Monday, January 27, 2014

رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بين أنه (رسول) و(بشر)


رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بين أنه (رسول) و(بشر):
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني**وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ**كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ

(قل إنما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحَى إليَّ)
 ( ولكن رسول الله وخاتم النبيين)

إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بشر، وما يجول في فكر مسلم أو عقله أو نفسه أن يُخرجَه عن البشرية، وهذا من كمال الرسالة المحمدية وتمام النعمة الإلهية، إذ جاء في القرآن المجيد (بشرٌ يوحى إليه).
فمنتهى القول فيه أنه بشرٌ *** وأنه خير خلق الله كلهم
إن العلمانيين والليبرالين ومن سار مسارهم حينما أحدهم يقرأ القرآن –هذا إذا قرأه- فتمر عليه الآية القرآنية (قل إنما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحَى إليَّ) فيحاول التركيز عليها وتوجيه الانتباه كله إليها، وتحويل الأنظار كلها نحوها، فيتحدث عن خصائص البشرية العادية في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويبرزها ويدور حولها ويبدئ ويعيد القول فيها، ويندفع في هذا الاتجاه المنجرف اندفاعا كبيرا لا يتناسب مع قوله (يوحى إليَّ) بل إنه في اندفاعته الهوجاء وانفعالته العمياء وحديثه الأجوف ينسى (يوححى إليَّ) ويهملها إهمالا.
كل ذلك ليتحدث عن خطأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الرأي-معاذ الله- وعن صوابه، وأنه بشر يخطئ ويمكن أن يخطئ وأن تعاليمه لعصره ولوطنه في زمانه، لا علاقة لنا بها وبالدستور وبالسياسة وبالحياة ونظامها ، ويسير في حديثه أو في كتابته مستنتجا ومستنبطا استنتاجات عمياء واستنتباطات خرقاء، لو قُدِّر للجنين في بطن أمه أن يعي ما يسمع لمات ضحكا وقهرا.
ينسى هذا العلماني الليبرالي قول الله تعالى( وما ينطق عن الهوى) وينسى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (يوحى إليَّ) وينسى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) و ينسى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لا يتأمل في (صلاتي) و(نسكي) و(محياي) الحياة التي أعيشها وأحياها نظامها، قانونها، دستورها، كل ما يتعلق فيها، هي (لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ولاحظ قوله (أمرت) وقوله(أول المسلمين) إنها دعوات وأوامر لتحكيم شرع الله في الحياة والمعيشة التي يعيشها المسلم في نفسه، وفي أسرته، وفي حارته، وفي بلدته، وفي منطقته، وفي محافظته وولايته، وفي وطنه.
ينسى كل هذا ويدقق في بشرية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليصل إلى عدم تحكيم شرع الله في الحياة وإزالة المواد المتعلقة بالإسلام من الدستور، وكثير من المسلمين يدعمونهم ويساندوهم ويساعدوهم، والله ليحاسَبُنَّ على ذلك، فالكل سيموت وسيلقى الله ، فماذا سيقول له؟!
إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بشرٌ لكنه نبي وسول يُبلغ ما يُنزِل الله عليه من آيات وسور، لتكون دستوراً للمسلمين وقانوناً للمؤمنين، وميزاناً وحكماً عادلاً بين الناس أجمعين.
والرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه بشرٌ فهو على صوابٍ دائماً في الحلول التي يتخذها والأحكام التي يُصدرها والأوامر التي يأمر بها والنواهي التي ينهى عنها والتعاليم التي يُعلِّمها والوصايا التي يوصي بها، والأعمال والأفعال والتصرفات التي يعملها ويفعلها. 
ويجمع ذلك كله بما حلاه الله به من الرأفة، وما فطره عليه من الرحمة، وهو الذي يتناسب مع طابع الرسالة الإسلامية العام (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
بشرٌ سعيدٌ في النفوسِ معظمٌ**مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحبَّبُ

ولم يلغ الله سبحانه وتعالى اتجاهاً عاماً سار فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقض قضية كلية أقرها، ولم ينف مبدأ أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يسير على هدى من ربه، وعلى بصيرة من أمره، وقد شهد الله عزَّ وجلَّ بذلك إذ قال (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.صراط الله..) .
وما يتمسك به المنحرفون، ويتمحك فيه المتمحكون، ويستهزئون ويسخرون، من الرسول صلى الله عليه وسلم وتعاليمه وحياته وشريعته، فإن الله بيَّن وأخبر وأكّد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله ميزات كبيرة وخصائص جليلة وسمات حميدة وأخلاق فاضلة وصفات إيمانية قام بها بالبلاغ المبين ودعا إلى ربه وإلى الصراط المستقيم، وتوكل على ربه لأنه على الحق المبين، فقد خاطبه الله عز وجل في القرآن الكريم بما يلي:
-(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
-( وإنك على خلق عظيم) .
-( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) .
-(وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ) .
-(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ).
-(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
فهذه التأكيدات من الله عز وجل وهذه التوكيدات توضح بجلاء رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ودعوته وبلاغه.
وأن الله  بين في هذه المواطن وغيرها فضله، والفرق شاسع بين هذه الوجهة الربانية ، وبين التحدث عن خطأ وصواب، وأوضاع بشرية يركز عليها العلمانيون والملحدون ولا يلتفتون لسواها.
ولنضرب لذلك مثلا: إن الذين عادتهم الجدل، يتحدثون كثيرا عن قوله تعالى( عفا الله عنك لم أذنتَ لهم) ويقولون مباشرة: إن العفو لا يكون إلا عن خطأ.
ولهؤلاء وأمثالهم نقول: إن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا الكثير، ومنها قولهم: غفر الله لك لماذا قلت له كلاما قاسيا؟
عفا الله عنك،لم تتعب نفسك في نصيحته؟!
وكأن القائل يقول: لا ترهق نفسك كل هذا الإرهاق.
إن الآية القرآنية من هذا الشكل.
وضم هذه الآية الكريمة إلى أختها التي في سورة النور( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئتَ منهم).
تجد المعنى واضحاً جليا، وهو أن الله فوَّض الأمر لنبيه في أن يأذن أو لا يأذن لهم.
ليس النبي محمد صلى الله عليه وسلم مُعَاتَبا بهذه الآية، بل كان مخيرا، فلما أذن لهم أعلمه الله أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا، ولتخلفوا بسبب نفاقهم، وأنه مع ذلك لا حرج عليه في الإذن لهم.
إنها آية في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غاية الرقة التي نفتقدها في حياتنا وتعاملنا مع الآخرين، وخاصة أولي الأمر وأولي العلم منا.
وصدور الإذن لهم من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صدر عن قلب رحيم تميَّز به واتصف به وتخلَّق به، في حين أن أكثر أهل العلم قساة القلب.
وعن هذه الرحمة الفياضة التي اتصف بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يصدر أحكامه وتعاليمه وأوامره وحتى نواهيه كلها صادة على وفق الرحمة والرأفة ببني الإنسان وعامة الناس وكافتهم وجميع المسلمين.  
وهو متبع لقول اله عز وجل: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
فمن يسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شرعه ومن يهجوه فقد قارف إثما كبيرا وذنبا عظيما.
والذي ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقوف بوجه العلمانيين والليبراليين  وإفشال مخططاتهم، له من الله طيب الجزاء وجميل الثواب.
فكن ممن ينصرون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وينصرون شريعته ويقف في صفه.

والله أعلم.

هجوتَ محمداً، فأجبتُ عنهُ** وعندَ اللهِ في ذاكَ الجزاءُ
أتَهْجُوهُ، وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ ** فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُمَا الفِداءُ
هجوتَ مباركاً، براً، حنيفاً**أمينَ اللهِ، شيمتهُ الوفاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ**ويمدحهُ، وينصرهُ سواءُ
فَإنّ أبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضي** لعرضِ محمدٍ منكمْ وقاءُ

المصادر:
-سيرة ابن هشام.
- عبقرية محمد للعقاد.
- نور اليقين في سيرة خير المرسلين.
-محمد رسول الله، للصادق عرجون.
- الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الحليم محمود.
- طبقات ابن سعد.
- ديوان حسان بن ابت رضي الله عنه.
-عيون الشعر.

Friday, January 24, 2014

الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن والمجتمع


الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن والمجتمع:

رسول العلى والفضل والخير والهدى ** لكل سطور المجد اسمك مبتدا
ولي في معانيك الحسان تأمل ** سمعت به قلبي يقول محمدا
حينما نريد أن نُكّوِّن صورة واضحة تامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الطريق الوحيد لذلك، هو الإحاطة بالقرآن إحاطة واضحة وتامة.

والإحاطة بالقرآن على هذا النسق ليست من السهولة بمكان، ولا ممكنة، إذ القرآن الكريم في كل يوم يتفتح عن معان جديدة للإنسانية، كما يتفتح على معان جديدة للشخص المتأمل المتدبر، وهذه المعاني الجديدة تكون في الإنسانية العامة، أو الفردية الشخصية، وكلها إيضاح وتفسير للصورة النبوية الكريمة.

كما أن المتدبر المتأمل في الصورة النبوية وسيرته العطرة وسنته الشريفة، عن طريق السيرة الصحيحة والأحاديث المعتمدة والأخبار الصحيحة، يفهم عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كل يوم شيئا جديدا، لا بل كل تأمل وتدبر وتفكر  جديد يفهم شيئا جديدا منه، تعانق روحه وتلمس نفسه وتزيد العلم والمعرفة في عقله وفكره وتوسع مداركه وتضيف له فكر إلى فكره، وعقلا لعقله فيزداد معرفة ويطور نفسه بهذه المعرفة وهذا الفهم، و ذاك الفهم إنما هو تفسير وإيضاح لجوانب من القرآن الكريم، وردت مُطَبَّقَة بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام.

فلا عجب إذن، أن نرى جوانب كثيرة في سيرة رسول الله نستلهم منها العلوم المتنوعة والمعارف المتعددة، ونأخذ منها العبر والعظات، ونستهدي بها في جوانب حياتنا ومجاري معيشتنا، وتفاعل تعاملنا مع الآخرين.

إذ أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفيض بالعديد من الدروس المستفادة نستطيع أن نعالج بها أوضاعنا المتردية، وأحوالنا الهاوية، وظروفنا القاسية.

كما يمكن ان نستفيد من حياة محمد صلى الله عليه وسلم  في إقامة الإسلام ونشره وإدخاله في المجتمع الإسلامي، وذاك بعد أن ندرس السيرة النبوية بمنظار عام وشامل وواعي، مع الوقوف على تغير المكان والزمان والإنسان، والتطور والتقدم في نواحي الاتصال الثقافي والمعرفي والحياتي.، فإن فعلنا ذلك نكون قد خطونا خطوة للأمام بالطريق الصحيح، لنبدأ بخطوة ثانية وهو تأهيل المجتمع لعودة الإسلام لمناحي الحياة ونواحي المعيشة المختلفة، وذلك بالدعوة بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، وإيجاد بدائل لتحسين مستوى المعيشة مشاهدة ومحسوسة ليعرف الناس مدى عظمة الإسلام المتمثل بالقرآن الكريم المتمثل بالرسول العظيم عليه الصلاة والسلام.

لقد امتزج الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن  روحا وقلبا وجسما، وامتزج القرآن به عقيدة وأخلاقا وتشريعا، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا يسيسر في الأرض بين النا يتنقل من هنا لهناك، ويعامل الآخرين بمعاملة حسنى، ويعاشر الآخرين معاشرة طيبة، قائمة على أسس الإيمان وقواعد الإسلام وتعاليم الله عز وجل.

ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام قلبا ينبض بالحب للناس أصدقائه وأعدائه أقربائه والغريبين عنه والقريبين منه، مَن يعرفهم ومَن لا يعرفهم.

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام لسانا ينطق بالهداية والإرشاد والدعوة للإسلام ونبذ الأصنام وترك الظلم والوقوف بوجه الظالمين.

لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام ثورة إيمانية إسلامية قرآنية ربانية إلهية على الطغيان والطغاة، على الظلمة والمستبدين، على الأصنام وعُبَّادها، وعلى الأوثان وسُجَادها، على الانحراف وأسبابه ومسبباته، على الجهل والظلام والقسوة والشرك والكفر والانقسام والنفاق.

ما أعظم محمدا، عليه الصلاة والسلام، لقد كان حريصا كل الحرص على أن يكون خلق الأمة الإسلامية القرآن، فقد كان نموذجا صادقاً ورجلاً مخلصاً، وبشراً أمينا.

يحدثنا القرآن الكريم عن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من الأمة ، فيقول:
( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

إنه وصف دقيق لحقيقة واقعية متمثلة بالنبي عليه الصلاة والسلام التي كان منها:
الحرص على المسلمين والمؤمنين في دعوته لأمته في التمسك بالإسلام وبالقرآن وبسنة رسول الله مع الرأفة والرحمة بهم[تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي] وفي رواية ثانية[ كتاب الله وأهل بيتي] وفي رواية ثالثة [ كتاب الله وسنتي].

قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى ... نَهجَ الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى ... مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ
فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ ... عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ

إن هذا الحرص يوضح لنا رحمة النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الأمة ورأفته بها وشفقته عليها، كما ينبهنا إلى أن نكون مثله حريصين على هداية الناس وهداية الآخرين، حتى المخالفين لنا بالرأي، ولا نكون قساة القلوب، غلاظ الكلام، فظاظ الحديث، وعلى الطالع والنازل نكفر ونفسق ونضلل، وندخل هذا إلى الجحيم وذاك إلى النار .

لا, ليس هذا هدي النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولا هذه طريقته ولا تلك سيرته، ومَن يفعل ذلك فإن له عقابا من الله لأنه خالف النبي محمد عليه الصلاة والسلام في أمره ونهيه، ثم يَدّعي بعد ذلك كلّه أنه يسير على منهج الرسول وسيرة السلف!!! فوق مخالفته للرسول وهديه عليه الصلاة والسلام، يكذب ويقول أن هذا التفسيق والتضليل والتكفير ووصف المسلمين بالشرك وأن كفار قريش أفضل منهم توحيدا وإيمانا!!!.

كان من حرص رسول الله على الناس أنْ كان يدعوهم للإسلام في كل مناسبة وفي كل مكان وفي كل وقت، يدعو الكبير والصغير، العبد والحر، الذكر والأنثى، الطفل والشاب، الفتى والفتاة، وكان يحزن أشد الحزن على الكفار والمشركين من قومه أنْ رفضوا ولم يقبلوا الدخول في الإسلام، يحزن كثيرا ويتألم ويتحسر، لدرجة أنَّ الله أنزل عليه آية تقول له (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) و(لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) و (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماءفتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين).

ونشاهد علماء وشيوخاً يدعون النسبة للسلف الصالح ولمنهج أهل السنة والجماعة، وقلبه مملوء حقدا على الآخرين، وهو غارقٌ بالكراهية والبغضاء على مَن يخالفون رأيه، ويصف الآخرين بالضلال والفسق والكفر والشرك، مخالفاً سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، معارضاً بفعله وعمله فعلَ وعملَ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، مع أن أقواله وكلماته وحديثه ومحاضراته تدعو للاقتداء بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام والتأسي به، وهو في أعماله يخالف ذلك.

ما كان محمدٌ عليه الصلاة والسلام فظاً ولا غليظ القلب، ولا قاسي الفؤاد، ولا مُظلِمَ النفس والروح.

لقد كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام رفيقاً بالآخرين، رحيماً بالمسلمين، رؤوفاً بالمؤمنين، ويتحدث عن نفسه عن حرصه الشديد على هداية أمته فيقول:
[ مثلي ومثلكم  كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيه، وهو يَذبهن عنهل –يدفعهن حتى لا يقعن في النار- وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي].   

هذه صلة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بأمته، فبينما هو يدفع أمته من الوقوع بالنار والدخول فيها، يأتي بعض العلماء والمشايخ فيخالفونه ويُدخِلُون أفواجاً من المسلمين تتلوها أفواج إلى النار، أهكذا تتم الدعوة إلى الإسلام، أهكذا يتم الاقتداء بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، أهكذا يكون السير على منهجه ومنهج السلف الصالح؟.
الواجب على المسلم الصادق والمؤمن الحقيقي أن يسير على منهج رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، ويقفو خطاه، ويتبع أثره، ولا يهتم لأقوال من يخالفه ولا يسمع لأحاديث من يُعارض النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يُلقي بالاً لهم، أياً كان ومهما كان، لأن الحق هو متابعة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، والصدق هو تطبيق ما أمر والابتعاد عما نهى، والاتصاف والتخلق بأخلاق النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
والله أعلم.
راية المصطفى اُخْفُقِي في السماء ** أنت رمز الخلود رمز العلاء
 اُخْفُقِي تَخْفُقُ القلوب حنانا ** ورجاء يفوق حدَّ الرجاء
 رمقتكِ العيونُ من كل أفقٍ ** وحَبَتْكِ القلوب محض الولاء
منكِ تَسْتَلْهِمُ الزحوف نشيداً ** عبقرياً يثيرُ روح الفداء
 ويعيدُ الآمالَ تَدْفُقُ نورا ** لؤؤيَ السناءَ ثَرَّ الضياء
 ويهزُّ النفوس نحو المعالي ** ويُريها كرامةَ الشهداء
 ويُميطُ اللثامَ عن كلِّ قلبٍ ** ساورَتْهُ الشكوك بالارتقاء
ويقودُ الجموعَ بالعزم للنصرِ ** ويُنفي حثالةَ الدُّخلاء
ويَشُد القلوب بالربِّ حتى ** لا تزيغ القلوب بالأهواء
أنتِ يا رايةَ النبي عُقَابُ ** ضاربٌ في السمو للجوزاء
فيكِ معنى المجد العظيم ومعنى ** العزِّ والفضلِ والعلى والإباء
 أنتِ يا رايةَ النبي منارٌ ** يجعلُ الأفقَ ضاحك الأرجاء
 بسناه يمحو الدذُجى ويُنير ** الدَّرب للعدلِ والهدى والبناء
رفرفي في سمائِنا وأظلِّي ** موكبَ السالكين دربَ الإخاء
المصادر:
-سيرة ابن هشام.
- الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الحليم محمود.
- طبقات ابن سعد.
-عيون الشعر

Sunday, January 19, 2014

التوازن الروحي والمادي وأهميته


التوازن الروحي والمادي وأهميته:

إن الناس في عصرنا هذا كثيرا ما تصيبهم الحيرةُ والشك والقلقُ وهم يَرون أن الفتوحات العلمية الطاغية والاختيارات الماديةَ المتاحةَ لا تكفي وحدَها لمواجهة صعوبات الحياة اليومية والتغلب عليها لكسْب الطمأنينة النفسية، بل لا بدَّ مع ذلك من الاهتمام الرشيد بتنمية القيم الخلقية المثلى وترسيخها  من أجل إِحداثِ التوازن الروحي والمادي الذي لا تكتمل سعادة الإنسان إلا به .
وقد وهبَ الخالقُ الإنسانَ العقلَ والمشاعرَ لا لتنمية معارفه العلمية ومهاراته المعاشية فحسْب، بل لتقويم سلوكه وتحسين أخلاقه بصورة تُتيح لكل فرد نصيبَه من الطمأنينة والعدل والحرية والكرامة، وهي قيمٌ ومزايا يفتقر إليها الجم الغفير من بني البشر في عصرنا هذا، فلا يكادون يجدون السبيلَ القويم للوصول إليها والاستمتاع بخيراتها.
ولا شك في أن هذا التوازن الذي أشرنا إليه هو الحدُّ المشترك بين جميع العصور والأجيال، بل هو مطلبُ الإنسانية الدائم وضالتُها المنشودة في كلّ زمان ومكان.
ومن هنا تبدو أهمية التوازن في وقت تتحسَّسُ الشعوب العربية والإسلامية موقعها من التقدم الإنساني المذهل في جميع ميادين العلم والفكر والحضارة ، ويُريدُ مُفكروها وعلمائها انتهاج السُّبل المؤدية إلى المشاركة الرشيدة والفعالة في هذا التقدم من غير أن تفقد روحَها ومقوماتها الأساسية.
ومن أهم الأسباب التي أدّت إلى تعثر النهضة في البلاد العربية والإسلامية هو عدم وجود التوازن الروحي والمادي في بناء الإنسان والعمران، لقيام الناهضين بمحاربة الروح ومتطلباتها وإقصاء الدين والسخرية به ومحاربة الشريعة ومقارعتها.
وفي الطرف الآخر قيام الناهضين من المتحمسين للدين على اتباع نهج الاقصاء والتضليل والتكفير والتفسيق والتحريم لما أحله الله .
فكان كلا الطرفين في موضع خاطئ وموقف غير سليم، مما أدى بمسيرة التقدم إلى التعثر والرجوع للوراء .
إن عدم وجود التوازن أدّى لما نحن عليه من آلام ومواجع وتحمل عواقب هذا التفكير الخاطئ بعدم التوازن المادي والروحي وسياسة الإقصاء والتهميش والتخوين والاستبداد.
ويكمن الحل في مراجعة المواقف والسياسات القائمة على إقصاء الآخر وإهانته وظلمه، والقائمة على النظر للأمور بمنظار واحد على زاوية واحدة بعين واحدة دون الاهتمام بالصورة الكبيرة ككل وكأجزاء مترابطة متراصة متسقة.
هذه المراجعة تحتم على القائمين والرائدين في مسيرة الأمة وتقدمها تحتم عليهم العمل على قيام التوازن المادي والروحي للنهضة العربية والإسلامية ومسيرتها الجماعية والفردية في الإبداع والابتكار والاختراع.

والله تعالى يقول:
(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة،وفي الآخرة حسنة )
وقال الإمام علي رضي الله عنه وعليه السلام وكرَّم الله وجهه:
[اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً].
وما أجمل قول الشاعر المتنبي :
ووضعُ النَّدى في مَوضِعِ السَّيفِ مُضِرٌّ ***بالعُلا كَوَضْع السِّيفِ فِي موضِعِ النّدَى.

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة


الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة:

يا قوم ما أنا بالمبالغ ههنا ** أبدا ففضل محمد لا يحصر

من غير الممكن لقارئ القرآن ألا ينتبه إلى آيات كريمة تتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتكلم عنه.
تشير له مرة، ومرة أخرى تنادي عليه، وتارة تذكر فضله، وأخرى تبين قدره، وثالثة تنبه لأخلاقه ورابعة تذكر وقائعه وحياته، ورابعة تقسم بعمره.
إن هذا الزخم الكبير في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم يوضح فضل هذا النبي ورفعة مكانته وسمو شأنه وعلو مقامه.
وفي هذا إشارة إلى تعظيم النبي وتقديره، ومحبته والدفاع عنه، والسير على نهجه واقتفاء أثره.
بلاد أعزتها سيوف محمد ** فما عذرها أن لا تعز محمدا

يتحدث القرآن الكريم عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، في كثير من سوره فيقول:
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً.وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا).
ويقول: (مَن يطع الرسول فقد أطاع الله ومَن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا).
ويقول: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم).
ومن أجل هذه الصلة الإلهية برسول الله صلى الله عليه وسلم، أرشدنا الله إلى اتخاذ الرسول أسوة وقدوة، فقال عز وجل: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).
بل أمرنا أن نأخذ ما آتانا ونعمل بما أمرنا ووصانا، وأن ننتهي عما نهانا عنه، وهددنا إذا لم نلتزم ذلك بالعذاب الشديد والعقاب الأليم، فقال سبحانه : ( وما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله،إن الله شديد العقاب).
فعهدنا اليوم مع عهد الرسول غدا ** الفرق بينهما كالفحم والدرر

أما السر في ذلك فهو:
1- أن الرسول عليه الصلاة والسلام،لا ينطق عن الهوى ولا ينحرف عن الصراط المستقيم، ولقد أقسم الله على ذلك فقال: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي  يوحى).

ومن هذا المنطلق فكلام رسول الله تشريع لأمته، وتبيان لها في الحلال لاتباعه وفي الحرام للابتعاد عنه، وتذكرة للغافل وإيقاظ للنائم وارشد للتائه والضال، فلا ينبغي التحقير من شأنه ولا التقليل من قدره ؛لأنه لا ينطق عن هوى النفس ولا مصالح شخصية ولا غايات دنيوية، فهو تشريع وتوضيح وتعليم، ينبغي على المسلم الصادق الآخذ به والعمل بمضمونه والدفاع عنه ضد من يشوه حقائقه ويستهزئ بتعاليمه ويسخر من إرشاداته.
إنَّ الرسولَ لسيفٌ يستضاءُ به ... مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ

2- كان رسول الله ليه الصلاة والسلام في جميع أحواله حركة وسكونا، إشارة ونطقا، صمتا وكلاما، قلبا وقالبا، يمثل القرآن الكريم، مُطَبِقٌ له، عاملٌ به، قائمٌ بأمر القرآن، مبتعد عن مناهي القرآن، يعمل بوصايا القرآن، ويسير على إرشاداته، ويتخلق بأخلاقه، ويتصف بصفاته، فكان قرآنا يمشي على الأرض، ينشر أنواره فيزيل الظلمات، ويعمر الأرض مما أصابها من الخراب، ويزيل الأثقال من الذنوب والمعاصي والخطايا بتعالميه الهادية وأوامره الراشدة، ويُغذي العقل بمعارفه المتنوعة، ويرفد الفكر بعلومه المختلفة، ويربي النفوس ويزكيها، ويطهر القلوب ويصفيها، و يهذب الأخلاق وينقيها.

ولقد وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها وصفا دقيقا، لما سُئلت عن خُلُه فقال: كان خُلُقُه القرآن.
ومَن كان خُلُقُه القرآن، كان أسوة وكان قدوة وكان على خُلُقٍ عظيم وشريف وكريم، وقد استحق كل ذلك بثناء الله عز وجل عليه ومدحه إياه لما قال مُقسماً ومؤكداً (وإنك لعلى خلق عظيم).

والواجب على المسلم أن يتعرف على سيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويتعلم منها الفوائد والعبر ، ويطبقها في حياته، ويعرف الواقع الذي يعيشه والناس حوله، ويؤدي رسالة الإسلام للجميع، بأن يكون قدوة حسنة للآخرين بالعلم والأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة، والتعامل الراقي مع الآخرين، ويجعل من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قدوة له وأسوة ففي ذلك الفوز في الآخرة والنجاة في البرزخ والتوفيق في الدنيا.

مُحَمَّدٌ خاتَمُ الرُسلِ الَّذي خَضَعَت ... لَهُ البَرِيَّةُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ
سَميرُ وَحيٍ وَمَجنى حِكمَةٍ وَنَدى ... سَماحَةٍ وَقِرى عافٍ وَرِيُّ ظَمِ
قَد أَبلَغَ الوَحيُ عَنهُ قَبلَ بِعثَتِهِ ... مَسامِعَ الرُسلِ قَولاً غَيرَ مُنكَتِمِ
فَذاكَ دَعوَةُ إِبراهيمَ خالِقَهُ ... وَسِرُّ ما قالَهُ عِيسى مِنَ القِدَمِ
بِأَنَّهُ خاتَمُ الرُّسلِ الكِرامِ وَمَن ... بِهِ تَزُولُ صُرُوفُ البُؤسِ وَالنِّقَمِ
هَذا وَكَم آيَةٍ سارَت لَهُ فَمَحَت ... بِنُورِها ظُلمَةَ الأَهوالِ وَالقُحَمِ
ما مَرَّ يَومٌ لَهُ إِلا وَقَلَّدَهُ ... صَنائِعاً لَم تَزَل فِي الدَّهرِ كَالعَلَمِ
حَتّى اسْتَتَمَّ وَلا نُقصانَ يَلحَقُهُ ... خَمساً وَعِشرِينَ سِنُّ البارِعِ الفَهِمِ
وَلَقَّبَتهُ قُرَيشٌ بِالأَمينِ عَلى ... صِدقِ الأَمانَةِ وَالإِيفاءِ بِالذِّمَمِ

المصادر:
- سيرة ابن هشام.
- الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الحليم محمود.
- طبقات ابن سعد.
- من عيون الشعر.