Saturday, October 31, 2015

ورود (ألم تر) و(ألم تعلم) في القرآن الكريم،بلاغة وبيان



ورود (ألم تر) و(ألم تعلم) في القرآن الكريم،بلاغة وبيان:

عند النظر في آيات الله البينات، نلاحظ ظاهرة تعبيرية بيانية وبلاغية، لها وقع في القلب ولها أثر في العقل والفكر، تنطوي على حكم ودلالات، وتشير لبلاغة وبينات، تُسعد القلب وتُبهج الروح وتُثلج الصدر.
وهي التعبير بــ(ألم تر وألم تعلم).

يقول الله تعالى مقررا للرسول الكريم بحادثة الفيل ((ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)).

فلماذا جاء التعبير بـ(ألم تر) وهو الفعل الذي يدل على الرؤية البصرية، مع أن حادثة الفيل هذه كانت في عام ولادته صلى الله عليه وسلم، فهو لم يرَ أحداث القصة ولم يعاينها، بل سمعها وأُخبِرَ بها، وعلى هذا فالمقام يقتضي في التعبير أن يقول(ألم تعلم) دون (ألم تر)؟.

نعم، المقام يقتضي في التعبير البشري أن يقول(ألم تعلم) لأن هذه الحادثة سمعها الرسول عليه الصلاة والسلام وأُخبر بها، لكن التعبير القرآني اختار كلمة(ألأم تر)لأن العلم الذي يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ويُخبَر به نبيه من قبله وإن كان غيبا فهو بمنزلة الخبر المُشَاهد، ويجب أن يكون إخبار الله العظيم أقوى وسائل العلم وهو الرؤية العينية ؛إذ هي من قبيل التجربة الشخصية(ومن أصدق من الله قيلا) (ومن أصدق من الله حديثا)

وهذا هو السبب في أن [ألم ترَ] تأتي كثيرا في القرآن الكريم ومعناها [ألم تعلم]، كقول الله الودود ((ألم تر أن الله يسجد له مَن في السموات ومَن في الأرض)) ((ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره)).
فما دام الخبر من الله تعالى وإن كان غيباً فهو بمنزلة الخبر المشاهد المعاين،ويجب أن يكون إخيار الله له بأقوى وسائل العلم وهو الرؤية العينية ولهذا يجيء في كتاب الله تعبير (ألم تر) دون (ألم تعلم).
السر في التعبير بكلمة (كيف فعل ربك):
وفي الآية لفتةٌ كريمة إلى كيفية عقاب الله لجيش أبرهة فقال (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) فلو جاء التعبير [ألم تر ما فعل ربك بأصحاب الفيل] لصح الكلام
ووضع هنا (كيف فعل) مكان(ما فعل).

لكن المراد ليس مجرد فعل، ولكنه فعل على كيفية مخصوصة لا تصدر إلا من الله تعالى فقد كان من الممكن أن يهزم الله جيشَ أبرهة بطريقة عادية، وذلك بأن تقوم جماعة قريش  على جماعة الحبشة،وينصر الله قريشا عليهم،كأي معركة من المعارك التي تدور بين البشر؛ لكن الله سبحانه فعل ما فعل بأصحاب الفيل،لا بأيدي قريش ولا بأسبابهم،وإنما بشيء آخر فوق الأسباب الأرضية والقواميس البشرية،فالعجبُ إذن ليس من الفعل نفسه ، ولكن من كيفيته التي وقع عليها.
وهذا السر في التعبير بكلمة(كيف) في الآية الكريمة.

إتيان الخبر بأوثق أنواع التوكيد:
ثم إن الخبر في الآية يأتي من الله تعالى بأوثق أنواع التوكيد، فلم يقل [أرأيت ما فعل ربك بأصحاب الفيل]، ولكنه قال(ألم تر) بالاستفهام المراد منه النفي، والداخل على [لم] الدالة على النفي، وذلك تقرير وتوكيد بأبلغ أسلوب، لأن نفي النفي إثبات.

لأنه حين يُلقَى الخبرُ بصيغة  الاستفهام يجعل المتكلمُ شريكاً في إعداد الجواب، فلو قال[أرأيت ما فعل ربك بأصحاب الفيل] كان في ذلك الأسلوب إشراك المخاطب في استنطاقه بالجواب.
ولو لم يكن المستفهِم-وهو الله سبحانه-واثقا من أن جوابَ المُخَاطَب سيكون بالإثبات لَمَا أُلقِيَ إليه ذلك السؤال، لكن لثقته بأن الجواب لا يكون إلا بالإثبات جاء بالاستفهام (ألم تر) وذلك آكد في الجواب وأَبين وأثبت. 

ولم يأتِ الله سبحانه وتعاظم بالاستفهام وحده،وإنما جاء بالاستفهام داخلا على النفي [لم] فقال ((ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل))  فكان ذلك استفهاما ليس موحيا بالجواب، إنما متأكدا من جواب المتلقي بالإثبات،وهذا أعظم بلاغة وبيانا.

والحق سبحانه وتعاظم حينما يأتي ليقرر بشيء لا يقرره بصيغة الإثبات، ولكن يقرر بالصيغة المقابلة التي هي النفي ثقة منه بأن الإجابة ستكون بالإثبات.
وعلى هذا جاء كثير من الآيات القرآنية مثل ((ألم نشرح لك صدرك)) ((ألم يجعل كيدهم في تضليل)) (( ألم نربك فينا وليدا)).

والمراد من الرؤية العلم والتذكير ، وهو إشارة إلى أن الخبر به متواتر فكان العلم الحاصل به ضرورياً مساوياً في القوة والجلاء للرؤية.
والاستفهام التقريري هنا مجاز بعلاقة اللزوم وهو مجاز كثر استعماله في كلامهم فصار كالحقيقة لشهرته. 

وعليه فالتقرير مستعمل مجازا في التكريم إشارة إلى أن ذلك كان إرهاصا للنبي صلى الله عليه وسلم.
فالرؤية يجوز أن تكون مجازية مستعارة للعلم البالغ من اليقين حد الأمر المرئي لتواتر ما فعل الله بأصحاب الفيل بين أهل مكة وبقاء بعض آثار ذلك يشاهدونه. وفعل الرؤية معلق بالاستفهام.
و[كيف] للاستفهام سد مسد مفعولي أو مفعول [تر]، أي (لم تر) جواب هذا الاستفهام.
 ويجوز أن يكون كيف مجردا عن معنى الاستفهام مرادا منه مجرد الكيفية فيكون نصبا على المفعول به.

وإيثار (كيف) دون غيره من أسماء الاستفهام أو الموصول فلم يقل: [ألم تر ما فعل ربك]، أو [الذي فعل ربك]، للدلالة على حالة عجيبة يستحضرها من يعلم تفصيل القصة.

وأوثر لفظ (فعل ربك) دون غيره لأن مدلول هذا الفعل يعم أعمالا كثيرة لا يدل عليها غيره.
وجيء في تعريف الله سبحانه بوصف (رب) مضافا إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم إيماء إلى أن المقصود من التذكير بهذه القصة تكريم النبي صلى الله عليه وسلم إرهاصا لنبوءته إذ كان ذلك عام مولده.

والخلاصة:
الخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والهمزةُ لتقريرِ رؤيتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بإنكارِ عَدَمِها وكيفَ معلقةٌ لفعلِ الرؤيةِ منصوبةٌ بما بعدَهَا والرؤيةُ عِلْميةٌ أيْ ألمْ تعلْم علماً رصيناً متاخماً للمشاهدةِ والعَيَانِ باستماعِ الأخبارِ المتواترةِ ومعاينةِ الآثارِ الظَّاهرةِ وَتعليقُ الرؤيةِ بكيفيةِ فعلِه عَزَّ وَجَلَّ لاَ بنفسِه بأَنْ يقالَ ألْم ترَ ما فعلَ ربُّكَ الخ لتهويلِ الحادثةِ والإيذانِ بوقوعِها عَلَى كيفيةٍ هائلةٍ وهيئةٍ عجيبةٍ دالةٍ عَلَى عظمِ قُدرةِ الله تعالَى وكمالِ علمِه وحكمتِه وعزةِ بيتِه وشرفِ رسوله صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم
المصادر:
-المنتخب من تفسير القرآن ص 55،98-104.
- من أسرار التعبير في القرآن الكريم،صفاء الكلمة،صلاح لاشين،ص 89-91.
-تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 30/544-545.
-تفسير أبي السعود9/200.
-تفسير فخر الدين الرازي،مفاتيح الغيب،التفسير الكبير،32/289.

Saturday, October 24, 2015

الإعطاء والإيتاء،جمال في التعبير، ونور في الكلمات، وبلاغة وبيان :



- الإعطاء والإيتاء،جمال في التعبير،ونور في الكلمات،وبلاغة وبيان:
جميل أن يهتم المسلم بالقرآن العظيم، فيتلوه تلاوة حقة بالتدبر والتمعن في آياته ومراميها.
والقرآن نور يهدي به الله من اتبع رضوانه في هذه الحياة، وقدّم رضا الله على شهواته وأهوائه.
وحامل القرآن ليس من يحفظه فقط، إنما من يقرأه ويتدبره، ويعمل بما جاء به، فهذا أجره كبير وثوابه عظيم.
ومن كلمات القرآن التي تسترعي التدبر والتأمل هي (الإعطاء والإيتاء).
فهما كلمتان يغفل عن التفريق بهما العلماء فما بالك بغيرهم.
وفي هذا الموضوع سنوضح الفروق بين (الإعطاء والإيتاء).

لا يكادُ بعضُ أهل اللغةِ يفرقون بين الإيتاء والإعطاءِ, فما بالنا بالعامة, لكن بينهما فرق يوحى ببلاغة القرآن وعظمته, وذلك لأن الإيتاء أقوى من الإعطاء فى اثبات مفعوله.

إن [الإيتاء] أقوى من [الإعطاءٍ]، في إثبات مفعوله، لأن[الإعطاءٍ] له فعل مُطاوِع، تقول: أعطاني فعطوتُ، ولا يقال في [الإيتاء] أتاني فأتيتُ، وإنما يقال: آتاني فأخذت.
والفعل الذي له فعل مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من  الذي لا مُطاوِع له.
لأنك تقول: قطعته فانقطع، فيدل على ان فعلَ الفاعل كان موقوفا على قبولٍ في المحل، ولولاه ما ثبت المفعول.
ولهذا يصح : قطعته فما انقطع.
 ولا يصح فيما  لا مطاوع له ذلك، فلا يجوز: ضربته فانضرب أو فما انصرب، لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل.

وبناء على هذا فــ(الإيتاء) أقوى من (الإعطاء).
الإيتاء يشمله النزع بمعنى انه ليس تمليكا إنما العطاء تمليك. والإيتاء ليس بالضرورة تمليكا.
وهذا المعنى مراعى في القرآن الكريم في كلتا الكلمتين [الإيتاء والإعطاء].
ففي لفظ الإيتاء يقول الله الملك (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء)) لأن المُلك شيء عظيم ولا يُعطيه إلا من له قوة.
وكذلك الحكمة في قوله ((يؤتي الحكمة من يشاء)).
وكذلك قوله (( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم)).
فقال سبحانه : آتيناك ، ولم يقل : أعطيناك ؛ وذلك لعظم القرآن ورفعة قدره، فعبر بالإيتاء .
وقيل فى الفرق بين( آتيناهم وآتوا )أن أتيناهم أبلغ من آتوا, لأن أوتوا قد تُقال إذا أُوتى من لم يكن منه قبول, لكن آتيناهم يُقالُ فيمن كان منه قبول.
وقال الله الخالق (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ) ، وقال الله البارئ  (وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ( فخَصَّ دفع الزكاة بلفظ "الإيتاء "، لمكانتها في الإسلام .
قال الراغب الأصفهاني :
خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء ، نحو (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة). (وأقام الصلاة وآتى الزكاة).
وكل موضع ذكر في وصف الكتاب ( آتينا ) فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه ( أوتوا ) ; لأن ( أوتوا ) قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول ، و ( آتيناهم ) يقال فيمن كان منه قبول .

الإعطاء:
أما الإعطاء ، فيقول الله المُعطي (( إنا أعطيناك الكوثر))
*وهذا عطاء من الله، وهو مردٌ في الموقف مرتَحل عنه، تأتي إليه وتشرب منه، ثم تذهب لما هو أعظم كدخول الجنة وموقعك منها ومرتبتك فيها ومكانك بها، إذ الجنة أعظم من الكوثر،ولذا هناك أناس يدخلون الجنة دون حساب.
فعُبِّرَ فيه بــ[الإعطاء]، لأنه يُترَك عن قُرب، ويُنتقل إلى ما هو أعظم منه.
*وكذلك قول الله السلام (( ولسوف يعطيك ربك فترضى))
فعبر عنه بلفظ "الإعطاء"لما فيه من تكرر [الإعطاء] والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا، وهو مفسر أيضا بالشفاعة، وهي نظير[الكوثر] في الانتقال بعدها إلى ما هو أعلى وأفضل منها.
*وكذلك قوله" يعطيك ربك فترضى" لما فيه من تكرار الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضى.
*وكذلك " حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" لأنهم يُعطونها عن كراهةٍ.
فخَصَّ دفع الجزية بلفظ " الإعطاء " ؛ لأنها موقوفة على قبول منا ، وإنما يعطونها عن كره ، بخلاف الصدقة ؛ ألا ترى إلى قولهم : أعطى يده ، إذا انقاد وأطاع ؟ وفي ذلك إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون إعطاؤه للزكاة بقوة ، وألا يكون كإعطاء الجزية.
وكذا قوله :﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى( ، فعبَّر فيه بلفظ " الإعطاء " ؛ لتكرر حدوث ذلك ، باعتبار الموجودات .

* قال الفاضل النيسابوري:
وفي الإعطاء دليل التملك دون الإيتاء:
 *وعقَّب عليه أبو هلال العسكري بقوله :
ويؤيده قول الله الوهاب (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)، فإنه كان له منع من شاء منه كالمالك للملك . وأما القرآن فحيث أن أمته مشاركون له في فوائده ، ولم يكن له منعهم منه ، قال الله الغافر( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).
وحقيقة القول في ذلك أن " الإعطاء " هو إيصال الشيء إلى الآخذ له .
ألا ترى أنك تعطي زيدًا المال ؛ ليرده إلى عمرو ، وتعطيه ؛ ليتَّجر لك به ، وتعطيه الثوب ؛ ليخيطه لك .
وهذا لا يقتضي إخراج الشيء المعطَى من الملك ، وبالتالي لا يقتضي التمليك ، بخلاف الهبة التي تقتضي التمليك ، فإذا وهبته له ، فقد ملكته إياه ، ثم كثر استعمال الإعطاء ، حتى صار لا يطلق إلا على التمليك ، فيقال : أعطاه مالاً ، إذا ملكه إياه ، والأصل ما تقدم .
*ويبين لك ذلك أن الله تعالى جعل الملك الذي آتاه سليمان عليه السلام " عطاء " في قوله المبين (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، ولم يجعله "إيتاء"؛ لأن سليمان- عليه السلام- سأل ربه عز وجل أن يكون ذلك الملك هبة منه جل وعلا له ، يتصرف به كيفما يشاء ؛ لأن الهبة تقتضي التمليك والتصرف ، فقال عليه السلام( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، فكان جواب ربه القادر (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ).
والحمد لله على ما وهب وأعطى وآتى ، له الفضل والمنَّة .

فما أغزر المعاني المتدفقة من القرآن الكريم، وما أكثر السحب الممطرة من بلاغة وبيان القرآن الكريم.
وجدير بالمسلم أن يخصص من يومه وقتا يتلو آيات الله، ويتفكر فيها ويتدبر معانيها، ويقف عند أوامرها ونواهيها، وفي ذلك فائدة لنفسه بأن تتطهر من الذنوب، ولروحه من أن تلقي عن كاهل ثقل المعاصي، ولعقله من زيادة في العلم والمعرفة، ولقلبه من زيادة في الإيمان وعلو المرتبة.
قال الفضيل بن عياض ( حامل القرآن حامل راية الإسلام ، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو ، ولا يسهو مع من يسهو ، ولا يلغو مع من يلغو ، تعظيماً لحق القرآن ).
قال الشاعر:
فيا أمة التوحيد هذا كتابكم *** فلا تتركوه للعدا أو ير الهجرا 
وما دمتم مستمسكين بحبله *** فلن يدرك الأعداء في كيدهم نصرا 
فيا رب ألهمنا السداد بحفظه *** ويسر لنا مما نخاف به العسرا
ووفق شباب المسلمين لنهجه *** عسانا تعيد المجد والسيرة الغرا
ونبني على ضوء الكتاب حياتنا *** فنملك فيه العز والغاية الكبرى 
فيا رب يا رحمن نرجوك رحمة *** وعزاً بدنيانا وعفوك في الأخرى

والله أعلم
المصادر:
-بيان اعجاز القرآن  محمد إسماعيل عتوك،ص 59. 
-من أسرار التعبير في القرآن الكريم،صفاء الكلمة،صلاح لاشين ص 71-77
- الاتقان في علوم القرآن للسيوطي1/197.
-مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
- لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي.

Wednesday, October 21, 2015

اليمين والشمائل،بلاغة الكلام وبيان الحديث وبديع القول وإعجاز علمي للقرآن



اليمين والشمائل،بلاغة الكلام وبيان الحديث وبديع القول وإعجاز علمي للقرآن:
الابحار في تدبر القرآن الكريم، والغوص في أعماق التفكر فيه، يثمر العثور على جواهر نادرة، ودرر غالية، من البيان العالي، والتعبير الدقيق، واللمسات البيانية، والتعابير البلاغية، واحتواء المعاني في صورة مذهلة ومدهشة يخضع لها العقل، وتسمو بها الروح، وتطيب لها النفس.
ومن يسير على درب القرآن الكريم فهو من أصحاب اليمين، ومن يخادع نفسه بأن يستهزئ بالقرآن وبالإسلام وبالرسول محمد عليه الصلاة والسلام فهو من أصحاب الشمال وجماعة الشمائل السيئة الخلق، والرجعية التفكير، والظلامية المنشأ والعاقبة.

والناظر للقرآن الكريم بتمعن يلاحظ أن لفظة [اليمين] جاءت مفردة، بينما لفظة[الشمال] جاء جمعا (الشمائل).
في مثل قول الله الرحمن ((أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون))[النحل 48].
جاء التعبير القرآني هكذا، لأن جهة [اليمين] هي جهة الخير والفلاح، وأهلها هم الناجون، ولهذا جاءت مفردة.
ولما كانت جهة [الشمال] هي جهة الباطل، والباطل منافذه شتى وطرقه كثيرة ومختلفة، فقد جُمِعَت، فقال (( عن اليمين والشمائل)) .
لقد جعل الله سبحانه حرکة ظلّ الأجسام یمیناً و شمالاً في هذه الآیة دلیلاً علی عظمته و أن هذه الحرکة بالنسبة لهذه الأجسام سجود تواضع و خضوع أمام الله سبحانه. و مما لا شك فیه أن لظلال الأجسام دور مهم و مؤثّر في حیاتنا و لعل الکثیر منا غیر ملتفت إلی هذه الحقیقة، من هنا وضع القرآن الکریم إصبعه علی هذه المسألة لیثير الإنتباه حول هذه القضية المهمة.
ونقل أبو حيان عن أستاذه الحسن علي بن الصائغ أنه :
أفرد وجمع بالنظر إلى الغايتين لأن ظل الغداة يضمحل حتى لا يبقى مه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة، وهو في العشي على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان، هذا من جهة المعنى.
 وأما منجهة اللفظ فجمع الثاني ليطابق {سُجَّدًا} المجاور له شمالًا كما أفرد الأول ليطابق ضمير {ظلاله} المجاور له يمينًا.
 ولا يخفى ما في التقديم والتأخير من حسن رعاية الأصل والفرع أيضًا، فحصل في الآية مطلقة اللفظ للمعنى وملاحظتهما معًا وتلك الغاية في الإعجاز.اهـ.
و ان الله سبحانه جاء بلفظ «الیمین» مفرداً للخلاصة و الاختصار ، و «یمین» ترجع إلی لفظ «الشيء» و هو مفرد، أما «شمائل» فترجع إلی معنی «الشيء» و هو جمعٌ، لأن المراد من لفظ «الشيء» هو الجمع.
واستعملت الآية الكريمة اليمين بصيغة المفرد والشمائل بصيغة الجمع :
 ذلك أن مساحة اليابسة وعدد السكان في نصف الكرة الشمالي أكبر من مساحة اليابسة وعدد السكان بنصف الكرة الجنوبي ، وهو ما يوضح أن ظلال الأشياء المنتقلة من جهة الشمال لليمين بنصف الكرة الشمالي أكبر بكثير من ظلال الأشياء المنتقلة من جهة اليمين للشمال في نصف الكرة الجنوبي ، لذلك جاء التعبير في الآية الكريمة عن الشمائل بصيغة الجمع والتعبير عن اليمين بصيغة المفرد ، في وقت لم يكن معروفا فيه إلا ثلاث قارات فقط ( أفريقيا وآسيا وأوروبا ) ، كما لم يكن معروفا تقسيم الأرض إلى نصف شمالي وآخر جنوبي ، حيث إن اكتشاف أن البشر يعيشون على كرة أرضية تحتوي على سبع قارات ( منها ست معمورة بالسكان ،و 90% من سكان العالم يعيشون في الشطر الشمالي من الكرة الأرضية وذلك بحكم امتداد اليابسة فيه أكثر من امتدادها في نصفها الجنوبي الذي تغطي المحيطات) تأكد بعد نزول القرآن الكريم بعدة قرون ، وهذا من دلائل إعجاز الوصف القرآني لحركة الظلال في الآية (48) من سورة النحل .

 وأما وجود لفظ [الشمال] مفردة في قول الله الرحيم (( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال)) فذلك لأن المراد أهل هذه الجهة، ومصيرهم ومآلهم إلى جهة واحدة، وهي جهة أهل الشمال مستقرُّ أهل النار، فجاءت لفظة (الشمال) مفردة ليناسب السياق والمعنى القرآني، ولأن الطرق الباطلة وإن تعددت فغايتها ونهايتها آخر الأمر إلى طريق جهنم، وهي جهة الشمال.

ومجيء التعبير بـ(الشمال) مفردا، في قول الله الملك (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين  وعن الشمال قعيد)) لأنه لما كان لكل عبد وإنسان قعيدان من الملائكة معه ،قعيد عن يمينه وقعيد عن شماله، يُحصيان عليه الخير والشر، فلا معنى للجمع هاهنا.
ذلك لأنه يوجد ملك واحد لليمين وملك واحد للشمال لكل إنسان، فوافق الإفراد.

وهذا بخلاف قول الله القدوس، حكاية عن إبليس (( ثم لأتينهم من بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)):
فنلاحظ هنا جمع (اليمين والشمال) في قوله (أيمانهم وشمائلهم)
وإن إبليس أقسم أن يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن أيمانهم وعن شمائلهم،فكأنه أقسم أن يأتي كل واحد من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله،فكان الجمع هنا مقابلة لكثرة من يريد إغوائهم، مقابلة الجملة بالجملة،ولذلك كان لفظ [الجمع] في الآية مناسبا للسياق وللواقع.
وقد قال بعض الناس: إن الشمال إنما جمعت في الظلال وأفرد اليمين لأن الظل حين ينشأ أول النهار يكون في غاية الطول يبدو كذلك ظلا
واحدا من جهة اليمين ثم يأخذ في النقصان وأما إذا أخذ في جهة الشمال فإنه يتزايد شيئا فشيئا والثاني منه غير الأول فلما زاد منه شيئا فهو غير ما كان قبله فصار كل جزء منه كأنه ظل فحسن جمع الشمائل في مقابلة تعدد الظلال وهذا معنى حسن.

قال الله الصبور: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً "
كفى بكتابكم يا قوم نورا *** فشقوا السُّبْلَ ، واخترقوا الظَّلاما
كتاب الله لولا أن هدانا *** لما وضح السبيل ولا استبانا
نظام الدين والدنيا وماذا *** يكونُ الناس إن فقدوا النظاما ؟
وما نفع الحياة لكل حَيٍّ *** إذا ما أصبحت داءً عقاما ؟
كفى بكتابكم يا قوم طباً *** لمن يشكو من الأمم السَّقاما
كتاب يملأ الدنيا حياةً *** وَيَنْشُرُ في جوانبها السَّلاما

والله أعلم
المصادر:
-البرهان في علوم القرآن للزركشي4/12.
- الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/194
-ما اتفق لفظه واختلف معناه لابن الشجري ص19
-معترك الأقران في اعجاز القرآن للسيوطي 3/597.
-من أسرار التعبير في القرآن الكريم،صفاء الكلمة،صلاح لاشين ص 144-145
 -بدائع الفوائد ،لابن القيم.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـتفسير الألوسي.
- البغدادي، علاء الدین علي بن محمد، لباب التأویل في معاني التنزیل، ج 3، ص 80، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت.
- اللباب لابن عادل أبو حفص الحنبلي.
- لمعرفة مساحة اليابسة لكل قارة من قارات الكرة الأرضية يمكن الرجوع إلى: الأطلس العربي ( 1972 ) . وزارة التربية والتعليم ، جمهورية مصر العربية ، ص82 .