Sunday, December 31, 2017

العدالة الإجتماعية



العدالة الإجتماعية :
     من أهم المبادئ التى أرساها الإسلام والتى يقوم عليه المجتمع الإسلامى , والأسس التى تؤسس عليها العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم , والعدل هو المعيار الذى يدرك من خلاله مدى ثبات المجتمع وإستقراره , فالمجتمع الذى يتفشى فيه الظلم وتضيع فيه الحقوق وتغيب بين أفراده الواجبات , فهو مجتمع جاهلى فوضوى , حيث يتسم أفراده بهيجان النفس وإضطراب القلب وشرود الفكر وذهاب العقل من جراء الخوف والظلم وعدم الشعور بالإستقرار والأمن , فيسود بينهم النزاع والشقاق وتتفشى فيهم الجريمة وكل ذلك من أمارات خراب المجتمعات وذهابها , فما قامت الصراعات والثورات وتغيرت الحكومات والأنظمة السياسية والإجتماعية إلا نفوراً من الظلم وبحثاً عن العدل .
     أما المجتمع الذى يسود فيه العدل وتعرف فيه الحقوق وتؤدى فيه الواجبات فهو مجتمع يتسم بالثبات والإستقرار , حيث تسكن فيه النفوس , وتطمأن فيه القلوب فتهدأ فيه الضمائر وتهتدى فيه العقول , لشعورهم بالأمان والإستقرار , مما يؤدى إلى رخاء وإزدهار ذلك المجتمع , لانه لاثبات ولاتقدم إلا بالامن والإستقرار , ولاأمن ولاإستقرار إلا بالعدل , وكما قيل : " إن الله يقيم الدولة الكافرة مع العدل , ويهلك الدولة المسلمة مع الظلم "
     لذلك عنى الإسلام بالعدل , وجعله حقاً للجميع مع الطبقات والفئات والأشخاص ,
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ".
 فلا فرق بين الغنى والفقير والصغير والكبير والصالح والطالح والضعيف والقوى والكافر والمسلم والحاكم والمحكوم والحقير والعظيم والعدو والصديق ... فالكل فى ميزان العدل سواء , روت عائشة.......
, قال تعالى : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ".

الحالة الاجتماعية للعرب قبل وبعد الإسلام



الحالة الاجتماعية للعرب قبل وبعد الإسلام:    
كان العرب قبل القرآن عبارة عن قبائل متفرقة متنازعة , تسود فيهم العصبية القبلية والهمجية البدوية , فتقوم الحروب بينهم على أتفه الأسباب , تنتشر بينهم الأمية ويتفشى فيهم الجهل , وكان الرق جزءاً أساسياً فى حياتهم , يسخرونهم الأغنياء لخدمتهم ويستعملونهم فى تجاراتهم , ليس لهم حقوق , وليس هناك قوانين وأسس تحكم العلاقة بين الخادم والسيد , فكل سيد يعامل خادمه كيف يشاء .
     وكان لديهم بعض العادات الإجتماعية السيئة مثل التقليل من شأن المرأة وإحتقارها , فكانت زوجة الأب تورث مثلها مثل سائر الحيوانات والماديات , وإنتشرت بينهم عادة وأد البنات وهى دفنهم أحياء , فضلاً عن التشاؤم والطيرة خاصة من الأنثى .
     وإنتشرت بينهم الكثير من السلوكيات الخاطئة , مثل شُرب الخمر وكانوا يحبونها حباً جماً , وكذلك الميسر فكانوا يراهنون ويقامرون , وبجانب ذلك ساد فيما بينهم التعامل بالربا .
     فجاء القرآن الكريم بنهج إجتماعى أخلاقى , كان من نتائجه توحد تلك القبائل المتناثرة المتناحرة فى قالب الأخوة الإسلامية , وأزال الفوارق الإجتماعية , وجعل الأفضلية للأتقى , وأكرم المرأة وأعطاها حقها أُماً وزوجة وبنتاً وأختاً , وألغى العادات والسلوكيات الجاهلية الأثمة , مثل وأد البنات والتعامل بالربا وشرب الخمر ولعب الميسر فسار المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضهم بعضاً , فتعاونوا على نصرة الدين , فسادوا العالم أكثر من ألف عام , وحضارتهم هى الحضارة الباقية الخالدة إلى يوم القيامة , فى حين أن جميع الحضارات القديمة ولت وإندثرت مع مرور الأيام , ولم يبقى منها إلا أطلال خاوية , وأثاراً بالية.

ضوابط الحرية في الإسلام

 ضوابط الحرية في الإسلام:
الحرية في الإسلام  ليست سائبة ,ولا مطلقة حتى تهوي بصاحبها إلى قاع الضلال الروحي ودرك الانحطاط الأخلاقي ,بل هي حرية واعية منضبطة.
فإذا خرج بها الإنسان عن أحكام الدين ونطاق العقل وحدود الأخلاق ومصلحة الجماعة , تمت مساءلته ومحاسبته وإيقافه عند حده ورده عن غيه , منعا لضرر الفرد والجماعة, وفساد الدين والدنيا."
   و من يضع الحدود و القيود على الحريات عليه أن يكون له العلم الكامل بالإنسان و حاجاته و ميوله و تركيبته و ما يصلحه و ما يفسده في الماضي و الحاضر و المستقبل ؟ و هل هناك أحد يعلم الصنعة إلا صانعها ؟
 وهل يعلم ما يصلح الإنسان و ما يفسده إلا الله ؟ يقول الله تعالى:(ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير).
فما من مسلم يؤمن بوجود الله إلا و يؤمن بأن الله عز و جل هو أولى و أحق من يشرع المنهج السليم الذي يصلح الإنسان , يقول الله تعالى:(إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولئك هم المفلحون),ويقول تعالى:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا).
 ولكي يتضح الأمر يجب علينا فهم مغزى و معنى أوامر الله و نواهيه , فعند ذهاب أحدنا إلى أحد الأطباء المتخصصين فينهاه عن تناول بعض المأكولات و لو كانت محببة إلى النفس و يأمر بتناول أدوية و لو كانت مرة الطعم , فهذا الطبيب قيّد حرية المريض ولكن لماذا ؟
 الجواب حتى يتم له النفع و الشفاء , ولله المثل الأعلى فالله عز و جل قيد الحرية بوضع نواهي وحدود حتى لا تؤدى الحرية إلى هلاك الإنسان و انحلاله بل إن الله عز و جل له العلم المطلق بالإنسان .
 فهذا الطبيب يعلم الكثير ويخفى عليه الأكثر و مع ذلك نسلم له و نرضى بكل أوامره و نواهيه بالحرف الواحد ولا يعارض أمره ونهيه بقول (حرية شخصية) !
أليس من الأولى أن نسلم لله صاحب العلم المطلق والكمال المطلق سبحانه وتعالى وعز و جل بكل أوامره و نواهيه من غير مكابرة و عناد؟!
و كما ورد في تعاريف الحُرِّيَّة أنها التصرّف بالملك بدون عدوان على النفس أو الغير، سواء أكان الملك حسياً أو معنوياً.
فلا يُعتبر الاعتداء على النفس أو الملك الشخصي حرية للإنسان، لذلك حرم  " دين الإسلام " الانتحار أو الإضرار بشيء من الجسد أو الملك في غير مصلحة صحيحة مبنية على مكارم الأخلاق، وكذلك فإن الناس يمنعون الأفراد الذين يريدون الانتحار أو الإضرار بأملاكهم من ذلك.
كما لا يُعتبر الاعتداء على الغير سواء باللسان ( كالسَّبِّ ) أو الأركان ( كالضرب ) من الحرية. فمن فعل ذلك فهو من الأشرار لا الأحرار. ومن حدود الحرية: قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ، وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ *يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).

الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،حرية التعلم والحرية السياسية



الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،حرية التعلم والحرية السياسية:  
ج- حرية التعلم:
طلب العلم و المعرفة حق كفله الإسلام للفرد،و منحه حرية السعي في تحصيله،و لم يقيد شيئاً منه، مما تعلقت به مصلحة المسلمين ديناً و دنيا، بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله، و سلوك السبيل الموصل إليه، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة، و إنما تتحقق به مضرة و مفسدة، فهذا منهي عنه، و محرم على المسلم طلبه، مثل علم السحر و الكهانة ،و نحو ذلك.
و لأهمية العلم و المعرفة في الحياة ،نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة قال تعالى: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق ،اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم)).
 و القراءة هي مفتاح العلم ،و لذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة،و نصب عليه الكفار الحرب،و انتصر المسلمون و أسروا من أسروا من المشركين، جعل فداء كل أسير من أسراهم ،تعليم القراءة و الكتابة لعشرة من صبيان المدينة و هذا من فضائل الإسلام الكبرى، حيث فتح للناس أبواب المعرفة، و حثهم على و لوجها و التقدم فيها، و كره لهم القعود عن العلم و التخلف عن قافلة الحضارة و الرفاهية و الازدهار.
ومن أجل ذلك كان على الدولة الإسلامية ،أن تيسر سبل التعليم للناس كافة، و تضمن لكل فرد حقه في ذلك لأن هذا الحق مضمون لكل فرد من رعاياها كسائر الحقوق الأخرى.
د- الحرية السياسية:
 يقصد بها حق الإنسان في اختيار سلطة الحكم، و انتخابها ،ومراقبة أدائها، و محاسبتها ،و نقدها، و عزلها إذا انحرفت عن منهج الله و شرعه، و حولت ظهرها عن جادة الحق و الصلاح .
كما أنه يحق له المشاركة في القيام بأعباء السلطة ،و وظائفها الكثيرة ،لأن السلطة حق مشترك بين رعايا الدولة،و ليس حكرا على أحد ،أو وقفا على فئة دون أخرى و اختيار الإنسان للسلطة، قد يتم بنفسه، أو من ينوب عنه من أهل الحل و العقد و هم أهل الشورى، الذين ينوبون عن الأمة كلها في كثير من الأمور منها : القيام بالاجتهاد فيما لا نص فيه ، إذ الحاكم يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة و الاختصاص من ذوى العلم و الرأي، كما أنهم يوجهون الحاكم في التصرفات ذات الصفة العامة أو الدولية كإعلان الحرب، أو الهدنة ، أو إبرام معاهدة، أو تجميد علاقات، أو وضع ميزانية أو تخصيص نفقات لجهة معينة أو غير ذلك من التصرفات العامة، التي لا يقطع فيها برأي الواحد. 

قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله و لرسوله و لأمة المسلمين و عامتهم).

الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،حرية الرأي والاعتقاد



الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،حرية الرأي والاعتقاد:
أ- حرية الاعتقاد:
يقصد بها اختيار الإنسان لدين يريده بيقين، و عقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك .فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان، و يجعل المكره مسلوب الإرادة ،فينتفي بذلك رضاه و اقتناعه و إذا تأملنا قول الله تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، و أقر أن الفكر و الاعتقاد لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أو تخويفه، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره باطل و مرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، و لا يثبتها في الضمير. لذلك قال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
 و تثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به. هذا و يترتب على حرية الاعتقاد ما يلي:
1) إجراء الحوار و النقاش الديني ،وذلك بتبادل الرأي و الاستفسار في المسائل الملتبسة ،التي لم تتضح للإنسان ،و كانت داخلة تحت عقله و فهمه –أي ليست من مسائل الغيب – وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه، وقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة و السلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة و رضى و طواعية، بل إن في حديث جبريل عليه السلام ،الذي استفسر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ((الإسلام ))و ((الإيمان ))و ((الإحسان )) و ((علامات الساعة )) دليل واضح على تقرير الإسلام لحرية المناقشة الدينية ،سواء كانت بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم و بين أصحاب الأديان الأخرى، بهدف الوصول إلى الحقائق و تصديقها، لا بقصد إثارة الشبه و الشكوك و الخلافات.
2) ممارسة الشعائر الدينية ،و ذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية ،دون انتقاد أو استهزاء ، أو تخويف أو تهديد،و لعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة –أصحاب الديانات الأخرى –من دواعي فخره و اعتزازه ،و سماحته ،فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه و سلم يثرب –المدينة المنورة –أعطى اليهود عهد أمان ، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم و عقيدتهم، و إقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم .ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون ،فكتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – لأهل إيلياء –القدس- معاهدة جاء فيها : (( هذا ما أعطاه عمر أمير المؤمنين ، أهل ايلياء من الأمان ،أعطاهم أمانا على أنفسهم ،و لكنائسهم و صلبانهم ،،، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم و لا ينتقص منها و لا من غيرها و لا من صلبهم، و لا يكرهون على دينهم ،و لا يضار أحد منهم )) .
ب- حرية الرأي:
 هي حرية التفكير و التعبير، واجاز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة، و الظواهر المختلفة، و يحاول تجربتها بعقله، و استخدامها لمصلحته مع بني جنسه، لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان، يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته و مدى قابليته للتفاعل و التأثير ،ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر و طول التفكير.
هذا و لإبداء الرأي عدة مجالات و غايات منها:
1) إظهار الحق و إخماد الباطل ،قال تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

فالمعروف هو سبيل الحق ،و لذلك طلب من المؤمن أن يظهره ،كما أن المنكر هو سبيل الباطل ،و لذلك طلب من المؤمن أن يخمده.
2) منع الظلم و نشر العدل ،و هذا ما فعله الأنبياء و الرسل إزاء الملوك و الحكام و يفعله العلماء و المفكرون مع القضاة و السلاطين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ).
3) و قد يكون إبداء الرأي ،بتقديم الأمور حسب أهميتها و أولويتها، و هذا أكثر ما يقوم به أهل الشورى في أكثر من بلد ،و أكثر من مجتمع و قد يكون بأي أسلوب آخر،إذ من الصعب حصرها ،و لكنها لا تعني أن يخوض الإنسان فيما يضره، ويعود عليه بالفساد، بل لا بد أن تكون في إطار الخير والمصلحة إذ الإسلام بتقريره حرية الرأي ، إنما أراد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد، لا كيف ينزل، كيف يبني نفسه و أمته،لا كيف يهدمها سعياً وراء شهوتها وهواها.
وباستعراض التاريخ الإسلامي ،نجد أن ((حرية الرأي )) طبقت تطبيقاً رائعاً ،منذ عصر النبوة ،فهذا الصحابي الجليل ،حباب بن المنذر ، أبدى رأيه الشخصي في موقف المسلمين في غزوة بدر ،على غير ما كان قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم ،فأخذ النبي صلى الله علبه و سلم برأيه ، و أبدى بعض الصحابة رأيهم في حادثة الإفك ،و أشاروا على النبي صلى الله عليه و سلم بتطليق زوجته عائشة –رضي الله عنها – إلا أن القرآن برأها ،و غير ذلك من المواقف الكثيرة التي كانوا يبدون فيها آراءهم.