Friday, May 5, 2017

لحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (غفور رحيم)



 الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (غفور رحيم):
الآيات :
       هذان الاسمان من أكثر الأسماء اقتراناً في كتاب الله سبحانه وتعالى، حيث اقترنا في سبع وخمسين موضعاً من القرآن الكريم، كلها على نسق واحد في الترتيب، سوى موضع واحد منها، جاء بالترتيب الآتي (الرحيم الغفور) ، وفي سورة البقرة وحدها اقترنا في ستة مواضع، في الآيات التالية :-
1- (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
2- (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
3- (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
4- (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
5- (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
6- (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
المعنى :
غفور : أصل الغفر التغطية والستر،، غفر الله له ذنوبه : أي سترها، وتقول العرب : اصبغ ثوبك بالسواد فهو أغفر لوسخه. الغفور في حق الله سبحانه وتعالى : الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته.
رحيم : على وزن فعيل بمعنى فاعل، أي راحم، وبناء فعيل للمبالغة عالم وعليم، وقادر وقدير. والمعنى أنه المثيب على العمل فلا يضيع لعاملٍ عملاً، ولا يهدر لساع سعياً، وينيله بفضل رحمته من الثواب أضعاف عمله.

المناسبة بين اقتران اسم الله الغفور بالرحيم:

    في تفسير الآية الأولى قال ابن سعدي : والإنسان في هذه الحالة مأمور بالأكل، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة، وأن يقتل نفسه. فيجب إذاً عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلا لنفسه، وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال (إن الله غفور رحيم) …أخبر أنه غفور، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال، خصوصاً وقد غلبته الضرورة، وأذهبت حواسه المشقة .
     وقال ابن كثير : قال سعيد بن جبير: غفور لما أكل من الحرام رحيم إذ أحل له الحرام في الاضطرار.
وقال القرطبي : أي يغفر المعاصي، فأولى ألا يؤاخذ بما رخص فيه، ومن رحمته أنه رخص.
       وأما الآية الثانية فقد قال الطبري في تفسيرها : وأما قوله: (إن الله غفور رحيم) فإنه يعني: والله غفور رحيم للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجَنَف والإثم، إذا ترك أن يأثم ويَجْنَف في وصيته، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به، رحيم بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يجنف عليه لغيره أو يأثم فيه له. 
       وأما الآية الثالثة فقال ابن كثير في تفسيرها : أي فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه. 
      والآية الرابعة جاء اقتران الاسمين بعد الأمر بالاستغفار بعد الفراغ من العبادة للخلل الواقع فيها، وكثيراً ما يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بالاستغفار بعد الفراغ من العبادات، واقترن هذا الاسمان في الآية المذكورة ترغيباً في الاستغفار.  
وفي الآية الخامسة قال ابن سعدي في تفسيره حول معنى (غفور رحيم) : أي لمن تاب توبة نصوحاً. (رحيم) وسعت رحمته كل شيء، وعم جوده وإحسانه كل حي. وهذا دليل على أن من قام بهذه الأعمال المذكورة، حصل له مغفرة الله، إذ الحسنات يذهبن السيئات، وحصلت له رحمة الله. وإذا حصلت له المغفرة اندفعت عنه عقوبة الدنيا والآخرة، التي هي آثار الذنوب، التي غفرت واضمحلت آثارها. وإذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا والآخرة.
       وفي الآية السادسة  قال ابن سعدي أيضاً في معنى (غفور رحيم) : يغفر لهم ما حصل من الحلف، بسبب رجوعهم. (رحيم) حيث جعل لأيمانهم كفارة وتحلة، ولم يجعلها لازمة لهم، غير قابلة للانفكاك، ورحيم بهم أيضاً، حيث فاؤوا إلى زوجاتهم ، وحنوا عليهن ورحموهن.

الخلاصة:  

     إذا تأملنا الآيات السابقة وما ورد من أقوال المفسرين فيها، نجد أن اقتران الاسمين (الغفور الرحيم) ختمت به الآيات في الحالات الآتية :-
1- الآيات التي أشارت إلى الاضطرار إلى المحرم، وبهذه المناسبة أيضاً اقترن الاسمان في غير سورة البقرة في مواضع أخرى، كما في سورة المائدة : 3. وسورة الأنعام : 145. وسورة النحل : 115.
2- الهم بأمر محرم، ولكن لم يتم.
3- بعد ذكر التوبة، وقد اقترن الاسمان بهذه المناسبة في آيات كثيرة من القرآن الكريم، مثل : سورة آل عمران : 89. وسورة المائدة : 24، 29، 74. وسورة الأنعام 54. وسورة الأعراف : 153. وسورة التوبة : 5، 27، 102. وسورة النحل : 110، 119. وسورة النور : 5. وسورة النمل : 11.
4- عند ذكر الاستغفار، أو بعد الأمر بالاستغفار، وقد اقترن هذان الاسمان بهذه المناسبة في مواضع أخرى من القرآن الكريم، كما في سورة يوسف :98. سورة النور : 62. وسورة الشورى : 5. وسورة الممتحنة : 12. وسورة المزمل : 20.
المراجع والمصادر:
- الزجاج ، تفسير أسماء الله الحسنى .
- ابن الأثير ، النهاية غريب الحديث والأثر  .
- ابن منظور ، لسان العرب .
-أبا عبيد ، غريب الحديث . 
-  محمد الحمود النجدي، النهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى . 
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن سعدي . 
-  تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
-  تفسير القرطبي .  
-  جامع البيان للطبري.

الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله الرحمن الرحيم



الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله الرحمن الرحيم
الآية :
 اقترن هذان الاسمان في أواخر الآيات من سورة البقرة مرة واحدة في قوله تعالى :
( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ).

معنى اسم (الرحمن والرحيم):

الرحمن : قال أبو سليمان الخطابي : اختلف الناس في تفسير (الرحمن) ومعناه، هل هو مشتق من الرحمة أم لا ؟ فذهب بعضهم إلى أنه غير مشتق، لأنه لو كان مشتقاً من الرحمة لاتصل بذكر المرحوم فجاز أن يقال : الله رحمن بعباده، كما يقال: رحيم بعباده، ولأنه لو كان مشتقاً من الرحمة لما أنكرته العرب حين سمعوه، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم : وقد قال الله عز وجل ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا).
وزعم بعضهم أنه اسم عبراني، وذهب الجمهور من الناس إلى أنه مشتق من الرحمة مبني على المبالغة، ومعناه ذو رحمة لا نظير له فيها، ولهذا لا يثنى ولا يجمع، كما يثنى الرحيم ويجمع.
   وقال الحليمي في معنى (الرحمن) : إنه المزيح للعلل، وذلك أنه لما أراد من الجن والإنس أن يعبدوه، عرفهم وجوه العبادات، وبين لهم حدودها وشروطها، وخلق لهم مدارك ومشاعر وقوى وجوارح، يعملون بها لتنفيذ ما أراد منهم، وخاطبهم وكلفهم وبشرهم وأنذرهم، وأمهلهم، وحملهم دون ما تتسع له بنيتهم فصارت العلل مزاحة، وحجج العصاة والمقصرين منقطعة.
وقال الشيخ ابن عثيمين : (الرحمن) ذو الرحمة الواسعة، لأن (فعلان ) في اللغة تدل على السعة والامتلاء.
الرحيم  : على وزن فعيل بمعنى فاعل، أي راحم، وبناء فعيل للمبالغة عالم وعليم، وقادر وقدير. والمعنى أنه المثيب على العمل فلا يضيع لعاملٍ عملاً، ولا يهدر لساع سعياً، وينيله بفضل رحمته من الثواب أضعاف عمله.

المناسبة في اقتران اسم الله الرحمن بالرحيم:

       جاء اقتران الاسمين (الرحمن الرحيم ) لبيان مزيد كمالٍ لله سبحانه وتعالى، فوق ما يدل عليه من الكمال كل اسم بانفراده، وفي هذا يقول ابن القيم (رحمه الله تعالى) : ((وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ففيه معنى هو أحسن من المعنيين الذين ذكرهما، وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته)).
وقال أيضاً: ((وفائدة الجمع بين الوصفين (الرحمن الرحيم) الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة، وخاصة وعامة)).
وهذان الاسمان لم يردا في القرآن الكريم إلا على هذا الترتيب.
قال الفارابي: جيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن معنى الرحمة لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى (وكان بالمؤمنين رحيماً).
والآية المذكورة التي اقترن فيها الاسمان من سورة البقرة فيها بيان انفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية وعقب ذلك بذكر اسم من الأسماء التي يختص بها سبحانه وهو(الرحمن) وأما (الرحيم) ففيه تنبيه على إثابة من حقق هذا التوحيد.
قال ابن سعدي : ففي هذه الآية إثبات وحدانية الباري وإلهيته. وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين، وبيان أصل الدليل على ذلك، وهو إثبات رحمته، التي من آثارها وجود جميع النعم، واندفاع جميع النقم، فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى. ثم ذكر بعد ذلك الأدلة التفصيلية .
وقال الرازي: إنما خص سبحانه وتعالى هذا الموضع بذكر هاتين الصفتين، لأن ذكر الإلهية والفردانية يفيد القهر والعلو، فعقبهما بذكر هذه المبالغة في الرحمة، ترويحاً للقلوب عن هيبة الإلهية، وعزة الفردانية، وإشعاراً بأن رحمته سبقت غضبه.
      ومع ما يدل عليه اقتران الاسمين، من أن الله سبحانه وتعالى متصف بهذه الصفة من صفات الكمال وهي صفة (الرحمة)، وأن رحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شيء كما أخبر بها في كتابه العزيز، فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الرحمة أيضاً للمؤمنين به على وجه خاص كما في قوله سبحانه ( وكان بالمؤمنين رحيماً) فالمؤمن هو الذي يحقق توحيد الله سبحانه وتعالى الذي أشار إليه سبحانه بقوله (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) وهذا أيضاً يجعل المؤمن يطمع في رحمة الله سبحانه تعالى ويتعرض لها بفعل الأسباب الجالبة للرحمة.
المراجع والمصادر:
-  شأن الدعاء للحليمي.
-  كتاب المنهاج في شعب الإيمان ، تحقيق حلمي محمد فوده. 
-  شرح العقيدة الواسطية . 
-  بدائع الفوائد لابن القيم (درا الكتاب العربي، بيروت ). 
-  أسماء الله الحسنى، تحقيق وتخريج : يوسف علي بديوي، وأيمن عبد الرزاق الشوا، ط1(درا ابن كثير، بيروت، 1418هـ).
- ابن منظور، لسان العرب. 
-  تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي. 
-  التفسير الكبير لفخر الدين الرازي.