Friday, November 21, 2014

دوافع تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي و مقومات النظام الاقتصادي الإسلامي وبنياته في مجال التطبيق

دوافع تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي و مقومات النظام الاقتصادي الإسلامي وبنياته في مجال التطبيق:

إن الاقتصاد الإسلامي هو مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية التي تحكم النشاط الاقتصادي للدولة الإسلامية التي وردت في نصوص القرآن والسنة النبوية، والتي يمكن تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان

ويعالج الاقتصاد الإسلامي مشاكل المجتمع الاقتصادية وفق المنظور الإسلامي للحياة.
ومن هذا التعريف يتضح أن الأصول ومبادئ الاقتصاد الإسلامية التي وردت في القرآن والسنة، هي أصول لا تقبل التعديل لأنها صالحة لكل زمان ومكان بصرف النظر عن تغير الظروف مثل الزكاة.

وتقوم عقيدة الاقتصاد الإسلامي على مبدأين:
المال مال الله والإنسان مستخلَف فيه: وبذلك فالإنسان مسؤول عن هذا المال، كسباً وإنفاقاً، أمام الله في الآخرة، وأمام الناس في الدنيا. فلا يجوز أن يكتسب المال من معصية أو ينفقه في حرام، ولا فيما يضر الناس.
والمال أداة لقياس القيمة ووسيلة للتبادل التجاري.

كما يؤمن الاقتصاد الإسلامي بالسوق ودوره في الاقتصاد حيث أن ثاني مؤسسة قامت بعد المسجد في المدينة المنورة هي السوق ولم ينه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة عن التجارة لا بل أن العديد من الصحابة كانوا من الأغنياء مثل أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف،وغيرهم.

دوافع تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي:-

يتضمن النظام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من الضمانات والحوافز والدوافع والبواعث التي تكفل تطبيقه ويمكن تصنيفها إلى :
-الوازع الإيماني: المتمثل في الرقابة الذاتية واستشعار المحاسبة أمام الله .
-الوازع الاجتماعي: المتمثل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-وازع السلطان: المتمثل في الأجهزة الحكومية المنوطة بتطبيق شرع الله .

مقومات النظام الاقتصادي الإسلامي في مجال التطبيق:-
يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على مجموعة من المقومات الأساسية هي:
-نظام زكاة المال بمؤسساته المختلفة وذلك إلى جانب النظم المالية الإسلامية مثل : الجزية والخراج والعشور والفئ واللقطة، ويجوز أن يطبق معه نظام الضرائب العادلة إذا لم تكف حصيلة الزكاة .
-نظام ضريبة التكافل الاجتماعي على غير المسلمين المقيمين بالدول الإسلامية.
-نظام الإرث والوقف والوصايا وما في حكمها مثل الهبات والتبرعات .
-المؤسسات التي تباشر الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الوحدات الحكومية التي تقوم بأعمال التوجيه الاقتصادي والرقابة عليه في ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
-نظام السوق الطاهرة النظيفة الخالية من الشوائب والتي تعمل في ظل الحرية الفردية المقيدة بضوابط شرعية .
-أي نظم فرعية مكملة يراها أولو أمر المسلمين لازمة ولا تتعارض مع الإسلام لأن الأصل في المعاملات هو الحِل، إلا ما اصطدم بنص صريح في القرآن والسنة .
-كما تقبل الشريعة الإسلامية أي مقومات أخرى معاصرة من وضع البشر متى كانت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، كما يجب أن تسخر الوسائل والأدوات التجريدية المختلفة لتفعيل تطبيق مفاهيم وأسس ومبادئ الاقتصاد الإسلامي، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها .
وتتفاعل هذه المقومات مع بعضها لتسيير النظام الاقتصادي حسب القواعد الكلية للشريعة الإسلامية المشار لها وطبقا للأساليب والإجراءات التي تتفق مع مقتضيات الزمان والمكان .

بنيات الاقتصاد الإسلامي في مجال التطبيق:-

يتكون النظام الإسلامي من مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والحكومية والتعاونية وكذلك المؤسسات الأهلية الخيرية غير الهادفة للربح يحكمها مجموعة من الأسس والقواعد وتعمل طبقا لسلسلة من الإجراءات تتميز عن نظيراتها في النظم الاقتصادية الأخرى من حيث منهج وضوابط العمل ، من أهمها ما يلي :

– المؤسسات الاقتصادية : وتتمثل في الوحدات الاقتصادية الهادفة للربح سواء أكانت في شكل وحدات فردية أم شركات أو تعاونيات وسواء أكانت قطاع خاص أم حكومي، ويجب تشجيع القطاع الخاص وتحفيز الأفراد على العمل والإنتاج والتملك في ضوء ضوابط حماية حقوق الآخرين وحقوق المجتمع .

- المؤسسات المالية : وتتمثل في المصارف ومؤسسات التأمين ومؤسسات الاستثمار وشركات توظيف الأموال ، ونحو ذلك ونرى ضرورة أن تتعامل هذه المؤسسات على أساس ونظم الاستثمار والتمويل الإسلامية وليس على أساس الربا وأن تجعل تعاملها في الطيبات وتتجنب الخبائث وطبقا للأولويات الإسلامية.

وفي هذا الصدد يجب ابتكار أدوات مالية إسلامية تعتبر أساس المعاملات والاستثمار وتباد ل الخبرات ونواه لإنشاء السوق المالية الإسلامية بدلا من سوق الأوراق المالية التي تقوم على النظام الربوي وذلك لجذب مدخرات الأفراد وتدعيم المصارف الإسلامية القائمة وتحريرها من القيود الوضعية وذلك إلي جانب تنمية وتطوير تجربة الفروع الإسلامية باعتبارها مرحلة للانتقال إلي النظام المصرفي الشامل، كما ينادي بإصدار التشريعات التي تمكن من ذلك .

كما يجب دعم وتطوير وترشيد شركات استثمار الأموال الإسلامية لتحقيق التنمية الاقتصادية كذلك يجب تدعيم صندوق القرض الحسن وتعميمه في كافة المؤسسات والوحدات الحكومية وتمويله من الخزانة العامة ومن الأفراد الموسرين كبديل للقروض والسلفيات بفوائد ربوية، والاهتمام بلجان صندوق الزكاة لدورها الهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية .

– السلطات الاقتصادية : تتمثل في الوحدات الاقتصادية الحكومية التي تحفظ وتراقب شئون المجتمع الاقتصادية مثل: أجهزة التوجيه الاقتصادي، وأجهزة الرقابة على المال والنقد والأسواق، وبيت المال، والصرف المركزي والغرف التجارية، وغير ذلك، ويجب ضرورة تطهير هذه السلطات الاقتصادية من القيود والضوابط الوضعية والتي تتعارض مع الشريعة الإسلامية وتنمية جوانب الخير فيها ، كما يرى على وجه الخصوص البدء في إنشاء مؤسسات زكاة المال واستقلالها عن خزانة الدولة والاعتماد عليها في إدارة لجان الزكاة المنتشرة ووضع النظم واللوائح التي تنظمها كمرحة أساسية للانتقال من نظام الضرائب إلي نظام زكاة المال وكذلك البدء في إنشاء صندوق ضريبة التكافل الاجتماعي والخراج والتكافل الاجتماعي باعتبارهم من أساسيات المؤسسات المالية الإسلامية .

– السلطات التشريعية : وتتمثل في الوحدات الحكومية التي تتولى وضع القوانين والتشريعات التي تحكم النشاط الاقتصادي وتنظم الملكية والحقوق في الأموال وتتولى الحكم في المنازعات التجارية، ويجب تنقية القوانين التجارية والمالية وما في حكمها مما يتعارض مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، ولاسيما المعاملات الربوية وكذلك التعامل في السلع والخدمات المحرمة شرعاً .

– المؤسسات التعليمية الاقتصادية : وتتمثل في المدارس والمعاهد والكليات التجارية والتي تهتم بتخريج العنصر البشري الذي يعمل في البنيات السابقة.
ونرى ضرورة إعادة النظر فيما يدرس في هذه المؤسسات التعليمية وتنقيته من الموضوعات التي تتعارض مع القيم الإيمانية والمثل والأخلاق الإسلامية التجارية والاهتمام موضوعات المال والتجارة والاقتصاد الإسلامية .

كيفية التطبيق المعاصر للاقتصاد الإسلامي:-

لقد نجحت الجهود المبذولة من العلماء والفقهاء والدعاة في التطبيق المعاصر لمفاهيم وأسس وقواعد الاقتصاد الإسلامي، ومن نماذج ذلك على سبيل المثال ما يلي :

-المصارف والبنوك الإسلامية ، ولقد بلغت حتى سنة 2003 م حوالي 230 مصرفا في معظم أنحاء العالم منذ أن كانت واحدة في سنة 1975 م .
-الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية ، بعد أن وجدت تلك البنوك المنافسة الشديدة من البنوك الإسلامية .
-شركات ومؤسسات التأمين الإسلامي والتي تقوم على مبدأ التعاون والتكافل الاجتماعي .
-صناديق التأمين والتكافل الخاصة لتحقيق الرعاية الاجتماعية للتجمعات الفئوية .
-صناديق الاستثمار الإسلامي بكافة أنواعها وصيغها والتي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية .
-بيوت التمويل الإسلامية والتي تمارس صيغ التمويل الإسلامية .
-مؤسسات وصناديق الزكاة المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية سواء كانت حكومية أو مستقلة أو تحت إشراف الحكومة .
-الوحدات الاقتصادية مثل الشركات والتي تلتزم في كافة معاملاتها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
-الوحدات غير الهادفة للربح مثل : الوقف الخيري أو الوصايا وممارستها لمجموعة من الأنشطة الاقتصادية والتي تحول عوائدها إلي أعمال الخير والبر .
-أسواق المال الإسلامية والتي يتم فيها تداول مجموعة من الأوراق والصكوك الإسلامية .
-هيئات المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية .
إن تطبيق القواعد الكلية للاقتصاد الإسلامي، وإنشاء بنيانه لتحقيق مقاصده يحتاج إلي خطة وبرنامج عمل ومقومات بشرية ومادية، وهذا ما سوف نتعرض له بإيجاز في الصفحات التالية .
وعندما تطبق أسس ومقومات وبنيات الاقتصاد الإسلامي في مجتمع إسلامي سوف تتحقق الحياة الرغدة الكريمة للناس، وتكون مسئولية الدولة هي توفير حد الكفاية لكل فرد بصرف النظر عن دينه .

مراجع عن الاقتصاد الإسلامي:-
– أبو الأعلى المودودى، " أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة"، مطبعة الأمان ، بيروت، 1971.
– د/إبراهيم أباظة، "الاقتصاد الإسلامي : مقومات ومنهاجه" الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية .
– د/ أحمد العسال،" النظام الاقتصادي الإسلامي"، كتبة وهبة القاهرة1997م
– د/حسين حسين شحاته، "مشكلتا الجوع والخوف وكيف عالجهما الإسلام" دار الوفاء 1410
– د/حسين حسين شحاته، "محاسبة زكاة المال"، دار النشر والتوزيع الإسلامية 1407هـ / 1987م .
– د/حسين حسين شحاته، " المنهج الإسلامي للأمن والتنمية"، دار الوفاء بالمنصورة 1410هـ / 1990م .
– حمزة الجميعى، "عوامل الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي"، دار التوزيع والنشر الإسلامية 1985م .
– طاهر عبد المحسن، "نظرة الإسلام إلي المشكلة الاقتصادية", مكتبة وهبة1976م .
– د/ عبد الستار فتح الله السعيد، " المعاملات في الإسلام" دار التوزيع والنشر الإسلامية 1408هـ / 1986م .
د. عبد الحميد الغزالي ، "حول المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية" دار الوفاء للطباعة والنشر ، 1408هـ / 1988م .
– عبد السميع المصري، "نظرات في الاقتصاد الإسلامي"، دار الطباعة والنشر الإسلامية 1986م .
– عبد الحق الشكيري، " التنمية الاقتصادية في المنهج الإسلامي" , كتاب الأمة، المحاكم الشرعية والشئون الدينية قطر، 1988 .
-عز العرب فؤاد، "الربا بين الاقتصاد والدين"، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1987.
– محمد المبارك، "النظام الإسلامي الاقتصادي"، دار الفكر، بيروت 1972
– د/محمود أبو السعود، "خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي"، مكتبة المنار الإسلامية الكويت، 1986 .
– د/منذر القحف، "الاقتصاد الإسلامي"، دار القلم, الكويت, 1979م .
– د/يوسف القرضاوي، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام"، مكتبة وهبة، القاهرة، 1977م .
– د/يوسف القرضاوي، "استراتيجية وتكتيك التنمية الاقتصادية في الإسلام" من مطبوعات الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة، 1981م .
– يوسف كمال، "الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة"، دار الوفاء بالمنصورة 1985م .
– يوسف كمال، "فقه الاقتصاد الإسلامي"، دار القلم، الكويت، 1408هـ / 1988م .

Wednesday, November 19, 2014

مفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي والقواعد الكلية

مفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي والقواعد الكلية:

تعاني معظم النظم الاقتصادية المعاصرة الوضعية من العديد من المشكلات العملية، ولم تفلح في تحقيق الإشباع الروحي والمعنوي وكذلك المادي للشعوب، ولقد انهار النظام الاقتصادي الاشتراكي والشيوعي، كما يعاني النظام الاقتصادي الرأسمالي من سكرات الموت .... وبدأ الاتجاه نحو العولمة والجات ونحو ذلك .

ولقد تخبطت الدول العربية الإسلامية في مجال التطبيق بين النظم الاقتصادية الوضعية، وتعاني العديد من المشكلات مثل : التخلف والتضخم والغلاء والتبعية الغذائية والمديونيات والفوائد الربوية، الخلل النقدي والبطالة ... وكل صور الفساد المالي والاقتصادي وبدأت تسأل عن النظام الاقتصادي المناسب الذي يعالج تلك المشكلات، ومعها النظام الاقتصادي الإسلامي ولكن لا تطبقه إما تجاهلا وإما جهلا .

مفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي:-

يعتبر المال هو عصب الحياة على الأرض وأساس استعمارها وتسخيرها لإعانة الإنسان على العبادة.

 ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية القواعد الكلية التي تحكم نظم النشاط الاقتصادي مثل سائر الأنشطة الأخرى، كما دعى إلى الاجتهاد في تطبيق هذه القواعد، مما يتفق مع ظروف الزمان والمكان، وبذلك يجمع الاقتصاد الإسلامي بين ثبات القواعد الكلية ومرونة التطبيق من حيث الإجراءات والأساليب والأدوات .

والنظام الاقتصادي الإسلامي : يستهدف إشباع حاجات الإنسان الأصلية وذلك في إطار من القيم والأخلاق الإسلامية، والسلوكيات الحسنة والتي تتفاعل مع بعضها البعض فتولد توازنا دائما بين الفرد والمجتمع من حيث مصالح كل منهما ونشاطه.

والنتيجة هي إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية بأفضل شكل ممكن، وتحقيق رقى الإنسان في كافة ميادين الحياة والمحافظة على ذاتيته وكرامته .

ويهدف النظام الاقتصادي الإسلامي إلى تنظيم المعاملات بشكل يستطيع معها الوصول إلى مستوى معيشي كريم لأفراد المجتمع، يتصف بالنمو المطرد والمستقر وذلك من خلال التوظيف الكامل للموارد البشرية والطبيعية والعدالة في توزيع الدخل والثروات بما يحقق للفرد الحياة الكريمة الرغدة في الدنيا والفوز برضاء الله في الآخرة .

ويحكم النظـام الاقتصادي الإسلامي مجموعة من القواعد والأسس المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية على النحو الذي سوف نفصله في البند التالي ، ومن أهم هذه المصادر ما يلي :

-القرآن الكريم .
-سنة رسول الله  .
-إجماع الفقهاء .
-التراث الإسلامي .

القواعد الكلية للنظام الاقتصادي الإسلامي:-

يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي بطبيعته على القواعد الكلية التالية :

أولاً : الالتزام بالقيم الإيمانية عند ممارسة النشاط الاقتصادي، ويعتبر ذلك عبادة إذا ما قصد به وجه الله سبحانه وتعالى، لذلك يجب أن يراعي فيه التقوى والخشية من المحاسبة أمام الله، وهذا يحقق نوعا من تميز الاقتصاد الإسلامي على ما عداه من النظم الاقتصادية الأخرى مثل وهي الرقابة الذاتية والإيمان الكامل باليوم الآخر والمحاسبة أمام الله عز وجل عن كسبة وإنفاقه .

ثانياً : الالتزام بالقيم الأخلاقية في المعاملات الاقتصادية ومن أهمها : الأمانة والصدق، والسماحة في المعاملات، والاعتدال، والقناعة في الربح، والتيسير على المعسر، والتصدق على المفلس، والتعاون على البر، والالتزام بروح الأخوة والإيثار .
ثالثاً : الأصل في المعاملات الاقتصادية الحل إلا ما نص الشرع على تحريمه مثل الربا بكافة صوره والاحتكار والغش والغرر والرشوة، وكل معاملة تؤدي إلي أكل أموال الغير ظلما وعدوانا واستحلالها بدون وجه حق .

رابعاً : لا يجوز للدولة أن تأخذ من أموال الناس ما يزيد عن الزكاة (أو الجزية) أو غيرها من الرسوم المقررة إلا بقرار سياسي مبني على مشاورة أهل الحل والعقد من المسلمين وموافقتهم، وذلك بعد تعويض من يؤخذ منهم المال بالحق وأساس ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " (رواه مسلم ) .

خامساً : أساس الكسب المشروع بذل الجهد والتعرض للمخاطر، وربط الغنم بالغرم، فلا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا كسب، مصداقا لقول الله تبارك وتعالى:  "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه"ِ.

سادساً : أن الله قد خلق من الأرزاق ما يكفل حياة كريمة للمخلوقات وعلى الإنسان أن يسعى في الحصول على الرزق الطيب، ولما كان الإنسان يميل بغريزته إلى الاستكثار من الطيبات فوق الضروريات والحاجيات، لذلك ظهر ما يسمى بالندرة النسبية وعلاجها يكون عن طريق ترشيد الاستهلاك وزيادة الإنتاج، مصداقا لقول الله تبارك وتعالى " وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً " .

سابعاً : أن العمل الصالح المتقن وسيلة الكسب المادي وغايته التقوية على عبادة الله، فالمادة وسيلة بناء الجسد، والعبادة لتغذية الروح، ويلزم على الفرد أن يوازن بينهما بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر .

ثامناً : إن المعاملات الاقتصادية هي علاقات تعاقدية تخضع لشروط العقد وأحكامه بصفة عامة والبيوع بصفة خاصة، ومن ثم يجب توثيقها بالكتابة والتسجيل أو غيرهما، ولقد أشار إلي ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ".

تاسعاً : حماية الملكية الخاصة المكونة بالحق والمقيدة بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وأدائها لحقوق المجتمع، ويجوز أن يكون بجانبها الملكية العامة والملكية التعاونية ليقوما بدورهما في التنمية الشاملة في المجالات التي يحجم عنها الأفراد .

عاشراً : مجال المعاملات الاقتصادية هو الطيبات طبقاً للأولويات الإسلامية وهي الضروريات فالحاجيات فالتحسينات لتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية وهي حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال .

تمثل القواعد السابقة الكليات المستقرة، وعلى الفقهاء الاجتهاد في مجال الفروع والأساليب وإجراءات التطبيق بما يلائم ظروف كل زمان ومكان، وهذا ما يعطي البرنامج الاقتصادي الإسلامي سمة الثبات والمرونة .

إن تطبيق الحلول المستوردة من الشرق أو الغرب لم يسفر إلا عن مزيدا من التخلف لأنها تتعارض مع عقيدة ومثل وأخلاق وسلوكيات المسلمين، لذلك يجب أن تطبق مفاهيم وأسس ونظام الاقتصاد الإسلامي وهذا هو المقصود من هذه الدراسة المتواضعة، ولقد صدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم :" يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى  * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا كَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى " .
ولقد صدق من قال :"لن ينصلح حال هذه الأمة إلاّ بما انصلح به أولها ، فشريعة الإسلام هي أساس إصلاح حالنا"، .
والله أعلم 

المصادر:
- دكتور حسين حسين شحاته ،أساسيات النظام الاقتصادي الإسلامي في مجال التطبيق.
- أبو الأعلى المودودى، " أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة"، مطبعة الأمان ، بيروت، 1971.
– د/إبراهيم أباظة، "الاقتصاد الإسلامي : مقومات ومنهاجه" الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية .

– د/ أحمد العسال،" النظام الاقتصادي الإسلامي"، كتبة وهبة القاهرة1997م

Thursday, November 13, 2014

معان بديعة وبلاغة جميلة في مواضع (الكُره و الكَره) في القرآن الكريم

معان بديعة وبلاغة جميلة في مواضع (الكُره و الكَره) في القرآن الكريم:
القرآن الكريم نور مبين، يهدي الضال لطريق الرشاد، ويرشد التائه لسبيل الهداية، و ينور العقل بالفكر الحر والمعرفة الشاملة والعلم الواسع...
وينور النفس بمحامد الأخلاق ومحاسن الصفات ومجامل الشيم...
وينور الروح بمنازل السائرين لله، ومعارج الواصلين لرضا الله، وطرائق السالكين لرب العالمين ...
و ينور القلب بصفاء السريرة ونقاء الطوية و جلاء البصيرة ...
وينور الفكر بمبدعات الأفكار ويوسع النظر في رؤية الأشياء، ليصل الإنسان لمعيشة أفضل وحياة أجمل وسعادة تمتد وفرح يستمر...
والمتدبر للقرآن الكريم تحقيقا لـ (ليدبروا آياته) وعملاً بـ ( أفلا يتدبرون القرآن) يجدون لذ كبيرة ومتعة عظيمة في التفكر بآيات الله المسطورة المقروءة المُتلاة، لا يجدها غيره ولا يشعر بها سواه، ممن انصرف عن التدبر والتأمل في القرآن الكريم.
وما يدعيه المكذبون للقرآن الكريم والحاقدون على الإسلام والكارهون للشريعة الإسلامية، من أن القرآن الكريم كتاب عادي ومن صنع البشر، ولا يستحق التأمل والتفكر، فإن هذا الكلام خاطئ وباطل ولا قيمة له عند أولوا الألباب والعقول والنُّهى، إذ أنه هذا الكلام نابع من عقل إما متعصب كاره أو من جاهل لا يدري ما يقول ولا يشعر ما حوله، أو من مقلد لما يقوله أعداء الإسلام للحصول على مال او شهرة أو منصب ...
وفي كل الأحوال هم على خطأ كبير وانحراف شديد عن العلم الحق والمعرفة الصافية والثقافة النقية...
ومن يتدبر القرآن فإنه يجد بلاغة بديعة ومعان رائقة في آياته وعبارته وكلماته وحروفه وفي نظمه وأسلوبه،حتى في حركات وتشكيلات كلماته أو النطق بها...
ومن ذلك الإعجاز البلاغي البياني ورود كلمتي (الكُرْه) و(الكَرْه) في القرآن الكريم بمعان مختلفة وإن انبثقتا من أصل واحد،وبإشارات متعددة وإن خرجتا من جذر واحد، وبثمار متنوعة وإن سقيتا من ماء واحد، وبمذاق مختلف وإن نبعتا من نبع واحد .
فلنتعرف على ذلك من خلال:
معان بديعة وبلاغة جميلة في مواضع (الكُره و الكَره) في القرآن الكريم:
الكُره : بضم الكاف ،و الكَره :بفتح الكاف.
كلمتان متقاربتان في البناء،وتركيب الحروف،وشكل الحركات،ومتقاربتان في المعنى.
لكن بينهما فروق، ونستخرج هذه الفروق من النظر في السياق القرآني الذي وردتا فيه.
وهي فروق لطيفة وذات معان بديعة بأسلوب فائق الجمال ومعنى جميل في كل حال.
الكُره : بضم الكاف:
وردت كلمة الكُرْه-بضم الكاف – ثلاث مرات.
الموضع الأول: في تكليف القتال الشاق:
قال الله علت كلمتُه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
إن تكليف القتال شاقٌ على النفس، ولهذا تراه صعباً شاقاً ثقيلا، وقد تكرهه بعض النفوسُ وبخاصة ضعاف الإيمان، وقد تتثاقل عنه وتتباطأ به، وقد تتخلى عنه وتتركه.
لكنَّ النفس المؤمنة تنفر للقتال وتقوم به وتمارسه، فتطلبه وتريده رغم مشقته وصعوبته لأنه أمر متعلق بطاعة الله وعبادته فلا مجال لحظوظ النفس ولا مكان للشهوات والأهواء.
ولصعوبة القتال ومشقته وصف بأنه (كُرْه) بضم الكاف، إذ أنه ثقيل وشاق، لكنه مطلوب مُراد مِن قِبَل المجاهدين الصادقين، لما يترتب عليه من آثار ونتائج وثمار وإيجابيات في الدنيا والآخرة.
الموضع الثاني والثالث:
وردت كلمتان في الحديث عن حَمْل المرأة وضعها، قال الله سمَت آياتُه (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا).
إن حمل المرأة بجنينها شاقٌّ صعب مُتعِب مُرهِق،يُضعِف جسمَها، ويُؤثر في أعصابها ونفسيتها، وقد يُصيبها بالأمراض، وقد يُودي بحياتها.
وقل مثل هذا في آلام المخاض وأوجاع (الطَّلْق) ومشقة الوضع الذي تُعانِي منه المرأة ما تعاني.
لكنْ ألا ترعب المرأة في الحمل والإنجاب؟ألا تحبه وتريده وتطلبه وتسعى إليه؟ألا تلتذ به وتستعذبه وتشتاق إليه؟وإذا مضى عليها شهور أو سنوات بدون حمل ألا تبذل جهدها في استطاعة الحمل وتذهب لأمهر الأطباء؟ ثم إن هي وضعت الحمل وأنجبت تصرح وتقول أنها إن قامت سالمة لن تحمل أبدا، ثم إنها تنسى كل آلام الحمل والإنجاب وكل المشاق والمصاعب والأمراض وسهر الليل والأرق والتعب بعد نَفاسِها وتطلب الحمل من جديد!!
وهذا لا يحصل إلى عند كل امرأة سليمة الفطرة صالحة طيبة طهور حنون حكيمة.
فسبحان مَن جعل الحملَ والإنجاب حاجةً فطريةً في كل إمرأة سليمةٍ سوِّيةٍ لتستمر الحياة.
ولهذا عبَّر القرآن الكريم عن حَمْل المرأة ووضعها بأنه (كُرْه) فيه مشقة وصعوبة وثقل، فيه آلام وأوجاع وأخطار، فيه مصاعب ومتاعب ومصائب، لكنه مع ذلك مرغوبٌ ومطلوبٌ ومُرَاد.
لقد أطلق القرآن الكريم كلمة(الكُرْه) وصفا على الأمر الذي فيه مشقة وصعوبة،فيه ألم ومعاناة،لكنه مطلوب من قِبَل صاحبه ومرغوبٌ عنده، إذ أن صعوبته مقرونة بالإرادة والرغبة بل باللذة والشوق.
وفي الحديث:[ إِسْباغ الوُضوء على المَكارِه]قال ابن الأَثير: المَكارِه: جمع مَكْرَهٍ وهو ما يَكْرَههُ الإنسان ويشقُّ عليه، والكُرْهُ بالضم والفتح المَشَقَّةُ المعنى أَن يَتَوَضَّأَ مع البرد الشديد والعِلَلِ التي يَتَأَذَّى معها بمسِّ الماء ومع إعْوازِه والحاجةِ إلى طلبه والسَّعْي في تحصيله أَو ابْتِياعِه بالثَّمن الغالي وما أَشبه ذلك من الأَسْباب الشاقَّة.
لكنه محبوب ومرغوب ومطلوب لإكثار الحسنات ومحو السيئات والتقرب من الله رب الأرض والسموات.
الكَره:الإكراه:
الكَره بفتح الكاف، وردت هذه الكلمة خمس مرات في القرآن:
1-  طلب الله من السموات والأرض أن تستسلم له (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ).
2- بين القرآن إسلام كل المخلوقات لله (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).
3-بين القرآن الكريم سجود كل المخلوقات لله (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).
نلاحظ في الآيات الثلاثة ورود كلمة (كَرْه) بمعنى الإكراه والاجبار والقسر، وذلك لأن الأمر والتكليف جاء من التاريخ.
الكافر أسلم لله-أي استسلم له- رغم أنفه وهو كاره رافض، وكان استسلامه في الجانب اللاإرادي من كيانه- مثل أجهزة جسمه ونواميس حياته- لهذا اعتُبر استسلامه (كَرْها) بفتح الكاف.
وهو يسجد لله مُكْرَها مجبرا رغم أنفه، والمراد بالسجود هنا الخضوع،وهو يتناول خضوع الجانب اللاإرادي من كيانه أيضا، ولهذا اعتُبر سجوده وخضوعه(كَرْها) بفتح الكاف.
وهذا الاستسلام ليس استسلام المؤمن وإسلامه لله، لا سجود الكافر كسجود المؤمن وخضوعه لله، ولهذا وصفه القرآن بأنه (طوعا) وجعله مقابلا ومضادا لاستسلام الكافر وخضوعه القائم على الكَره.
وإنه لا سبيل لأحد من الخلق إلى الامتناع على الله في مراده فأما المسلم فينقاد لله فيما أمره أو نهاه عنه طوعا وأما الكافر فينقاد لله كرها في جميع ما يقتضي عليه ولا يمكنه دفع قضائه وقدره عنه.
4-بين القرآن أن إنفاق المنافقين لأموالهم غير مقبول، وإن زعموا وادعوا أنه في سبيل الله،كمن ينفق لأجل الشهرة واكتساب مكان مرموق في المجتمع وليُقال له أمه كريم ومساعد ورحيم وطيب،فهذا الإنفاق وأمثاله لم يصدر عن إيمان في قلوبهم ونفوسهم، وقد جاء في قوله جلَّت حكمتُه (قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ).
إنها صورة المنافقين في كل آن . خوف ومداراة ، وقلب منحرف وضمير مدخول . ومظاهر خالية من الروح ، وتظاهر بغير ما يكنه الضمير .
وكان الآية تشير إلى أن إنفاق المنافقين رغم أنوفهم ،إنفاق بسبب القسر والإجبار والإكراه لاعتبارات دنيوية ومصالح شخصية وأهواء آنية،ذلك لأنهم يريدون به التمويه على المسلمين وخداع الصالحين والمكر بالآخرين، ولهذا وُصِفَ إنفاقُهم بأنه(كَرْه) بفتح الكاف.
فانظر لنفسك أأنت من هؤلاء أم لا؟
5-نهى القرآن الكريم عن وراثة المرأة كما يورث الأثاث والمتاع، فقال كثُرَت أفضالُه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا).
لقد كان الإنسان الجاهلي إذا مات أبوه،فإنه يرِثُه في كل ما ترك وراءه، من أموال ومتاع، حتى يرث زوجة أبيه،بأن يضع ثوبه عليها،فتكون له من جملة الموروثات، وقد نهى الله المؤمنين عن هذا التصرف الجاهلي البشع غير المقبول، فحرَّمه عليهم وحرَم هذا الفعل.
والمرأة ترفض هذا التصرف وتكرهه لأنه إجبار وقسر لها ، ولهذا سماه القرآن (كَرْها) بفتح الكاف.
وهذا من تكريم الإسلام والقرآن للمرأة وإعلاء لمكانتها ودفاع عنها، عكس ما ينشره الحاقدون والكارهون للإسلام وللقرآن.
و لقد كانت الجاهلية العربية - كما كانت سائر الجاهليات من حولهم - تعامل المرأة معاملة سيئة . . لا تعرف لها حقوقها الإنسانية فتنزل بها عن منزلة الرجل نزولاً شنيعاً يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان . وذلك في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية وتطلقها فتنة للنفوس وإغراء للغرائز ومادة للتشهي والغزل العاري المكشوف . . فجاء الإسلام ليرفع عنها هذا كله ويردها إلى مكانها الطبيعي في كيان الأسرة وإلى دورها الجدي في نظام الجماعة البشرية . المكان الذي يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في مفتتح هذه السورة : { الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } ثم ليرفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط إلى المستوى الإنساني الرفيع ويظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل; وليوثق الروابط والوشائج فلا تنقطع عند الصدمة الأولى وعند الانفعال الأول.
ومن هذا الدرك الهابط رفع الإسلام تلك العلاقة إلى ذلك المستوى العالي الكريم اللائق بكرامة بني آدم الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من العالمين . فمن فكرة الإسلام عن الإنسان ، ومن نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية ، كان ذلك الارتفاع الذي لم تعرفه البشرية إلا من هذا المصدر الكريم  فحرم الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة.
إذن: (الكُرْه) بالضم: الأمر الشاق الصعب لكنه مرغوب ومطلوب.
و(الكَرْه) بالفتح: الأمر المكروه المرفوض الذي يأتي من الخارج ويحمل طابع الإكراه والجبر والقسر.
قال لسان الدين الخطيب :
وودعته كرها وداع ضرورة *** وحكم النوى يجري على غير واحد .
وقال عماد الدين الأصفهاني: 
ما اخترت بعدك لكن الزمان أتى ** كرها بما ليس يا محبوب محبوبي.
قال الفراء : الكُرْهَ ما أَكْرهْتَ نَفْسَك عليه والكَرْه ما أَكْرَهَكَ غيرُكَ عليه تقول جئْتُكَ كُرْهاً وأَدْخَلْتَني كَرْهاً.
قال ابن بري: يدل على صحة قول الفراء قولُه سبحانه وله أَسْلَم مَنْ في السموات والأَرض طوعاً وكَرْهاً ولم يقرأ أَحد بضم الكاف وقال سبحانه وتعالى كُتِبَ عليكم القتالُ وهو كُرْهٌ لكم ولم يقرأ أَحد بفتح الكاف فيصير الكَره بالفتح فعل المضْطَرّ الكُرْه بالضم فعل المختار.
قال ابن سيده: الكَرْهُ الإباءُ والمشَقَّةُ تُكَلِّفُها فتَحْتَمِلُها والكُرْهُ بالضم المشقةُ تحْتَمِلُها من غير أَن تُكَلِّفها يقال فعلَ ذلك كَرْهاً وعلى كُرْهٍ.
وقال ابن فارس: (كره) الكاف والراء والهاء أصلٌ صحيحٌ واحد، يدلُّ على خلاف الرِّضا والمحبّة.
يقال: كرِهتُ الشَّيء أكرَهُه كَرْهاً. والكُرْه الاسم. ويقال: بل الكُرْه: المشقّة، والكَرْه: أن تكلَّف الشيءَ فتعملَه كارهاً.
قال الراغب الأصفهاني :
(الكَرْه) بالفتح : المشقة التي تنال الإنسان من خارجٍ، فيما يُحملُ عليه بإكراه.
و(الكُرْه) بالضم: ما يناله من ذاته وهو يَعافه،وذلك على ضربين:
أحدهما: ما يُعاف من حيث الطبع.
 والثاني: ما يُعاف كم حيث العقل أو الشرع.
ولهذا يصح أن يقول الإنسان في الشيء الواحد:إني أريده وأكرهه.
بمعنى أني أريده من حيث الطبع، وأكرهه من حيث العقل أو الشرع.
أو أريده من خيث العقل أو الشرع ، وأكره من حيث الطبع.
قال الشاعر عبد الرحمن العشماوي:
أرسل فديُتك هذا الصوتَ أنوارا ** وأبعث إلينا به نبعاً وأنهارا
كـوّن به سُحباً في الأفقِ مفعمةً ** تُهدي إلى الأنفس الجدباء أمطارا
وأمدد إلينا به جسر اليقين على ** أرض العقيدة وأجعل منه تذكارا
حلّق بنا في تلاواتٍ مرتلةٍ ** ترقــى بأنفسنا حُباً وإيثارا
إقرأ فديُتك فالقرآن يمنحنا ** في لجّة العصر تثبيتاً وإصرار
هو الضياء لنا في كل حالكةٍ ** تُخفي غياهبها السوداءُ أشرار
هو السحاب الذي تهمي بوادره ** غيثاً من الحق الإيمان مدرارا
أمطر علينا شئابيب التلاوة في ** عصرٍ تشرّب إعراضاً وإنكارا
عطّر مسامعنا ممّا ترتله ** فالناس قد عشقوا دَفّاً ومزمارا
لله درّك تتلو وحي خالقنا ** مجوّداً فنرى للفجر إسّفارا
وحيُ السماء هو الحصنُ المنيع ** إذا ما حرّكت صبوات الناس إعصارا
والله أعلم
المصادر
- في ظلال القرآن لسيد قطب.
- معجم مقاييس اللغة لابن فارس.
- المحكم والمحيط الأعظم  وكتاب المخصص لابن سيده.
-المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
- لطائف القرآن لصلاح الخالدي.
- تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التزيل.
- ديوان لسان الدين الخطيب.
-ديوان عماد الدين الأصفهاني.
- لسان العرب لابن منظور.

Wednesday, November 12, 2014

البلاغة وبديع البيان في (تستطع و تسطع)و(اسطاعوا واستطاعوا)

البلاغة وبديع البيان في (تستطع و تسطع)و(اسطاعوا واستطاعوا):

يزخر القرآن الكريم بفنون بلاغية عدة ونواح أدبية كثيرة وأنواع بلاغية مختلفة، سواء من حيث الحرف أو اللفظ أو الكلمة أو الجملة أو العبارة أو الآية.

وأينما نظرت في القرآن فإنك تلقى بلاغة أدبية عالية المستوى، تأخذ بالقلب وترقى بالنفس وتطرب الروح وتشنف السمع وترهف اللحس.

وحدهم المتدبرون في آيات القرآن والمتأملون بها يشعرون بمثل هذه البلاغة التي تحضر الخشوع للقلب وتجعل من العين عينا فياضة بالدمع.

ونحن أمام فن بلاغي من نوع آخر نوع حذف حرف من الكلمة، فيه من الدلات ومن الإيماءات ما لا يخفى على متفكر متبصر عليم القلب والعقل.

مجيء (تسطع وتستطيع) ( واسطاعو وما استطاعوا):

هذه الكلمات وردت في سورة الكهف الأولى في قصة موسى مع العبد الصالح، والثانية في قصة ذي القرنين.
وكلتا القصتان مشهورتان لشهرة سورة الكهف بين المسلمين.
والمتأمل المتدبر في قراءة سورة الكهف، يلحظ أن (تستطع) جاءت دون ياء مثل (تستطيع).
وكلمة(اسطاعوا) قد حذفت منها التاء بينما وردت في كلمة(استطاعوا).

فما السر في ذلك، وهل وردت هذه وتلك دون معنى بلاغي أو بياني؟.

إن قول صاحب موسى: ((سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا))  إلى قوله: وما فعلته عن أمري ثم قال: ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. فجاء باسم إشارة البعيد تعظيما للتأويل بعد ظهوره.
وهذه طريقة مسلوكة للكتاب والخطباء، وهي ترجع إلى قاعدة أخذ النتائج من المقدمات في صناعة الإنشاء .
وأكثر الخطباء يفضى إلى الغرض من خطبته بعد المقدمات والتمهيدات. وقد جاءت الآية على طريقة الخطباء والبلغاء ؛تعليما للخلق وجريا على مقتضى الحال المتعارف من غير مراعاة لجانب الألوهية، فإن الملائكة لا يمترون في أن قول الله قوول الحق ووعده الصدق فليسوا بحاجة إلى نصب البراهين.
وتسطع مضارع (اسطاع) بمعنى (استطاع) .
*حذف تاء الاستفعال:
- تخفيفا لقربها من مخرج الطاء.
 *والمخالفة بينه وبين قوله (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا):
- للتفنن تجنبا لإعادة لفظ بعينه مع وجود مرادفه.
- وابتدئ بأشهرهما استعمالا وجيء بالثانية بالفعل المخفف لأن التخفيف أولى به لأنه إذا كرر تستطع يحصل من تكريره ثقل.
- وأكد الموصول الأول [ما الموصولة] الواقع في قوله (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) تأكيدا للتعريض باللوم على عدم الصبر.
*وأبدى بعضهم سرّا للتعبير أولا (بتستطع) ثم أخيرا (بتسطع) بحذف التاء فقال:
لما كان الإشكال عن الأفعال التي قام بها الخضر قويا ثقيلا. فقال بداية:
(سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) فقابل الأثقل بالأثقل والأخف بالأخف.
ولما أن فسر الخضر لموسى، وبين له تأويل ما لم يصبر معه، ووضحه وأزال المشكل، قال (تسطع) بحذف التاء.
كما قال: (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ)، وهو الصعود إلى أعلاه، (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً )وهو أشق من ذلك.
فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى.

فهناك كلمتان تبدوان وكأنهما على سواء وهما: «تَسْتَطِعْ» و «تسطع». وهما كذلك فى غير القرآن الكريم..
ولكنهما فى كلام الله ليستا على سواء، فى الميزان، الذي جاء عليه النظم القرآنى، وإعجازه القاهر المتحدّى!
فكلمة «تستطع» فيها شدة، وقسوة، ومصارحة مكشوفة، بالعجز عن الاستطاعة..
وقد قالها العبد الصالح هكذا صريحة مكشوفة، ليقطع بها الرحلة مع تلميذه..
ولكن حين جلس إلى تلميذه مجلس المعلّم، الذي يكشف لتلميذه، معالم الطريق المظلم أو المشرق، الذي كان يطوّف به فيه- جاءه بهذه الكلمة «تسطع» وقد اقتطع منها هذا المقطع الحادّ، فإذا هى كلمة وديعة رقيقة فيها هروب من المواجهة الصريحة المتحدّية، وعليها مسحة من الحياء!
والذي نود أن نشير إليه هنا من وجوه هذا التلاقي والتوافق، هو ما جاء فى قصة العبد الصالح من قوله لموسى، حين أراد فراقه: «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» فلما نبأه بتأويل هذا قال له: «ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» ..
و فى قصة ذى القرنين يجىء قوله تعالى: «فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً» .
فيجىء فعل الاستطاعة فى القصتين، بتاء المطاوعة مرة، ويجىء بغير التاء مرة أخرى..
و إن هذه التاء تدل على زيادة في الشدة والقسوة، حيث يفترق بها فعل عن فعل..
وهنا- فى قصة ذى القرنين- نجد نفس الشيء..
حيث أن القوم إذا أرادوا أن يصعدوا السدّ صعودا فما «اسْتَطاعُوا» ..
وأما حين أرادوا أن يحدثوا فيه نقبا فما «اسْتَطاعُوا» ..
ومعالجة النقب أشدّ صعوبة من محاولة التسلق..!!

والله أعلم

المصادر:
-التحرير والتنوير
-تفسير القاسمي

-التفسير القرآني للقرآن ،عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ)،دار الفكر العربي – القاهرة.