Tuesday, February 18, 2014

نظرة على مكانة الإنسان في القرآن والسنة


نظرة على مكانة الإنسان في القرآن والسنة:
يقوم الإسلام على تكريم الإنسان، وتعظيم شأنه، وإعلاء مكانته، وبيان حقيقة وجوده، ومآله.
إذ لا يكتفي الإسلام بالعناية بالإنسان من ناحيته المادية فقط كبعض الفلسفات، أو بناحيته الروحية فقط كبعض الاتجاهات، أو بإشباع رغباته وشهواته وتطلعاته، كبعض المناهج.
لا. إن الإسلام يجمع ذلك كله، يعتني بالإنسان من ناحية روحه فيرقيها، ومن ناحية نفسه فيهذبها بالأخلاق الفاضلة ويطهرها من الأخلاق السيئة، ومن ناحية عقله فينميه بالعلم ويرفده بالمعرفة، ومن ناحية المادة يرشده للسبيل القوم للاعتناء بجسده والاهتمام بجسمه، فيقر شهواته ورغباته وتطلعاته فيهذبها في إطار الشرع الحنيف، فيشرع الزواج وتعدد الزوجات والبيع والشراء والقضاء والعدل وطلب السعي للرزق مع ايتاء الزكاة وبذل المعروف، وآداب المأكل والمشرب والملبس، والتعامل مع الآخرين، وغير ذلك.
كما أن الإسلام يهتم بفكر الإنسان ويعتني به فيطلق له العنان في التفكر والتدبر والتأمل والنظر في السموات والأرض، فكم من دعوة قرآنية للتأمل والنظر في السموات والأرض والأنفس.
الإنسان في القرآن الكريم كائن متفرد خلقه الله عز وجل لحكمة أرادها ولمهمة اختاره لها بعد أن فضله على بقية الكائنات . قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) .
يشار إليه بالمعاني جميعها ** وكل كلام كان من كل إنسان
وهذا التكريم والتفضيل قائم على احترام حقوق الإنسان من خلال حريته في التعبير والرأي وطرح الأفكار أو اعتناق الدين، بين ذلك القرآن الكريم في قوله (لا إكراه في الدين) و( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (إنك لا تهدي من أحببت).
يقول الشيخ محمد الغزالي :الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن فالحرية هي أساس الفضيلة ...
كما أن احترام القرآن لحرية الرأي مضمونة في تعاليمه التي لا تشوبها رأي فاسد أو تأويل ضال قائم على العصبية والتعصب والتزمت ، فقد جاء في القرآن الكريم ( إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
إن جمال تعاليم القرآن الكريم شابه الكثير من سوء تصرفات المسلمين وظلام رؤيتهم للأمور حكمهم على الآخرين ، ممن انحرفوا أو ضلوا أو حادوا أو لم يهتدوا.
للقرآن الكريم أسلوبه الرائع في النظر لمثل هؤلاء فهو يدعوهم للهداية بقولٍ لَيِّنٍ ودعوةِ سمحةٍ إذ يقول مخاطبا موسى في دعوته لفرعون (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)
وقد دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى التمثل بأخلاق سمجة وصفات طيبة في دعوة الآخرين وهي (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ).
وقد تمثل رسول الله ليه الصلاة والسلام بهذا الخلق الكريم خلق الرحمة واللطف والعفو والحنان والرأفة والشفقة، إذ امتنع عن قتل المنافقين في المدينة وصلى على من مات منهم صلاة الجنازة، وعاملهم برق ولطف وسامح ما يصدر عنهم وصبر على أذاهم القولية والفعلية.
ورافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم رفيق ولم يذممه إنسان
في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار . وقال المهاجري : يا للمهاجرين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال دعوى الجاهلية ؟ قالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال : دعوها فإنها منتنة ، فسمعها عبد الله بن أُبيّ فقال : قد فعلوها ! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل . قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق ! فقال : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه .
فانظر أيها المسلم إلى نظرة رسول الله الثاقبة وحكمته الباهرة في التعامل مع أمثال هؤلاء.
 فقد قالوا عنه وعن أصحابه ما قالوا ونالوا منه ومن أصحابه،وآذوه في عرضه الشريف صلى الله عليه وسلم،ومع ذلك صبر عليهم،مع دوام مناصحتهم وتربيتهم وهديهم وتعليمهم.
هذه واقعة ينال فيها رجل من النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعفو عنه عليه الصلاة والسلام ويُعامله بالرفق .
روى الإمام مسلم :
بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل ، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء . قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء . يأتيني خبر السماء صباحا ومساء . قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار ، فقال : يا رسول الله اتق الله ! فقال : ويلك ! أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله . قال ثم ولّى الرجل ، فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ فقال : لا لعله أن يكون يصلي . قال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم .
وكان عمر رضي الله عنه فيه من الشدة ما فيه حتى إنه في كل مرة يقول : دعني أضرب عنقه !
ومع ذلك يعفو عليه الصلاة والسلام عن المنافقين رجاء توبتهم وإسلامهم .
قال سبحانه وبحمده عن المنافقين : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).
ومع أنه عليه الصلاة والسلام أُمِـر بإغلاظ القول للمنافقين ، إلا أنه ما كان يُصرّح بأسمائهم ، وهذه طريقة القرآن ( ومنهم .. ) ، ولذا ما كان يعرف أسماء المنافقين بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا حُذيفة رضي الله عنه .
ومن هنا فإن هناك من يغلط في عدم استعمال الشدة ، مُستدلا بقول الله تعالى لموسى وهارون في أمر فرعون : (َ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ).
فيظن بعض الناس أن اللين في القول والمعاملة بالحسنى تكون باستمرار ، وليس الأمر كذلك ، فإن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لما احتاج إلى إغلاظ القول لفرعون أغلظ له فقال : ( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا )
ومع ذلك هو ملتزم بالأمر الأول ( فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا ) ولكن لكل مقام مقال .
فالشدة في موضعها ، واللين في موضعه .
ولا أعني عدم الكلام على المنافقين ، أو مجاهدتهم ، بل يُتّبع في ذلك طريقة القرآن في توضيح الأوصاف ، ومُجاهدة من رفع رأس النفاق باسمه خاصة إذا تصدّر في وسائل الإعلام وغيرها .
قال المتنبي :
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا **مضر كوضع السيف في موضع الندى
 إن احترام الإسلام للإنسان كثير جدا في تعاليمه، وغزير جدا في تشريعاته، لكن المكابرين من أهل العناد والإلحاد، ممن ساروا على منهج العلمانية والليبرالية التي تكره الإسلام وشريعته وتحاربها حربا شديدة وتقف بصف اليهود والنصارى والملحدين ضد الاسلام والمسلمين هؤلاء لا يُقِرُون بذلك وينشرون شبهات كاذبة وإشاعات لا صحة فيها، حول الإسلام وشريعته، فالواجب على المسلم أن يتحصن منهم بقراءة القرآن الكريم وفهمه وتدبره وقراءة السنة النبوية وفهمها وتدبرها، وعلى المسلم أن يكون معتزا بدينه الذي احترم الإنسان وشرَّع حقوقه قبل المدنية الحديثة بألف وأربعمائة وأربع وثلاثين سنة.
 فقد ضمن القرآن الكريم للإنسان التعلم والتعليم ( اقرأ) و( نون والقلم وما يسطرون) و(لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
وضمن القرآن الكريم للإنسان بالاختراع والابداع والاكتشاف (قُلْ اُنْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض)
دعا إلى الفكر والتفكر (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
ومعناها لا تقل شيئا لا تعلمه حتى تتعلمه وتعرفه.
وضمن حق المساواة إذ قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) و(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) و(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) و(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) و(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) و(لَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ )و(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
 إن بعض المسلمين لما أعرض عن القرآن وهجره، غاب عنه حقائق مذهلة في تشريعاته وأوامره.
وقد أوضح لنا المنهج الإسلامي ما يحتاج أن يعرفه الإنسان عن نفسه ، فبين أيدينا نحن المسلمين مصدر أصيل(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)،منه نصدر ومنه نورد في كل حال وفي أي وقت . فمنه يستقي الفرد المسلم تصوراته وآرائه لنفسه ولما حوله من موجودات فيهتدي إلى الصواب ويحظى برضى رب الأرباب .
والله أعلم.
نبي الحياة بوحي من عقيدتنا ** وعندنا للهدى والحق ميزان
قرآننا مشعل يهدي إلى سبل ** من حاد عن نهجها لا شك خسران
هو السعادة فلنأخذ بشرعته ** وما عداه فتضليل وبهتان
هو السلام الذي تهفو القلوب له ** فلم يعد يقتل الانسان إنسان
هو النشيد الذي ظلت تردده ** على مسامع هذا الكون أزمان
قد ارتضيناه حكما لا نبذله ** ما دام ينبض فينا منه شريان
المصادر:
-القرآن الكريم.
-الصحيحان.
-التربية الذاتية من الكتاب والسنة،الدكتور هاشم علي الأهدل.
-كيفية التعامل مع المنافقين، عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم.
- إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
-كبرى اليقينات الكونية، محمد سعيد رمضان البوطي.
- مشكلات الحضارة، مالك بن نبي.
- من هدي القرآن الكريم، الشيخ أحمد كفتارو.

Wednesday, February 12, 2014

المحافظة على الوقت واغتنامه


المحافظة على الوقت واغتنامه:
دقات قلب المرء قائله له  ** إن الحياة دقائق و ثوان

هناك كنز كبير وعظيم يهمله أكثر الناس ،فلا يلتفتون إليه وهو معهم، ولا يهتمون به وهو بأيديهم، ولا يُلقُون له بالا وهو بجانبهم، يهملونه ويضيعونه، إن هذا الكنز هو الوقت.
 لو نظرت في القرآن الكريم لوجدته يحض المسلم والمؤمن على الحفاظ على الوقت واغتنامه، ويدعو لملء الوقت بما ينفع في الدنيا والآخرة.
وذلك مثل قوله (سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين)
و(سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض أعدت للذين آمنوا بالله و رسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم) و(و السابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم) .
وغيرها من الآيات التي تُنهِض المسلم من كسله وتوقظه من نومه، وتأخذ بيده للمجد وللرفعة وللكرامة.
 ولا ننسى قسم الله بأجزاء الوقت ففيه إيماء وإشارة إلى أهمية الوقت وشأنه الكبير للإنسان، حتى يستغله و يستثمره و لكي لا يحرقه في توافه الأمور التي لا تعود عليه بالنفع أو الخير .
كمثل قوله تعالى( والعصر..) و(الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) ( والضحى و الليل إذا سجى) (و الفجر، و ليال عشر) (والليل إذا عسعس، و الصبح إذا تنفس).
ولننظر لتعليم القرآن في استثمار الوقت إذ يقول (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ).
ويذكر الله لنا حالة التأسف التي يصاب بها الإنسان بعد مضي الوقت و انقضائه
يقول تعالى :
(( و أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتى على ما فطرت في جنب الله و إن كنت لمن الخاسرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو إن لي كرة فأكون من المحسنين * بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين ))
 وسمع القشيرى أبا علىٍّ الدقاق يقول: "الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك ": أى يأخذ من العبد، دون أن يمحوه بالكلية. وكان الدقاق ينشد:
كل يوم يمر يأخذ بعضي***يورث القلب حسرة ثم يمضى

حَفِل التاريخ الإسلامي برجال حافظوا على أوقاتهم وشغلوها بالخير والنفع لأنفسهم ولأهليهم ولمجتمعهم، إذ نظروا في القرآن فرأوا أهمية الوقت فسعوا لاغتنامه وعدم تضييعه ما استطاعوا لذلك سبيلا.
 قال الله عز وجل( والعصر.إن الإنسان لفي خسر.إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
هذه السورة هي عماد المحافظين على الوقت.إذ أقسم الله بالعصر فقائل هو وقت صلاة العصر لأهميتها، وقائل هو الزمن، وقائل هو الوقت والساعة.والجميع يتفقون على الحفاظ عليها وعدم تضييعها.
ومن هذا المنطلق كان المسلمون الأوائل من علماء ومجاهدين وطلاب علم ومؤلفين وعباد وزهاد،يهتمون بالوقت ويحافظون عليه لدرجة لا تصدق.
يقول أبو سعيد الخراز:"  لا تشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء، وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل.
والأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في النبي عليه الصلاة والسلام لما عرض عليه فى ليلة المعراج زينة ملك الأرض والسماء، فلم ينظر إلى أى شىء ؛ لقوله تعالى:(ما زاغ البصر وما طغى) ، لأنه كان عزيزا، ولا يشغل العزيز إلا بالعزيز، ولم يتجاوز ما أمر به.
و قال الإمام الرازي :
إذا كان يُؤذيك حَرُّ المصيف *** ويُبسُ الخريف وبَردُ الشّتا
ويُلهيكَ حُسْنُ زمانِ الربيعِ *** فَأَخْذُكَ للعلمِ قُلْ لي مَتَى ؟
فقد كان من دعاء أبي بكر الصديق: اللهم لا تدعنا في غمرة ولا تأخذنا على غرة ولا تجعلنا من الغافلين.
فهذا دعاء يوضح بجلاء أهمية الوقت عن الصدّيق، حتى رفعه وجعله من ضمن الأدعية والمناجاة التي يناجي بها ربه.
أوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبا ذر بها حيث قال :
يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس :
شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك و فراغك قبل شغلك و حياتك قبل موتك.

وما الوقت الا طائر يقطع المدى ***فبادره اذ كل النهى في بداره.
صحابي آخر هو عمر بن الخطاب كان يدعو: اللهم إنا نسألك صلاح الساعات والبركة في الأوقات.
فهو لا يكتفي بالمحافظة على الوقت،إنما أن يكون الوقت مملوءا بالأعمال الصالحة والأفعال الناجحة المفيدة الشاملة للبركة على النفس والأسرة والمجتمع ككل.
صحابي جليل من الرعيل الأول هو عبد الله بن مسعود يوضح لنا أهمية الوقت فيقول:
 ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.
إن هذا الندم الباعث عليه هو لمعرفته بقيمة الوقت وأن الإنسان مهما بلغ من مال أو جاه أو سلطة أو صحة أو علم ومعرفة، فنهايته هو الموت.
أنفاس عمرك أثمان الجنان فـلا **تشري بها لهبا الحشر يشتعل
يا منفق العمر في عصيان خالقه **أفق فانك من خمر الهوى ثمل

وأما سيد البلغاء وأستاذ المعلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإمام علي رضي الله عنه فإنه كثيرا ما كان يدعو للحفاظ على القت واغتنامه فيما ينفع النفس والأهل والآخرين.
يقول الإمام علي عليه السلام : (( خذ من نفسك لنفسك، و تزود ليومك لغدك، و اغتنم عفو الزمان، و انتهز فرصة الإمكان )).
إن الاهتمام بالوقت وملئه بالنافع المفيد، يُضفي على المسلم رونقا من قوة الشخصية وضوءا من هيبة المكانة، ونشاطا من الحركة والسعي لا ينقطع، وقوة في الفكر باغتنام الفرص للصالح الخاص والعام لا تتوقف.

اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ **فعسى أن يكون موتك بغتـه
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ **ذهبت نفسه العزيزة فلـتـه
و قال الإمام علي  عليه السلام:
((ما أسرع الساعات في اليوم، و أسرع الأيام في الأشهر، و أسرع الشهور في السنة، و أسع السنين في العمر ! ))
و كما يقول الشاعر :
تمضي الدهور كما الشهور**كأننا في غفلة لا تنتهي
ويدعو عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس إلى اغتنام المسلم للأوقات بالاعمال المفيدة والأفعال النافعة،إذ يقول:
إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
أي أن الليل  والنهار يأخذان من عمرك ويقربانك للموت، فلا تغفل واغتنم وقتك بطاعة الله وعبادته وبالسعي لطلب الرزق وبطلب العلم ونشر العلم ومساعدة الآخرين ورضا الله ورسوله ووالديك وغير ذلك من طرق التعاون على البر والتقوى ونشر الخير.
وقد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا استيقظ يقول:
نهارُك يا مغرورٌ سهوٌ وغفلةٌ...وليلُكَ نومٌ والرَّدى لك لازمُ
تُسَرُّ بما يَفنى وتَفْرَحُ بالمنى...كما سُرَّ باللذات حالمُ
وسعيُكَ فيما سوف تكره غِبَّهُ ... كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ

وأختم بكلمات من أروع الكلام في قيمة الوقت ، هي لسيد التابعين الحسن البصري إذ يقول:
ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك.
و قال : نهارك ضيفك فأحسن إليه, فانك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك, و إن أسأت إليه ارتحل بذمك, و كذلك ليلتك.
و قال : الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه, و أما غدا فلعلك لا تدركه, و أما اليوم فلك فاعمل فيه".
 والله أعلم.
يقول أبو جعفر الشيباني :
أتانا يوما أبو مياس الشاعر، ونحن في جماعة، فقال : ما أنتم و ما تذكرون ؟
قلنا : نذكر الزمان و فساده !! (أي يعتبرون الزمان هو الفاسد و هو المسؤول عن الفساد ) .
قال : كلا ! إنما الزمن وعاء، و ما ألقي فيه من خير أو من شر كان على حاله، ثم أنشأ يقول :
أرى حللا تصان على أناس** و أخلاقا تداس فلا تصان
يقولون : الزمان به فـساد** وهم فسدوا وما فسد الزمان
 هذه القصيدة تتحدث عن أهمية الوقت وهي للأستاذ الشاعر : محمد حسن ظافر الهلالي
الوقتُ أغلى من الياقوتِ والذهبِ***ونحن نَخسرهُ في اللهوِ واللعبِ
وسوف نُسأل عنه عند خالقِنا***يوم الحسابِ بذاك الموقفِ النّشـِبِ
نلهو ونلعبُ والأيامُ مدْبِرةٌ***تجريْ سراعاً تُجِدُّ السيرَ في الهربِ
والفوتُ مقترِبٌ والموتُ مرتقِبٌ***والحالُ منقلِبٌ والناسُ في لعـبِ
وقد نسينا من الأيام أطولها***يومَ الحسابِ ويومَ العرضِِ والكربِ
خمسون ألفاً من الأعوام يِعْدِلُها***ممّا نَعُدّ من الأيام والحِقب
والشمسُ فوق رؤوسِ الناس تحرقهم***وليس يحْجُبُها شيءٌ من الحُجبِ
والنار موقدةٌ واللهُ أوقدها***وقودُها الناسُ لمْ توقدْ من الحطبِ
فاعْملْ لنفسك وأْمَلْ في السلامة لا***تركنْ إلى النومِ أو تشكو من التعبِ
فإنما أنت مَجْزِيٌّ بما عملتْ***يـداك فاعملْ لها في رفعـةِ الرتبِ
وإنما الفوز فيما كُنتَ تعملهُ***مخافةَ الله لا في الجاهِ والنسبِ
لوْ أنها تنفعُ الأنسابُ صاحبَها***شيئاً لَمَا كان مذموماً أبو لهبِ

المصادر:
-القرآن الكريم.
-الفتاوى الكبرى (الشيخ محمد متولى الشعراوى): حوار لأحمد زين ص. 80 ،261، 1 0 6، مكتبة التراث الإسلامى بالقاهرة 7 0 4 1 هـ/ 1987 م.
-الرسالة القشيرية، القشيرى ص 53 مكتبة صبيح بالقاهرة 1386 هـ/ 1966 م.
-نهج البلاغة للإمام علي وشرحه لابن أبي الحديد.
-قيمة الزمن عند العلماء، عبد الفتاح أبو غدة.
-الوقت في حياة المسلم، الدكتور يوسف القرضاوي.

Wednesday, February 5, 2014

الصلاة والصوم والصدقة


الصلاة والصوم والصدقة:
هذه الثلاثة من المنجيات من عذاب الله لمن عمل بهن وطبقهن على الوجه الصحيح والشكل الصحيح بلا رياء أو مَنٍّ أو أذى.
فالصلاة عمود الإسلام.
والصوم يباعد بين الصائم وبين النار مسيرة ألف عام
والصدقة تطفئ غضب الله، ومرهم شافٍ للمرضى.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
الصلاة تبلغك نصف الطريق
والصوم يبلغك باب الملك (الله سبحانه وتعالى)
والصدقة تدخلك عليه.
فانظر -رحمك الله ورحمني- إلى عظيم فضل كل واحدة ، ومدى علو شأنها، ورفعة مكانتها، وغزارة ثوابها.
وكأن الثلاثة أصدقاء مخلصون للمسلم يأخذون بيده ليصل إلى ربه لينعم بفضله، وكل واحد يسير مع المسلم ويعطيه للآخر ليكمل الطريق حتى يصل على الباب فتقوم الصدقة فتدخله. 
فما أجدر بالمسلم أن يعتني بهذه العبادات ويحافظ عليها، بصدق وإخلاص دون رياء وإعجاب بالنفس وسعي للشهرة.