبر:
صبراً ملؤه العزيمة القوية والإرادة الشجاعة لتخطي صعاب الحياة وآلام الطريق لتصل لتحقيق آمال طالما حلمتَ بها وتمنيتها.

ولربك فاصبر:
اصبر لله ربك الذي تعهدك من حينما كنتَ جنيناً إلى ما صرتَ عليه، فهو الذي خلقكَ وسواك وعدلك وفي أحسن وأجمل صورة أنشأك، فإذا أصابتك البلايا فاصبر لربك وفاءاً لله وإظهارا لامتنانه عليك.

ولربك فاصبر:
ذلك لأن الصبر:
- طريق الوصول لجنات ونهر، وسبيل العبور عن الصراط لدخول الجنات، وجادة الصواب في متاهات الحياة.
- خلق الأنبياء والمرسلين وصفة الصالحين والمؤمنين وحُلَّة الناجحين والظافرين
بوابة المجد والانتصار، ونافذة الوصول للقلوب والأفكار.

ولربك فاصبر:
فاصبر أيها المؤمن على أذية المنافق والضال لتأخذ بيده للهداية والرشاد...
فاصبر أيها المسلم على أذية المشرك والكافر لتهديه للإسلام والإيمان...
فاصبر أيها المظلوم ودُم على مطالبتك حقك ولا تيأس فإن الفرج مع الصبر
فاصبر يا طالب العلم على طلب العلم ومصاعبه وشدائده فما نال العلم إلا صابر...
فاصبر يا أيها العالم على تدريس الآخرين وتعليمهم بالحكمة والموعظة الحسنة لتنال كل فضائل العلم...
فاصبر أيها الأب على تربية أسرتك ليكونوا سواعد فتية في بناء المجتمع ونشر الإسلام
واصبري أيتها الأم على أخلاق أبنائك وعلميهم أصول الآداب والأخلاق ليغدوا غُرَّة جبين المجتمع.
واصبرا أيها الزوجان على بعضكما وتحليا بخلق الصبر على ما يحصل بينكما من نزاع واختلاف آراء ولا يكن الطلاق نهايتكما، فتهدما حياتكما وحياة أولادكما.
واصبر أيها الموظف على عملك وقم به باتقان واخلاص وصدق، ولا تمدن عينك ولايديك لرشوة ولا تقبل بها لا لك ولا لغيرك .
واصبر أيها الحاكم على أذى رعيتك لك وانشر بينهم العدل والمساواة والإخاء ولا تقبل (الواسطة) و(خاطر فلان) في تعيين الوظيفة، ولا تُلقي بمن يختلف معك بالرأي في السجن، وكن على طريق أخلاق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الحكم والسياسة.
 
ولربك فاصبر:
الصبر على أداء العبادة خالصة لله لا طلباً للشهرة ولا طلباً للوجاهة ولا ليقول الناس عنك أنك مصلي ، وتصوم ، وتتلو القرآن وتحفظه.
الصبر على البعد عن المعاصي وارتكاب السيئات واقتراف الآثام كيوسف عليه الصلاة والسلام لما صبر على عدم المعصية رفع الله مكانته وآتاه الملك.
الصبر على نشر الإسلام بالقول والعمل والقدوة الحسنة ...

ولربك فاصبر:
خص الصبر بـ(الرب) وهو المربي الذي ربى واعتنى بكل الخلق، أفلا يستحق أن يصبر الإنسان وخاصة المسلم لله على ما يقع للمسلم من مصاعب وشدائد ومصائب وبلايا...
جعل الصبر موصولا لـ(الرب) ليعلم المسلم أن الصبر نوع من أنواع التربية وشكل من أشكال التعليم ولون من ألوان الهداية ونوع من أنواع الإرشاد.

ولربك فاصبر:
تخلق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر فصبر على أذية الكافرين والمشركين والمنافقين.
وصبر على تعليم أصحابه وتدريسهم وتهذيبهم.
وصبر على نشر الإسلام وعلى أخلاق الأعراب.
صبر لله ومن أجل الله وخالصا لله.
فانتشر اسمه في الآفاق وانتشر دينه في الأرض ،فكان مثالا لنا وقدوة حسنة. 

ولربك فاصبر:
(فاصبر صبرا جميلا) وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ الَّذِي لا شكوى فيه ولا جرع.
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
(فاصبر إن العاقبة للمتقين).
(ولنصبرن على ما آذيتمونا).

فائدة مهمة في فضل ذكر(سبحان الله،الحمد لله، لا إله إلا الله،الله أكبر):

أدعو كل مسلم للإكثار من ذكر (سبحان الله،الحمد لله، لا إله إلا الله،الله أكبر) وتسمى الباقيات الصالحة، وهذا الذكر سهل ويسير تستطيع أن تقوله في أربع دقائق.

وتستطيع ذكره أثناء الانتظار سواء في القاعات أو في السيارات، وتستطيع ذكره عند الذهاب للمدرسة أو لأي مكان آخر، وفي كل وقت فراغ .
 وهذا الحديث عام لكل أنثى وذكر، لكل امراءة ورجل.

عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: "مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: إنِّي قد كبرتُ وضعُفت ـ أو كما قالت ـ فمُرني بعمل أعمله وأنا جالسة. قال: 

"سبّحي اللهَ مائة تسبيحة، فإنَّها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل،

واحمدي الله مائة تحميدة، تعدل لكِ مائة فرس مُسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله،

وكَبِّري اللهَ مائة تكبيرة فإنَّها تعدل لك مائة بدَنة مُقلّدة متقبّلَة،

وهلِّلي مائة تهليلة ـ قال ابن خلف (الراوي عن عاصم) أحسبه قال ـ: تملأ ما بين السماء والأرض،

ولا يرفع يومئذ لأحدٍ عملٌ إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به".

مسند أحمد بن حنبل  - مسند الأنصار-مسند النساء -  حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها،حديث:‏26340‏وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب والترغيب (1553).

أرأيت إلى عظيم هذا الأجر وكثير كبير الثواب لهذه الأذكار.
فاحرص عليها فلن تأخذ من وقتك سوى خمس دقائق فلا تضيع الفرصة هذه، ولا تبخل على نفسك بالأجر الجزيل والثواب الكبير.

واذكر:
سبحان الله :100 مرة.
الحمد لله: 100 مرة.
لا إله إلا الله : 100مرة.
الله أكبر : 100 مرة.

Saturday, February 7, 2015

(الفتية والفتيان) صيغتا جمع لمفرد وبينهما فروق

 (الفتية والفتيان) صيغتا جمع لمفرد وبينهما فروق:

أرأيتم إن أتتكم رسالة من الملك أو الأمير أو الرئيس، ماذا أنتم فاعلون؟
ستقرؤون الرسالة بتأمل وتمعن وتدبر،وتفهمون مقاصد الكلمات وتعرفون مرامي الجمل والعبارات، وتعلمون مرامي الرسالة وما ترمي إليه.

وستبالغون بالمحافظة عليها والتفاخر بها أمام الآخرين، وستعاودوا قراءتها مرارا وتكرارا،هذا بالنسبة من مخلوق أرسل إليكم رسالة، فماذا تفعلون لو أن رب العالمين وخالق الأكوان وخالق الملوك والرؤساء والأمراء أرسل إليكم رسالة اسمها القرآن الكريم؟!

إننا مقصرون في قراءة رسالة رب العالمين، ولا مبالون بها وغير مهتمين.

إنا نعرض عن القرآن الكريم ونتجه بمبالغة كبيرة وزائدة عن اللزوم نحو روايات وقصص، نحو كتب شعر وأدب مترجم ونمضي الوقت في اللعب واللهو هنا وهناك بملهيات مختلفة متنوعة لا تعود على الإسلام بخير ولا تقيم حقا ولا تنصر مظلوما.

إن هذا الهجران والإعراض أوصلنا إلى ما نحن عليه من تأخر في إعمال العقل لاكتشاف ما في الآيات القرآنية من جواهر وعقد دررية من الفوائد والفرائد، وتأخرنا في إعمال العقل لاكتشاف أسرار السماء والأرض وما في الكون من مخلوقات وأحياء.

إن اللامبالاة في معاملة كتاب رب الأرض والسموات وإغفال ما فيه من فوائد للأحياء وللحياة، للناس وللأسر والمجتمعات، أوصل المسلمون إلى إقفال أبواب الإبداع والاختراع في اكتشاف الجديد النافع، فأصبحنا أمة مستهلكة لا منتجة، أمة متلقية لا مرسلة، أمة مستعبدة فكريا وثقافيا وإنتاجيا.

و القرآن الكريم فيه الهدى من الضلالة وتبيان من العمى واستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الأجداث وعصمة من الهلكة ورشد من الغواية وبيان من الفتن وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم.

 وهذا القرآن هو النور المبين والحبل المتين والعروة الوثقى والدرجة العليا والشفاء الأشفى والفضيلة الكبرى والسعادة العظمى من استضاء به نوره الله ومن عقد به أموره عصمه الله ومن تمسك به أنقذه الله، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله ومن استشفى به شفاه الله ومن أثره على ما سواه هداه الله ومن طلب الهدى في غيره أضله الله ومن جعله شعاره ودثاره أسعده الله ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ومعوله الذي ينتهي إليه أداه الله إلى جنات النعيم والعيش السليم.

ولنطلع معاً على معاني(الفتية والفتيان) وما فيهما من فروق:
الفتية والفتيان: صيغتا جمع لمفرد واحد هو(فتى).
لكن بين الجمعين فرق

الفتية: الشباب المؤمنون

كلمة " فتية " وردت مرتين في سورة الكهف.. وأُطلِقَتْ على أهل الكهف، الشباب المؤمنين الصالحين،الذين اعتزلوا قومهم الكفار.. وذهبوا إلى الكهف ليحافظوا على إيمانهم ودينهم.
قال تعالى: ( إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ).
وقال تعالى: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى).

وقد استخدمتْ سورة الكهف المفرد "فتى " في سياق المدح ..
وعبّرت به عن الشاب المؤمن" يوشع بن نون ".
قال تعالى: ( وإذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ).

الفتيان: الخدم:
أما كلمة " فتيان" فقد وردت مرة واحدة في سورة  يوسف.
وأُطلقت على الخدم الذين يعملون عند (يوسف) ـ عليه السلام ـ 
( وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم).

وقد استخدمَتْ سورة يوسف تصريفات الفتوة.. بمعنى "العبودية":
فيوسف ـ عليه السلام ـ فتى لامرأة العزيز.. أي: عبد لها وخادم في بيتها
(وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً )
ودخل السجن مع يوسف " فتيانِ " خادمان عبدان للملك: (ودخل معه السجن فتيانِ).

نخلص من هذا إلى القول :
الفتوة المؤمنة الصالحة وردت في سورة الكهف مدحاً لصاحبها (فتية).
والفتوة التي تقوم على الرِّقِّ والعبودية.. وردت في سورة يوسف (فتيان).

قال الشاعر:
ألا إنه التنزيل والذكر والهدى *** فأكرم بتاليه وأعظم له الأجرا 
ففيه من الإعجاز ما الفكر عاجزٌ *** وفيه من الإيجاز ما حير الفكرا
تحدَّى به الأقوام فالكل مفحَم *** وأي بليغ ما تغنى به فخرا ؟
تحداهم أن ينهجوا مثل نهجه *** ومن أين للفحَّام أن يصنع الدرا ؟
فإما عجزتم أن تجيئوا بمثله *** فهاتوا لنا في مثل آياته عشرا 
فما هو بالشعر البليغ نظامه *** ولا السحر فالألباب في فهمه حيرى
وقد فتق الألباب حسن بيانه *** ولطف معانيه كما شرح الصدرا

والله أعلم.
المصادر والمراجع:
-المفردات في ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني.
-من لطائف القرآن لصلاح الخالدي.
- الملحمة القرآنية الشعريـة،أبو أسامة.

Thursday, February 5, 2015

الرَّوْع والرَّوْغ فروق بديعة وبيانية

-(الرَّوْع والرَّوْغ) فروق بديعة وبيانية:

متى ينتبه المسلمون إلى القرآن الكريم فيدرسونه ويتأملونه ويتدبرونه فعند ذلك تبدأ مشاكلهم بالتساقط كأوراق الخريف.

وحينما يَعْمَد المسلمون إلى كتاب الله القرآن الكريم فيقرؤونه بتمعن وتمهل، ويجمعون فكرهم في استخلاص مواضيع القرآن الكريم فيعرفونها ويطبقونها فآنذاك يُبصِرون طريق الحضارة وسبل التقدم وطرق الرقي.

غير أن البعض -والبعض هنا كثير!!!- هجروا القرآن وابتعدوا عنه معنى وحكم، فهما وسلوكا وتشريعا، فحاربوه وسخروا واستهزئوا به، وقَدَّمُوا عليه ما بَطَل مما خالفه، فقست القلوب وغابت الضمائر وتكسرت النفوس وتحطمت الأرواح، فلا ظالم يوجد مَن يوقفه عند حده، ولا مظلوم يجد مَن يُناصره، وتمسكت لحى السوء علماء الدنيا بأذناب المال والشهرة والمنصب فحرفوا تعاليم القرآن وأوجدوا ضباب التفسير الموافق لهوى الملوك والرؤساء والأمراء، فما يرضونه هو الدين وما يشتهون هو حكم الله، فتلاعب علماء الدين لحى السوء بمشاعر المسلمين وعواطفهم ووضعوا الحواجز تلو الحواجز أمام فهم القرآن.

والمطلوب هو الرجوع للقرآن الكريم بتعلمه وتدريسه وتدبره بعقل حكيم وفكر موزون وروح الرسالة النبوية التي دعا لها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ " ، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة.
وعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ " .

وفي القرآن الكريم فروق بديعة وبيانية مثل (الرَّوْع) و(الرَّوْغ):
لم تستعمل مادة (الرَّوْع) و(الرَّوْغ) في القرآن إلا في قصة إبراهيم عليه السلام.
قال الله (فلما ذهب عن إبراهيمَ الرَّوع وجآءته البشرى يجادلنا في قوم لوط).

المراد بالرَّوع هنا: تأثره من مفاجأة تبشيره بالولد،مع أنه كبيرٌ وامرأتًه عاقر، فقد ارتاع وفَزَع من صدمة المفاجأة ، فلما زال هذا الروع والفرع صار يجادل الملائكة في أمر لوط عليه الصلاة والسلام.
  و الروع: الخلد، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).

 والروع: إصابة الروع، واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع، قال: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ) هود/74، يقال: رعته وروعته، وريع فلان، وناقة روعاء: فزعة. والأروع: الذي يروع بحسنه، كأنه يفزع، كما قال الشاعر:
يهولك أن تلقاه صدرا لمحفل *** ونحرا لأعداء وقلبا لموكب.
  
و الروغ: الميل على سبيل الاحتيال، ومنه: راغ الثعلب يروغ روغانا، وطريق رائغ: إذا لم يكن مستقيما، كأنه يراوغ، وراوغ فلان فلانا، وراغ فلان إلى فلان: مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال قال: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِالذاريات/26، ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ الصافات/93، أي: مال، وحقيقته: طلب بضرب من الروغان، ونبه بقوله: (على) على معنى الاستيلاء.

أما الرَّوغ أو الروغان: فقد استُعمل منها الفعلُ المضارع (رَاغَ) ثلاث مرات في الإخبار عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
قال الراغب الأصفهاني عن معنى (الرَّوْغ): هو الميل على سبيل الاحتيال، وحقيقته طلبُ بضرب أي نوع من الروغان.

وليس المرادُ بالرَّوغان هنا حقيقته القائمة على الاحتيال والمكر، فإبراهيم لا يليق به ذلك.

ولكنَّ المراد به هنا:السرعة والخِفَّة والذهاب إلى الشيء بنوع من الخفية والترتيب والإعداد السِّرِّي.

ولما جاءت الملائكة إلى إبراهيم في صورة رجال ظنهم بشراًضيوفاً،فأراد أنْ يُكرمهم:(إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ مُنكَرون*فراغَ إلى أهله فجاء بهجلٍ سمين* فقرَّبه إليهم قال ألا تأكلون).

وروغان إبراهيم هنا بمعنى: مسارعته في إكرام ضيوفه،وإسراعه في الذهاب، في خفة وخفية،ليقدم لهم العجل السمين الحنيذ المشوي.

إن كلمة(راغ) جاءت في قصة إبراهيم فقط،مدحاً له وثناءً عليه،عليه الصلاة  والسلام وعلى نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء وآلِ كلٍّ وصحبِ كلٍّ أجمعين.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله شفيعاً لنا ، وشاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، وأسكنا به الظلل ، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين ، وعند النعماء من الشاكرين ، وعند البلاء من الصابرين ، اللهم حبِّب أبناءنا في تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال تعالى:"وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا"

قال الشاعر:
سعادتنا في نهجه واتباعه **** وأسلوبه كالشهد عذب مسلسل
ويدعو إلى الإحسان والبر والهدى *** هو العروة الوثقى لمن كان يعقلُ
ألا إنه القرآن دستور ربنا *** فأكرم به ذاك الكتابُ المفصَّلُ
هنيئاً لمن قد جاء يسعى بنوره *** وطوبى لمن في الحشر أقبل يعملُ
إذا فخر الإنسان يوماً برتبةٍ *** فحفَّاظه بالفخر أولى وأفضلُ
فطوبى لحفاظ الكتاب فإنهم *** مع الصفوة الأبرار في الروض ترفلُ

والله أعلم.
المصادر:
- مسند الشهاب القضاعي .
-ديوان أبو تمام وديوان المعاني.
-من لطائف القرآن لصلاح الخالدي.
- الملحمة القرآنية الشعريـة،أبو أسامة.