Monday, April 25, 2016

التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي: الوسطية فى الانفاق



التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي: الوسطية فى الانفاق :

الانفاق هو : " صرف المال فى السلع والخدمات الاستهلاكية أو الاستثمارية ".

ولقد نهى الاسلام عن صرف المال بغير حق . أو صرفه في ترف أو سفه . ووصف المترفين بالمجرمين بقوله تعالى (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ). فالترف والبذخ تصرف بالمال في غير محله، فهو يثير الحقد والبغضاء بين الناس وقد ربط الإسلام بين الترف والفساد فقال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً).

ولكن هذا لا يعني أن الإسلام يريد من الفرد المسلم أن يعيش عيشة المشقة . (ياأيها الناس كلوا مما فى الارض حلالً طيباً.. ) ( ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم ) .

والانفاق شرعا هو : " بذل المال ونحوه في وجه من وجوه الخير ".
فشرط الانفاق فى الاسلام أن يكون في وجوه الخير أما إذا كان الانفاق في غيره ، فهو إسراف . سوء كان انفاق الأشخاص أو الدولة . لأن الأصل في الانفاق يكون لجلب مصالح الناس والأمة المعتبرة شرعاً .

والانفاق يكون إما انفاق استهلاكي أو انفاق استثماري . سواء كان من قبل الفرد أو الدولة بمخرجاته الدنيوية والاخروية . والانفاق يعتبر من المقومات الأساسية لعملية التنمية الاقتصادية .

ولقد حث الاسلام على  الانفاق التطوعي لدوره فى اعادة توزيع الدخول  قال تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .

جاء في تفسير القرطبي: قيل، إن معنى الآية لا تمسكوا أموالكم فيرثها منكم غيركم فتهلكوا بحرمان منفعة أموالكم . ومعنى آخر ولا تمسكوا فيذهب عنكم الخلف في الدنيا والثواب في الآخرة . ويقال لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة يعني لا تنفقوا من حرام فيرد عليكم فتهلكوا. فمدلول هذه الآية أن الانفاق في سبيل الله سبب لنجاة الأمة من الهلاك .

والانفاق إنماء للثروة ودفع لعجلة النمو الاقتصادي ومضاعفته.قال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

 جاء في تفسير القرطبي قيل المراد بالآية : الحث على الصدقة وانفاق الأموال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم في سبيل الله بنصرة الدين . كما أن هذا الثواب ليس قاصر على ثواب الآخرة وإنما يتحقق النماء بصورة مادية في الحياة الدنيا في صورة ارتفاع الدخل القومي باضعاف مضاعفة .. ويتحقق ذلك عندما يباركها الله تعالى كما ورد فى الآية : (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).

ومن ضوابط الانفاق فى الاسلام:
- أن يتم وفق الأسس والأصول المعتبرة شرعاً كمصارف الزكاة والصدفات والنفاقات والكفارات الموجهة نحو الفقراء والمساكين . وإدارة مصارف الاوقاف وموارد الدولة الضريبية وغير الضريبية .

-كما يتم تخطيط الانفاق على المصالح حسب أولوياتها سواء الانفاق الاستثماري أو الاستهلاكي .

-ومن هنا يجب على الدولة أن تقدم المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية بحسب الأولويات في سد الحاجات .

فالمعيار الرئيسي لكافة مخصصات الانفاق يجب أن يتبع قاعدة (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة).

ومن هنا فلا يجوز للدولة الانفاق على البنى التحتية الكمالية والتحسينية قبل سد حاجة الناس الضرورية أو استثمار الأموال في إنتاج الكماليات وترك الضروريات . وإزالة المشقة والضرر أولى من جلب المنفعة والراحة .

والمقصود بالتوسط فى الانفاق الترشيد . فالترشيد يكون عن طريق الاعتدال والتوسط في عملية الانفاق قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً).

جاء في تفسير القرطبي:  أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الاقتار . ومن انفق في طاعة الله تعالى فهو القوام .

وقال ابن عباس :من انفق ألف في حق فليس يسرف . ومن انفق درهماً في غير حقه فهو سرف .ومن منع من حق عليه فقد قتر.
فالترشيد يصين الأموال ولا يصرفها إلا في وجوهها المعتبرة شرعاً . قال تعالى: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً).

جاء في تفسير القرطبي: السفهاء هم الاولاد الصغار؛ لا تعطوهم اموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء . وقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم يعني الجهال بالاحكام .

ومن اشكال الوسطية فى الاستهلاك الحض على الانفاق الاستهلاكي والاستثماري . على أساس أن الإنفاق هو في حقيقتة  الناتج الكلي .

وبدون إنفاق لا يتصور وجود أسواق وبالتالي لا يتولد إنتاج  .

فالحض على الإنفاق بمكوناته وضوابطه ، إذن حض علي الإنتاج والكسب أي دفع العجلة لإعمار الأرض .

وكذلك الوسطية تدعو لربط العلاقة بين الموارد والسكان و استخدام هذه العلاقة بالتخطيط لتوفير حد الكفاية للسكان كافة من الموارد المتاحة ومعرفة كيفية استخدام الوسائل العلمية والفنية الحديثة في الانتاج والاستهلاك . دون تبذير للموارد . والله تبارك وتعالى يذم اقواماً مبذرين فى قوله : (أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ).

قال الزمخشرى فى " الكشاف" : تبنون بكل ريع بروج الحمام والمصانع مآخذ الماء وقيل القصور المشيدة والحصون  لعلكم تخلدون في الدنيا . 

المصادر والمراجع:
-يوسف كمال محمد – المصارف الإسلامية والتنمية الاقتصادية.
-تفسير القرطبي ، دار الجيل – بيروت – 1992 – ط1.
- محمد شوقي الفنجري  - المذهب الاقتصادي في الإسلام – دار عقاض – 1981- الرياض. 
- فخري كامل – التنمية الاقتصادية – دار النهضة العربية – بيروت – 1986م  .ط.
-شوقي دنيا ، تمويل التنمية إلى الاقتصاد الإسلامي ، مؤسسة الرسالة – ط1- بيروت – 1984م
- رؤية الاسلام لحل المشكلة الاقتصادية ، حسن محمد ماشا مجلة كلية الاقتصاد والعلوم الادارية العدد الاول 2008م جامعة القرآن والعلوم الاسلامية الخرطوم السودان .
-   التنمية الاقتصادية من منظور إسلامى  د. حسن محمد باشا عربان.
- المعجم الوسيط .
-شابرا محمد عمر – الإسلام والتحدي الاقتصادي – المعهد العالمي للفكر الإسلامي والمعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية – عمان – 1996م – ب ط نقلاً عن مجلة الأحكام العدلية .
- تفسير الكشاف للزمخشري.

Wednesday, April 20, 2016

التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي: انتاج الحاجات الضروريات أولاً



التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي: انتاج الحاجات الضروريات أولاً :   

الإنتاج فى الاسلام هو: "  بذل الجهد والعمل على استغلال الموارد (الأرض) لتوفير المنافع (الطيبات) لاشباع حاجات المجتمع الشرعية " .        
 ومن مبادئ التنمية فى الاسلام أن هنالك أولوية للانتاج حيث يبدا أولاً بإشباع الحاجات الضرورية ، ثم الحاجية ثم التحسينية . 

ويمكن توضيح الحاجات بمستوياتها الثلاثة كما يلى : -

1- الضروريات : وهي حاجات لحفظ الأركان الخمسة للحياة الفردية والإجتماعية من المنظور الإسلامي ، وهي التي لابد منها لقيام مصالح الدين والدنيا ، بحيث اذا فقدت لن تجري مصالح الدنيا على استقامة . بل على فساد وفوت حياة . وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين . 

فأصول العبادات راجع إلى حفظ الدين . 

والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات .  

والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال . 

وهي الضروريات التي أجملتها كمقاصد للشريعة الغراء فى : حفظ للدين والنفس والنسل والعقل والمال ، إذ يعمل الانتاج فى الاسلام على إشباع هذه المقاصد أولاً كأولوية قصوى .

2- الحاجيات : وهي حاجات لاتتوقف عليها الاركان الخمسة للحياة ولكن تتطلبها الحاجة من أجل التوسعة ، ورفع الحرج ودفع المشقة . كإباحة الصيد ، والتمتع بالطيبات من إضافة  فى الماكولات والمشروبات والملبوسات والمساكن وغيرها من الطيبات المباحة شرعاً .

3- التحسينات : وهي حاجات لاتصعب الحياة بتركها . ولكن عدم تناولها يقل الحياة . ومعناها الاخذ بما يليق من محاسن وعادات . 
وهي ماتقتضيه المروءة بحيث لايختل نظام الحياة بفقدها ، كالضروريات . ولاينال الحرج ، كالحاجيات. وإنما مخصصة لرفع معيشة الناس . وهي الطيبات المباحة يتمتع بها عباد الله دون إسراف أو تبذير . 

قال تعالى : (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) . والزينة هنا الملبس الحسن إذا قدر عليه صاحبه . فقد دلت الآية على اللباس الرفيع من الثياب والتجمل بها في الجمع والأعياد وعند لقاء الناس والمزاورة . 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوى لحيته وشعره فقلت يا رسول الله وأنت تفعل هذا ؟ قال : نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال "

ولكى ينجح الانتاج لابد من توفر العوامل التالية : 

1/ التشغيل الكامل للموارد ورفض أي بطالة فى عنصر العمل أو إهدار للموارد (عناصر الانتاج الأخرى ) بتبذيرها أو عدم استغلالها الاستغلال الامثل لانتاج الطيبات . مع اأخذ فى الاعتبار للوضع البيئى . لضمان انتاج مستدام .

2/ حرية التنافس الانتاجي وعدم إحتكار مجالات إنتاجية لفئة دون فئة حتى لا  يؤدي إلى ضياع المصالح العامة . 
      
3/ التوظيف العلمي والتكنولوجي والاستفادة من أفكار وخبرات المجتمعات الأخرى بما يتناسب مع خصوصيات المجتمع المسلم ومصالحه وأهدافه .

4/ الاعتماد على الذات . فالمنهج الإسلامي يسعى لتفجير الطاقات الكامنة باعتبارها السبيل الوحيد للوفاء باحتياجات الأمة .

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده) . فالاعتماد على الذات يبعد الأمة عن التبعية الاقتصادية ومخاطرها . 

5/ الاستقرار السياسى والاجتماعى هو الذى يهييء الطريق لتحقيق الانتاج المستهدف. قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) الحسبة للرقابة الانتاج والتوزيع ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).

المصادر والمراجع:

-يوسف كمال محمد – المصارف الإسلامية والتنمية الاقتصادية.
-تفسير القرطبي ، دار الجيل – بيروت – 1992 – ط1.
- محمد شوقي الفنجري  - المذهب الاقتصادي في الإسلام – دار عقاض – 1981- الرياض. 
- فخري كامل – التنمية الاقتصادية – دار النهضة العربية – بيروت – 1986م  .ط.
-شوقي دنيا ، تمويل التنمية إلى الاقتصاد الإسلامي ، مؤسسة الرسالة – ط1- بيروت – 1984م
- رؤية الاسلام لحل المشكلة الاقتصادية ، حسن محمد ماشا مجلة كلية الاقتصاد والعلوم الادارية العدد الاول 2008م جامعة القرآن والعلوم الاسلامية الخرطوم السودان .
-   التنمية الاقتصادية من منظور إسلامى  د. حسن محمد باشا عربان.

Sunday, April 17, 2016

التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي:التخصص وتقسيم العمل



التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي:التخصص وتقسيم العمل :
  
يرى الاسلام أن تحقيق الوفرة والجودة معاً فى الانتاج يتطلب تقسيم العمل أو التخصص . وقد حث عليه الإسلام ودعا إليه . وقاعدة التخصص الشرعية تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

فأنواع الصناعات والخبرات الفنية التي تحتاجها الأمة إذا لم يقم بها الناس أثمت الأمة بأكملها ، وأصبحت فرض عين على كل مسلم. 

ولكى يسهم العمل فى نفع صاحبه وتوفير الحاجات لكل المجتمع  لابد من أن يتخصص كل فرد فى العمل الذى يبدع فيه ، ولديه القدرة على إنجازه . ولا يقوم التخصص إلا بالعلم ، فزيادة الانتاج (الثروه ) يتوقف على وفرة عناصر الإنتاج  وأهمها  عنصر العمل (القوة البشرية ) والذى يمثل العامل والمنظم والمستثمر للمال ، والمالك للمنشأة.

 ووفرة عنصر العمل وحدها ليست كافية مالم يصحبها العلم . لأن العلم يسمح بزيادة الانتاج والانتاجية لعنصر العمل ويسهم فى مزيد من التخصص اللازم لتوفير الحاجات الانسانية المتجدد والمتغيرة والمتطورة . 

فالإسلام أهتم بتقسيم العمل من خلال تعدد صيغ التمويل الاسلامى : كالمشاركة والمضاربة والمرابحة والسلم والمساقاة والمزارعة والاستصناع . لتمويل المشروعات المختلفة زراعية كانت أم صناعية أو تجارية أو خدمية . كما جعل العلم أولوية لعمارة الارض ولاشباع الحاجات الروحية والمادية

ومن الأسس التى وضعها الاسلام لتنمية عنصر العمل والتخصص من أجل بذل العمل الصالح لانتاج الطيبات :-

1-لقد أكد الاسلام على أهمية الفقه والعلم ودعى لسعى لطلبه منذ اللحظات الأولى لنزول الوحى . قال تعالى : (اقرأ باسم ربك الذى خلق ) . وقال تعالى :(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنى مماعلمت رشدا ). والحديث : عن أبي موسى عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام  قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه " . 

2-كما أكد الاسلام على أن تعليم وتأهيل المورد البشري  يسهم فى الاستغلال الامثل للموارد الطبيعية، قال تعالى : (قالوا يا ذا القرنين إن ياجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أنت جعل بيننا وبينهم سداً * قال ما مكني فيه ربي خير فاعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني افرغ عليه قطراً * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا) . أي أن ذا القرنين رفض الخرج وأصر على أن يعلمهم في ظل امكانياتهم ، تكنولوجيا مناسبة يدرءون بها الشر عن أنفسهم .

3-إعداد العنصر البشري بالقيم والمثل والاخلاق والسلوك عن طريق تربيته تربية اسلامية صحيحة  وتعريفه أن كسب المال يتم بالحلال ، وأن يوجه جهده للانتاج الطيبات . الحديث قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".

4- الايمان بالتفاوت فى الأرزاق ، وبتسخير الناس لبعضهم البعض ومن هنا يجب على الفرد المسلم السعي لكسب الرزق امتثالاً لامر الله والرضى بما قسمه الله وفق حكمته وعدله وعلمه بما هو صالح لهم، قال تعالى: (َأهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .

جاء في تفسير ابن كثير: " أي نحن نتصرف فيما خلقنا كما نريد بلا ممانع ولا مدافع ولنا الحكمة البالغة والحجة التامة في ذلك " .
وقد جاء فى الحديث القدسى : " أن الله سبحانه وتعالى قال : إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغني ولو افقرته لافسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو اغنيته لافسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الصحة ولو اسقمته لافسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا السقم ولو صححته لافسده ذلك . إني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير "

 5- الإيمان بان مزاولة النشاط الاقتصادي عبادة وهو محاسب عليها . قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
 جاء في فتح القدير: أي لنسألن هؤلاء الكفرة أجمعين يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال التي يحاسبون عليها ويسألون عنها . وقيل إن المراد سؤالهم عن كلمة التوحيد والعموم عما كانوا يعملون يفيد ما هو أوسع من ذلك . وقيل إن المسئولين هنا هم جميع المؤمنين والعصاة والكفار.

6-  اعداد العنصر البشري علمياً وفنياً وتشجيع الابتكار. ولابد من تعليم العنصر البشرى العلوم و أحكام الشريعة فى مجال تخصصه ، حتى لا يقع في محظور أو شبهة حرام . قال تعالى : (..فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينزروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ).
جاء في  تفسير القرطبى : أن الجهاد ليس فرض كفاية كما تقدم ، إذ لو نفر الكل لضاع من وراءهم من العيال فليخرج فريق منهم للجهاد وليقم فريق يتفقهون في الدين  حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع وما تجدد نزوله على النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وهذه الآية أصل في وجوب طلب العلم " 

7-  توفير فرص العمل وفرضه على كل قادر منعا لأى نوع من البطالة ،  فالاسلام يحث الأفراد على اكتساب الرزق عن طريق العمل والسبيل الحقيقي للتنمية لا يكون إلا بتعبئة الطاقات البشرية لتوفير العمل لكل قادر يضمن تشغيل كافة الموارد الانتاجية للمجتمع .  يعتبر أن توفير الأعمال من واجبات الراعي على رعيته . 

8- البحث عن العمل حتى وإن أدى ذلك للهجرة الخارجية . قال تعالى :( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ..) وقال تعالى : ( ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الارض مراغم كثيرة وسعة).
جاء فى تفسير القرطبي : ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي . وروى عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال : " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا استوجب الجنة " .
وقال السدي : المراغم المبتغي للمعيشة .
وقال إبن القاسم : سمعت مالكا يقول : المراغم الذهاب في الأرض .
وسعة أي في الرزق . قاله إبن عباس والربيع والضحاك .
وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى

نسنتج مما سبق أن الأسس التى وضعها الاسلام لتنمية عنصر العمل والتخصص من أجل بذل العمل هي أسس صالحة للقيام بنهضة الدولة وتحضر المجتمع والوصول به للرفاهية وأخذ حقوقه وأدائها على الوجه المطلوب.

المصادر والمراجع:
-أبو حامد الغزالي – المستصفى، دار الجامعة – الإسكندرية – مصر 1998م.
- يوسف كمال – فقه الاقتصاد الإسلامي ، النشاط الخاص  دار القلم ، الكويت ، 1988م ط1 .
- صحيح البخاري، دار النهضة العربية – بيروت – 1986م.
-تفسير ابن كثير، مؤسسة الرسالة – ط1- بيروت – 1984م .
-الترمذي محمد بن علي ابن الحسن أبو عبد الله – نوادر الاصول في احاديث الرسول – دار الجيل – بيروت – 1992 – ط1 – تحقيق عبد الرحمن عميرة.
- الشوكاني محمد بن علي – فتح القدير، دار القلم ، الكويت ، 1988م ط1.
-القرضاوي يوسف ابن عبد الله – فقه الزكاة – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط15 – ج2 .
-تفسير القرطبي ، دار الجيل – بيروت – 1992 – ط1.