Friday, May 8, 2015

التفكر في القرآن الكريم

التفكر في القرآن الكريم:
لقد جاء ذكر التفكر في القرآن الكريم في سبع عشرة آية منها:
1 قال تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون).
في خلق هذه النحلة الصغيرة التي هداها الله الهداية العجيبة، ويسَّر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها، ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة؛ فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعى سواه.
معنى التفكر: كلمة فيها معنى النظر والتفهم.
وقد عرّف الراغب الأصفهاني التفكر بأنه جولان قوة الفكر بحسب نظر العقل.
ويستعمل الفكر في المعاني، وهو فحص الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقيقتها، ولذلك تقول اللغة: إن الفكر هو إعمال النظر في الشيء.
التفكر بالمعنى الأخلاقي الإسلامي القرآني، هو أن ينظر الإنسان في الشيء على وجه العبرة والعظة لتقوية جوانب الخير والصلاح ومقاومة دواعي الشر والفساد، ولذلك نجد المفسرين يتعرضون لمعنى قوله تعالى:  (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ، فيقولون في معنى (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)أي: لكي تتفكروا في أمر الدنيا وأمر الآخرة. فتتجنبوا ما يجلب عليكم البلاء والشقاء فيهما، وتعتصموا بما هو لائق بالمؤمنين من الأخلاق والمكارم وتستنبطوا الأحكام وتفهموا المصالح والمنافع المنوطة بها، فتأخذوا بالأصلح وتبتعدوا عما يضركم ولا ينفعكم أو يضركم أكثر مما ينفعكم.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ )،  ( والنجم إذا هوى)،( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ)،( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)،( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب)،( والسماء ذات البروج)،(والسماء ذات الحبك).
إن عشرات الآيات في كتاب الله قد عرضت أموراً فلكية غاية في التنوع بشأن بناء السماء وما فيها من آيات والليل والنهار والقمر والكواكب.
ولقد أثبت ذلك العلم بالدليل، والمعجزات المذهلة في القرآن العظيم. التي تستدعي على المسلم أن يزداد إيمانه ويقينه بإيمانه بخالقه وقدرته سبحانه، فيعمل لرضاه ويبتعد عن سخطه.
الآثار وأقوال العلماء الواردة فـي التفكر:
لقد أشاد السابقون من علماء الأمة وبصرائها بمنزلة التفكر السليم القويم.
فقال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت فيه نعمة ولي فيه عبرة.
قال بشر بن الحارث الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله.
عن الفضيل بن عياض قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.
قال الشافعي رحمه الله: استعينوا على الكلام بالصمت، وعلى الاستنباط بالفكر.
وقال أيضاً: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم، وتدبر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم.
قال أبو سليمان: عوِّدوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.
وقال: الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة، والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب.
قال ابن القيم رحمه الله: أنفع الدواء أن تَشْغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد أو تقترب من إلهك ومعبودك، الذي لا سعادة لك إلا في قُربه ورضاه عنك إلا بها، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، أنه بكى يوماً بين أصحابه، فسئل عن ذلك فقال: فكَّرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها، فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتُها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها لمواعظ لمن أدَّكر.
عن الحسن رحمه الله قال: إن أفضل العمل الورع والتفكر، وقال أيضاً: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
قال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نِعم الله  من أفضل العبادة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله.
عن عبد الله بن عتبة قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.
عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد r يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.
وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما فني وإن كان كثيراً يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: لأن أقرا ليلتي حتى الصبح بإذا زلزلت، والقارعة، لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذًّا، أو قال أنثره نثراً.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.
كان سفيان بن عيينة رحمه الله يتمثل قول الشاعر:
إذا المرء كانت له فِكرةٌ  *** ففي كل شيء له عبرةٌ
وقال بعض الأدباء:
إني رأيت عواقب الدنيا ***فتركت ما أهوى لما أخشى
فكرت في الدنيا وعالمها ***فإذا جميع أمورها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا ***كل امرئ في شأنه يسعى
أسنى منازلها وأرفعُها ***في العز أقربها من المهوى
تعفو مساويها محاسنها *** لا فرق بين النعي والبشرى
يقول الغزالي: الفكر هو مصباح الأنوار ومبدأ الاستبصار وشبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم.
والله أعلم.
المصادر:
-التفكر في ملكوت السماوات والأرض وقدرة الله تعالى،تأليف عبد الله بن محمد المنيف ومحمد بن علي العرفج.
-إحياء علوم الدين للغزالي.
- التفكير فريضة إسلامية،لمصطفى العقاد.

مفهوم المساواة في الإسلام

مفهوم المساواة في الإسلام:

لا ينبغي على العاقل الانجراف وراء شبهات أعداء الإسلام، ولا تصديق ما يثيرونه من شبه وشبهات ضد الشريعة الإسلامية، وكأن العلمانيين العرب لا هَمَّ لهم ولا عمل لهم سوى تحقير الإسلام والشريعة الإسلامية، وكأن هذه وظيفتهم يتقاضون عليها أجرا من أعداء الإسلام، وإلا لم لا يتحدثون إلا في الاستهزاء والسخرية من الإسلام والقرآن والشريعة وتعاليمها.

والإسلام دين عظيم، يوافق فطرة الإنسان وما هو عليه، وهو صالح لكل زمان ومكان.

ومن ذلك المساواة بين الناس.

وتعد المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات، مبدأ أصيلاً في الشرع الإسلامي، ولم يكن هذا المبدأ على أهميته وظهوره قائماً في الحضارات القديمة، كالحضارة المصرية أو الفارسية أو الرومانية؛ إذ كان سائداً تقسيم الناس إلى طبقات اجتماعية، لكل منها ميزاتها وأفضليتها، أو على العكس من ذلك، تبعاً لوضعها الاجتماعي المتدني.

ولقد كانت التفرقة بين البشر في المجتمعات القديمة، تستند إلى الجنس واللون، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والحرية والعبودية، وكانت طبقة الحكام ورجال الدين من الطبقات المميزة، بل إن بعض المجتمعات -كالمجتمع الهندي مثلاً- كان يعرف طائفة المنبوذين، وكان محرماً على أفراد الطبقة أن ينتقلوا منها إلى طبقة أعلى، حتى ولو كانت ملكاتهم تتيح لهم ذلك.

وفي العصر الحديث رفعت الثورة الفرنسية سنة 1789م شعار المساواة, غير أن التجارب العملية تعلم الإنسان أن المبادئ والشعارات وحدها لا تكفي، دون أن يكون هناك ما يحدد المضامين، ويفتح طريق التطبيق ويفرض الجزاء عند المخالفة, وذلك ما نجده في التشريع الإسلامي في مبدأ المساواة بين الناس, فهي تسوية أصلية بحكم الشرع، ومضمونها محدد، وأساليب تطبيقها واضحة، والجزاء عند مخالفتها قائم, وهو جزاء دنيوي وأخروي.

إن التسوية بين البشر في المفهوم الإسلامي تعني التسوية بينهم في حقوق الكيان الإنساني، الذي يتساوى فيه كل الناس.
أما التسوية الحسابية في الحقوق الفرعية التي تؤدي إلى المساواة بين غير المتماثلين، فإنها معنى يختلف عن التسوية في الآدمية التي كرمها الله، والتي تستند إلى مبادئ ثابتة وأصل واضح، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
فالناس كلهم من نفس واحدة.
ويبين الحديث الشريف هذا الأصل في المساواة, فيقول نبي الله محمد –صلى الله عليه وسلم-: [إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ, مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ, وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ, لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ] .
فهذه قاعدة الإسلام الأصلية في المساواة، كما تحددت في آيات القرآن الكريم، وبينتها السنة المشرفة.
وحينما تختلف أحوال الناس وأوضاعهم, وتختلف أزمنتهم وأمكنتهم، ويوجد التنوع في الأجناس والألوان واللغات، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والعلم والجهل، ويختلف الموقع الاجتماعي والاقتصادي بين الناس، حينذاك تفرض المجتمعات معايير للتفاضل بين الناس، إزاء هذا التنوع والاختلاف.
ولا بد من وضع معيار للتفاضل؛ لأن المساواة المطلقة لا تكون إلا في الكيان الإنساني، والمشكلة تبدأ عند وضع هذا المعيار، بحيث لا يخل بمبدأ المساواة في ذاته، ويجعل التفاضل وسيلة نمو ورقي، وليس ذريعة للظلم والتفرقة بين الناس, وهذا ما جاء في الشرع الإسلامي، فقد ترك كل المعايير السائدة للتفاضل، كالقوة والضعف، والموقع الاجتماعي أو الاقتصادي, أو الطبقة التي ينتمي إليها الإنسان أو الجنس واللون.
فكل هذه المعايير كانت قائمة في المجتمعات القديمة، حتى أنكر بعض الفلاسفة الأقدمين, مبدأ المساواة ذاته، مثل أفلاطون الذي قرر أن بعض الناس خلقوا للحكم والسيطرة، وبعضهم خلق لكي يكون محكوماً يعمل من أجل غيره, وجاء في الإسلام معيار للتفاضل، يتساوى أمامه الخلق جميعاً على اختلاف الأجناس والألوان، والحرية والعبودية، إنه معيار التقوى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

إن معيار التفاضل هنا يستطيع الارتقاء إليه كل البشر، ولا يقسم الناس إلى طبقات يعلو بعضها بعضاً، وهو معيار يدفع إلى الرقي والسمو بالإنسان.
إن التقوى معيار الكرامة الإنسانية عند الله -عز وجل- ومع ذلك فهي معيار الصلاح في الدنيا، وهو معيار حقيقي وعملي؛ إذ إن صلاح الإنسان في دنياه يجعله أفضل لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه من غيره الذي لا يفيد نفسه ولا مجتمعه بشيء.
وقد هدم الدين الإسلامي بهذا المعيار الحقيقي الذي يرتقي بحياة الإنسان والمجتمع كل المعايير الزائفة  التي أشار القرآن الكريم إلى الكثير منها, حيث يقول الله تعالى في الإنكار على أصحاب المعايير الزائفة في التفاضل: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ).مما يدل على أنهم لم يؤمنوا؛ لأن مَن هم أقل منهم قد آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم. وقالوا: (أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء).
ولما طلب وجهاء قريش ومن كانوا يحسبون أنفسهم سادة قومهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطرد الفقراء والمساكين وضعاف الناس الذين التفوا حوله وآمنوا به، كعمار بن ياسر، وبلال، بحجة أنهم يريدون أن يستمعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم لا يجلسون مجلساً يكون فيه هؤلاء محل الرعاية من الرسول الكريم، نزل قول الله تعالى: (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- معنى المساواة حين شفع وجهاء من القوم، في إعفاء امرأة شريفة وجب عليها حد السرقة، حتى لا توقع عليها العقوبة، فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم-ذلك، ونبه إلى عدم جواز الشفاعة في حدود الله؛ لأن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين الناس، ويؤدي إلى إيثار ذوي الوجاهة بإعفائهم من العقاب، مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس.
 وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك الأمر إذا ساد في مجتمع أدى به إلى الزوال، فقال: [إِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا].
ويعيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أحد أصحابه الملازمين له على الحب والتلقي منه، أنه عير صاحباً له بلونه, فحين عير أبو ذر الغفاري بِلالاً بلونه الأسود، غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال للصحابي الجليل: [إنك امرؤ فيك جاهلية].
وقال -صلى الله عليه وسلم- في خطبته في حجة الوداع: [لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى] .
وأقامت الشريعة الإسلامية أصل المساواة في أحكامها، على النحو الذي يجعل هذا المبدأ وسيلة لرقي الإنسان, وتحصيل مصالح الحياة.

إن المرأة في الإسلام مكلفة مثل الرجل بما أمر الله به وما نهى عنه، وإن جزاءها مثله، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
وكل من الرجل والمرأة له حقوق وعليه واجبات، وهي حقوق وواجبات تكاملية، تجعل من حقوق الرجل وواجباته، وحقوق المرأة وواجباتها، كلاً متكاملاً في وحدة واحدة، تصلح بها حياة الأسرة, فإذا كان من حق الرجل الطلاق، فإن من حق المرأة الخروج من زوجية تضرها-بشروط معينة- ولها الحق في طلب التطليق إذا أضيرت من زوجها الذي لا يكون أميناً عليها, ومن حقها العمل إذا احتاجت إليه ، أو احتاج العمل إليها ، كما في بعض المهن والأعمال المناسبة لها ، وفق ضوابط الشرع, ولها أهليتها الكاملة وذمتها المالية المستقلة. تلك من أهم صور المساواة التي جاءت في الإسلام أصولها ومفاهيمها، في قضايا مهمة من قضايا البشر .

لقد قام الإسلام على مبدأ المساواة بين الناس، فلا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى والعمل الصالح، وليس هناك نفس شريفة وأخرى وضيعة، بل الجميع سواء؛ لأن كل الناس سواء، وربّما تفرق بينهم الأحوال ولكن لا يفرِّق بينهم الشرع والحق، كما قال المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه- [النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ] .
وكما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: [الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ] .
لقد حارب الإسلام العادات السيئة التي كانت منتشرة في العالم في ذلك الوقت، من ظلم الأكاسرة والقياصرة والأباطرة، ومن جبروتهم وطغيانهم، وجعل مكانها العدل والمساواة والرحمة، ويدلّ على ذلك قول المولى تبارك وتعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ).
وقوله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
فهذه مساواة بين الشرفاء والضعفاء في الحدود، فلا توضع عن شريف لشرفه إذا ارتكب ما يوجبها، ولقد بيّن رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- أن التفرقة بين الشرفاء والضعفاء في الحدود كانت العلة في ضلال الأمم السابقة.
لقد تنازع عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه- وهو أمير على المؤمنين مع يهودي، فاحتكما إلى شريح، فسأل عليّ بن أبي طالب البيّنة فعجز عن إقامتها، فوجّه اليمين إلى خصمه اليهودي فحلف، فحكم بالدرع لليهودي، فاستغرب اليهودي ذلك الأمر، وقال: قاضي أمير المؤمنين يحكم لي عليه! ونطق بالشهادتين وأسلم.

إن الإسلام هو النظام الوحيد الذي سما بالإنسان وكرّمه، وأزال الفوارق في الحقوق، وفي المعاملات بين جميع أفراده، وإن ما تدعيه الأمم الديمقراطية اليوم من أن العالم مدين لها بمبدأ المساواة يناقضها واقعها وسياستها وقوانينها، فحقوق الإنسان التي تتصارع الأمم على تنازع شرف وضعها، قد أعلنها المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه- منذ بدء الدعوة الإسلامية مع تطبيقها، وسار على منواله الخلفاء الراشدون من بعده، وكثير من فضلاء الأمة الإسلامية الذين كانوا مفخرة التاريخ الإسلام  .

إن المساواة التي يدعو إليها كثير من المشبوهين اليوم ترتكز على مساواة الكافر بالمسلم من جميع الوجوه فلا دين يحجز بين ذلك ولا أخلاق ولا عقيدة! وهذا باطل باتفاق المسلمين سلفا وخلفاً، فقد فرق الله بين الناس من حيث الخضوع لله والتمرد عنه، وجعل منهم التقي والشقي وكان من الأمور المستحيلة المساواة بين كافر ومؤمن، بل المساواة التي يدعى إليها ويرتكز الحديث حولها هي عندما يكون الإنسان في دائرة الإسلام كما قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ*ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
 وقال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
ومن الأمور التي يدعو إليها المشبوهون والمنافقون مساواة المرأة بالرجل لغرض خبيث, ويتشدقون بهذا المبدأ،فيقولون إن من المساواة أن تختلط المرأة بالرجل في ميدان العمل دون قيود, وإعطائها الحرية فتفعل ما تشاء وتسير مع من تشاء كالرجل دون رقيب.
لقد ظهرت الدعوة إلى تحرير المرأة في أوائل القرن العشرين الميلادي في صور مختلفة وأساليب متعددة وإن كانت الغاية واحدة في كل الأحوال لجميع الدعاة, إلى هذا الأمر الغريب العجيب, فهناك الوضوح السافر في الدعوة إلى تحرير المرأة وخروجها على تعاليم ربها -سبحانه وتعالى-ومن خلال الكتب, وكل ذلك تحت دعوى الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة.
إن الهجوم على المرأة المسلمة إنما هو هجوم على قيم الإسلام، ذلك أن الدعوة إلى تحرير المرأة إنما هو تسفيه لدينها الذي هو عصمة أمرها وهو اختيارها ووجودها عبر أكثر من أربع مائة وألف من الأعوام، وهو الذي أخرجها من ذل وأسر الجاهلية إلى عز الإسلام، فالدعوة التحريرية دعوة في الواقع إلى إرجاعها إلى الذل والأسر من جديد، ودعوة إلى تحويلها إلى دمية لمجرد المتعة على الطريقة التي يعرفها دعاة التحرير, فليتدبر كل منا أمره؛ فالخطب جسيم، والهجمة شرسة، والطريق طويل وشاق،والله المستعان.

قال الشاعر:
دراساتُ قرآنٍ تَكَاملَ نَسجُهَا http://thiqqah.com/images/clear.gif
تلاقى عليها دارسٌ ومُترجِمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif

بها يستقيم العدلُ في الناسِ منهجاً http://thiqqah.com/images/clear.gif
ويُرعى ضعيفٌ في حماها ويُرحَمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif

وتُحفَظُ نفسٌ حرةٌ ومُقامها http://thiqqah.com/images/clear.gif
ويُحمى بها عرضٌ، ويُحمى بها دمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif

وتُفتحُ أبوابُ السعادةِ والرِّضا http://thiqqah.com/images/clear.gif
ويُكتبُ قانونُ السلامِ ويُرسَمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif

فكلّ مفيدٍ، في الكتاب مُحلَّلٌ http://thiqqah.com/images/clear.gif
وكلُّ مضِرٍّ في الكتابِ مُحرَّمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif

شآبيبُ قرآنٍ تبارك غَيثُها http://thiqqah.com/images/clear.gif
فلِّله خِصبٌ في الحياةِ ومَوْسِمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif

سنرقى به مادام فينا مرتَّلاً http://thiqqah.com/images/clear.gif
وما دام دُستوراً لدينا يُعظَّمُ http://thiqqah.com/images/clear.gif
 والله أعلم.
المصادر:
- كتاب حقوق الإنسان في الإسلام لـ(عبد الله بن عبد المحسن التركي).

- مجلة البيان العدد 94 ص 48 جمادى الآخرة 1416هـ.

Wednesday, May 6, 2015

بيان حديثان ينسبان للنبي عليه الصلاة والسلام في شأن عدم تعلم المرأة للكتابة غير صحيحين

بيان حديثان ينسبان للنبي عليه الصلاة والسلام في شأن عدم تعلم المرأة 

للكتابة وهما مكذوبان:


1-حديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله 

صلى الله عليه وسلم: "لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة" .


2-وحديث ابن عباس مرفوعا "لا تعلموا نساءكم الكتابة" .



 الحديث الأول في سنده محمد بن إبراهيم الشامي،وهو منكر الحديث 

ومن الوضاعين.

قال الذهبي: قال الدار قطني كذاب.

قال ابن حبان: لا يحل الرواية عنه كان يضع الحديث.


أي كان يكذب في حديثه عن النبي عليله الصلاة والسلام، فهذا حديث 

مكذوب، والذي يستدل به على أن الإسلام حرم المرأة من العلم فهو 

جاهل لا يعرف الصحيح من الحديث المكذوب عن النبي عليه الصلاة، 

ومَن  كانجاهلا بهذا، لا يُسمع له قول ولا يؤخذ برأيه.

 والحديث الثاني فيه: جعفر بن نصر وهو متهم بالكذب قال صاحب الكامل: حدث عن الثقات بالبواطيل

أي ينسب للنبي عليه الصلاة والسلام بأحاديث باطلة مكذوبة ليست 

بصحيحة.


وهذا فعل شنيع، والذي يستدل بهذا الحديث للطعن بالاسلام فهو إنسان

 لا يفقه هذا العلم وإنما يحارب اللاسلام لقاء مال أو منصب أو جاه أو

ليصبح مشهورا.