Sunday, November 29, 2015

ظواهر ومظاهر تأثير ترجمة علوم العرب والمسلمين إلى لغات أوروبا في النهضة الاوربية وحضارتها

ظواهر ومظاهر تأثير ترجمة علوم العرب والمسلمين إلى لغات أوروبا في النهضة الاوربية وحضارتها:
لا يغرنك تقلب الذين يدعون العلم والمعرفة في أقوالهم ومصنافاتهم ومؤلفاتهم على أن الحضارة الإسلامية لم تفد الغرب لا نهضتها ولا حضارتها.
فهؤلاء قوم أُتْخِموا بالحقد حتى أصبحوا لا يرون إلا الظلام، وأُشْبِعُوا بالبغضاء حتى أضحوا لا يرون سوى السواد، ومالوا عن الحق فأصبح في مؤلفاتهم عوجا ظاهرا، واختلافا كثيرا كبيرا.
وطالب الحق لا يهمه سياسات بلاده ولا نزوات قادته ولا حقد علمائه، فالحق أحق أن يقال وأن ينشر وأن يُتَّبَع.
وما عانته أوروبا في عهود ظلمتها بقي راسخا في الذاكرة الجمعية لديهم وفي أعماقهم وبواطنهم، فهم إلى الآن يشعرون بالسوء والمذلة؛ لأنهم استفادوا من حضارة العرب والمسلمين في نهضتهم وابداعاتهم وابتكاراتهم في شتى مناحي حياتهم وكافة علومهم، وإلى الآن يصيبهم النغص والتمعض والمضض جراء هذا الأمر، فيسعون للنكران والانكار واللعب بالكلمات والمشاعر والعواطف فلا يعترفون بفضل الحضارة الاسلامية والعربية.
بينما الحقيقة عكس ذلك، والصواب خلاف ما يقولون، وقد اعترف قلة منهم من المنصفين بفضل الحضارة العربية والاسلامية على أوروبا ونهضتها، يوم كانت أوروبا تعيش في عصورها الوسطى المظلمة السوداوية القاحلة، كان المسلمون والعرب في أبهى عصورهم من النور والمعرفة والعلم والابداع والاختراع والتقدم والحضارة.
وما نراه في أوروبا من حضارة وتقدم هو كقشرة البيضة المتعفنة الظاهرة البياض، فإن أحدثت فيها ثقبا رأيت داخلها العفن وعصور الظلمة والعصور الوسطى قابعة فيهم متمكنة منهم.
كان لا بد من هذا التمهيد لبيان سبب نكران الكثرة الطاغية الباغية المتعجرفة المتكبرة فضل الحضارة الإسلامية، ومنبع هذه النكران هو: عدائهم للدين الإسلامي أولا وثانيا وثالثا ومليونا ومليارا، والسبب الثاني: شعورهم بالنقص وعقدتها برغم ما وصلوا إليه من تقدم وحضارة، والسبب الثالث: تمكن أخلاق وصفات العصور الوسطى المظلمة منهم في بواطنهم وخفاياهم، وتظهر للعلن كلما شعروا بضر صغير أو أبصروا انتشارا للإسلام في ديارهم أو وجدوا تكاثر المسلمين في بلدانهم.
وغير ذلك من الأسباب التي تدعوهم لنكران فضل الحضارة العربية الإسلامية عليهم وعلى حضارتهم وما وصلوا إليه.
وكيف حصل لهم هذا التقدم وكيف أثر في نهضتهم.
من أهم الاسباب هو الترجمة، ترجمة علوم العرب والمسلمين ومؤلفاتهم العلمية والفلسفية إلى لغات أوروبا المختلفة.
وهذا ما سنوضحه في هذا الموضوع.
ظواهر ومظاهر تأثير ترجمة علوم العرب والمسلمين إلى لغات أوروبا في النهضة الاوربية وحضارتها:
1- حركة الترجمة ومراحلها:
إن حركة الترجمة ، والتي تعد قناة غير مباشرة ، ولكنها أثرت تأثيراً كبيراً في نقل أوربا من عصر الظلام والتخلف إلى عصر الانبعاث والتقدم.
مرت حركة الترجمة بدورين :
 الدور الأول : والتي تمت فيه ترجمة الكثير من المخطوطات إلى العربية بما في ذلك كتاب في علم الزراعة ،  كتبه (كولوميلا) وكتاب تاريخ عام ألفه (اوروسيوس) ، وكتاب يبحث في التنجيم ، وآخر في الاشتقاق لمؤلفه (ايزدور) .
 وقد وقع على عاتق النصارى أحيانا القيام ببعض هذه الترجمات .
كما وتم ترجمة عدد كبير من المؤلفات إلى العربية لفائدة العناصر المستعربة من النصارى ، وليس للمسلمين فقط ، فقد تمت ترجمة ثلاث نسخ من المزامير ، من بينها واحدة ترجمها حفص القوطي في سنة 276 هـ / 889 مـ شعراً .
 وكان المقصود بها خصيصاً ان تحل محل نسخة نثرية غير فصيحة كانت دارجة الاستعمال في ذلك الوقت ، وكذلك تمت في سنة 357هـ/ 967 مـ ترجمة تقويم كنسي ألحق بأخر عربي يبحث في تقسيم السنة على أساس الثماني والعشرين دورة فلكية المعروفة باسم (منازل القمر) ، وأطلق على الترجمة اسم (تقويم قرطبة).
أما الدور الثاني ، فيشمل الترجمة من العربية إلى اللاتينية ، ويبدأ من منتصف القرن الخامس إلى أخر القرن السابع الهجري / منتصف القرن الحادي عشر إلى أخر القرن الثالث عشر الميلادي ، وقد مر هذا الدور بمرحلتين:
 الأولى: تمت فيها ترجمة العلوم العربية المنقولة عن العلوم اليونانية .
 والمرحلة الثانية: ترجمة العلوم العربية الإسلامية.
كانت أوربا لا تمتلك من العلم اليوناني إلا القليل تمثل بمختصرات هزيلة وضعت منذ القرن الخامس الميلادي والى القرن الثامن الميلادي.
 لذا بقيت الدراسة في أوربا ضئيلة محصورة في فئة قليلة من الرهبان ، ولم تنتعش وتتطور إلا بعد تمثلها للعلوم العربية ولاسيما التي تشمل على أصول علوم اليونان التي ترجمها العرب المسلمين في عصر ازدهار حضارتهم.
2- حركة ترجمة نشيطة لألاف من المجلدات العربية الإسلامية:
بعد ان استرد الأسبان بقيادة الفرنسو السادس طليطلة عام 478هـ/ 1085 م ، واتخاذها كعاصمة لمملكة قشتالة ، قامت فيها حركة ترجمة نشيطة فقد امتازت هذه المدينة بكثرة مكتباتها ، والتي حوت ألاف من المجلدات التي انتقلت إليها من المشرق ، فضلاً عن ذلك بقاء الثقافة العربية فيها حتى بعد ان استردها الأسبان.
 وقد تم القيام بتخطيط برنامج شامل للترجمة عن طريق تأسيس معهد لترجمة الأعمال العربية إلى اللاتينية ، ويرأسه كبير الشمامسة في طليطلة المدعو (دومينيكوس غونديسينوس) والذي يذكر بالمصادر العربية بـ(دومنجو غنصالفة) والذي برز نشاطه ما بين عام 1130والى عام 1180 م ، والذي يعد من أشهر رجال الترجمة في العصر الوسيط من العربية إلى اللاتينية عن طريق الاسبانية العامية.
فقد كانت الطريقة في الترجمة ان يقوم يهودي مستعرب – من اشهرهم في معهد الترجمة بطليطلة أبراهام بن غزرا – بترجمة النص العربي شفوياً إلى اللغة الاسبانية العامية ثم يتولى غنصالفه الترجمة اللاتينية ، ومن بين ما ترجمه غنصالفة على هذا النحو بعض مؤلفات الفارابي ، وابن سينا ، والغزالي.
3- مشاركة عدد كثير من المترجمين من مؤلفات العرب والمسلمين إلى لغات أوروبا:
وكان يعمل بمعية غنصالفة عدد من المترجمين توجهوا من أنحاء أوربا إلى طليطلة منهم الايطالي (جيرار الكريموني) الذي وصف بأنه ((الشماس)) في إحدى وثائق كادرائية طليطلة المؤرخة في 11 آذار مارس 1162 م ، حيث يدعى (جيرادوس المعلم) في وثيقتين أخريين من وثائق الكاتدرائية بتاريخ آذار/ مارس 1174 م ، وآذار/ مارس 1176 م ، والوثائق الثلاثة ممهورة بتوقيع غنصالفة .
 وقد قام جيرارد بترجمة كتاب الفارابي (تصنيف العلوم) ، وترجم عدة مؤلفات لأرسطو ، وبعض الشروح على ارسطو لمؤلفين عرب ومؤلفين إغريق سبق وان ترجمت اعمالهم إلى العربية .
كما ترجم عن العربية كتباً لأبقراط وجالينوس .
وترجم كتابين اصيلين في العربية هما:
- (القانون في الطب لابن سينا).
- وكتب التصريف للزهراوي الذي يعد القسم الأخير منه أشهر بحث في الجراحة.
* واشترك (غنصالفة) مع رفيقه (افيندوف) ، و (جوهان الاسباني) بترجمة مصنفات الدارسين العرب الذين لخصوا ، واعادوا ترجمة فلسفة ارسطو ، كمؤلفات ابن سينا ، وابن جيبيرول ، والغزالي.
* وشاركه أيضا المترجمان الانكليزيان (روبرت القيطوني و ادلار الباثي) فقد اشتهر ادلار الباثي بترجمة جداول علم الفلك لمسلمة المجريطي عام 1126 م.
4- استمرار نشاط حركة الترجمة في أوروبا لمؤلفات علماء العرب والمسلمين،جهود شخصية وترجمة رسمية:
استمر نشاط حركة الترجمة في طليطلة في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي ، وهناك دليلان على هذا النشاط .
الدليل الأول : نقل حصيلة ذلك الازدهار في الفلسفة فـي اسبانيـا الإسلاميـة ففي عهد سيطرة الموحدين على المغـرب و الأنـدلس ( 543 – 668هـ / 1146- 1269م ) حدثت ثورة أصولية ارسطوية لم يسبق لها مثيل في أي مكان أخر من العالم العربي الإسلامي.
وكانت الشخصية الرئيسية في هذا المشهد ابن طفيل (ت: 581 هـ / 1185 م ) الطبيب الرسمي في بلاط زعيم الموحدين في قرطبة ، ومؤلف الرواية الفلسفية (حي بن يقظان).
 وقيام البطروجي بتأليف كتاب سماه باسم (حركات الاجرام السماوية) المكتوب حوالي (600هـ / 1200 م ) .
والكتاب محاولة ثورية في علم الفلك تدعو إلى استبعاد نظام بطليموس القديم حتى يحل محله أنموذج يتفق مع (فيزيقيا) ارسطو.
ثم قيام ابن رشد (ت : 594 هـ / 1198 م ) عقب ذلك بالمشروع الأكثر طموحا وهو يضع ثلاثة مستويات من الشروح والتعليقات على جميع مصنفات ارسطو ، وأضاف إليها فيما بعد تعليق على جمهورية افلاطون .
ومع ان الارسطوطاليسية الأندلسية لم تترك إلا أثراً في الدراسات العربية الإسلامية اللاحقة، إلا إنها تركت أثرا قليلا في الفلسفة اللاتينية والعبرية والعلوم الأخرى.
 وفي هذا المناخ الثقافي في قرطبة ، تشكلت فلسفة ابن ميمون (ت: 600هت/1204م).
 وبعد سنوات معدودات على تأليف مصنفات كل من البطروجي ، وابن رشد تمت ترجمتها إلى اللاتينية والعبرية.
حيث قام بالترجمات الأولى في اسبانيا (مايكل سكوت) واليه تعزى أقدم ترجمة لابن رشد،والتي بدأها في اسبانيا ثم استكملها حين انتقل إلى ايطاليا.
والدليل الثاني: نشأة الترجمة الرسمية والمقصود بها القيام بالترجمة بصفتها جزءاً من السياسة العامة للدولة،
 اما بهدف تفخيم الامة الاسبانية الحديثة الظهور،
او بهدف رد المسلمين الاسبان الى النصرانية  وربط الكنائس الشرقية بروما بعد توحيدها، ولتحقيق ذلك، كان لا بد من تعلم العربية،
فقد أطلع بطرس الجليل (رئيس دير كلوني) اثناء زيارته الى اسبانيا في مهمة دينية عام 1141م على بدايات الصراع المرير بين الإسلام والنصرانية في الاندلس، وكان ذلك اثناء حكم الموحدين وتوصل الى ان القوة المسلحة لوحدها لا تجدي نفعاً في محاربة الإسلام، وانما ينبغي اللجوء الى المنطق،
وذلك بفهم الخصم اولاً، والاصغاء الى حججه وجدله ثانياً،
وبما ان القرآن الكريم هو المرجع الاول لدى المسلمين، فقد تعين على الاوروبيين فهمه ولتحقيق هذه الغاية قام بطرس الجليل بتكليف (روبرت القطيوني) بترجمة القرآن الى اللاتينية وأجزل له العطاء، وقد لقيت ترجمته رواجاً واسعاً.
هذا فضلاً عن قيام بطرس بشراء كل المخطوطات المترجمة من قبل هرمان الكارنثي، وروبرت القطيوني وبيتر الطليطلي، والتي تعرف بـ(مجموعة طليطلة) والتي هي عبارة عن ترجمات لمخطوطات عربية عن الإسلام، كما ضمت القرآن الكريم وحياة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، ووصفاً للخلفاء الأولين، ومناظرة بين رجل نصراني ومسلم تعرف بـ(مناظرة الكندي)، وقد بقيت هذه الترجمات مرجعاً ثميناً للغربيين الذين يودون فهم الإسلام،
ففي القرن السابع عشر الميلادي كانت لا تزال ترجمة روبرت القطيوني للقرآن الكريم مستعملة لدى البعثات التبشيرية النصرانية، كما غدا رد الكندي في المناظرة المشهورة شائعاً في العصر الحديث.
وبعد مرور خمس سنوات على هزيمة الموحدين في معركة العقاب عام 609هـ\1212م، والتي تعد بداية النهاية لسلطة الموحدين في الاندلس توالى سقوط حواضر الاندلس الواحدة تلو الاخرى كقرطبة واشبيلية ولم يبق سوى غرناطة مملكة إسلامية وحيدة، إنتاب شعوراً عظيماً بالثقة لأساقفة وملوك الاسبان لجعل شبه جزيرة كاملة في اسبانيتها ونصرانيتها،
فانتشرت حركة الترجمة من العربية الى الاسبانية ولا سيما في عهد الملك الفونسو العاشر الحكيم، ملك ليون وقشتالة (1252-1284م)، فترجمت كتب كليلة ودمنة، وعشرات من كتب الفلك ولم تكن لغة الترجمات هي الاسبانية فحسب، بل لقد جعلها تبدو وكأن المؤلفين انفسهم كانوا من الاسبان ايضاً
فقد سمي كتاب "غاية الحكيم" في التنجيم لمسلمة بن احمد المجريطي (ت:397هـ\1007م) مثلاً بـ"الحكيم الاسباني".
 وكان لهذا اثره في قيام اللغة الاسبانية اولاً، ومن ثم تقدم الدراسات العلمية في اسبانيا وانتقالها الى اوروبا ثانيا، وأنشأ الفونسو الحكيم عام 1254م جامعة اشبيلية وخصصها لدراسة العربية واللاتينية.
والله أعلم
المصادر:
- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر، ص384-388، مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية في الاندلس:2/1478.
- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة من العربية، في القرون الوسطى في اسبانيا، ترجمة: عمران ابو حجلة، الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، تحرير: سلمى الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،1999): 2/1442
- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي (بيروت: 1979)، ص7.
- جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص523، دي سي ، اوليري، الفكر العربي ومركزه في التاريخ، ترجمة: اسماعيل البيطار (بيروت: 1972)، ص234.
- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية: 2/1457.
- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص، .10
- غوستاف لويون، حضارة العرب، ص677.
 - هونكة، شمس العرب تسطع على الغرب، ص126وما بعدها.
- حكمت نجيب، دراسات في تاريخ العلوم عند العرب (الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1977)، 148.

Saturday, November 28, 2015

ظواهر ومظاهر أثر وتأثير الحضارة العربيةالإسلامية بنهضةاوربا،ألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا وبرتغال

ظواهر و مظاهر أثر و  تأثير الحضارة العربية الإسلامية بالنهضة الأوربية وحضارتها في ملوك وحكام وشعوب وعلماء ألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا والبرتغال وبافاريا:
أن تنكر الحقائق وهي ظاهرة أمامك فهذا يدل على شدة تعصبك!
أن ترفض الحق وهو بادٍ أمام عينك فهذا يدل على أشد التعصب!
أن تخفي الصواب في ظلمات رفضك وترضى بالخطأ فهذا دال على أقصى التطرف!
أن تحذف الحضارة العربية الاسلامية من الوجود التاريخي وتنكر دورها الريادي بسبب البغض والحقد والكراهية الموجودة بداخلك فهذا منكرا من القول وزورا.
أن تمحي جهود علماء الحضارة العربية الاسلامية وتقفز إلى من قبلها، متجاهلا دورها في الابداع والابتكار وحمل لواء العلم والمعرفة والترجمة والتعليم والتدريس ونشر العلوم والمعارف، فهذا دال على ترهل فكر واضطراب ثقافة وعدم اتباع الحق.
هذا هو  حال الذين ينكرون  دور الحضارة الإسلامية وتأثيرها في أوروبا
وهذا هو واقع الذين يرفضون فكرة أن الإسلام له فضل كبير على أوروبا في حضارتها وتقدمها.
ولذلك نراهم يرجعون تقدمهم وحضارتهم إلى اليونان والرومان والإغريق فقط
والأدهى أن هناك من المنتسبين للإسلام والمحسوبين على العروبة ومدعي الوطنية والقومية ومدعي العلم والثقافة والفكر يؤيدون ذلك !
وهذا لهو أشد النكران وأقصى دركات العمى وأكثر عناد التطرف.
وإن الحضارة لها دور كبير في تأثيرها على الأوربيين بمختلف طبقاتهم وأنواع مشاربهم وشتى علومهم سواء كان في الفن أو الفلسفة أو الطب أو الفلك أو الهندسة أو التشريع أو الغناء أو الفيزياء والكيمياء أو الصناعة أو الزراعة وسائر أنوع العلوم.
ولست أدعي قولا بلا دليل، وألقي حكما بلابرهان، ومظاهر تأثير الحضارة الإسلامية بالنهضة الأوربية إلى حضارتها ظاهرة للعيان معروفة لكل مطلع ومنصف وباحث ودارس،ولكن قاتل الله التعصب كم يخفي من حقيقة، وقاتل الله التطرف كم يعلي من باطل، وقاتل الله التقليد كم يجر ويلات على البلاد.
وهذه بعض مظاهر وظواهر تأثير الحضارة العربية الإسلامية بالنهضة الأوربية، فأن أنكرها منكر ولم يقبلها متعصب فلا أدري ماذا نصفه !!!
وسأعرض بعض هذه المظاهر والظواهر من جانب الأندلس في هذا الموضوع، وإن كان بقية من العمر، نعرض مظاهر أخرى من جانب : صقلية وجنوب إيطاليا،و من جانب بلاد الشام ومصر.

بعض مظاهر تأثير الحضارة العربية الإسلامية بالنهضة الأوربية:
1- عُدَّتِ الأندلس أهم احد المعابر الثلاثة التي تمت خلالها عملية الإخصاب بين الفكر العربي الإسلامي والفكر الأوربي ، المعبر الأول صقلية وجنوب ايطاليا ، والمعبر الثاني مصر وبلاد الشام ، والمعبر الثالث الأندلس ، فهي نقطة التلاقي بين الثقافة العربية الإسلامية الزاهرة وبين العقلية الأوربية الناشئة ، لأنها تقع على الحدود بين بلاد الإسلام وبلاد أوربا.
وشيئاً فشيئاً ومن خلال الاحتكاك والتعايش بين مختلف شرائح المجتمع الأندلسي، طيلة حكم ثمانية قرون ، وفرّ للأسبان وغيرهم سبل الأخذ عن المسلمين ، بشكل مباشر وغير مباشر، وتحقق من بلاد الأندلس تواصل حضاري بين العالمين المتصارعين ، ذلك التواصل الذي شمل أوربا برمتها.

2- توافد الطلاب من أوروبا على مراكز الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس :
 فقد حمل العرب المسلمون طيلة فترة مكوثهم في اسبانيا مشعل العلم والحضارة ، واعتمدت جميع مراكز التعليم في أوربا على قرطبة واشبيلية وطليطلة وغرناطة ..
حيث كان الطلاب يشدون الرحال إليها ويقضون السنوات الطوال في الدراسة والتتبع ، والاطلاع على مؤلفات العرب فيها ، وكان في مقدمة هؤلاء الراهب الفرنسي (جربرت دي اورياك) الذي وفد إلى الأندلس في عصر الخليفة الحكم المستنصر (350-366 هـ / 961 – 976مـ) ، ودرس على أيدي العلماء المسلمين الرياضيات والفلك والكيمياء ، وحينما عاد إلى وطنه بعد ان بلغ من العلم مبلغا خيّل لعامة فرنسا إذ ذاك انه ساحر.
فقد كان من أوائل المهتمين بالثقافة العربية ، والمضمون التجريبي للعلم ، وقد تمكن فيما بعد بفضل مواهبه العقلية ان يتربع عرش البابوية في روما تحت اسم سيلفستر الثاني (390 – 394 هـ / 999 – 1003 مـ) وكان له الدور البارز في نشر علوم العرب في أوربا وهو أول من ادخل التعليم الدنيوي ودافع عنه على أسس تقدمية.

3- وجود كتب عربية في وقت مبكر في أوروبا، ومنها:
وجدت نسخة لاتينية من حِكَم ابقراط كانت تستخدم في التدريس في مدينة شارتر بفرنسا عام 382 هـ / 991 مـ ،فسرت هذه الظاهرة بوجود نفوذ عربي مبكر في فرنسا ، لان هذه النسخة كانت عن أصل عربي ، ذلك لان الغرب اللاتيني كان يجهل في هذا العصر جهلاً تاماً أي شيء من الأصول اليونانية لأعمال اليونان القدماء.

4- استفادة المقتدرين من ترجمات الكتب العربية إلى لغات أوروبا آنذاك ودراستها:
استنتج من قبل بعض المؤرخين المحدثين افتراضا من ظروف هرمان الكسيح (1013-1054مـ) وهو ابن أمير دالماسيا من أصل سويسري ، وقد كتب في الرياضيات والتنجيم عن تأثير الحضارة العربية الأندلسية ، فهذا الأمير لظروفه المرضية لم يزر الأندلس ، إلا انه استفاد من ترجمات لأعمال عربية كالتي وجدت في شارتر أو التي عملت لجربرت ، واستفاد ثانياً من الطلاب الأوربيين العائدين من الأندلس إلى أوطانهم ، بعد ان انهوا دراستهم في الجامعات العربية ، والذين كانوا يمرون بدير(ريختاو) الذي يقيم به هرمان ويقضون فيه فترة قبل رجوعهم إلى بلادهم ، وعن هؤلاء نقل هرمان كل ما جلبوه من الآلات الفلكية العربية وفي مقدمتها الإسطرلاب.

5- البعثات الأوربية الشخصية والرسمية التي توافدت إلى مراكز الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس :
أرسلت إلى الأندلس بعثات ذات طابع رسمي من قبل حكومات بعض الدول الأوربية ، وأخذت هذه البعثات تتوالى على الأندلس بأعداد متزايدة سنة بعد أخرى ، حتى بلغت سنة 312 هـ / 924 مـ ، في عهد الخليفة الناصر زهاء سبعمائة طالب وطالبة.

بعثة من ألمانيا للتعلم في بلاد المسلمين:
وكانت إحدى هذه البعثات من ألمانيا ، ففي سنة 313 هـ / 925 مـ أرسل ملك ألمانيا اوتو الكبير ، الراهب (جون) إلى قرطبة مبعوثاً إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر وأثناء مكوثه فيها لمدة ثلاث سنوات تعلم العلوم والثقافة العربية ، وحمل معه المخطوطات العلمية العربية.

بعثة من فرنسا للتعلم في بلاد المسلمين:
وتوجهت بعثه من فرنسا برئاسة الأميرة (إليزابيث) ابنة خال الملك لويس السادس ملك فرنسا.

بعثة من ملك بافاريا 215 طالبا وطالبة للتعلم في بلاد المسلمين:
وبعث فيليب ملك بافاريا إلى الخليفة هشام المؤيد (366 – 399 هـ /976-1009 مـ) بكتاب يطلب منه ان يأذن له بإرسال بعثة من بلاده إلى الأندلس للاطلاع على مظاهر التقدم الحضاري فيها والاستفادة منها ، فوافق الخليفة هشام ، وجاءت بعثة هذه الملك برئاسة وزيره المدعو (ويلميين) الذي يسميه العرب وليم الأمين.

وقد تألفت هذه البعثة من (215) طالباً وطالبة وزعوا على جميع معاهد الأندلس لينهلوا من مواردها الثقافية ، وتذكر الروايات بان ثمانية من أفراد هذه البعثة اعتنقوا الدين الإسلامي ومكثوا في الأندلس ورفضوا العودة إلى بلادهم ، ومن ضمن هؤلاء الثمانية ثلاث فتيات تزوجن بمشاهير من رجال الأندلس في ذلك الوقت ، وأنجبن عدداً من العلماء كان منهم عباس بن مرداس الفلكي.

بعثة من ملك(ويلز) للتعلم في بلاد المسلمين:
أوفد ملك ويلز بعثة برئاسة ابنة اخيه كانت تضم ثمانية عشرة فتاة من بنات الأشراف والأعيان ، وقد وصلت هذه البعثة مدينة اشبيلية برفقة النبيل (سفيلك) رئيس موظفي القصرفي ويلز الذي حمل رسالة من ملكه إلى الخليفة هشام المعتد بالله ،وكان هدف هذه البعثة كما تقول الرسالة: ((فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا ولأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ...)).
وقد استقبل خليفة الأندلس البعثة أحسن استقبال ، ورد على رسالة ملك ويلز ، وقد حظيت هذه البعثة باهتمام رجال الدولة الذين قرروا ان يتم الإنفاق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين.

6- استقدام ملوك أوربا لعلماء مسلمين لبلادهم لتأسيس مدارس ونشر العلم:
قام بعض ملوك أوربا باستقدام علماء الأندلس لتأسيس المدارس ونشر ألوية العلم والعمران ، ففي خلال القرن الثالث الهجري ، التاسع الميلادي وما بعده وّقعت حكومات هولندة وسكسونيا وانكلترا على عقود مع حوالي تسعين من الأساتذة العرب في الأندلس بمختلف العلوم ، وقد اختير هؤلاء من بين أشهر العلماء الذين كانوا يحسنون اللغتين الاسبانية واللاتينية إلى جانب اللغة العربية.
ووقعت تلك الحكومات عقوداً أخرى مع حوالي مائتي خبير عربي في مختلف الصناعات ولاسيما إنشاء السفن ، وصناعة النسيج والزجاج والبناء وفنون الزراعة .

ولقد قام بعض المهندسين العرب اكبر جسر على نهر التايمس  في انكلترا عرف باسم (جسر هليشم Helichem) وهذه الكلمة تحريف لكلمة هشام خليفة الأندلس الذي أطلق الانكليز اسمه على هذا الجسر عرفاناً بفضله لأنه أرسل إليهم أولئك المهندسين العرب.

وكذلك كان المهندسون العرب هم الذين شيدوا قباب الكنائس في بافاريا ، ولا تزال توجد  بإحدى المدن الألمانية (شتوتغارت) حتى اليوم سقاية ماء تدعى (أميديو Amedeo) وهو تحريف لكلمة احمد المهندس العربي الذي بناها.

7- وجود أعداد كبيرة من مؤلفات المسلمين العلمية في الأديرة والمكتبات:
ولاسيما دير سانتا ماريا دي ريبول الذي اقتنى بين القرنين السادس والسابع الهجري / الثاني عشر والثالث عشر الميلادي أعداداً كبيرة من المؤلفات العلمية العربية ، لترجمتها من قبل رهبان الدير الذي انحدر العديد منهم من أصل مستعرب.
8- المستعربون الذين كانوا يمثلون عنصراً فعالاً في الحياة الأندلسية ، في نقل الحضارة الإسلامية إلى اسبانيا وأوربا:
المستعربون الذين كانوا يمثلون عنصراً فعالاً في الحياة الأندلسية ، في نقل الحضارة العربية إلى اسبانيا النصرانية .
 والعصور الوسطى الاسبانية لم تكن تعرف الانفصال الجغرافي ولا العنصري بين المسلمين والنصارى حيث كانوا متعايشين سوية بروح التسامح، والمستعربون بحكم معرفتهم للغتين العربية واللاتينية الحديثة كانوا أداة اتصال بين شطري اسبانيا ، وهم منذ الفتح العربي الإسلامي لم ينقطعوا عن الهجرة إلى المناطق الشمالية في اسبانيا حيث إخوانهم النصارى ، وقد ازدادت هجرتهم في القرن السادس والسابع الهجري / الثاني عشر والثالث عشر الميلادي على عهد دولتي المرابطين والموحدين :
 فقد هاجر سكان بلنسية منها إلى قشتالة في عام (  496 هـ / 1102مـ) .
 وخرجت طائفة كبيرة من غرناطة مع جيش الفونسو الأول المحارب ملك ارغونة عام    519 هـ /1125مـ
وكما خرجت طائفة أخرى من اشبيلية إلى قشتالة عام   541  هـ / 1146مـ
وقد كان شأن هذه الهجرات وأمثالها انتشار الثقافة الإسلامية العربية بين نصارى الشمال الاسباني.

9- التجار والعلاقات التجارية المتواصلة:
فالتجار المسلمين الذين ظلوا قروناً يتاجرون مع الكثير من البلدان الأوربية ، ولقد دلت التنقيبات أخيراً على وجود عملات إسلامية في أوروبا الشمالية حتى فلندا.

10- الرحالة المسلمون:
لا ننسى الرحالة المسلمون الذين طافوا في مختلف أنحاء العالم ومنها أوربا أثر في نشر الحضارة العربية الإسلامية ، ثم فيماى أنتجته رحلاتهم من تراث جغرافي أو كتابات تخص تلك الشعوب والأقطار التي زاروها ، كرحلة ابن فضلان وأبو عبيد البكري.

11- التقارب السياسي والعلاقات الدبلوماسية:
حيث سعت العديد من الدول الأوربية إلى توطيد العلاقات مع الدول العربية الإسلامية في الأندلس لاسيما في عصر الخلافة الأموية ، في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر الذي اجتمعت في شخصه مواهب عدة أهلته لان يكون حاكماً ناجحاً ، فهو سياسي مرن وقائد شجاع وإداري صلب ، تمكن من خلق نظام قوي ومتين داخل الأندلس ، وتحقيق سمعة سياسية في الخارج ، أهلته لان يكون موضع إعجاب وتقدير الشخصيات المعاصرة له والتي سعت إلى صداقته وإقامة علاقات ودية معه.

وكانت الدولة البيزنطية في مقدمة الدول الساعية إلى توطيد العلاقات مع الأندلس ، وقد عاصر الخليفة الناصر من أباطرة بيزنطة الإمبراطور قسطنطين السابع المشهور عنه اهتمامه بالعلوم والآداب وكتب الأقدمين ، وقد وصلت سفارتين من الدول البيزنطية إلى الأندلس كانت الأولى سنة 336 هـ/ 947م ، حيث بالغ الناصر في تزيين بلاطه والاحتفال بالسفراء.
ورافقت هذه السفارة في طريق العودة بعثة من قبل الدول العربية في الأندلس كان على رأسها هشام بن هذيل يحمل جواباً من خليفته الناصر يؤكد على توثيق العلاقات بين البلدين ، وقد استغرقت سفارة ابن هذيل قرابة السنتين عاد بعدها إلى الأندلس.

12- الاستفادة من الأسرى المسلمين لنشر العلم وتعلمه:
كما كانت للمالك الاسبانية الشمالية علاقات دبلوماسية مع حكومة قرطبة على الرغم من ان الصراعات العسكرية هي التي كانت غالبة على العلاقة بين الطرفين ، إلا ان هذه الممالك كانت تدخل في وفاق عندما تكون عاجزة عن القيام بأي فعل عسكري تجاه الدولة العربية في الأندلس.
وحتى الحروب التي كانت دائرة بين الطرفين لعبت دوراً في التلاقح الفكري ، من خلال الأسرى ، إذ ما لبث البعض من أسرى المسلمين من علماء وأطباء ان تحولوا للعمل في بلاط أمراء الأسبان ، وفي الجانب الأخر أيضاً وقع بعض أسرى الأوربيين بيد المسلمين ، وعندما فك أسرهم نقلوا ما سمعوه وشاهدوه من تقدم حضاري في الأندلس.

13- ترجمة مؤلفات المسلمين العلمية:
حركة الترجمة ، والتي تعد قناة غير مباشرة ، ولكنها أثرت تأثيراً كبيراً في نقل أوربا من عصر الظلام والتخلف إلى عصر الانبعاث والتقدم.
بل كانت هي المؤثر الأكبر في نهضة أوربا على المدى البعيد.
وسأفرد لها موضوع خاص بها لأهميتها وأثرها الواسع في التأثير بنهضة أوربا.
وبعد:
فإن مظاهر تأثير الحضارة الإسلامية بالنهضة الأوربية واضحة لا ينكرها إلا:
جاهل ، أو متعصب، أو حاقد ومبغض، أو مقلد للغرب تابع لهم.
والذي علينا نحن المسلمين أن نفخر بانتمائنا إلى الإسلام، وأن نسير على درب العلم ونكون من المخترعين المبدعين، وأن نوضح وننشر للآخرين أثر الحضارة الإسلامية في أوربا ونهضتها وحضارتها وتقدمها.
والله أعلم .
المصادر:
- محمد عبد الرحمن مرحبا، الموجز في تاريخ العلوم عند العرب (بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1981)، ص10.
- كمال السامرائي، مختصر تاريخ الطب (بغداد، الدار الوطنية للتوزيع، 1984):1/13-20.
- محمود الحاج قاسم، انتقال الطب العربي الى الغرب (دمشق، دار النفائس، 1999، ص100).
- غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر(بيروت1979)  529، 530، خليل ابراهيم السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي (الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1986) ص383.
- جلال مظهر، حضارة الإسلام واثرها في الترقي العالمي (القاهرة، مكتبة الخانجي، 1974). ص486.
- مرحبا، الموجز في تاريخ العلوم، عند العرب، ص14.
- مارغريتا لوبيز غوميز، إسهامات حضارية للعالم الإسلامي في اوربا عبر الأندلس، الحضارة العربية الإسلامية في الاندلس،(بيروت،دار الرشاد،1969) تحرير: سلمى الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999): 2/1478، وقارن: عبد الرحمن علي الحجي، الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، ص22-24.
- محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، (القاهرة، 1960):2/457-460 ،0 عبد الرحمن الحجي،الحضارة الاسلامية في الاندلس،ص27-28.
- ينظر: ابن ابي زرع، الانيس المطرب بروض القرطاس (الرباط، دار المنصور للطباعة، 1972). ص203.
- عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص اخبار المغرب، تحقيق: محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي (ط2، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1978)، ص347.
- محمد العربي الخطابي، الطب والأطباء في الاندلس الاسلامية (بيروت، دار العرب الاسلامي، 1988): 1/29.
- محمود الجليلي، تأثير الطب العربي في الطب الاوربي، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 32، الجزء 3 ، 4،  ،1981 ،ص188. وينظر محمود الحاج قاسم، انتقال الطب العربي الى الغرب، ص23 -24.
- جلال مظهر، حضارة الإسلام، ص497، جوزيف رينو، تاريخ غزوات العرب، ترجمة وتعليق: شكيب ارسلان (بيروت، 1966)، ص296.
- خليل ابراهيم السامرائي وآخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، (بنغازي، دار المدار الاسلامي، 2004) ص477، عبد الرحمن الحجي، الحضارة الاسلامية في الاندلس، ص49 50، جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص497.
- زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة: فاروق بيضون وكمال دسوقي (بيروت، منشورات المكتب التجاري، د.ت)، ص140، خليل السامرائي واخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، ص477.
- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص386، السامرائي واخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، 477، 478
- سليم طه التكريتي "اوربا ترسل بعثاتها الى الاندلس"، مجلة الوعي الاسلامي، العدد 37 (الكويت: 1968)، ص90 وما بعدها (نقلاً عن السامرائي وأخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، 477، 478.).
- لطفي عبد البديع، الاسلام في اسبانيا، (القاهرة، 1961)، ص30، 31،مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية: 2/1478.
- سعيد عبد الفتاح عاشور، المدنية الاسلامية وأثرها على اوربا (القاهرة، 1963)، ص184، مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية: 2/1478.
- إبراهيم بيضون، الدولة العربية في اسبانيا (بيروت، 1978). ص307، السامرائي    وآخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، ص174.
- ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر (بيروت، مؤسسة جمال للطباعة والنئر،1979): 4/142، المقري، نفح الطيب، تحقيق: احسان عباس (بيروت، 1968):1/364.
- ابن عذاري، البيان المغرب، تحقيق: ج.س.كولان وليفي بروفنسال (بيروت، دار الثقافة، 1980): 2/215
- احمد بدر، تاريخ الاندلس، (عصر الخلافة) (دمشق،1974)، ص139، عبدالعزيز سالم، قرطبة حاضرة الخلافة في الاندلس (بيروت، 1972): 2/166
- المقري، نفح الطيب:1 /566، وينظر السامرائي واخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، ص175 – 158.
- احمد بدر، تاريخ الاندلس، ص142، وينظر: السامرائي وآخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، ص176، 177.
- الأندلس بوابة التواصل الحضاري العربي الإسلامي – الأوربي، أ.د.نهلة شهاب احمد.

Friday, November 27, 2015

الجيش في الاسلام وأنواع ألأسلحة،واستخدامهم للدبابة والمدفع والبارود قبل أوربا

الجيش في الاسلام وأنواع ألأسلحة،واستخدامهم للدبابة والمدفع والبارود قبل أوربا:

الاسلام دين عظيم، والحضارة الإسلامية لها وزنها الكبير في التاريخ، رغم إغفال دورها الريادي من قبل علماء الغرب الذين امتلئوا حقدا وبغضا على الإسلام، ولم يراعوا الحيادة العلمية والشفافية في دراسة التاريخ الإسلامي، وأنكروا دور الحضارة الإسلامية وأثرها على العلوم والمعارف وعلى الدول من حولها.

فكان إغفال أمرها شأنهم، وإنكار دورها عملهم، وذلك أن هؤلاء العلماء ارتبطوا بحقبة احتلال دول أوربا للعالم العربي والإسلامي من منطلق الكراهية والبغضاء، فكان الميل للجانب المظلم من قبل المستشرقين حالهم الذي لا ينفكون عنهم.

وليس عجبي من ذلك بقدر عجبي من أبناء الإسلام ومدعي الفكر والثقافة والمدرسين الذين تبنوا تلك الآراء السوداء، وباتوا ينشروها هنا وهناك.

أما المنصف وطالب الحق والحقيقة فلا يهمه حكومة فلان، ولا سياسة علان، إنما يتبع الحقيقة فيجاهر بها، فوجد من بين آلاف المستشرقين المخربين أفراد قلائل جاهروا بالحقيقة واعترفوا بفضل الحضارة العربية على أوربا وعلى نهضتها في معالمها  وأنواعها.

ومن معالم الحضارة الإسلامية (الجيش) فهو الحامي والمدافع والذي يصد العدوان وينشر الأمن والأمان والطمأنينة والسلام.

وسيكون حديثنا عن (الجيش في الإسلام)، وذلك نظرا لأهمية الموضوع وتبيانا لدوره وتطوره في ظل الإسلام.

كان الناس في أوائل أدوار تمدّنهم قبائل جندها رجالها، إذا احتاجت إلى قتال اجتمع الرجال من كل قبيلة بلا نظام ولا ترتيب.

وأول دولة نظّمت الجند الدولة المصرية الفرعونية. فقد جنّدت جيشاً من الزنوج والأحباش حوالي القرن العشرين قبل الميلاد أخضعت بهم سواحل البحر الأحمر لسيطرتها.

أما العرب قبل الإسلام فقد كانوا أهل بداوة لا نظام للجند عندهم، وإنما كانوا قبائل إذا أرادت إحداها حرباً جردت رجالها وفيهم الفرسان والمشاة ومعهم الأسلحة المعروفة في الجاهلية كالقوس والرمح والسيف.

فلما ظهر الإسلام انفرد المسلمون من العرب وغيرهم واتحدوا بجامع الدين يداً واحدة في محاربة أعدائهم فكانوا كلهم جنداً كبيرهم وصغيرهم، وكان أول جنود المسلمين المهاجرين فلما جاءوا المدينة اتحدوا مع الأنصار وصاروا جميعاً جنداً واحداً قائدهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بنفسه ورابطتهم المعاهدة والمؤاخاة وعددهم يومئذ قليل جداً.

مفهوم الجيش:
الجيش لفظ يُطْلَقُ على الجند، كما يُطْلَق على جماعة الناس في الحرب، وقيل: الجيش جند يسيرون لحرب أَو غيرها، ومثل غيره من أجهزة الدولة الإسلامية بدأ الجيش بداية متواضعة، ثم سرعان ما نما حتى وصل إلى مرحلة متقدِّمَة، وصار له نظامه الخاص.

الجيش قبل الإسلام
والحقيقة أن العرب قبل الإسلام لم يكن لهم نظام خاصٌّ للجند لبداوتهم، وإنما كان كل رَجُلٍ يَقْدِر على حمل السلاح يخرج للقتال إذا ما دَعَا الداعي؛ دفاعًا عن العشيرة والقبيلة، وكانت أسلحتهم السيف، والرمح، والقوس، وكان يقودهم زعيم من زعمائهم أَلِفَ القتال، وعُرِفَ بالشجاعة، وكثيرًا ما يكون رئيس القبيلة .

الجيش في النظام الإسلامي
ولما جاء الإسلام، وأُذِنَ للمسلمين في القتال والجهاد في سبيل الله، كان كل مسلم جنديًّا، وله من حُبِّهِ لدينه ما يدفعه إلى المبادرة إلى الجهاد، والاستشهاد في سبيل الله.

الجيش في عهد الراشدين:
وكان الرسولr هو القائد الأعلى لجيش المسلمين، وبعد وفاته كانت الأحوال قد تطوَّرَتْ، وميادين القتال قد كثرت، وتعدَّدت الجيوش في الأماكن المختلفة؛ فأصبح من العسير على الخليفة أن يقوم بمهمَّة القيادة بنفسه، فأسندها إلى مَنْ يَصْلُح لها ممَّن عُرِفَ بالشجاعة، والنجدة، والإقدام، والحزم، وحُسن التدبير، وقد كانت الطاعة واجبة لهؤلاء القوَّاد، وكان القوَّاد يعرضون الجند قبل لقاء العدُوِّ؛ حتى يطمئنُّوا عليهم وعلى عُدَّتهم، كما كان يفعل النبيr، ومتى انتهى القتال أصبحت مهمَّة القائد النظر في أمر الجند وتدريبهم، وتحسين معداتهم، والاستزادة منها.

وقد عني عمر بن الخطاب  بأمر الجند، وأنشأ لهم ديوانًا خاصًّا للإشراف على شئونهم ومختَلَف أمورهم؛ من بيان أسمائهم، وأوصافهم، وأعمالهم، وأرزاقهم، وحينما اتَّسَعَتِ الفتوح الإسلامية، وكثرت الغنائم، وأقبلت الدنيا على المسلمين، واستقرَّ الكثير منهم في المدن؛ خشي عمر  أن يَخْلُدَ بعضهم إلى الراحة والتقاعد عن الحرب، وأن ينصرفوا إلى الثروة، فتَقَدَّم إليهم بالانصراف إلى الجهاد، ورتَّب لهم ولأسرهم الأرزاق، وكان مَنْ يتأَخَّر منهم عن الجهاد بغير عذر يُعَيَّر، ويُلام لومًا يردعه، ويردع غيره.

وإلى عمر يرجع الفضل في إقامة الحصون والمعسكرات الدائمة لإراحة الجنود في أثناء سيرهم إلى عَدُوِّهم؛ فبُنِيَتِ الأمصار؛ كالبصرة والكوفة والفسطاط؛ لإراحة الجند، وصدِّ هجمات الأعداء.

الجيش في عهد الأمويين:
 وقد أتمَّ الأمويون ما بدأه عمر  من العناية بالجيش؛ فنظَّمُوا ديوان الجند، واعتنَوْا بالجيش، ولما استقرَّ لهم الأمر نهائيًّا حين تقاعد كثير من المسلمين عن الحرب والجهاد، أدخل عبد الملك بن مروان نظام التجنيد الإجباري.

أرسى المسلمون تقاليد عسكرية، وابتكروا الكثير من فنون القتال، فلم يكن العرب في جاهليتهم يعرفون نظامًا في الحرب، وكانوا يعتمدون طريقة الكَرِّ والفَرِّ، ولما جاء الإسلام ونزل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} .

 رتَّبَ المسلمون الجيوش ونَظَّمُوها، وخاصَّة حين اتَّسَعَتْ حركة الفتوح، والتقت جيوش المسلمين بجيوشٍ لها تاريخ في التخطيط والتنظيم؛ مثل: الفرس، والروم

فعَرَفَ المسلمون في تنظيم صفوفهم القتالية طريقة تُعْرَفُ بالكراديس، وتعني: الكتائب، أو الوحدات، وتقوم على تقسيم الجيش إلى خمس مجموعات رئيسية؛ هي: المقدِّمَة، ثم الميمنة، والميسرة، وقلب في الوسط، ثم كتيبة في الخلف تُعْرَفُ بالساقة أي المؤخِّرَة  

وتُعْتَبَرُ اليرموك،والقادسية، وأجنادين من المواقع الحربية التي تُعَدُّ مثالاً لغيرها في تعبئة الجيوش وحُسْنِ قيادتها. وقد تأسَّى الحلفاء الأوربيون في الحرب العالمية الأولى بما صنعه خالد بن الوليد  في موقعة اليرموك من توحيد القيادة، واختيار الموقع المناسب للمعركة .
 وكانت الدولة تتعهَّد الجند بكل ما يحتاجون إليه من سلاح ومؤن.
 وكان الجيش يتأَلَّف من الفرسان والرَّجَّالة.

الأسلحة في الجيش الإسلامي:

 وكانت هناك أنواع عِدَّة من الأسلحة:

 فكان منها الأسلحة الفردية الخفيفة، مثل: السيوف، والرماح، والأقواس، والسهام بأنواعها.
 والأسلحة الجماعية الثقيلة؛ مثل: المجانيق والدبابات التي كان يحتمي المحاربون بداخلها.
وأسلحة وقاية الجسم من ضربات العدُوِّ المختلفة؛ مثل: الخوذات، والدروع، والتروس.

وكانت هناك كذلك الأسلحة الكيميائية؛ حيث برع المسلمون في استخدام النار الإغريقية وطوَّروها، واكتشفوا في ذلك موادَّ حارقة ومتفجِّرة.

 ولما كان الخيل سلاحًا مهمًّا من أسلحة الجيش الإسلامي؛ فقد اهتمَّ المسلمون بتربيتها وتدريبها، كما اهتمُّوا بوقاية خيولهم أثناء الحروب، فألبسوها دروعًا تسمَّى تجافيف تُغَطِّي أبدانها، وتصدُّ عنها إصابات الأعداء.

وقد استخدم المسلمون منذ النبيr ما يُعرف بآلة "الدبابة" وهي آلة تُستخدم في ثقب حوائط الأماكن المحصَّنَة وتدميرها؛ فقد ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) أن "نفرًا من الصحابة دخلوا تحت دبابة، ثم زحفوا ليحرقوا جدار أهل الطائف.. "

واهتم الأمويون بصناعة المجانيق، حتى استطاع الحجاج بن يوسف الثقفي صُنْعَ منجنيق أسماه (العروس)، يحتاج إلى خمسمائة رجل لخدمته والعمل عليه، وقد سلَّم عددًا من هذه المنجنيقات إلى ابن عمه المجاهد القائد محمد بن القاسم الثقفي، ففتح بها مدينة الدَّيبُل (كراتشي) عام 89هـ، وعدة مدن أخرى في وادي السند.

وقد استحدث الجيش الإسلامي فرقة تُسمى بالنفَّاطة، وهم الذين يستخدمون النفط في الحرب من على أظهر الخيل، أو تعبئته ورميه في قارورات على العدوِّ، وانتشرت هذه الفرقة منذ العصر العباسي، وكثر الاعتماد عليها في وقت الحروب الصليبية، وقد ذكر ابن كثير في حوادث عام 586هـ أن الخليفة العباسي الناصر لدين الله أرسل للقائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله "أحمالاً من النفط والرماح ونفَّاطة ونقَّابين، كل منهم متقن في صنعته غاية الإتقان."

 الجيش الإسلامي أول من استخدم البارود:
والعجيب أن الجيش الإسلامي أول من استخدم البارود، وقد عرفه المسلمون قبل الغربيين، وليس كما يزعم بعض المستشرقين، أن الأوربيين قد استخدموه في حروبهم وعرفوه قبل المسلمين، فقد تمَّ استعماله لأول مرة في مصر، وذلك لتوافر مادة النطرون بكثرة فيها، وقد ذكر المقريزي في حوادث عام 727هـ أن البارود قد استُعْمِل بجوار النفط في حفل زفاف ابنة سلطان مصر الناصر محمد بن قلاوون، فقال: "وعمل قجليس في القلعة برجًا من بارود ونفط".

والظاهر أن المسلمين قد عرفوه قبل ذلك التاريخ بمدة كافية، فقد ذكر ابن خلدون أن المرينيين في المغرب استخدموه في حروبهم، خاصة في فتحهم لمدينة سجلماسة، فذكر أن سلطانهم يعقوب بن عبد الحق قد نصب على المدينةِ "هندام النفط القاذف بحصى الحديد، ينبعث من خزانة أمام النار الموقدة في البارود ... وكانت هذه الحادثة عام 672هـ.ونحن في عام (1437).

 ومما يبدو أن المسلمين قد عرفوا "المدفع" في حروبهم-كما يذكر ابن خلدون هنا- منذ القرن السابع الهجري، فاستخدموا حصى الحديد (القنابل الصغيرة)، التي كانت تنطلق بقوة البارود المفزعة؛ ولذلك تعجَّب ابن خلدون من هذه القوة، وهو ما يبدو في وصفه السابق.

 واستخدم المماليك المدافع بكثرة في حروبهم، وجعلوا منها أنواعًا متعددة:
 فمنها المدفع أو المكحل الكبير.
 ومنها المدفع الصغير.

 وقد وصف لنا القلقشندي في  كتاب"صبح الأعشى" مكاحل البارود، فقال:
 "وهي المدافع التي يُرْمَى عنها بالنفط، وحالها مختلف، فبعضها يُرْمَى عنه بأسهم عظام، تكاد تخرق الحجر ببندق، وبعضها يَرْمِي عنه من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل، وقد رأيتُ بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله، بها مدفعًا قد صُنِعَ من نحاس ورصاص، وقُيِّد بأطراف الحديد، رمي عنه من الميدان ببندقة من حديد عظيمة محماة، فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر وهي مسافة بعيدة".

وبناء على قول القلقشندي السابق، نرى أن هناك نوعين من المدافع؛ نوع تخرج منه السهام الكثيفة، غاية في السرعة والقوة، ونوع آخر تخرج منه البنادق، أو ما يُسمى بكريات الحديد الملتهبة، وكلا النوعين يُلقي قذيفته بسرعة بالغة، وعلى مسافات بعيدة، ومشاهدة القلقشندي هذه تمت في حدود عام 775هـ؛ مما يُدلل على أسبقية ابتكار المسلمين لآلات الحرب منذ فترة مبكرة جدًّا.

إن الجيش في الإسلام مرتبط بفرض عظيم فرضه الله علينا وهو الجهاد الذي فرض لإزالة الحواجز المادية التي تحول دون انتشار الإسلام بين البشر ليعمهم الخير ويتخلصون من شقاء العبودية لغير الله، والجهاد هو القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله

وقد تطور الجيش الإسلامي بزيادة عدده وعدته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حريصين كل الحرص على مواكبة التحديثات التي تطرأ في المجال العسكري وعاملين من اجل الحصول على التفوق في هذا المجال.

لا يمكن لأحد أن يُنْكِر تاريخ انتصارات المسلمين في حضارتهم على قوى تَفُوقُهم عددًا وعُدَّة، في مواقع متعدِّدَة وفاصلة، وهو ما يعكس مكانة وطبيعة الجيش في الحضارة الإسلامية؛ من حيث التنظيم العلمي المدروس، والتخطيط الذكي، والاستعداد الدائم، والعُدَّة العسكرية المبتكرة والمتواكبة مع العصور المختلفة.

هذا هو الجيش الإسلامي، ولا يكون غير هذا، المتوكل على الله بالنصر والفتح والتمكين، والمعتمد على نفسه في العدة والعتاد، والأول في الصناعة العسكرية، والضربات الاستباقية، والتلبيات العاجلة للاستغاثات انطلاقا من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الأنفال72، إنه جيش الإسلام المنصور، حامي الثغور، ودافع الشرور، ومثال الأخلاق.

والله أعلم.

قال أحمد شوقي:
هذا هلالكم تكفَّل بالهدى *** هل تعلمون مع الهلالِ ضَلالا
صوت الحضارة حِقْبة في ضوئه *** ومشى الزمانُ بنوره مختالا
وبنى له العرب الأَجَاود دولة *** كالشمس عرشًا والنجوم رجالا
رفعوا له فوق السِّمَاك دعائمًا *** مِن عِلْمِهم ومن البيان طِوَالا


المصادر والمراجع:

- ابن منظور: لسان العرب،دار الفكر بيروت 1991م ط3، مادة جيش 6/277.
- أبو زيد شلبي: تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، دار السلام عمان 1996 ط2، ص150 وما بعدها.
- كمال عناني إسماعيل: دراسات في تاريخ النظم الإسلامية،دار المحبة دمشق 2007م ص167. وما بعدها.
- ابن كثير: البداية والنهاية،دار الفكر دمشق 1994م ط3، 4/399،و12/409.
- شوقي أبو خليل: الحضارة العربية الإسلامية،دار الفكر دمشق 1996م ط5، ص362.
- المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك،دار الحديث، القاهرة 1999م ط2، 3/101.
- ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر، دار ابن خلدون، تونس 2001م ط5، 7/188.
- القلقشندي: صبح الأعشى،دار المنارة، صنعاء، 1995م ط4، 2/153.
-ديوان أحمد شوقي