Sunday, December 29, 2013

الفرق بين (فلا تقربوها) و(فلا تعتدوها)


الفرق بين (فلا تقربوها) و(فلا تعتدوها):
ان من الأمور التي تقرب العبد من ربه هو تلاوة القرآن الكريم وتدبره، إذ يحتم على المسلم أن ينهل من علوم القرآن فتنشر المعرفة في أرجاء فكره فيعطيه دفقا من الفهوم لآيات القرآن الكريم.
وشرط تدبر القرآن الكريم هو العلم وزيادة المعرفة لدى المسلم، فكلما زاد علمه وزادت معرفته زاد فهما لآيات القرآن وزاد تقربا من الله، فيغدو المسلم سائرا على منهج الله ببصيرة ووضوح وعن علم لا عن تقليد.
وبذاك يكون قد اتصف بما اتصف به الصحابة الكرام الذين كانوا يقرؤون من القرآن آيات قليلة فلا يتجاوزونها حتى يعلمونها ويعرفونها ويعملون بها.
وهذا الفعل حري بالمسلم أن يفعله ويطبقه في حياته وفي تعامله مع القرآن الكريم.
 إن التأمل والتفكر في آيات الله يزيد في القلب نورا ويلهمه الرشد والصلاح.

ونجد من خلال قراءتنا للقرآن الكريم الفرق بين (فلا تقربوها) و(فلا تعتدوها):
قال الله (تلك حدود الله فلا تقربوها).
وقال( تلك حدود الله فلا تعتدوها).

في الآية الأولى : الحديث عن الصوم.
والآية الثانية: الحديث عن الخلع والطلاق.

في الآية الأولى :
التحذير من محظورات مشتهاة شديدة الجاذبية، لذا كان من الأفضل التحذير من مجرد الاقتراب منها، وهي:
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
أما الآية الثانية:
فكان الحديث عن مكروهات وخلافات، فالأمر هنا هو تعدي الحدود وتجاوزها، فجاء التحذذير من التعدي لا من المقاربة.
والله أعلم

يا مُنزلَ الآيـاتِ والفرقانِ **** بيني وبينك حرمة القـرآنِ
اشرحْ بهِ صدري لمعرفةِ الهدى **** واعصمْ بهِ قلبي من الشيطانِ
يسّرْ بهِ أمري واقضِ مآربي **** وأَجِرْ بهِ جسدي من النيرانِ
واحططْ بهِ وزري وأخلصْ نيتي *** واشددْ بهِ أزري وأصلح شاني
واقطعْ بهِ طمعي وشرّفْ همتي **** كثّرْ بهِ ورعي وأحيي جناني
اسهِرْ بهِ ليلي واظمئ جوارحي *** اسبلْ بفيض دموعها أجفاني
امزجهُ يا ربي بلحمي معْ دمي **** واغسلْ بهِ قلبي من الأضغانِ
المصدر:
الدر المصون للحلبي 1/477
كشف المعاني 3/1.

الفرق بين (الأجر) و(الجزاء) في القرآن الكريم


الفرق بين (الأجر) و(الجزاء) في القرآن الكريم  :
المسلم مطالب بتدبر القرآن الكريم قراءة وتلاوة، وجعله الله ميسرا للناس فقال: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
وقد حبا الله تعالى المؤمن قلبا ينبض بالرجاء ويتطلع إلى النور ويرنو إلى المحبة، ويتأتى ذلك بملازمة أحب الأمور إلى الله وهو قراءة القرآن الكريم قراءة متأنية وتلاوة متدبرة، يقف بها المسلم على معاني الآيات القآنية ويستنبط منها ما ينفعه في أمور دينه ودنياه وآخرته.
ويحافظ المسلم على أوقات يجعلها لتلاوة القرآن وتعلمه وتدبره وتعليمه لأهله وأقاربه وأصدقائه وأولاده، فينشر العلم الصحيح المصحوب بمحبة الله المقترن بإنماء عظمة الله وقدرته في القلوب، فيزداد الذين آمنوا إيمانا، ويخرج من قلوب البعض الريب والشك.
ومن سبل ذلك هو أن يعرف المسلم بلاغة القرآن الكريم وما فيه من معان عالية الرتبة وألفاظ يخضع لها البلغاء ويخنع أمامها أعظم الخطباء.
والقارئ للقرآن الكريم يلحظ هذا في أثناء تلاوته لآيات الله المباركات.
ومن ذلك الفرق بين (الأجر) و(الجزاء) في القرآن الكريم :
الأجر: ما يعود من ثواب العمل دنيا وآخرة (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله).
والأجر يقال فيما كان عن عقد ولا يقال إلا في النفع دون الضرر (لهم أجرهم عند ربهم )(فأجره على الله).
أما الجزاء: فيقال فيما كان عن عقد وغير عقد، ويقال في النافع والضار (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)(فجزاؤه جهنم).
وتوضيح ذلك:
إن الأجر ما يعود من ثواب العمل دنيا وآخرة (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله).
والأجر يقال فيما كان عن عقد ولا يقال إلا في النفع دون الضرر (لهم أجرهم عند ربهم )(فأجره على الله).
وجملة : إن أجري إلا على الله ( تعميم لنفي تطلبه أجراً على دعوتهم سواء منهم أم من غيرهم ، فالقصر حقيقي وبه يحصل تأكيد جملة : ( فما سألتكم من أجر ) مع زيادة التعميم . وطريقُ جزمه بأن الله يؤجره على ذلك هو وعد الله إياه به بما أوحى إليه .
وأتى بحرف ( على ) المفيد لكونه حقاً له عند الله بناء على وعد الله إيَّاه وأعلمه بأن الله لا يخلف وعده ، فصار بالوعد حقاً على الله التزم الله به وذاك  يقتضي أنه حق الله وذلك بالنظر إلى وَعده الصادق.
وجيء بالشرط (إِنْ)بصيغة الماضي ليدلّ على انتفاء ذلك في الماضي فيكون انتفاؤه في المستقبل أجدر ؛ على أن وقوعه في سياق الشرط يقضي بانتفائه في المستقبل أيضاً . وهذا جار مجرَى التحدِّي لأنه لو كان لجماعتهم أو آحادهم علم بأنه طلب أجراً منهم لجَارُوا حين هذا التحدّي بمكافحته وطالبوه بردّه عليهم .
و(إن أجْري إلاّ على الله ) احتراس لأنه لمّا نفى أن يسألهم مالاً ، والمال أجر ، نشأ توهّم أنه لا يسأل جَزاء على الدعوة فجاء بجملة ( إن أجْري إلاّ على الله ) احتراساً .
والمخالفة بين العبارتين في قوله : ( مالا ( و ) أجري ( تفيد أنه لا يسأل من الله مالاً ولكنه يسأل ثواباً .
وقول الرسول :
 { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله } [ هود : 29 ] .
هو قول يدل على أن الأمر الذي جاء به الرسول هو أمر نافع؛ لأن الأجرة لا تستحق إلا مقابل المنفعة .
ونحن نعلم أن مبادلة الشيء بعينه أو ما يساويه؛ تُسمَّى شراء ، أما أن يأخذ الإنسان المنفعة من العين ، وتظل العين ملكاً لصاحبها ، فمن يأخذ هذه المنفعة يدفع عنها إيجاراً ، فكان نوحاً عليه السلام يقول : لقد كنت أستحق أجراً لأنني أقدِّم لكم منفعة ، لكنني لن آخذ منكم شيئاً ، لا زُهْداً في الأجر ، ولكني أطمع في الأجر ممن هو أفضل منكم وأعظم وأكبر .
وهو هنا يُعلِي الأجر ، فبدلاً من أن يأخذ الأجر من محدود القدرة على الدَّفْع ، فهو يطلبها من الذي لا تُحَدّ قدرته في إعطاء الأجر؛ فكأن العمل الذي يقوم به لا يمكن أن يُجَازى عليه إلا من الله؛ لأن العمل الذي يؤديه بمنهج الله ومن الله ، فلا يمكن إلا أن يكون الأجر عليه من أحد غير الله .
وكأن المسلم ينبغي عليه أن يعمل العمل ، لا لمن يعمل له ، ولكن يعمله لله ليأخذ عليه الأجر الذي يناسب هذا العمل من يده تعالى ، إنما إنْ أخذه من صاحبه فهو كالذي « فعل ليقال وقد قيل » وانتهتْ المسألة ، وربما حتى لا يُشكر على عمله .
لذلك وردتْ هذه العبارة على ألسنة كل الرسل : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [ الشعراء : 109 ] وليس هناك آية طلب فيها الأجر الظاهر إلا هذه الآية التي نحن بصددها : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] .
وقوله تعالى : { إِلاَّ المودة فِي القربى } [ الشورى : 23 ] .
ومعنى : { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] أي : سبيلاً للمثوبة ، وسبيلاً للأجر من جهاد في سبيل الله ، أو صدقة على الفقراء . . إلخ .
وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ } [ الفرقان : 57 ] تدل على التخيير في دَفْع الأجر ، فالرسول لا يأخذ إلا طواعية ، والأجر : { أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] من الجهاد والعمل الصالح ، فكأن أجر الرسول العمل للغير ، لتأخذ أنت الأجر من الله ، فالرسول لا يأخذ شيئاً لنفسه .
ونلحظ في آيات الأَجْر أنها جاءت مرة { أَجْراً } [ الأنعام : 90 ] ومرة { مِنْ أَجْرٍ } [ الفرقان : 57 ]
 لماذا؟ لأنه سيعطيك ويُكافئك على قَدْره هو ، وبما يناسب جُودَه تعالى وكرمه الذي لا ينفد ، أما الإنسان فسيعطيك على قَدْره وفي حدود إمكاناته المحدودة .
و مَلْحظ آخر في هذه المسألة في سورة الشعراء ، وهي أحفَلُ السُّور بذِكْر مسألة الأجر ، حيث تعرَّضَتْ لموكب الرسل ، فذكرت ثمانية هم : موسى وهارون وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب .
تلحظ أن كل هؤلاء الرسل قالوا : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين } [ الشعراء : 109 ] عدا إبراهيم وموسى عليهما السلام لم يقولا هذه الكلمة ، لماذا؟
قالوا : لأنك حين تطلب أجراً على عمل قمتَ به لا يكون هناك ما يُوجب عليك أنْ تعمل له مجاناً ، فأنت لا تتقاضى أجراً إنْ عملتَ مثلاً مجاملةً لصديق ، وكذلك إبراهيم عليه السلام أول ما دعا إلى الإيمان دعا عمه آزر ، ومثل هذا لا يطلب منه أجراً ، وموسى عليه السلام أول ما دعا دعا فرعون الذي احتضنه وربَّاه في بيته ، ولو طلب منه أجراً لقال له : أيّ أجر وقد ربَّيتك وو . . إلخ .
الآية الأخرى في الاستثناء هي قوله تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى } [ الشورى : 23 ] فكأن المودة في القربى أجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رسالته ، لكن أيُّ قُرْبى : قُرْبى النبي أم قُرْباكم؟
لا شكَّ أن النبي الذي يجعل حُبَّ القريب للقريب ورعايته له هو أجره ، يعني بالقُرْبى قُرْبى المسلمين جميعاً ، كما قال عنه ربُّه عَزَّ وجَلَّ : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [ الأحزاب : 6 ] .
والله أعلم.

يَا رَبِّ أَكْرِمْ مَـنْ يَعيـشُ حَيَاتَـهُ****لِكِتَابِـكَ الوَضَّـاءِ لا يَتَـوَانـى
يَا مُنْزِلَ الوَحْـيِ الْمُبِيـنِ تَفَضُّـلاً***نَدْعُوكَ فَاقْبَلْ يَـا كَرِيـمُ دُعَانـا
اجْعِلْ كِتَابَـكَ بَيْنَنَـا نُـوراً لنـا***أَصْلِحْ بِهِ مَـا سَـاءَ مِـنْ دُنْيَانـا
واحْفَظْ بِهِ الأوطانَ، واجمعْ شملَنـا***فَالشَّمْلُ مُـزِّقَ، وَالْهَـوَى أَعْيَانـا
وانصُرْ بِهِ قَوْمـاً تَسِيـلُ دِمَاؤهُـمْ****فِي القُدْسِ.. في بَغْدادَ.. في لُبْنَانـا
وفي كل بلد إسلامي.

المصدر:
المفردات للراغب الأصفهاني ص 11
التحرير والتنوير 11/241
تفسير الشعراوي 1/ 4182 و 4496 و 6465

Monday, December 2, 2013

الجمال في التعبير القرآني ( يابني أقم الصلاة)


الجمال في التعبير القرآني ( يابني أقم  الصلاة) :
لا شـيء يسيطر على القلب مثل روعة البيان القرآني، فهو بسوره كَبُرَتْ أم صَغرَتْ وبآياته طالَتْ أم قَصُرَتْ، وبِجُمَلِهِ كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ، وبألفاظه المتعددة المتنوعة، مادة غزيرة لتبعث حب الله في القلوب وتلهب الروح بعشق الله والشوق إلى لقائه ، وتعمل في الأعضاء الجسدية عما يُحركها للامتثال لأوامر الله والابتعاد عن مناهيه.
وهذا أثر جميل من آثار التفكر والتدبر في آيات القرآن الكريم وألفاظه وتعابيره.
وها نحن ذا نشاهد جمالا تعبيريا في قول الله سبحانه ( يابني أقم الصلاة) :
إن افتتاح الموعظة بنداء المخاطب الموعوظ مع أن توجيه الخطاب مغن عن ندائه لحضوره بالخطاب، فالنداء مستعمل مجازا في طلب حضور الذهن لوعي الكلام وذلك من الاهتمام بالغرض المسوق له الكلام.

والنداء تنبيه للمنادى ليقبل على استماع الكلام ويجعل بالَه منه.

و {بُنَيَّ} تصغير "ابن" مضافا إلى ياء المتكلم فلذلك كسرت الياء.
 
والتصغير في {بُنَيَّ}  لتنزيل المخاطب الكبير منزلة الصغير كناية عن الشفقة به والتحبب له، وهو في مقام الموعظة والنصيحة إيماء وكناية عن إمحاض النصح وحب الخير، ففيه حث على الامتثال للموعظة.
ولما منعه من الشرك وخوفه بعلم الله وقدرته أمره بما يلزم من التوحيد وهو الصلاة وهي العبادة لوجه الله مخلصاً وبهذا يعلم أن الصلاة كانت في سائر الملل غير أن هيئاته اختلفت.
 
قد انتقل لقمان من تعليم ابنه أصول العقيدة إلى تعليمه أصول الأعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصلاة، والصلاة التوجه إلى الله بالخضوع والتسبيح والدعاء في أوقات معينة في الشريعة التي يدين بها لقمان، والصلاة عماد الأعمال لاشتمالها على الاعتراف بطاعة الله وطلب الاهتداء للعمل الصالح. وإقامة الصلاة إدامتها والمحافظة على أدائها في أوقاتها.

وفي  { يابني أَقِمِ الصلاة } [ لقمان : 17 ] إضافات التحنن وفيها إيناس للسامع أن يقرب ويستجيب للحق .

وفي هذه الآية قال لقمان لولده : { يابني أَقِمِ الصلاة } [ لقمان : 17 ] ولم يقل : وآتِ الزكاة ، فلماذا؟

ينبغي أن نشير إلى أن القرآن جمع بين الصلاة والزكاة؛ لأن الصلاة فيها تضحية بالوقت ، والوقت زمن العمل ، والعمل وسيلة الكسب والمال ، إذن؛ ساعة تصلي فقد ضحيْتَ بالوقت الذي هو أصل المال ، فكأن في الصلاة تصدقت بمائة في المائة من المال المكتسب في هذا الوقت ، أمّا في الزكاة فأنت تتصدَّق بالعُشْر ، أو نصف العشر ، أو رُبْع العشر ، ويبقى لك معظم كسبك ، فالواقع أن الزكاة في الصلاة أكبر وأبلغ من الزكاة نفسها .

إذن : لما كانت الزكاة في كل منهما ، قرن القرآن بينهما إلا في هذا الموضع ، ولما تتأمله تجده من دقائق الأسلوب القرآني ، فالقرآن يحكي هذه الوصايا عن لقمان لولده ، ولنا فيه ملحظان : 

الأول : أن الله تعالى لم يكلِّف العبد إلا بعد سِنِّ البلوغ إلا في الصلاة ، وجعل هذا التكليف مُوجهاً إلى الوالد أو ولي الأمر ، فأنابه أن يكلف ولده بالصلاة ، وأن يعاقبه إنْ أهمل في أدائها ، ذلك ليربي عند ولده الدُّرْبة على الصلاة ، بحيث يأتي سِنّ التكليف ، وقد ألفَها الولد وتعوَّد عليها ، فهي عبادة تحتاج في البداية إلى مران وأخذ وردَّ ، وهذا أنسب للسنَّ المبكرة .

والوالد يُكلف ولده على اعتبار أنه الموجد الثاني له ، والسبب المباشر في وجوده ، وكأن الله تعالى يقول : أنا الموجد لكم جميعاً وقد وكَّلتُك في أنْ تكلِّف ولدك؛ لأن معروفك ظاهر عنده ، وأياديك عليه كثيرة ، فأنت القائم بمصالحه المُلَبِّي لرغباته ، فإنْ أمرته قَبِل منك واطاعك ، فهي طاعة بثمنها .
وطالما وكلتك في التكليف فطبيعي أنْ أُوكِّلك في العقوبة ، فإنْ حدث تقصير في هذه المسألة فالمخالفة منك ، لا من الولد؛ لأنني لم أُكلِّفه إنما كلَّفْتُك أنت .

لذلك بدأ لقمان أوامره لولده بإقامة الصلاة ، لأنه مُكلَّف بهذا الأمر ، فولده ما يزال صغيراً بدليل قوله { يابني . . } [ لقمان : 17 ] فالتكليف هنا من الوالد ، فإنْ كان الولد بالغاً حال هذا الأمر فالمعنى : لاحظ التكليف من الله بإقامة الصلاة .

أما الزكاة ، وهي تكليف من الله أيضاً فلم يذكرها هنا - وهذه من حكمة لقمان ودقَّة تعبيره ، وقد حكاها لنا القرآن الكريم لنأخذ منها مبادئ نعيش بها .

الثاني : إنْ كلَّفه بالزكاة فقال : أقم الصلاة وآتِ الزكاة فقد أثبت لولده ملكية ، ومعروف أن الولد لا ملكيةَ له في وجود والده ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « أنت ومالك لأبيك » وذكرنا أن لقمان لما علم بموت أبيه قال : إذن ملكتُ أمري فأمره ليس مِلْكاً له في حياة أبيه؛ لذلك لم يأمر ولده بالزكاة ، فالزكاة في ذمته هو ، لا في ذمة ولده .
والله أعلم.
إن المسلم مُطالب حقا بقراءة القرآن الكريم، وتلاوته على الوجه الصحيح الواضح، تلاوة خاشعة يفهم معانيه، ويعرف مراميه، ويطلع على أهدافه، فهذا يُوجِد في النفوس وقوداً لمتابعة الحياة على بصيرة ورؤية واضحة، ويمنع المسلم من الوقوع في تخبطات الملحدين وتيه الليبرالين وتعصب بعض الفئات الاسلامية التي تُجيد اتكفير والتضليل والتفسيق .
فالقرآن حبل المتين والطريق المؤدي لجنات النعيم.

أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا***وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
قومٌ.. قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ***لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
زُرِعَتْ حُروفُ النورِ.. بينَ شِفَاهِهِمْ****فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ***لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ... فَكَانـا
سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا***وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا

المصادر:
*تفسير اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي.
*التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
*تفسير الشعراوي.
*تفسير روح المعاني.

Sunday, December 1, 2013

التعبير في القرآن الكريم بلفظين مختلفين في موضعين


التعبير في القرآن الكريم بلفظين مختلفين في موضعين:
القرآن الكريم، كتاب الله المنُزَل على رسول الله  محمد عليه الصلاة والسلام، مبشرا ومنذرا، داعيا وهاديا.
ويحتوي على العلوم العديدة المتنوعة، سواء المتعلقة بالتشريع والأحكام والقوانين، أو المتعلقة بالإنسان من النفس أو الروح أو خلقه ، أم المتعلقة بالأرض والسماء والخلق والخلائق، فهو كتاب غزير العلم كثير الفائدة.
حثَّنا وحضَّنا  الله على تدبره فقال( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر)
وهو دعوة للمسلم في أن يقرأ القرآن بروية وهدوء، ويستخرج كنوزه وجواهره المتنوعة الفريدة، مما يزيد في القلب الإيمان، ويقوي العزيمة على الثبات على طاعة الله، وينهض بالمؤمن إلى العلا والعزو والرفعة، كما أنه يزيد في العقل الفكر النيّر والصفاء الجميل
ولو طالعنا آيات القرآن لوجدنا ذلك .
ومثال ذلك:
 في قوله عز وجل( فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا)
وقوله ( فانبجست منه اثنتا عشرة عينا)
يقال انبجس الماء أي انفجر، لكن الانبجاس يستعمل أكثر فيما يخرج من شيء ضيق.
أما الانفجار فيستعمل فيما يخرج من شيء واسع أو ضيق.
فاستعمل القرآن اللفظين حيث ضاق المخرج ليلائمه.
فالانبجاس أولا ثم الانفجار.
والانفجار أبلغ.
أما قوله تعالى: ( وفجرنا الأرض عيونا)
فإن المخرج واسع فقال فجرنا، ولم يقل بجسنا، لأن الأرض واسعة، بعكس الحجر فإنه ضيق.
وقد أتى بالانفجار في سورة البقرة لأنه استجابة لاستسقاء موسى عليه الصلاة والسلام (وإذ استسقى موسى لقومه).
وأتى بالانبجاس في سورة الأعراف لأنه استجابة لطلب بني اسرائيل اساسقاء موسى لهم (..وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه) ولذا أمرهم بالأكل فقط.
فلما استسقى موسى  في سورة القرة أتى بالانفجار  تعظيما لموسى وتكريما له.
ولما طلب بنواسرائي من موسى أن يستسقي لهم في سورة الأعراف أتى بالانبجاس.

وفي قوله تعالى (آتيناه رحمة من عندنا، وعلمناه من لدنا علما)
نلاحظ أنه قال في الرحمة (من عندنا) وفي العلم قال( من لدنا)، فهل هناك فرق بين (عند) و(لدن)؟!
المعروف أن (عند) بمعنى(لدن)، لكن (لدن) لا تقال إلا في حالة ملك الشخص وبحضرته.
فتقول: المال لدن فلان ، بمعنى حاضر عنده الآن.
أما قولك: المال عند فلان، فهو مالك لماله سواء كان حاضرا أم غائبا.
ولذا قال الله (وعلمناه من لدنا علما) أي من العلم الخاص بنا، وهو علم الغيب.
فــ (عند) أعم من (لدن)، و(لدن) أخص وأبلغ من (عند).
و(لدن) تدل أيضا على الابتداء فتقول: أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها.
أي من بداية طلوع الشمس إلى غروبها، فأوضحت بداية ونهاية الفعل.
 والله أعلم
إن الواجب على المسلم الذي آمن بالقرآن الكريم، أن يدافع عنه، وأن يقرأه بخشوع وخضوع، وفكر وعلم وعرفة، وتأمل وتدبر، فإن في ذلك الفائدة الكبرى، والنتيجة المرجوة، ومع هذا وذاك ، على المسلم أن يُطبِق ما جاء في القرآن من أوامر فيعمل بها، ومن نواهي فيبتعد عنه، ومن وصايا فيفعلها، ومن أحكام وتشريع فيطبقها.
بهذا يسمو المسلم وتعلوة الأمة ، ويطهر المجتمع.
ومنذ هجر المسلمون القرآن ذُلُّوا وأصبحوا في الحضيض، وفي آخر أواخر الأمم، لا يُؤبه بهم، وليسوا إلأا مستهلكين لغيرهم فيما ينتجون، وأصبحوا مضرب المثل في الذل والتكالب على تقبيل حذاء الأعداء رغبة وخوفا.
إن في القرآن الكريم عونا وفيه مجدنا وفيه علونا وفيه ارتفاعنا وتقدمنا وتحضرنا.
أما هجرنا له فلم نستفد من ذلك سوى الضياع والتيه.
مالي أراكم تهجـرون تلاوتـي***بل تهجرون إقامتـي ومكانـي
أوَ ما علمتم كم أعانـي وحـدة***من بعدكـم يـا أمـة القـرآن
جلدي يغطيه التراب وصفحتـي***تشكو التصاقا طـال بالأزمـان
ضج الكلام بحزنه في صفحتـي***والحرف يشكو من أذى النسيان
والآي يشكو أن تباعد وصلكـم****وبدت عليه لواعـج التحنـان
لو تعلمون فوائدي وعظائمـي***لحبوتمُ نحوي مـن الإذعـان
إني إذا ضـاق الفـؤاد بهمـه***أَكُنُ الطبيب وأُنس كل معانـي
فتلاوتـي روح وريحـان بهـا***تسمو القلوب بعـزة الرحمـن
وتلاوتي تدع الفـؤاد مطمئنـا***رحب البسيطة ثابـت الأركـان
والحرف ينزل من سلاسة لفظه****بردا سلاما في الفـؤاد العانـي
يمحو الكآبة والأسـى بجمالـه***ويعيد رشـد التائـه الحيـران
يعطيك من أمل الحيـاة تفـاؤلا***ويمـد قلبـك طاقـة وتفانـي
ويريح نفسك من عناء همومها*****لتعش حيـاة النـور والإيمـان
فتسابقوا وتنافسوا في حفظـه****تلقى المنى في رحمـة وجنـان
تغشاكموا حلل السكينة رحمـة****بل تنعمـون بقربـة الرحمـن
والختم صلوا على النبي وآلـه***خير البريـة منقـذ الإنسـان 
المصدر:
- الدر المصون 1/237
- كشف المعاني ص98
- المفردات للراغب الأصفهاني ص 37 و ص449
- مفردات لغوية في القرآن الكريم لصالح العايد .
- البرهان 4/290