Thursday, May 22, 2014

مصر و مصرا الفرق بينهما في القرآن الكريم



(مصر و مصرا) الفرق بينهما في القرآن الكريم:
لا يخفى على المتأمل في ألفاظ القرآن وجود فروقات في معاني الكلمة المتحدة الحروف مختلفة التشكيل، إذ أن ذاك إنما جاء لحكمة أرادها الله ولمعنى لطيف ولسر بليغ أودع فيها، تظهر للمتدبر المتمعن في آيات القرآن الكريم تطبيقا لقوله ( ليدَّبروا آياته) وإظهاراً لمعاني [ تفكر ساعة خير من عبادة سنة- بأداء النوافل-] ذلك أن التدبر في القرآن الكريم يشحذ العقل ويصقله بمعاني خالدة وراقية ترفع من مستوى إيمان المسلم، وتوجه ذاته وجسده إلى القيام بفرائض الله وأوامره والابتعاد عن نواهيه ومحارمه.
ومنذ أنْ تجنب المسلمون معاني القرآن دراسة وتأملا، نشرا ودعوة، عملا وتطبيقا، تاهوا في مناحي الحياة، وتلفتوا يمنة ويسرة يأخذون من هنا ومن هناك، فتخبطوا خبط عشواء، وأصبحت الحكومات -وإن ادعت الإسلام أو السير على منهج السلف – بعيدة عن الإسلام محاربة له في السر أو العلن أو كليهما، وأصبحت دمى متحركة في مسرح عرائس الغرب تحركها اليهود أحيانا والغرب حيناً، فتقضي على أي توجه إسلامي يريد للإسلام أن يعلو، فتنشر الشائعات وتعمل على محاربته بكل الطرق المختلفة.
ولا عزة للمسلمين إلا بالرجوع للإسلام وتطبيقه بالدعوة له بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الصالحة اللطف والرفق، ونشر تعاليمه السمحة الهادية، بتدبر القرآن الكريم تفهم معانيه (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) .
والناظر للقرآن الكريم يجد فرقاً لطيفاً بين كلمتي (مِصْرَ و مِصْراً).
فهناك فرق بين (مِصْرَ) الممنوعة من الصرف، وبين (مِصْراً) المصروفة، في الاستعمال القرآني، ولا وزن لقول مَن جعلهما بمعنى واحد،إذ لا ترادف في كلمات القرآن، إذ لكل كلمة معناها حسب سياقها في القرآن الكريم.
(مصر): هي بمعنى: القطر المعروف بـ(مصر).
وردت كلمة (مصر) الممنوعة من الصرف أربع مرات في القرآن الكريم:
1- أشار القرآن إلى اشتراء (عزيز مصر) ليوسف ( قال الذي اشتراه من مصرَ لامرأته أكرمي مثواه)[ يوسف/ 21].
2- وقال يوسف لواديه وإخوته لما وفدوا إليه بعد أن صار عزيز مصر ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرَ إن شاء الله آمنين)[يوسف/99].
3- ولما اشتدت المعركة بين موسى عليه السلام وبين فرعون،استنفر فرعون قومَه ضد موسى وامتنَّ عليهم بملكه (مصر) ( ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)[ الزخرف/51].
4- بعدما آمن السحرة بموسى وهددهم فرعون وبدأ في إيذاء أتباع موسى ،أمر موسى قومه المؤمنين أن يختاروا لهم بيوتا في مصر(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصرَ بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة)[يونس/87].

المراد بكلمة (مصر) في هذه المواضع الأربعة، هو القطر المعروف،الذي يجري فيه النيل وعاصمته القاهرة.
إن أحداث قصة يوسف عليه السلام جرت في مصر، وإن الأحداث التي وقعت بين موسى وفرعون حدثت في مصر.
إذن كلمة(مصر) الممنوعة من الصرف،وردت أربع مرات في القرآن الكريم،وهي مُعَرَّفَة،أُطلِقَت على القطر المعروف.

نأتي لكلمة (مِصْراً) وهي تعني : أيَّ قطر،غير محدد.
وقد وردت هذه الكلمة (مِصْراً) في القرآن مرة واحدة.
لقد أنجى الله بني سرائيل من فرعون،وأسكنهم في (سيناء) وظلل عليهم الغمام ،وفجَّر لهم فيها العيون،وأطعمهم فيها(المَنَّ والسلوى)، لكنهم ملّوا هذا الطعام الشهي اللذيذ،وطلبوا الحصول على البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل ،(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ  اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ  ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[البقرة/61].
وكلمة (مِصْراً) المصروفة في الآية ليست هي الإقليم المعروف،وإنما هي نكرة تنطبق على أي مِصر أو قُطر.
ومعنى (مِصر) في اللغة هو: القطر أو المدينة أو القرية.
ومعنى قول موس لبني إسرائيل(اهبطوا مِصراً) أن ما تطلبونه من الخضروات غير متوفر في الصحراء،فاذهبوا ل أيّ مِصر أو بلد أو قرية،فستجدون فيها ما تريدون.
وقَالَ لَهُم ادْخُلُوا مِصْراً مِنَ الأَمْصَارِ ( أَي ادْخُلُوا أَيَّ بَلَدٍ مِنَ البُلْدَانِ ) فَإِنَّكُمْ وَاجِدُونَ فِيهِ مَا سَأَلْتُمْ ، وَهُوَ لاَ يَسْتَحِقّ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ فِيهِ .
قال موسى -مستنكرًا عليهم-: أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا، وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أي مدينة، تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق.
و نلاحظ هنا أن مصر جاءت منوّنةً، { اهبطوا مِصْراً } بالتنوين . . هل مصر هذه هي مصر الواردة في الآيات المشار إليها؟ . . نقول لا . . لأن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث . . إذا كان لبقعة أو مكان . . مرة تلحظ أنه بقعة فيبقى مؤنثاً . . ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكرا . . فإن كان بقعةً فهو علم ممنوع من الصرف . . وإن كان مكانا تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث . . ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن الله صرفها في القرآن الكريم، وكلمة مصر تطلق على كل مكان له مفتي وأمير وقاض . . وهي مأخوذة من الاقتطاع . . لأنه مكان يقطع إمتداد الأرض الخلاء . . ولكن الثابت في القرآن الكريم . . إن مصر التي لم تنون هي علم على مصر التي نعيش فيها . . أما مصراً التي خضعت للتنوين فهي تعني كل وادٍ فيه زرع . .

 وتنوين(مِصْراً) هو تنوين (التنكير) : وهو التنوين الذي يلحق النكرة تمييزا لها عن المعرفة.

إذن: كلمة (مِصْراً) المصروفة في القرآن: لا تعني القطر المعروف ، بل تعني أيَّ قطر أو إقليم أو بلد، لتوافر ما طلبوه في أيِّ من ذلك وتنويها تنوين تنكير يدل على عمومها.
أما كلمة(مصر) الممنوعة من الصرف ،هي مُعَرَّفَة،أُطلِقَت على القطر المعروف.

فكم في القرآن من كلمات ذات فروق تظهر للمتأمل وتعطي جمالا ورونقا في المعاني وفي الارشادات والتوجيهات، كما تُظهر مسحة جمال على جمال ونور على نور تنبعث من هذه الآيات لتدخل القلب فتغمره بالإيمان، فتتحرك الأعضاء للعمل بما أمر الله والابتعاد عما نهى عنه.
وجدير بكل مسلم أن يجعل أوقات فراغه مصروفة في تلاوة القرآن الكريم وتدبره وتعلمه وتعليمه وتطبيقه، وأن يجعل من القرآن الكريم (مِصْراً) له يسكن فيه متأملا متدبرا،يجول في آياته ويتعرف على ألفاظه ويُمعِن النظر في مرامي سوره، ويستنبط منه ما ينفعه في حياته.

والله أعلم.
يقول أحدهم:
هذا القرانُ به تحيى خواطرُنا*** يُحرِّك القلبَ ترغيبًا وترهيبا
ويَملأُ النفسَ إحساسًا بواجبها*** فلا تَسَلْ عن سرورٍ آضَ تثريبا
وعن فؤادٍ وَعَى فاجتثَّ آفتَهُ*** وكادَ يبخعُ تلك النفسَ تأنيبا
فيا غمامَ الهُدَى أمطِرْ مسامِعَنا*** أشبِعْ رغائبَنا فِقهاً وتأديبا
صوِّبْ إلى كُلِّ قلبٍ سهمَ موعظَةٍ*** بها يُصَوَّبُ للإيمانِ تصويبا
يا خالقَ الخلقِ دمِّر مَن يُحاربُنا*** عذِّبْهُ يا بارئ الأكوانِ تعذيبا
واقبَلْ أيا قابِلاً للتَّوبِ توبتَنا*** صَيِّرْ علينا سحابَ العفو ِمسكوبا
المصادر:
-القرآن الكريم.
- أيسر التفاسير لأسعد حومد
- التفسير الميسر ،مجموعة من العلماء - عدد من أساتذة التفسير
- التفسير الوسيط ، محمد سيد طنطاوي
-لطائف القرآن لصلاح الخالدي.
- تفسير الشعراوي.
- تفسير القرطبي.
-المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
- القاموس المحيط للفيروز آبادي.

Tuesday, May 13, 2014

(الأَمْن و الأَمَنَة) في القرآن فروق تشعل في القلب الإيمان



(الأَمْن و الأَمَنَة) في القرآن فروق تشعل في القلب الإيمان:
أعظم الأعمال التقرب لله تعالى، والتماس عفوه ورحمته، والذل بين يده عزٌّ، والوقوف على بابه رفعةٌ، و طلب المغفرة والرحمة من الله بتضرع وخشوع وذل وخضوع يزيد في إيمان المسلم، ويعظم في قلبه خوف الله وخشيته، فيبتعد المسلم عما يُغضِب الله من المعاصي والآثام، ويتقرب المسلم من الله بالأعمال التي يحبها والأفعال التي يرضاها، وأولها وأفضلها، تلاوة القرآن الكريم، والتدبر في معانيه، والتمعن في مراميه، والتبصر بهدايته، والتعرف على بلاغته وبيانه. وفي الحديث الذي في سنن الترمذي :[ ما تقرب العباد إلى الله بأفضل مما خرج منه ] يعني القرآن الكريم، تقربٌ بتلاوته وحفظه ودراسته وتعلمه وتعليمه ونشره، والعمل بما جاء فيه من أوامر ووصايا والبعد عمن جاء فيه من نواه ومحرمات .
فيا مَنْ يبتغي مجداً وفخراً ***دليلَ المجدِ قرآن مبينُ
ويا مَنْ يبتغي خلاً وفياً *** تيممْ شطره نِعْمَ القرينُ

وكثيراً ما ينسى المسلم أهمية قراءة القرآن الكريم وتدبره وتعلمه في خضم هذه الحياة ذات الإيقاع المتسارع والأحداث المتتالية فيغيب عنه تصفح القرآن وتلاوته ودراسته، فيفقد خيراً كثيرا هو أحوج إليه في الحياة الآخرة مما هو مشغول عنه في الحياة الدنيا.
فعفواً إن بدا منّا قصورٌ *** فحقك في قرائحنا مصونُ

والقارئ للقرآن يلفت انتباهه كلمتي: الأمن و الأَمَنَة، ووردهما في القرآن الكريم في مواضعهما يستدعي الانتباه والالتفات.

قد يعتبر بعضهم (الأَمْن و الأَمَنَة) بمعنى واحد وهذا أمر غير صحيح.
إذ كليهما لهما معنى مختلف دقيق.
الأمن: الطمأنينة مع زوال سبب الخوف:
لو دققنا في كلمة(الأمن) ووردها في السياق القرآني في مواضعها لرأينا أنها تقرر وصول الأمن والأمان للإنسان، فقد وردت خمس مرات.
من ذلك قوله جلَّت حكمتُه ( فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون*الين آمنوا ولم يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [الأنعام/81-82].
جاءت هذه الآية تبين للذي هددوا وخوفوا سيدنا إبراهيم بالعذاب والنكال، أن الأمن يحصل للذين آمنوا ولم يخلطوا الإيمان بشرك وكفر، فقال (أولئك لهم الأمن) ومعناه : حصولهم على الأمن و تمتعهم به، وزوال الخوف أسبابه عنهم.

وقال الله علّت كلمتُه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا).[ النور/55]
في هذه الآية تصريح واضح وبيان جلي، بتبديل الأمن بعد الخوف، وزوال اسبابه ومسبباته، ليكون المؤمنون في أمن كي يقوموا بمهمام الاستخلاف في الأرض من عمارة ونشر دين الله وبث الخير والسعادة .
حتى إن الأمر قد بلغ بالمهاجرين والأنصار أنهم لا يبيتون إلا بالسلاح ، ولا يصبحون إلا بالسلاح مخافةَ إنْ ينقضَّ عليهم أعداؤهم ، حتى إن أحد الصحابة يقول لإخوانه : أتروْنَ أنَّا نعيش حتى نأمن ونطمئن و لانبيت في السلاح ونصبح فيه ، ولا نخشى إلا الله؟ يعني : أهناك أمل في هذه الغاية؟
وآخر يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون . ؟ ألاَ يأتينا يوم نضع فيه السلاح ونبيت آمنين؟
وهم الذين قالوا : نبيت في السلاح ، ونصبح في السلاح ، فيبدلهم الله بعد هذا الخوف آَمْناً ، فإذا ما حدث ذلك فعليهم أنْ يحافظوا على الخلافة هذه ، وأنْ يقوموا بحقها { يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك فأولئك هُمُ الفاسقون } [ النور : 55 ] .

وإنما قال : ( وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ) ولم يقل : وليؤمننهم ، كما قال في سابقَيْه لأنهم ما كانوا يطمحون يومئذٍ إلا إلى الأمن ، كما ورد في حديث أبي العالية المتقدم آنفاً ، فكانوا في حالة هي ضد الأمن ولو أعطوا الأمن دون أن يكونوا في حالة خوف لكان الأمن منة واحدة . وإضافة الخوف إلى ضميرهم للإشارة إلى أنه خوف معروف مقرر .
وتنكير ( أمناً ) للتعظيم بقرينة كونه مبدّلاً من بعد خوفهم المعروف بالشدة . والمقصود : الأمن من أعدائهم المشركين والمنافقين . وفيه بشارة بأن الله مزيل الشرك والنفاق من الأمة .

(وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) أي وليجعلنهم بعد الخوف من الكفار في حالة أمن وسلام ، وقد أنجز اللّه وعده لهم بما ذكر ، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه في مكة عشر سنين خائفين ، ثم هاجروا إلى المدينة ، وبقوا مستنفرين في السلاح صباح مساء ، حتى أنجز اللّه وعده ، فغلّبهم على العرب كلهم ، وفتح لهم بلاد الشرق والغرب. وفيه دليل على صحة النبوة بالإخبار عن الغيب على ما هو به ، وعلى صحة خلافة الراشدين.

هذا ما كان من شأن الأمن بمعناها الطمأنينة مع زوال سبب الخوف.
واللفظة الثانية هي (الأَمَنَة) .

الأَمَنَة: الطمأنينة مع وجود سبب الخوف:
كلمة (أمَنَة) وردت مرتين في الفرآن الكريم، وفي هاتين المرتين كانت في سياق واحد، متحدثة عن موضوع واحد.
إذ أن كلمة (أمَنَة) تتحدث عن: تثبيت الله للمسلمين في معاركهم مع الكفار، وإنزالِه سبحانه وتعال الجنودَ الربانيين ليكونوا معهم، مثل الملائكة والمطر والنُّعاس.
قال الله سَمَت آياتُه في غزوة بدر :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) [الأنفال/11]
والنعاس عبارة عن السِّنة الأولى التي تأخذ الإنسان عندما يحب أن ينام ، ويسميها العامة في مصر « تعسيلة » ويقولون : « فلان معسل » أي أخذته سِنَة النوم ، وهي ليست نوماً بل فتور في الأعصاب يعقبه النوم ، وهذا من آيات الله تعالى في أن يهب الإنسان راحة مؤقتة.
وهنا أنزل الله عليهم النعاس بمثابة مقدمة للنوم ليستريحوا قليلاً . ونعلم أن النوم آية من آيات الله عز وجل في كونه؛ لأن الجسم حين يعبر عن نفسه بالحركة والطاقة ويأكل الغذاء ويشرب الماء ويتنفس الهواء ، كل ذلك يتحول إلى طاقة ثم إلى وقود للحركة .
وقد يتبادر إلى الأذهان سؤال هو :
وهل هناك نعاس غير أمنة؟ والجواب نعم؛ لأنه مجرد الراحة من تعب لتنشط بعدها ، هذا لنفهم أن « أمنة » جاءت لمهمة هي تهدئة أعماق المؤمنين في المهيجات المحيطة ، فهذا عدو كثير العدد ، وهو بلا عتاد؛ لذلك شاء الحق تبارك وتعالى ألا يضيع منهم الطاقة اللازمة للمواجهة ، ولا تتبدد هذه الطاقة في الفكر؛ لذلك جعل نعاسهم مخصوصاً يغلبهم وهو « نعاس أمنة » ، وجعل المولى عز وجل من هذا النعاس آية ، حيث جاءهم كلهم جميعا ، وهذه بمفردها آية من آياته سبحانه وتعالى ولو غلبهم النوم العميق لمال عليهم الأعداء مَيْلًة واحدة ، ولكنهم أخذوا شيئاً من الراحة التي فيها شيء من اليقظة .
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً } .
وهنا النعاس مفعول به ، وهو أمنة من الله ، وسبحانه يقول في آية أخرى : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً } [ آل عمران : 154 ] .
هنا في آية الأنفال نعاس وأمنة ، وهناك في آية آل عمران أمنة ونعاس؛ لأن الحالتين مختلفتان - 
فتوضح آية آل عمران أن النعاس قد غشى طائفة واحدة من المقاتلين في غزوة أحد بعد أن أصابهم الغم في هذه الغزوة ، وهؤلاء هم المؤمنون الصادقون الملتفون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
 أما في سورة الأنفال فتبين الآية أن النعاس قد غشى الجيش كله حيث كان الجميع على قلب رجل واحد والإيمان يملأ قلوبهم جميعا ولا يوجد بينهم منافق أو مرتاب فغشيتهم جميعا هذه الأمنة بالنعاس؛ لأنه يزيل الخوف ، ومن دلائل الأمن والطمأنينة والثقة بنصر الله .


وفي معركة أحد ،أنزل الله على المؤمنين النعاس،ليزول غمهم ويشعروا بالأمَنَة فقال الله تبارك مُلْكُه(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ) [آل عمران/154].
لقد جعل الله النعاسَ يغشى المؤمنين المقاتلين في بدر وأحد ليزيلَ عنهم الشعور بالخوف والغمّ الذي أصابهم ليكونوا على استعداد للقتال ومنازلة الأعداء.

كلمة { أَنزَلَ } تدل على أن هذا عطاء عُلوي ليس له شأن بالأسباب المادية ولا بالقوانين البشرية؛ لأن النوم عرض من الأعراض التي تطرأ على الأحياء ، هذا العرض تستوجبه عمليات كيماوية في نفسك ، وهذه العمليات الكيماوية حتى الآن لا يعرفون ما هي ، وأقصى ما فُهم منه أنه ردع ذاتي لجسم الإنسان . فكأن الجهاز المتحرك المكون من مخ يعمل ، وعين ترى ، وأذن تسمع ، وحواس وحركة هذا الجهاز له طاقة ، ساعة تنتهي منه الطاقة ، لا يقول لك : أنت الذي تترك العمل . لا ، بل يقول لك : أنا لم أعد صالحا للعمل . إنه ردع ذاتي ، مثلما يريدون أن يصلوا إليه الآن في مجال الآلآت بمجرد فصل تيار الكهرباء آليا عن تلك الآلآت فهي تتوقف .
فالردع الذاتي هو في النوم ويأتيك النعاس . وتبين بالبحث العلمي أن هناك أشياء في الجسم لا تخرج كفضلات . بل تحتاج إلى التعادل والتوازن الكيميائي . ونحن نعلم أن هناك بقايا كنتيجة للحركة ، وهناك احتراق للطاقة ، وكل حركة فيها احتراق ، وبقايا هذا الاحتراق تخرج مرة على هيئة بول ومرة يخرج غائطا ومرة يخرج مخاطاً ، وهكذا ، إذن كثير من هذه الفضلات هي نتيجة عمليات الاحتراق ، لكن هناك أشياء لا نريد لها أن تخرج ولكن نريدها أن تتعادل ، فعندما تنام لا يوجد لك حركة وتبتدئ الكيماويات داخل الجسم في التعادل ، وهذا هو ما يفعله لك النوم الذي تستوجبه أسبابك المادية .
وصاحب الهم والغم لا ينام أبدا؛ فهو يسهو عن نفسه ويرهق جسمه أكثر وتكون المصيبة كبيرة عليه ، وهنا ينزل الحق فضله عليكم بالنوم لأن أسبابكم لا تساعد أيا منكم على أن ينام .
وإن الحق قد أنزل عليهم نعاسا ليؤمنهم فلم ينشأ النوم هنا من حركة الاختيار ، ولكن الله أنزله ، ومعنى « أنزله »؛ أنه بعث رحمة جديدة من السماء ليُخرج القوم الذين أصابهم الغم على ما فعلوا مما هم فيه . ولذلك قال أبو طلحة : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد فكان السيف يسقط من أحدنا فيأخذه ثم يسقط فيأخذه .
إذن فهي عملية قسرية . والنعاس حينما ينزل من الحق سبحانه وتعالى يكون عملية إنقاذ من حركة فاتت فرصتها على النفس البشرية فعوضها الله.
و نجد أن الإمام عليًّا - رضوان الله عنه وكرم الله وجهه - حينما سُئل عن أشد جنود الله؟ بسط يديه وقال : أشد جنود الله عشرة : الجبال الرواسي ، والحديد يقطع الجبال ، إذن فالحديد أشد من الجبال ، والنار تذيب الحديد ، والماء يطفئ النار ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء ، والريح يقطع السحاب ، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب أو الشيء ويمضي لحاجته ، والسُكر يغلب ابن آدم ، والنوم يغلب السُكر ، والهم يغلب النوم ، فأشد جنود الله « الهم » .
إنه من المعروف أن الخائف لا ينام، ولا يأتيه النوم ولو استجلَبَه كما أن المغموم لا ينام ولا يطيب له النوم وهو في فكر مستمر بغمه مشغول بهمه،يحسب ويضرب أخماس بأسداس.
لكنَّ الله تباركت نِعَمُهُ جعل الصحابة الخائفين في بدر ينعسون كي يزيل عنهم مشاعر الخوف، و جعل الصحابة المغمومين في أحد ينعسون ليزيل عنهم شعور الغمّ.
لكن هل زالت عنهم في غزوة بدر وأحد أسباب الخوف؟
إن أسباب الخوف ما زالت موجودة لأنهم في الميدان على أرض المعركة وهي ما زالت مستمرة مع الأعداء.

إن(الأَمَنَة) هي شعور المجاهد بالأمان والطمأنينة أثناء خوضه المعركة، فهي أمر معنوي نفسيّ شعوريّ داخليّ، لكن أسباب الخوف والخطر ما زالت موجودة حول هذا المجاهد الذي يقاتل الأعداء في الخارج.
فهو يقاتلهم بوجود أسباب الخوف إلا أنه يشعر بالأمان والطمأنينة لزوال شعوره بالخوف.

إذن : الفرق بين الأمْن والأمَنَة :
الأمن: هو شعور المؤمن بالأمن والأمان مع زوال أسباب الخوف والخطر مِن حوله في الخارج.
أما الأَمَنَة: فهي شعور المؤمن بالأمن والأمان مع بقاء أسباب الخوف والخطر مِن حوله في الخارج، لأن الأَمَنَة لم تُستَعمَل في القرآن إلا في سياق خوضِ المعارك.
فما أعظم هذا القرآن الكريم الذي يوضح للمسلم سبيل الهداية ويوصله لبر الأمن والأمان ويجعله في دائرة الأمَنَة مؤيدا بالله منصورا.

والله أعلم.
قال أحدهم:
كتابُ اللهِ شَعّ هُنا ضِياهُ *** وأورثهُ الإلهُ مَنِ اصطفاهُ
له تنقاد قافيتي ونثري ***وأمْنِيتي لأمّتِنا اقتفاهُ
هو الهادي الأمينُ لكلِّ خيرٍ *** فلن نَرضى بديلاً عن هُداهُ
هو الحقّ المبينُ فليس شرعٌ *** يَروق لِمن تَعلّمه سِواهُ
فَهَاؤُمْ فاقرؤوهُ فإنّ فيهِ*** سعادةَ سامعيهِ ومَن تلاهُ
ففي الدنيا يَنالُ به المعالي*** وفي الأخرى يَنالُ به مُناهُ
وما في الكون أرقى منه نظماً*** ولا في الكونِ أزكى مِن شذاهُ
سيُضحك مَن يحاكيه الثكالى*** ويهلك كلّ من يغشى حِماهُ

المصادر:
- القرآن الكريم.
-تفسير الشعراوي.
- لطائف قرآنية لصلاح الخالدي.
- تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
- التفسير  المنير لوهبة الزحيلي.

Thursday, May 8, 2014

الجسم والجسد في القرآن الكريم فروق وتقارب



الجسم والجسد في القرآن الكريم فروق وتقارب:

يبحث المسلم عن السعادة في زوايا مختلفة من الأفكار، وفي مناحي متعددة من الكتابات والحكم؛ التي تصدر من الغرب أو الشرق، وعنده أفضل مصدر للسعادة، وأوحد منبع لها يفيض بمعانيها ويخبر بطرقها وهو القرآن الكريم وما وافقه من صحيح السنة النبوية.

وخطأ كبير من المسلم أن يتوجه لغير القرآن ليبحث عن السعادة والتقدم والتحضر، لأن القرآن الكريم كلام الله وبلاغه للبشر، وهو خالقهم وأعلم بما يصلح لهم، فكان التوجه للقرآن لاستلهام معاني التقدم والتحضر أمرا واجبا لا محيص عنه، وهذا لا يعني ألا نستفيد من تجارب الأمم، بل نأخذ منها ما يوافق ديننا ويعلي شأننا ويرفع مكانتنا، وهذا أمر قام به الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان.

ومن ينظر للقرآن الكريم نظرة تأمل وتدبر يرى طرق السعادة تظهر ، ومسالك الخير بادية.
وعلى هذا النحو فإن السعادة تبدأ من القلب حين يفيض بالحب والخير لكل الناس، ومن مظاهره التأمل في آيات القرآن الكريم، والتدبر فيها والتمعن بها، واستجلاء بلاغتها وبديع بيانها وبيان بديعها، مما يُضرِم في القلب نار الحب لله الذي يتمثل بالأخلاق الصالحة والصفات الحسنة المؤدية لكل خير ولكل برّ.

والناظر في القرآن الكريم يشاهد ورود لفظتي (الجسم) و(الجسد) فهما كلمتان متقاربتان في الحروف وفي المعنى،وتُطلقان على بدن الإنسان.
لكن هناك فرق بينهما في القرآن الكريم،إذ هناك حالة يُسمى بدن الإنسان جسما، وحالة أخرى يسمى جسدا.
الجسم: هو البدن الذي فيه الحياة تتحرك وتفيض.
أما الجسد : فهو البدن الذي هو جثة هامدة ميتة لا تتحرك خامدة .

وأنبه إلى أن المتعارف عليه أن الجسم والجسد كلمتان ذات معنى واحد تطلقان على البدن الحيّ الذي فيه حياة، وهذا خطأ، لما سنتعرف عليه من الفرق بين الجسم والجسد في القرآن الكريم.

أما الجسم بمعنى: البدن فيه الحياة، فقد وردت كلمة الجسم مرتين في القرآن الكريم، قال الله عز وجل عن "طالوت" مبينا مؤهلاته ليكون ملكا على بني إسرائيل( إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)[البقرة /247].
وقال الله عز وجل عن اهتمام المنافقين بأجسامهم على حساب قلوبهم،واهتمامهم بالصورة والشكل على حساب المعنى والمضمون( وإذا رأيتَهم تُعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم،كأنهم خُشُبٌ مُسَنَدَّة).
والجسم هو الطويل العريض العميق وذلك أنه إذا زاد في طوله وعرضه وعمقه قيل إنه جسم وأجسم من غيره فلا تجئ المبالغة من لفظ إسم عند زيادة معنى إلا وذلك الاسم موضوع لما جاءت المبالغة من لفظ إسمه ألا ترى أنه لا يقال هو أقدر من غيره إلا والمعلومات له أجلى.
نلاحظ من الآيتين أنهما تتحدثان عن الأحياء،فطالوت ملك حي، والمنافقون أحياء يتكلمون، وجاءت كلمة (الجسم) معبرة في هذه الحالة على الأبدان الحيَّة.

أما كلمة الجسد: بمعنى البدن ذو جثة هامدة، فقد وردت في القرآن الكريم أربع مرات.
وردت مرتين في وصف العِجل(التمثال) الذي صنعه (السامريّ) من الذهب لبني إسرائيل، ودعاهم إلى عبادته مستغلا غيبة موسى عليه الصلاة والسلام.
قال الله تبارك مُلكُه (واتَّخذ قومُ موسى مِن بعده مِن حُلّيهم عِجلا جسداً له خوار)[الأعراف/148].
وقال الله جلّت حكمتُه ( فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي*أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ) [ طه/88-89]

والمرة الثالثة :أطلقت كلمة الجسد على ابن سليمان عليه الصلاة والسلام الذي وُلِدَ مَيْتَاً مُشَوهاً، قال الله وَسِعَتْ رَحْمَتُه( ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب)[ص/34]
وفصَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة المولود الجسد الميْت، فقدر روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفّن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارساً يُجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إنْ شاء الله، فلم يقل [أي نسي أن يقول ذلك] ولم تحمل شيئا،إلا واحدا) ساقطاً أحد شقيه،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قالها [إن شاء الله] لجاهدوا في سبيل الله [أي لولد له سبعين ولدا وجاهدوا في سبيل الله]).[صحيح البخاري ،كتاب أحاديث الأنبياء،باب قول الله (ووهبنا لداود سليمان)]  
لقد أراد سليمان-عليه الصلاة والسلام-أن يكون له سبعون ولدا ليكونوا فرسانا مجاهدين في سبيل الله، ولهذا طاف على سبعين زوجة له في ليلة واحدة، ولكنه نسيَ أن يقول: إن شاء الله،فابتلاه الله ولم تَحمِل من السبعين زوجة إلا واحدة،فلما وضعت حَملَها كان مولودا ميْتا ساقطاً أحد شقيه،فأُلقِيَ على كرسيّه جسدا ساكنا وجثة هامدة!

وكذلك نرى الإنسان ساعة أن يموتَ أولَ ما يُنسَى منه اسمه ، فيقولون : الجثة : الجثة هنا ، ماذا فعلتم بالجثة ، ثم تُنسَى هذه أيضاً بمجرد أن يُوضَع في نعشه فيقولون الخشبة : أين الخشبة الآن ، انتظروا الخشبة . . سبحان الله بمجرد أنْ يأخذ الخالق عز وجل سِرَّه من العبد صار جثة ، وصار خشبة ، فما هذه الدنيا التي تكون نهايتها هكذا؟

والمرة الرابعة التي جاءت كلمة (جسد) بمعنى جثة هامدة، هي في بيان أن الأنبياء كانوا رجالا أحياء،ذوي (أجسام) متحركة، ولم يكونوا (أجسادا) هامدة ساكنة لا حراك لها.
قال الله علت كلمتُه (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذِّكْرِ إن كنتم لا تعلمون* وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين) [الأنبياء/7-8]
من هذا نعلم أن كلمة(جسد) في السياق القرآني وردت صفة للجماد وللميْت وكلاهما تجمعها صفة الجثة الهادة التي لا تتحرك، ونُفيت عن النبي الحيّ المتحرك.
وقال أَبو إِسحق في تفسير الآية الجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز إِنما معنى الجسد معنى الجثة فقط.
والجاسد من كل شيءٍ ما اشتدّ ويبس والجَسَدُ والجَسِدُ والجاسِدُ والجَسِيد الدم اليابس وقد جَسِدَ ومنه قيل للثوب مُجَسَّدٌ إِذا صبغَ بالزعفران.

فالجسم : يطلق على البدن الذي فيه حياة وروح وحركة.
والجسد : يطلق على التمثال الجامد (عجل السامريّ) أو بدن الإنسان بعد وفاته وخروج روحه.

فهذا القرآن الكريم كتاب أُحكمَت آياتُه، وفاضت بالبلاغة والبيان، وجميل الإشارات وغزارة المعانين ورونق المباني، وبديع الرموز.
وحُقَّ للمسلم أن يفخر بالقرآن وبقراءاته وتعلمه وتعليمه، وحُق للمسلم أن يأخذ من القرآن الكريم دستوره وتشريعاته وقوانينه، لأنه كتاب هداية وكتاب إرشاد وكتاب إصلاح وكتاب يبعث في متأمله ومتدبره الإيمان ويزيده إيمانا ويُلقي عن التائه والضال غشاوة التيه والضلال، ويمزق أستار الظلام ليبعث النور في الأرجاء.

والله أعلم.

قال أحدهم:
رأيت النفس أسعد ما تكونُ
به علقتُ آمالاً كباراً
لجيل لا يذل ولا يهونُ
لجيل يقرأ القرآن غضاً
يرتله فتنتعش الغصونُ
يرتله فترتحل المآسي
وللجنات ينبعث الحنينُ
ويتعظ المقصر حين يصغي
ويزجر بالقوارع من يلينُ
لجيل يجعل القرآن نهجاً
ودستوراً وأخلاقاً تبينُ
ونوراً يستضيء به دواماً
وخلاً لا يمخرق أو يخونُ
يصون النفس عن درك الدنايا
ويدعو للمكارم بل يعينُ
به تحيى القلوب فلا تراها
تراودها الوساوس والظنونُ

المصادر:
- القرآن الكريم.
- صحيح البخاري.
- لسان العرب لابن منظور.
- لطائف قرآنية لصلاح الخالدي.
- تفسير الشعراوي آية 88 من سورة طه.
- تفسير الكبير للفخر الرازي.
- الفروق اللغوية لابن هلال العسكري.