Tuesday, June 24, 2014

عناية الإسلام بالنظافة والصحة

عناية الإسلام والنظافة والصحة :  

العافية هي عنوان الصحة وراية النظافة، وقد جاء الإسلام بتشريعاته التي تهتم بالإنسان من جميع جوانبه، لتخرجه من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل،ومن الفقر إلى الغنى،ومن البؤس إلى السعادة ومن القلق والاضطراب إلى الطمأنينة والراحة النفسية ، ومن القذراة والوساخة إلى النظافة، ومن المرض إلى الصحة.
ومن يظن أن الإسلام وأحكامه وتشريعاته متوقفة على العبادة فهو مخطئ، ومخطئ جدا، ذلك أن الإسلام جاء لكافة نواحي الحياة وكافة مناحي الحياة، ينظمها، ويرتبها، يزيل السيء والشرير منها والضار، ويُبقي ويضع الجيد والخيّر والصالح.
ومن هذه الأمور الصحة التي هي عنوان حياة المسلم وتاج حقيقي عليه، وعمود فقري في معيشته، إذ بالصحة وبعافية الجسد يقوم المسلم بأموره في الحياة من بيع وشراء وأخذ وعطاء وتصريف أمور وتدبير شؤون.
وما يميز الإسلام هو هذه العناية الكبيرة بالصحة البدنية والنفسية والعقلية للمسلم، وقيامه عليها خير قيام، من إرشاد وتوجيه وأمر ونهي ووصايا تدور حول هذا المحور.
  روى أحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلوا الله العافية ، فإنه لم يُعط أحد أفضل من العافية " .
  إن الله أكمل لنا الدين وأتمّ علينا النعمة ورضي الإسلام لنا دينا ، وأكرمنا بشريعة تعالج أمراض القلوب وتقي أمراض الأبدان وتنقي من الأمراض، وأنزل على نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقال فيه : " ما فرطنا في الكتاب من شئ " .
   والشريعة جاءت بحفظ الكليات الخمس وهي : حفظ الدين و حفظ النفس و حفظ المال و حفظ العرض و حفظ العقل .
 ومن حفظ النفس العناية بصحة الأبدان ، لأن البدن أمانة من الله عندنا وهو مطيتنا في رحلة هذه الحياة ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لجسدك عليك حقا " .  
  وقد ربط الإسلام الطهارة بالإيمان وجعل الطهارة نصف الإيمان ،والإيمان من أعلى المراتب وأهمها وأولها وأولاها، فربط الطهارة بالإيمان يدل على أهميتها من ناحية، وعلى عناية الإسلام بها من ناحية أخرى.
روى مسلم عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الطهور شطر الإيمان " .
إن المؤمن يعيش طاهرا كريما ، ويموت طاهرا كريما ، والجنة طاهرة طيبة ، شرابها طهور ،ولا يدخلها إلا الطيبون ، الذين طابت قلوبهم بالإيمان بالله وتوحيده وحبه وخشيته ، وطابت جوارحهم بالطاعات وترك المنكرات ، وطابت أوقاتهم بذكر الله والدعاء وتلاوة القرآن .        
الإسلام دين النظافة والطهارة ، جاء ليبني أمة طاهرة ، طاهرة في عقيدتها وعبادتها وفهمها وسلوكها ، وجاءت الطهارة في نصوص الكتاب والسنة بمعناها الواسع الشامل ليتطهر المسلم ظاهرا وباطنا، يتطهر ظاهرا من الأوساخ والقذارات، ويتطهر باطنا من الذنوب والمعاصي ومن التعلق بغير الله ز
 فمما جاء في أوائل السور المكية قوله سبحانه :" يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر " ، والطهارة هنا كما قال العلماء هي طهارة القلب والنفس والبدن ، فالمسلم مأمور :
-بطهارة القلب من عبادة غير الله ومن الهوى ومن التعلق بغير الله .
-وطهارة النفس والجوارح من المعاصي والذنوب .
-وطهارة الأبدان  والأماكن والملابس من الأدناس والأدران ولأوساخ .
وقد جمع الله محبته بين التوابين وبين المتطهرين، فقال سبحانه : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " فجمع بين الطهارة من الذنوب والطهارة من الأذى والنجاسة ، فإذا كان الإنسان بفطرته السوية يأنف من أي نجس ظاهر يعلو بدنه ويسارع إلي تطهيره وتنظيفه وتعطيره ، فإن نجس المعاصي علي الجوارح أشد من نجاسة الأبدان ، وكلاهما واجب التطهير .

* وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها من أطهر الناس وأجمل الناس وأطيب الناس ظاهرا وباطنا ، وكانت رائحة عرقه أطيب من ريح المسك وإذا مشي من طريق عرفوا ذلك من طيب ريحه ، فهؤلاء أصحابه أشد الناس حبا واتباعا له فماذا كانوا يفعلون ؟؟  
في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بلال! حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة دف نعليك بين يدي في الجنة "  قال : ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهارا إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي .
فانظر لهذا الحديث الذي يبين حرص النبي على أصحابه، وتطبيق الصحابة لتعاليم الإسلام، وحرص الإسلام على الطهارة إذ لا تقبل صلاة من غير طهارة.    
وأول باب يبدأ به الفقه في ديننا هو العبادات وأول ما تبدأ به هو باب الطهارة ، فالوضوء مفتاح الصلاة ، والصلاة هي باب الدخول على مناجاة الله والوقوف بين يديه ، ولله الحمد أن الوضوء كما يغسل الجوارح والأعضاء فإنه يغسل معه الذنوب والخطايا التي تلبست بها هذه الجوارح ، حتى يدخل المؤمن علي ربه طاهرا نظيفا ظاهرا وباطنا :
   روي مسلم عن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة كان مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب " .

* وإذا كان من شروط صحة الصلاة طهارة المكان وطهارة الثياب وطهارة البدن ، فهذا له معنى يريد الشارع الحكيم أن يغرسه في قلوب الأمة وهو أن حياة المسلم كلها طاهرة وعليه أن يتحري الطهر فيما يأخذ ويدع ، وهذا بداية للطهارة الكبرى وهي طهارة القلوب وتزكية النفوس ليلقي المؤمن ربه بقلب سليم :
  كان سلمان مع أي الدرداء بسوق دمشق وحان وقت الصلاة ، فقال سلمان لنبطية من أنباط الشام : يا أمة الله ألا يوجد هنا مكان طاهر لنصلي ؟ فقالت له : يا بني طهر قلبك وصل حيث شئت!! فقال سلمان لأبي الدرداء : خذها حكمة من فم كافرة . ما معنى أن الثياب نظيفة وموضع الصلاة طاهر بينما القلب نجس بالمعاصي والذنوب ومحاربة الإسلام والوقوف ضد علوه وانتشاره وتحكيمه للحياة؟ ولهذا عظم الله أجر الخاشعين الذين يقبلون فيها علي الله بالقلوب قبل القوالب ، وبالأرواح والأفئدة قبل الأجساد والأبدان .

* كم من تشريع حكيم جاء به ديننا ليجعل المسلم مميزا عن غيره في فهمه وعقيدته وعبادته وسلوكه وشعائره ، فالحق لا يلتقي مع الباطل في أول الطريق ولا في منتصفه ولا في منتهاه.

كان أحد المسلمين في إحدى دول الغرب يتوضأ في مغسلة وعندما كان يغسل رجليه دخل رجل فرآه وقال له: ماذا تفعل أتغسل قدميك في مكان نغسل به أيدينا.هذا سلوك غير صحيح.نظر إليه المسلم وقال له له: كم تغسل وجهك في اليوم؟ قال له: مرة حينما أستيقظ. قال له المسلم: إني أغسل قدمي في اليوم خمس مرات عند الوضوء،فأيهما أنظف قدمي أو وجهك؟! سكت الرجل ومضى في سبيله.

والعناية بالصحة جاء التأكيد عليها في مواضع من الكتاب والسنة ، ومن مظاهر هذه العناية :
1- تحريم المسكرات والمخدرات والخمر والمفترات والميتة ولحم الخنزير وكل ما يترتب على تعاطيه ضرر في الجسد أو النفس أو العقل .
2- التأكيد على الوقاية من المرض تحسبا لعدم إصابة الإنسان بالأسقام والأوجاع قبل وقوعها ، فأمرنا بتجنب الإسراف في الطعام والشراب وغيرهما ، " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " .
3- أمر بأخذ الأسباب لتجنب الأمراض المعدية حفاظا على الصحة وحماية لها ، فوجه إلى الابتعاد عن المصابين بالأمراض التي تنتقل وقد تعدي ،  روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد "
نفيُ العدوى المراد حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك المرض قدر الله فيعتقد من وقع له ذلك أنه من العدوى والطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عنه ، فكل شئ بقدر الله ، والنافع والضار هو الله ، (لا عدوى) مؤثرة بذاتها وطبعها، وإنما التأثير بتقدير الله عز وجل، والعدوى سراية المرض من المصاب إلى غيره.  
 (هامة) هي الرأس، واسم لطائر يطير بالليل كانوا يتشاءمون به. وكانوا يزعمون أن روح القتيل إذا لم يؤخذ بثأره صارت طائراً يقول: اسقوني اسقوني، حتى يثأر له فيطير. (صفر) هو الشهر المعروف، كانوا يتشاءمون بدخوله، فنهى الإسلام عن ذلك. (المجذوم) المصاب بالجذام، وهو مرض تتناثر فيه الأعضاء.
4- ومن العناية بالصحة في السنة الأمر بتغطية آنية الطعام والشراب خشية أن يقع فيها ما يسبب الأمراض ، روى أحمد ومسلم عن جابر  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غطوا الإناء ، وأوكئوا السقاء ؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط أو سقاء لم يوكأ إلا وقع فيه من ذلك الوباء " ، وروى مسلم أيضا عن جابر  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غطوا الإناء ، وأوكئوا السقاء ؛ وأغلقوا الأبواب ، وأطفئوا السراج ؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء ، ولا يفتح بابا ، ولا يكشف إناء ؛ فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل ؛ فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم " .
5- ومن أسس وركائز العناية بالصحة الأمر بالتداوي عند الإصابة بالمرض ، روى أحمد عن أسامة بن شريك  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تداووا عباد الله ، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم " أي الشيخوخة والكبر .

* وحفظا لنعمة الصحة أمرنا ديننا بالنظافة وجعل الطهور شطر الإيمان ، شرع لنا ديننا كثيرا من أنواع الغسل المفروضة والمندوبة ، فأوجب علينا الغسل من الجنابة وكذا المرأة من الحيض والنفاس وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ، وشرع لنا غسل الميت رغم أنه في آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة وسيدفن في القبر بين الدود والتراب ، وسن لنا غسل الجمعة والعيدين والإحرام لمن أراد حجا أو عمرة ، ورغب في الوضوء قبل النوم لينام علي طهارة كما جاء في حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : إذا أتيت  مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيرا ، فاجعلهن آخر ما تقول " .
كم من نائم نام وما قام ، فما يدري الإنسان إذا نام لعلها آخر نومة لا يقظة بعدها فيكون قد نام طاهرا ، فقد روى الطبراني وابن حبان عن ابن عمر  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طَهِّرُوا هَذِهِ الأَجْسَادَ طَهَّرَكُمُ اللَّهُ, فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ يَبِيتُ طَاهِرًا إِلا بَاتَ مَلَكٌ فِي  شِعَارِهِ لا يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا " .   

* وحتى خير البقاع في الأرض وهي المساجد ،أمرنا الله أن نعظم بيوته ، والتعظيم يبدأ عند الشروع في الذهاب إليها بالتطهر ولبس أجمل وأفضل وأنظف الثياب والتعطر والظهور بمظهر حسن وجميل، " يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد "، فأنت تقبل على بيت العظيم سبحانه ، ومن تعظيم شعائر الله تعظيم هذا اللقاء ، فالمساجد بيوت الله في الأرض ، وزوارها عمارها الذين يعمرونها بمجالس العلم وقراءة القرآن والصلاة والذكر والدعاء ، وهذه العمارة هي علامة الإيمان ، " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين " .
   ومدح الله قوما يعمرون بيوته ويحرصون على الطهارة لأنها شعار هذه الأمة الطاهرة " لمسجد أسس علي التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " .
 
   وقد جعل الشارع الحكيم أحكاما متعلقة بهذه البقاع تعليما للأمة سنن النظافة والطهارة :
1- سن الغسل عند اجتماع عدد كبير من الناس فيها كالجمعة والعيدين . روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده " .
 وعني بنظافة الشعر فروي أبو داود عن أبي هريرة  عن النبي  قال : " من كان له شعر فليكرمه " .
2- سن لنا التطيب والتجمل بلبس أفضل الثياب وأكرمها عند القدوم عليها ولا سيما في الجمعة . روى البخاري وأحمد عن سلمان  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " .
3- نهي عن كل ما يؤذي المسلم من رائحة كريهة ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته " ذلك لأن الملائكة تتأذي مما يتأذي منه بنو آدم ، إذا كان هذا في الثوم والبصل وفيهما ما فيهما من المنافع ، فكيف بالدخان وهو سرطان وسم قاتل لا منفعة فيه ؟؟!!
4- سن لنا سنن الفطرة وأنها من سنن المرسلين قبلنا ، فقال صلى الله عليه وسلم: " خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ".
 ورغب في السواك لأنه مطهرة للفم فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ".
 وروى أحمد والنسائي وابن حبان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب " .
 دين يعتني بالصحة ويأمر بالنظافة والطهارة ويدعو إلى كل جميل طيب تطيب معه الحياة فهل يزهد فيه عاقل أو يفرط فيه من يريد حياة طيبة ؟؟!!
وهذه التعليمات الإسلامية والتوجيهات النبوية والإرشادت الدينية تضع لنا منهاجا للطهارة والنظافة والعناية بالصحة، ذلك أن الإسلام دين الله الذي لم يغير ولم يُبَدل، وهو صالح لكل زمان وكل مكان وكل إنسان (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
والله أعلم    

المصادر:
-القرآن الكريم.
- صحيح البخاري  ومسلم وابن حبان ومسند أحمد  و سنن والنسائيومعجم الطبراني
- الإسلام والرعاية الصحية ،الشيخ حسن الصفار
- كتاب "الطب عند العرب".
- عناية الإسلام بالصحة خالد عبد العليم متولي                 -محاضرة الإسلام والرعاية الصحية فهد العصيمي .
- توجيهات صحية من الرسول.
- دواء من القرآن والسنة ، حسام الدين أبو السعود.

- مجلة التغذية والصحة

Friday, June 20, 2014

الحرب في الإسلام صلاح ونجاح،أخلاق وعطف،قوة ولطف:
الذين ظلموا أنفسهم ودينهم، وتبعوا أفكار الغرب التي تكره الإسلام وتحقد عليه وتشوه صورته، أولئك هم الخاسرون، خسروا دينهم بإتباعهم أعداء الإسلام، وخسروا أنفسهم حيث جعلوها دمية بيد العدو، وخسروا مَن حولهم لأن المسلم لا يرضى الدنية ولا يرضى أن يشوه الإسلام، ومَن يرضى ذلك ومَن يفعل ذلك فإنه آثم قلبه، مُظْلِمَةٌ نفسُه، مُصْخِرَةٌ روحُه، يحتاج لتعليم وتأديب، وإفهام وتوجيه وإرشاد.
إن الحرب في الإسلام، مطلب نبيل، وغاية أخلاقية، وسبيل تربوي، يسعى فيه الإسلام إلى نشر الخير وبث السعادة وإقامة الحق، ورد العدوان ودفع الباطل ودحر الأعداء.
وأكثر باب دخله أعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام هو من باب وصف الإسلام بأنه دين إرهابي يسعى للقتل وحب سفك الدم، وهذا كلام باطل لا صحة فيه، القائلون به إما كارهون للإسلام حاقدون عليه، فيقولونه عن علم ، أو جاهلون بما في الإسلام ، أو مقلدون لأعداء  الإسلام يرددون ما يقوله عدو الإسلام وينشرون ذلك...
الذي ينظر بتمعن وبإنصاف يرى الإسلام في حربه مع الأعداء أرسى قواعد ونظما أخلاقية لم يصل لها الغرب إلا في هذا العصر، ويرى تعامل الإسلام في حروبه مع أعدائه قائم على الرحمة، والهدف هو إما الدفاع أو رد العدوان أو نشر الإسلام أو رفع الظلم أو نصرة حلفائه، وكلها غايات نبيلة لا يختلف عليها إثنان ولا يُنتَطَح بها عنزان، ولا يراها إلا من أصابه عمى الحقد أو غشاوة التقليد أو عشى الجهل.
قال غوستاف لوبون: لم يعرف العالم فاتحا أرحم من العرب.
لم يكن الإسلام غايته القتال والحرب ونشر الحروب ، ففي مراحل الإسلام الأولى  كانت مرحلة الكف والإعراض والصفح ً قال  تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً]النساء:77[.
و روى ابن جرير والنسائي في سننهِ عن ابن عباس  رضي الله عنها أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم:" فقالوا: يا رسول الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة ، فقال إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا " .
وامتدت هذه المرحلة أكثر من عشر سنوات، حتى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة للمدينة المنورة  حتى استقراره بها.    
وكانت هذه المرحلة ملازمة للوجود الإسلامي، فمن لا يقاتلهم لا يقاتلونه، ومن لا يعتدون عليه لا يحاربونه، إذ الأصل في الإسلام السلام ونشر السلم والتعايش مع الآخرين ونشر الإسلام بالدعوة والتبيين والتبليغ.
- ثم مرحلة مقاتلة من يُقاتل المسلمين ومُحاربة من يُحارِبهم، فقد شرع الله القتال لرد العدوان وحفظ الأنفس والأموال والممتلكات، ولإظهار قوة المسلمين وأنهم غير ضعفاء ولا أذلاء ولا يقبلون الضيم ولا الاعتداء فقد أذن الله لهم بالقتال ولم يفرضه عليهم فقال:(  أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) ]الحج:39[ .
- ثم المرحلة الثالثة: وهى الأمر بالقتال لمن قاتلهم دون من يقاتل: وذلك بقوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) ]البقرة:190[ . فالذين يحملون السلاح من الأعداء ويوجهونه ضد المسلمين، والذين يُقَابِلون المسلمين بالسلاح لقتالهم وقتلهم، فهؤلاء يُقَاتَلُون ويُحَارَبُون، أما مَن لا يُوَجِه السلاحَ ولا يُقَاتِل المسلمين فهؤلاء لا يُقاتَلون ولا يُحارَبون، وفي هذا بيان أن الحرب في الإسلام قائم على رد العدوان ودفع الأعداء.     
-ثم المرحلة الرابعة: فرض الله على المسلمين قتال المشركين كافة ومحاربتهم، بقوله تعالى:  ( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ) ]التوبة:36[  ، وقوله :   ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ) ]التوبة:5[ ،  وقوله:  ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )  ]التوبة:29[ ، وقوله تعالى:  (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ) ]الأنفال:39[.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله " [متفق عليه] .
وهذه المرحلة الأخيرة هي التي استقر عليها الأمر في معاملة المسلمين للكفار من جميع الأجناس ، أهل الكتاب وغيرهم .
 ولا يختلف العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم على أنه يلزم المسلمين عند القدرة ابتداء الكفار بالقتال ولو لم يقاتلوا المسلمين ، وهذا جهاد الطلب مع لوازم جهاد الدفع بالإجماع.
وسبب ذلك هو أن أعداء الإسلام والمسلمين وإن سكنوا حينا ولم يشرعوا لقتال ومحاربة  المسلمين فإنهم سيفعلون متى استطاعوا ومتى تحين لهم الفرصة، وهذا حصل في تاريخ المسلمين كثيرا، فكلما ركن المسلمون ولم يستعدوا للأعداء ، كان الأعداء يتجهزون للقضاء على الإسلام ولوقف انتشاره، ومن أهم صفات الخليفة أو الحاكم هو قدرته على رد العدوان وشجاعته في مواطن الحرب والقتال، وقدرته على الوقوف ضد الغزاة ، وحمايته للشعب والإسلام أول وأهم صفاته، فإن خلت منه هذه الصفة فلا سمع ولا طاعة له، إذ موافقة الشعب على حكم الملك أو الرئيس هو كالعقد بينهما فإن اختل شرط بطل العقد.
فإذا نظرنا إلى الرؤساء وحكام وملوك العرب والمسلمين فإنهم لا يتصفون بتلك الصفة، إن هم إلا ورق يسهل تمزيقها من أعداء الإسلام متى أرادوا، بل إن بعضهم قد استعان ويستعين بأعداء الإسلام والمسلمين لقتال المسلمين،ويدعمهم بالمال والمواقف والاعلام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحرب في الإسلام تقوم على أعداء المسلمين كما بين في الفقه الإسلامي إذا:
كانوا يدخلون بلدة للمسلمين أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار إسلام ولو بعيداً من البلد فيلزم أهلها هذه البلاد قتالهم وحربهم ويكون فرض عين أو كفاية،حتى على فقير بما يقدر عليه وولد ومدين ولا يلزم أخذ إذن من الأبوين  أو المسؤول أو صاحب العمل أو صاحب الدين.
ويتعين الحرب في الإسلام:
بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباناً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم أيضاً الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في ذلك .
 كما أن على الإمام:
 فرض على إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة يخرج معهم بنفسه حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطو الجزية عن يد .
وإخراج الإمام طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في أوقات الغرة وعند إمكان الفرصة والإرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة فإن قيل كيف يصنع الواحد إذا قصر الجميع قيل له يعمد إلى أسير واحد فيفديه فإنه إذا فدى الواحد فقد أدى فى الواحد أكثر مما كان يلزمه في الجماعة فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسرى ما أدى كل واحد منهم إلا أقل من درهم ويغزو بنفسه إن قدر وإلا جهز غازياً
   قال صلى الله عليه وسلم " من جهز غازياً فقد غزا ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا " وذلك لأن مكانه لا يغنى وماله لا يكفى .
فالحرب تتعين في الإسلام في أحد مواضع:
أحدها : إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام لقوله تعالى:  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا ]الأنفال:45[ ، وقوله:  ( وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ]الأنفال:46[ ، وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ]الأنفال:15[.
الثاني : إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم .
الثالث : إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير لقول الله تعالى:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ]التوبة:38[ ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم:إذا استنفرتم فانفروا " .
وإن من أهداف الحرب في الإسلام ما يلي:
الهدف الأول: إعلاء كلمة الله تعالى؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).
الهدف الثاني: نصر المظلومين، قال تعالى:  (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالـْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالـِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
الهدف الثالث: رد العدوان وحفظ الإسلام، قال الله تعالى:  (الشَّهْرُ الْـحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْـحَرَامِ وَالْـحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). وقال سبحانه:  (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لـَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
أخلاقيات الحرب في الإسلام:
إن القتال في الإسلام قائم على الأخلاق مثل السياسة والاقتصاد والعلم فكلها لا تنفصل عن الأخلاق , خلافاً للحرب في قاموس الحضارة الغربية التي لا تنضبط بالأخلاق , بل يحكم الحرب عند المسلمين دستور أخلاقي نابع من الدين الإسلامي الحنيف.
ونستطيع أن نلخصها في الأمور التالية :
1- تحريم الإسلام استخدام أساليب غير أخلاقية لاختراق الأعداء وكشف أسرارهم عبر المحرمات كالجنس والخمر وسائر ما حرم الله تبارك .
2- الوفاء بالمواثيق والعهود , وتحريم الغدر والخيانة , قال تعالى : [وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا] {الإسراء:34}  .
3- عدم مشروعية استخدام أسلحة الدمار الشامل : عدم مشروعية استخدام الأسلحة الكيماوية والجرثومية ، والنووية التي تقتل الألوف بل الملايين في دقيقة واحدة وتأخذ المسيء إلى جانب البريء ، أو تعمل على تدمير الحياة البشرية , وهي محرمة كما قال الشيخ القرضاوي, لأن الأصل في الإسلام عدم قتل من لا يقاتل ، وقد أنكر صلى الله عليه وسلم  قتل امرأة في إحدى المعارك , ولكن لا يمنع الأمة من امتلاك أسلحة الدمار الشامل , بل يجب عليها السعي لامتلاك هذه الأسلحة الرادعة ما دام غيرنا يمتلكها ويهددنا بها.
وأعجب ما في الأمر أن تمتلك الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا هذه الأسلحة ثم تحظر على الآخرين امتلاكها , تمنعها عن الدول العربية والإسلامية , بينما يحق لدولة الكيان المصطنع على أرض فلسطين أن تملك أكثر من مائتي قنبلة نووية , ولا يجوز للأمة استخدام هذه الأسلحة إلا إذا تعرضت لخطر وجودها وهي حالة الخطر القصوى  .
4- يدعو الإسلام إلى التعامل مع الأسرى بإحسان : [فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً] {محمد:4} .
5- الأخلاق المستخلصة من نصوص الكتاب والسنة والتجربة الجهادية للأمة وهي كالتالي :
-عدم قتل النسـاء والأطفال والشيوخ والرهبـان وأصحاب الحرف المهنية والمكفوفين .
 يحرم قتل المدنيين .
-لا يجوز التمثيل بجثث القتلى من الأعداء .
-لا تهدم منازل لمحاربين ولا تحرق محاصيلهم وزروعهم لغير مصلحة .
-الرحمة بالأطفال والصبيان , لأنهم لا يدخلون الحرب إلّا بعد البلوغ  .
لقد كتب الله على هذه الأمة أن تكون شاهدة على الأمم وخاتمة للرسالات السماوية، ومن تبعات هذه المهمة العظمى أن تلقى العنت والتكذيب بل وتواجه بالكيد والمكر والمحاربة من قبل أعدائها، وفي مقدمتهم رأس الحربة "التحالف الصليبي اليهودي"، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: 82).
ولقد عرفت هذه الأمة هجمات عديدة من قبل هؤلاء الأعداء، على مر العصور، أو مِنْ قِبَلِ مَن ألَّبه هؤلاء، فكانت الحرب بيننا وبينهم سجال، يوم لنا ويوم علينا، تكونت من حلقات وجولات عديدة، ما زالت رحاها تدور إلى اليوم، وقد استطاعت هذه الأمة أن تقاوم هذه المكائد كلها وتواصل سيرها في أداء رسالتها وترفع الحصار المضروب عليها لخنقها وتكبيلها عن أداء هذه الأمانة الكبرى، أمانة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أجل هذا فقط تكالبت أحزاب الكفر والنفاق وتحالفت لضرب كيان هذه الأمة وزعزعة صرحها، {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج: 8].
 وإن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله – تعالى – في خلقه ، باقية إلى قيام الساعة ، قال – سبحانه - : « وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ »، وما انتصر الباطل يوماً أو علت رايته إلا في غفلة من أهل الحق أو تغيبهم عن مواقعهم .
وقد اقتضت رحمة الله – تعالى – بعباده أن يقيض للحق على - مر الدهور- جنوداً يدافعون عنه وينافحون ، ويبذلون في سبيل نصرته كل غالٍ ونفيس ؛ إيقاناً منهم أن سعادة بني الإنسان لا تتحقق إلا برفع راية الحق فوق ربوع العالمين ، وارتكازاً على الطاقة الإيمانية المتجددة المستمدة من رسالات السماء التي أتم الله صرحها ببعثة خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ففتح به أعيناً عميا ، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلْفا ، وأرسى دعائم الحق في قلوب المؤمنين ، فخاضوا ميادين الجهاد في سبيل نصرة الحق وقمع الباطل ، فتحولوا- بفضل الله جل وعلا -  من الضعف إلى القوة ، ومن الهزيمة إلى النصر ، ومن الذل إلى العز ، وتكونت على أيديهم دولة إسلامية كبرى لم يعرف التاريخ لها مثيلاً .
وبهذا امتن الله – سبحانه – على عباده المؤمنين ، فقال في كتابه الكريم : «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».
وقد تعرضت الأمة الإسلامية عبر تاريخها لحروب شرسة ومحاولات عديدة لطمس الهوية واحتلال البلاد واستعباد العباد ، وفي ميدان المواجهة لتلك الحروب والمحاولات سجلت لنا ذاكرة التاريخ صفحات مشرقات من الازدهار والانتصار في عصور الاتباع، وفي المقابل صفحات مظلمات من الاندحار والانكسار في عصور الابتداع ، وهذا يصدقه قول الله – سبحانه - : « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى».
وسنة الله لا تختلف في ميدان النصر والهزيمة ، فمع منهج الله عز وانتصار ، ومع الإعراض ذل وانكسار .
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا**فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
والشر إن تلقه بالخير ضقتَ به ذرعاً**وإن تلقه بالشر ينحسم
والله أعلم.
المصادر:
- القرآن الكريم.
- تفسير ابن جرير و تفسير القرطبي..
- سنن الترمذي.
- مغني المحتاج شرح ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني.
- المغني لابن قدامة المقدسي.
- البدائع للكاساني.
- عوامل النصر على الأعداء في ضوء الإسلام ،د/ محمد هلال الصادق هلال.
- السيرة النبوية , لأبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري.
 -فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته ، للإمام يوسف القرضاوي.

Thursday, June 12, 2014

التجارة في الإسلام و ابتكار المسلمون بعض النظم المالية والتجارية

التجارة في الإسلام و ابتكار المسلمون بعض النظم المالية والتجارية:
كم ظُلِم الإسلام بسبب أكاذيب العلمانية والليبرالية.
كم ظُلِم الدين الإسلامي بسبب أغاليط ومغالطات الصهيونية والصليبية أعداء الإسلام والحاقدين عليه.
كم ظُلِمت الشريعة الإسلامية بسبب سوء فهمها وسوء تطبيقها وسوء نشرها والدعوة إليها.

الدين الإسلامي خاتم الأديان، مُلَبٍّ لفطرة البشرية، حاوٍ لمصالح الإنسانية،مُشْتَمِلٌ على ما تصبو إليه الروح وتشرئب له النفس ويطلبه القلب ويسعى له العقل.

وأنى لأعداء الإسلام أن يفهموه وفي قلوبهم ظلام الحقد منتشر، وفي نفوسهم سواد الحسد متمكن، وفي عقولهم شائعات وأفكار كاذبة مسيطرة ومتنامية.

كيف وإِنْ وكلما يظهر أعداء الإسلام إما بالقوة أو الحيلة أو المكر أو الخداع فإنهم يصوبون سهام غدرهم ويطلقون رصاص حقدهم على نقاء الإسلام ونقاوة تعاليمه حتى يتعكر في الأذهان سمو تعالميه وعلو تشريعاته.

والمنافقون من المدعين للإسلام يُكْمِلُون خطط أعداء الإسلام رغبة في المنصب وسعيا للمراتب ونيل الأموال والشهرة.

ورأينا وما نزال نرى أن كل من يحارب الإسلام من دولة أو جيش أو عسكر أو نظام أو حكومة فإنها الأقرب للغرب والأحب لليهود والمدللة لدى أعداء الإسلام.
يحاربون الإسلام بصور شتى وأهمها نشر ثقافة كره الإسلام وأن الإسلام لا علاقة له بشؤون الدولة ولا السياسة ، ومجاله فقط المساجد والمحاريب.
وهذه ثقافة خاطئة مليئة بالكذب ومشحونة بالحقد ومسربلة بالحسد.

الناظر للآيات في القرآن الكريم والمتتبع لأحاديث النبي العظيم، والقارئ لسيرة النبي وأصحابه، والمطلع على تاريخ وحضارة الإسلام ، يرى أن الإسلام اهتم بشؤون الدولة والسياسة وشؤون الناس ومعيشتهم، فنظمها وقنَّنها ورتبها،فكانت حضارة لا مثيل لها، وكان إبداع لا نظير له، وكان ابتكار لا شبيه له.

ومن ذلك التجارة وأمورها وشؤونها ، إذ بالتجارة يتعامل الناس فيما بينهم من بيع وشراء ورهن وشراكة وكفالة و مضاربة واستدانة وإدانة ووقف وهبة وشفعة وإيجار واستئجار وتوكيل وضمان واستعارة وغير ذلك .

وجد المسلمون في آيات القرآن ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يشبع لديهم الحب الفطري للمال  {.. وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ..} سورة البقرة/275.
 وهو مع هذا يهذب هذا الحب حتى لا يبلغ حد الطمع والشره والشح فيجري الإنسان وراء المال جري المسعور الذي ينسى معه الهدف الذي خلق من أجله  {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } سورة النور/ 37.
 قال قتادة : كان القوم يتبايعون ويتجرون ، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع حتى يؤدوه لله !
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ ..}سورة البقرة /267
يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد عن النبي صلى الله عليه وسلم : باع واشترى ، وشراؤه أكثر ، وآجر واستأجر وإيجاره أكثر ، وضارب وشارك ، ووكل وتوكل ، وتوكيله أكثر ، ووهب واستوهب ، واستدان ، واستعار ، وضمن عاماً وخاصاً ، و وقف وشفع.
قال تعالى: " {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ..} سورة الفرقان/ 7.
وإلى جانب دعوة القرآن الكريم للسعي في طلب الرزق، كانت السنة النبوية القولية منها والفعلية تصنع الدافعية إلى العناية بهذا الجانب في الحياة البشرية ..
قال صلى الله عليه وسلم :" التاجر الأمين الصدوق مع الشهداء يوم القيامة "، وقال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا ، سمحا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى"   ، وقال صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا الطيب ، وإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبها ، كما يربي أحدكم فلوه ، حتى تكون مثل الجبل"    وقال صلى الله عليه وسلم: " لأن يأخذ أحدكم أحبلا ، فيأخذ حزمة من حطب ، فيبيع ، فيكف الله به وجهه ، خير من أن يسأل الناس ، أعطي أم منع " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما "
فكانت هذه النصوص الشرعية ولا تزال لها أثرها الكبير في تنشيط الحركة التجارية زمن النبوة وبعده.
وكان الصحابة الكرام يمارسون التجارة:
جاء في البخاري في باب كسب الرجل وعمله بيديه عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما استخلف أبو بكر الصديق قال : لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي ، وشغلت بأمر المسلمين ، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ، ويحترف للمسلمين فيه "، وعند ابن ماجه أن أبا بكر خرج تاجراً إلى بصرى في عهد النبي .." .
 وكان أبو بكر تاجراً بمكة ، وكان يعتق من ماله ويعول المسلمين .
 وكان من تجار الصحابة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقبلهم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ومنهم الزبير بن العوام ، وسعد بن الربيع الأنصاري ، وسعد بن عائذ المؤذن ، ومنقذ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين .
 وفي حديث أبي هريرة عن سبب تميزه في حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق أي التجارة والبيع والشراء ...
وكان عبد الرحمن بن عوف يذهب إلى سوق بني قينقاع .
وكان لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم أثرها في نشاطهم التجاري ، فكان صخر الغامدي يخرج بتجارته في البكور لحديث : " اللهم بارك لأمتي في بكورها "  ،  فأثرى صخر وكثر ماله ".
وكان في سوق المدينة البزازون ( بائعو الثياب وأثاث البيت)، ومن يتجر في الصرف فعن أبي المنهال قال : سألت البراء بن عازب رضي الله عنهما و زيد بن أرقم y عن الصرف، وكل واحد منهما يقول : هذا خير مني ، فكلاهما يقول : نهى رسول الله e عن بيع الذهب بالورق ديناً  .  
وقد كبر هذا السوق زمن عثمان بن عفان فجعل له مراقبا هو الحارث بن الحكم ليراعي المثاقيل والموازين .
 وراجت وشاعت أنواع من التجارة مثل الزعفران ، والعنبر ، والمسك ، والعود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
 وبيع في أسواق المدينة الرماح حيث كان يتجر به نوفل بن الحرث كما في الاستيعاب ، وكانت تباع العقاقير ، وفي الإصابة أن أسماء بنت مخرمة كانت تبيع العطر ، وحولاء بنت ثويب كانت كذلك  ..
واشتهر سعد بن عائذ المؤذن بالتجارة في القرظ ( وهو ورق السلم يدبغ به ) .
 وكانت هناك تجارة النسيج ، وكان هناك النجارة كما في قصة صنع المنبر .
 وكانت تجارة الحلي وصياغتها وقد تميز بها يهود بني قينقاع بالمدينة .
 وكان هناك الحداد وقد اشتهر أبو سيف بذلك ، والصياغ ، والدباغ ، وجلاب البضائع كالحب ، والخواص ( ما يصنع بورق النخيل ) واشتهر بها سلمان الفارسي ، والحجام ، والحلاق ، واللحام ( الجزار ) ، وكانت هناك الماشطة ، والقابلة ، والمرضعة ، ومَن تغزل..
ازدياد النشاط التجاري في دولة الإسلام:
كان سوق المدينة المنورة مقصد التجار ، وكان النشاط التجاري يزداد ازدهارا باتساع دولة الإسلام ، فقد نشطت حركة التجار لتصل مناطق لم يصلها الفتح الإسلامي ، فامتدت إلى الشرق حتى وصلت الفلبين والصين !
وإلى الغرب حتى وصلت بلاد أوربا .
 وإلى الجنوب حتى وصلت نيجيريا والحبشة وسواحل إفريقيا .
 وإلى الشمال حتى وصلت بلاد الروس !
وكان لأخلاق أولئك التجار الإسلامية أثرها في نشر الإسلام في تلك البلدان ، فأخذت الحركة التجارية تضفي المزيد من الرقي للحياة ، الأمر الذي لم يقتصر على أجزاء العالم الإسلامي بل تعداه إلى أوربا ..
" فلقد دخلت البضائع القادمة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب الحياةَ اليومية الأوربية . ولم تقتصر على التوابل والبخور فقط ، بل تعدتها إلى الانتفاع بالحشائش الطبية ، فأصبحت هذه كلها من ضروريات الحياة لرجال الكنيسة ، ورهبان الأديرة الذين لم يمكنهم الاستغناء عنها في موائدهم ؛ فلولا الهبات التي تدفقت من الشرق العربي لكانت وقعت في حيرة من أمرها.
وتذكر زغريد هونكه :
أنه في الوقت الذي كان يزداد ازدهار النشاط التجاري في العالم الإسلامي وخاصة بتوجه التجار للمشرق باتجاه الصين والهند ، كانت أوربا تعيش عزلة نتيجة انغلاقها عن المغرب خوفاً من المد الإسلامي ؛ فنتج عن ذلك :
أن كانت المرافئ تبدو حينئذٍ مقفرة ، والمستودعات فارغة عارية ، والأقبية خالية ،فكانت الوجبات تقدم ولا طعم لها ولا نكهة ؛ بسبب إقلاع التجار عن عرضهم للتوابل أو الزنجبيل الشرقي أو الحرير نفسه ، أو أي شيء من تلك التي كانت تضفي على الحياة رونقاً وتزيدها متعة .
أجل لقد اختفى كل هذا ، واختفت أكشاك البائعين أيضاً ، ولم يعد ثمة شيء تقصد المتاجرة به ؛ وأصبح الفلاح يدفع لأخيه الفلاح حساباً قوامه البقر والحبوب ، والفضة نادراً ، وأما الذهب فقد انتفى نهائياً من بين الأيدي وأضحت الحياة فقيرة بالمرة ، وعلى جانب كبير من السذاجة والبساطة ، وقد جعلت تلك الندرة البضائع فاحشة الثمن ولا سيما في السوق السوداء ، حتى أصبح الحصول عليها أمنية يعجز عن تحقيقها الأوربي العادي.
وحين وصل الإسلام شمال إفريقيا ازدهرت الحركة التجارية مع كل من البندقية وأمالفي وبالرمو ، تَحمل إليهم السفن من القيروان وسوسة وقابس الستائرَ الحريرية النادرة ، وأكسية الهياكل ، والأوشحة السوداء والأردية ذات الألوان السماوية الجميلة لتستقر في أوربا في شبه الجزيرة الإيطالية بدليل أنها لا تزال حتى يومنا هذا .
 وكان مَن في شمال أوربا يبحث عن وسائل تمكنهم من تجاوز تهديد قيصر وتحريم البابا فيستفيدوا من تجارة المسلمين التي شملت أطراف الأرض ، والانتفاع من ثروتهم التي كانت في ازدياد مستمر .
 فقد كان التجار الأوربيون - من البندقية وجنوى-يسيحون في العالم الإسلامي ستة أشهر ويتنفسون في جو حضارة العالم الإسلامي الساحرة ، وكان يعود إلى وطنه محملا بالكثير من شحنة قطن سوري ، وقماش إنطاكية الكتاني ، و زجاج (صور) وفخارها،كان يعود بالكثير من سلال سكر طرابلس الغرب وأكياسه .
أجل كان  يعود بالكثير من التوابل ، والقرفة ، وجوز الطيب ، والكافور ، والكباب - نوع من التوابل - وحجر الشب ، وخشب الصندل ، وخشب البرازيل من مراكز التجارة المصرية.
تحول كثير من المدن الإسلامية إلى مراكز تجارية:
لقد كان من أبرز مظاهر التقدم التجاري في العالم الإسلامي وازدهاره أن تحولت كثير من المدن الإسلامية إلى مراكز تجارية ، وكان من أهم المدن : بغداد ، دمشق، البصرة ، القاهرة ، الإسكندرية ، سيراف ، أصفهان ، طرابلس ، صيدا ، وبيروت ، بل الأعجب أن كانت الإسكندرية وبغداد هما اللتان تقرران الأسعار للعالم ! في البضائع الكمالية خاصة .
ابتكار المسلمون بعض النظم المالية والتجارية:
-كما ابتكر المسلمون بعض النظم المالية والتجارية والتي عرفتها أوربا عنهم ، فقد أثبت العالم جرسهوب : أن أول من عرف نظام الحوالات المالية هم العرب ، وعنهم أخذتها أوربا في القرن العاشر عن طريق إسبانيا وإيطاليا .
-ومن مظاهر ازدهار الحركة التجارية زمن العباسيين إنشاء التجار لأول مرة نقابة مسؤولة عن مراقبة المعاملات التجارية ، ومنع التدليس ، وكان رئيسها ينتخب من بين الأعضاء الممتازين ، ويسمى رئيس التجار.
إننا عندما نعرض كيف يرتقي الإسلام بالحياة الاقتصادية للبشر لنؤكد شمولية الإسلام وتوازنه ؛ ففي الإسلام شريعة كاملة تراعي التوازن بين جميع جوانب حياة الإنسان ( الروحية والعقلية والنفسية والجسدية ) ، وتراعي التوازن بين حق الفرد وحق الجماعة التي يعيش معها !
فتشريعات الإسلام تحمي الإنسان من طغيان العملاق الميكانيكي الرهيب الذي صنعته حضارة اليوم والتي يمثل الإنسان فيها أحد أسنان عجلة آلة ضخمة ( أو مسماراً فيها ) تنحصر مهمته في أداء عمله بشكل آلي في دائرة تخصصه فلا تتهيأ له إلا أقل الفرص لإظهار فرديته !
و الدكتور اليكس كاريل ينحي باللائمة على الذين يظنون أن الاقتصاد هو كل شيء في الحياة ، وأن الرخاء والطمأنينة يمكن أن يحصل عليهما المجتمع والفرد بطريق الخطط الاقتصادية وتنمية الموارد والثروات ، حيث يقول في معرض تعليقه على حادث اقتصادي في المالية الأمريكية ، فيقول : "  ..ولهذا بدا أكثر القطيع ذكاء يرتابون ويتساءلون : هل أسباب الأزمة الاقتصادية مالية فقط ؟
ألا يجب أن نتهم أيضاً فساد وغباء الساسة ورجال المال وجهل وأوهام الاقتصاديين ؟
ألم تهبط الحياة العصرية بمستوى ذكاء الشعب كله وأخلاقه ؟
لماذا يجب أن ندفع ملايين الملايين من الدولارات كل عام لنطارد المجرمين ؟
لماذا يستمر رجال العصابات في مهاجمة المصارف بنجاح وقتل رجال البوليس واختطاف الناس وارتهانهم أو قتل الأطفال بالرغم من المبالغ الضخمة التي تنفق في مقاومتهم ؟
لماذا يوجد مثل هذا العدد الكبير من المجانين وضعاف العقول بين القوم المتحضرين ؟
ألا تتوقف الأزمات العالمية على الفرد والعوامل الاجتماعية والأكثر أهمية من العوامل الاقتصادية ؟"
حقاً إن الأمر أعمق وأكبر من مشكلة اقتصادية..إنها مشكلة الإنسان عندما يعبد غير الله ويحتكم إلى غير شرعه !
" إننا نجد تناقضاً في مجتمع يحاول أن يضع أناساً على القمر في حين أن ملايين سكانه في المدن لا يجرؤون على السير وحدهم ليلاً في الشوارع أو الحدائق المجاورة لبيوتهم "
ويقول اليكسيس دوتوكفيل عن المجتمع الأمريكي وهو النموذج الرأسمالي البارز :" رغم ما شاهدته في أميركا من حرية وثقافة يتمتع بها الكثيرون في ظروف هي خير ما يمكن أن تقدمه لهم الدنيا ، فقد كنت ألمح سحابة من الحزن مخيمة فوق جباههم ؛ حتى ظننت أن التزمت والقلق يلازمانهم في أفراحهم وأتراحهم!
" إن ابن الولايات المتحدة يتعلق بمتاع هذه الدنيا وكأنه على ثقة من أنه لن يموت أبداً ؛ فهو يتعجل اغتراف كل ما يقع في متناول يده حتى لتحسبنه خائفاً من أن لن يمتد به العمر حتى يتمتع بها كلها !
إن تذوقهم للمسرات الجسدية يجب أن يعتبر المصدر الرئيسي للقلق الخفي...إذ أن تذكره الدائم لقصر الحياة وزوالها شوكة ثابتة تخزه دوماً ".
والإسلام اليوم هو المصدر الحقيقي للحياة السعيدة للإنسان ، سواء كان في الشرق أو الغرب .
إن احتواء الإسلام على تعاليم القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية وسيرة الصحابة الكرام ، جعلت من الإسلام منبع العطاء وطريق السعادة ونبع التوازن الضروري لأي دولة ولأي حكومة ولأي أسرة ولأي إنسان,
ولذلك نجد فشل الدول العربية والإسلامية التي نبذت الإسلام واتخذت من النظم الرأسمالية أو الاشتراكية أو غيرها نظاما لها لتطبقها فزادت من الفقر وأوسعت من البطالة وازدادت مساحة الدين العام والدين القومي وازدادت الحاجة للآخرين مما جعل رقاب الحكومات تحت نعال الغرب ومما جعل هؤلاء الحكام والرؤساء دمى بأيدي الغرب وأعداء الإسلام.
فإن ظهر رئيس يسعى لعلو بلده ورفعة شأنه جاعلا الإسلام دليله وهاديه قامت عليه القيامة وأشعلوا في دولته الفتن ونشروا الشائعات وسعوا لإسقاطه ليأتي غيره يكون عبدا لهم ذليلا تابعا حقيرا يلقى الدعم منهم طالما أنه يعادي الإسلام.

وأعجب من أن بلادنا إسلامية كيف يرفضون تحكيم الإسلام وتشريعاته وكيف يحاربون ذلك محاربة شرسة، مع أن الكثير منهم منتسب للإسلام . هذا أمر عجيب.

والله أعلم

المصادر:
- القرآن الكريم.
- صحيح البخاري وسنن أبي داود وابن ماجه.
- زاد المعاد لابن القيم.
- نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية ، عبد الحي الكتاني
- شمس العرب تشرق على الغرب، زغريد هونكه.
- تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ، د . أبو زيد شلبي
- العلمانية ، د. سفر الحوالي.

- الإنسان ذلك المجهول.