Tuesday, April 29, 2014

(وثيابك فطهر) نظرة تقرير في طهارة النفس والروح والقلب والعقل والفكر



(وثيابك فطهر) نظرة تقرير في طهارة النفس والروح والقلب والعقل والفكر:
(وثيابك فطهر) المدثر/4:
دعوة إلى الطهارة والتخلص من الذنوب والسيئات والخطيئات والأمور المخالفة للكتاب وللسنة النبوية.

دعوة لطهارة الجسد من الأوساخ والقاذورات التي تعلق بالجسد أو بالثياب أو بالمكان، فيتم تطهيرها بالماء.

دعوة لطهارة النفس من الأمراض التي تلحق بالنفس من القلق والاكتئاب والوسواس والرهاب والانعزال وغيرها من الأمراض المختلفة فيتم التخلص منها بالعلم والعمل والمثابرة والثبات.

دعوة لطهارة النفس من أمراض أخرى من نوع آخر لا يقل سوءها عن غيرها مثل الحقد والحسد والغيبة والنميمة والكذب والخداع والمكر والظلم وقول الزور وشهادة الزور وغيرها من الصفات السيئة والأخلاق القبيحة التي تزيد النفس ظلاما وتزيدها بعداً عن الله وعن الناس، فيتم التخلص منها بالبعد عن هذه الأخلاق والتخلص من هذه الصفات بترك الكذب والغيبة والنميمة والظلم وأكل حق الآخرين وسوى هذه ....

دعوة لطهارة الروح من أثقال الذنوب وأحمال السيئات وموبقات الآثام، التي تبعد عن الله وتقرب من الشيطان، بمخالفة أمر الله وموافقة ما يطلبه الشيطان وما يريده، تتم هذه الطهارة بطاعة الله وعبادة الله بمعناها الواسع من الصلاة والذكر والدعاء وبر الوالدين ومساعدة المحتاج ومعاونة المظلوم وطلب العلم كل ذلك بنية التقرب من الله ونية العبادة لله، فتسجل لك في كل لحظة من عملك أو وظيفتك أو دراستك التي نويتَ بها عبادة الله حسنة وترفع لك درجة من النار وتحط عنك سيئة.والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم والله غفور رحيم والله عزيز حكيم.

دعوة لطهارة القلب من أمراض التعلق بالمخلوقات والركون إلى الاعتقادات الفاسدة الباطلة التي لا يقبلها الشرع ولا يرضاها القرآن.
طهارة القلب من المعاصي التي تزيد القلب سوادا وتزيد القلب قسوة وتصلبا من عدم قبول الحق وإغلاق القلب عن النور عن الإيمان عن القرآن.
وتتم هذه الطهارة بكثرة ذكر الله وكثرة قراءة القرآن وكثرة النية بالتقرب لله وأنت تعمل وأنت تدرس وأنت تذهب وتجيء وكل عمل لا يخالف أمر الله.
إذ بنيتك قبل عمل أي شيء تريد القيام به تشعر بأن الله معك وأن الله مطلع عليك وأن الله ناظر إليك فتخجل من أن تعصي الله وتخاف من أن تعمل سيئات أو تقع في الكبائر، وبكثرة فعل ذلك يشع النور في القلب ليزيح الظلام ويطرد الظلمات.

دعوة لطهارة العقل والفكر من الأفكار المنحرفة التي تعادي الدين وتحارب القرآن وتكره الإسلام وتبغض الشريعة ...

طهارة الفكر من العلمانية التي تدعي العلم وإن ظهر لها الحق أنكرته وحاربته...

طهارة الفكر من الليبرالية التي تريد نشر الفساد والانحلال في المجتمع وإن وجدت ظالما سكتت عنه ووقفت معه ضد المظلوم...

طهارة الفكر من المتسيبين الذي جعلوا الإسلام موطئا لنيل أغراضهم ومصالحهم...

طهارة الفكر من المتشددين الذين يحرمون كل شيء ويُكَفِّرُونَ من يخالفهم ويصفون من ينقدهم بالبدعة والضلالة، الذين يأكلون الدنيا باسنم الدين وباسم السلف ،هؤلاء المتشددون الذين يقفون مع الظالم ضد المظلوم ويسكتون عن أعمال الظالمين ويسلون ألسنتهم بالتكفير والتضليل للشعب ولأناس يريدون العيش الكريم ويطالبون بحقوقهم.

(وثيابك فطهر)
إذا وقعتَ -أيها المسلم- في الذنوب والمعاصي فطهر نفسك بالتوبة والرجوع إلى الله فإن الله كريم وغفور على رغم أنف المتشددين والمتعصبين.

إذا زلت قدمك -أيها المسلم- فوقعت في شباك الملحدين وصرتَ منهم تقول بقولهم وترى برأيهم فطهر عقلك من أفكارهم بالرجوع إلى الله والتوبة،فإن الله كريم يقبل التائبين ويعفو عن المسيئين رغما عن أنف الملحدين وغيظا لقلوبهم.

إذا زين لك الشيطان- أيها المسلم- المعصية والكفر والنفاق، فوقعت في ذلك،وأردتً الرجوع إلى الله والتوبة، فلا تنتطر،طهر قلبك وعقلك ونفسك،وارجع فإن الله عفو كريم يحب العفو، على رغم أنف الشيطان وحزبه الذين يعشقون القتل وسفك الدماء وتكفير المسلمين، وعلى رغم أنف الملحدين الذي يريدون لك ان تبيع هذه الدنيا الفانية والتي ستموت عنها بآخرة باقية أنتَ ذاهب إليها.

إذا انغمستَ في اللذات وعملتَ السبع الموبقات وفعلت الخطيئات والسيئات وملأتْ ذنوبك الأرض و السموات ، وأردتَ التوبة والرجوع لله، فارجعْ وتُبْ لله، فإن الله يغفر عما سلف ويمحو عن الخطيئات ،ألا فما أعظمه من إله وما أكرمه من إله، فطهر نفسك وقلبك وارجع إلى ربك.

(وثيابك فطهر)
كن دائما على وتيرة الطهارة وعلى سبيل التطهر وعلى طريق تطهير نفسك وروحك وقلبك وعقلك وفكرك من كل شيء سوى الله سوى شرعه سوى شرعيته سوى كتابه سوى أوامره.
كن سائرا في سبيل النور الطاهر سبيل الإسلام سبيل القرآن سبيل الحق سبيل العدل.

 (وثيابك فطهر)
لا تُلْقِي في نفسك أوساخ الشهوات والمعاصي.
ولا تُخِضْ روحكَ في مستنقعات الرذيلة واتباع الشيطان.
ولا تملئ عقلك بأفكار الإلحاد وكفران النعم وطمس الحقائق والتعدي على الحقيقة.
ولا تُدخلْ قلبك سموم الأحقاد والضغائن، وتطلعات الكراهية والحسد والانتقام ، وظلاميات التكبر والتعجرف والعجب بالنفس، وكافة الأخلاق السيئة والصفات المذمومة.

(وثيابك فطهر)
حال المسلم دائما في طهارة وتطهير ليكون طُهْرَا وطاهراً.

Thursday, April 24, 2014

حالة خلق الإنسان من التراب( بحث في المادة التي خلق الإنسان منها)


حالة خلق الإنسان من التراب( المادة التي خلق الإنسان منها):
لا يسأم المسلم من الاعتبار في القرآن الكرم والاتعاظ فيما جاء فيه، والتدبر والتفكر فيه،إذ هو غذاء الروح الأمثل وغذاء العقل الأوكد، ودواء النفس والفكر.
والقارئ للقرآن بتمعن يلاحظ ظاهرة الحديث عن خلق الإنسان، ومراحل خلقه وتكوينه، وهذا الأمر يدعو إلى الاهتمام؛ ذاك أن القرآن الكريم كتاب من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وهو كتاب أنزله الله تعالى لهداية البشر ، ومن جوانب تلك الهداية بث العلوم والمعارف وتبيانها خاصة المتعلقة بالإنسان إذ هو محور الحياة على الأرض وعمودها الفقري في إعمارها.

تشير الكثير من الآيات القرآنية إلى قيمة التدبر في هذا الكون والتفكير فيه وتدعو إلى النظر والبحث والتنقيب عن أسرار الحياة وبداية الخلق، يقول تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الخلق) العنكبوت 20.
 وقد اهتم القرآن بشكل كبير بخلق الإنسان وهو بعد في بطن أمه وهي بحق آية وغاية في الإعجاز بحيث أسالت الكثير من المداد وكانت وراء هداية مجموعة من العلماء غير المسلمين وأوبة عدد من علماء المسلمين.

والذي يسترعي الانتباه ويشد التفكير هو ذلك الاهتمام الكبير بالمادة التي هي أصل الإنسان (أي المادة التي خلق منها آدم قبل نفخ الروح)، وقد تنبه من الباحثين لهذا الأمر أيضاً:

يقول الدكتور عبد اللطيف حموش: (لقد أولى القرآن اهتماماً كبيراً لقصة خلق آدم وأفرد لها العديد من الآيات الكريمة).
 وبتعدد الآيات الواردة في هذا الموضوع تعددت المفرادات والمصطلحات التي تم التعبير من خلالها عن المادة التي خلق الله منها الإنسان.
 يقول موريس بوكاي: (.. إذا الإنسان قد كون من المواد الموجودة في الأرض وينبثق هذا المبدأ بجلاء تام من عدة آيات حيث إن المواد المكونة قد جرى التعبير عنها بأسماء مختلفة..).

 الآيات القرآنية المتضمنة للمادة الترابية التي خلق الله منها الإنسان ،ذكر السورة مع رقم الآية:
الأرض: ذكرت في سوره هود آية61، وسورة طه آية55 وسورة النجم آية 32 وسوة نوح آية 17.
التراب: ذكر في سورة آل عمران آية 59 وسورة الكهف آية 37 وسورة الحج آية 5 وسورة الروم آية 20 وسورة فاطر آية 11 وسورة غافر آية 67.
الطين:ذكر في سورة الأنعام آية 2 وسور الأعراف آية 12 وسورة المؤمنون آية 12 وسورة السجدة آية 7 وسورة الصافات آية 11 وسورة ص آية 71 و76 وسورة الذاريات آية 33.
الحمأ: ذكر في سورة الحجر آية 26 28و33.
الصلصال: ذكر في سورة الحجر 26 و28و33 وسورة الرحمن آية 14.
ذكر أمثلة من السورة والآيات السابقة:
الأرض:
يقول تعالى: "هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم") النجم 32).
التراب:
يقول تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" آل عمران 59.
 جاء في المعجم الوسيط: التراب: ما نعم من أديم الأرض: والتربة: جزء الأرض السطحي الصالح لأن يكون مهداً للنبات، وجاء في لسان العرب: تربة الأرض: طاهرها.
الطين:
يقول تعالى: "فاستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا إن خلقناهم من طين لازب" الصافات 11.
 ويقول أيضاً: "ولقد خلقنا الإنسان من سلاله من الطين" المؤمنون 12.
 جاء في المعجم الوسيط: الطين: التراب المختلط بالماء، وقد يسمى بذلك وإن زالت عنه رطوبة الماء، وجاء في لسان العرب: الطين: الوحل، والطي اللازب: الطين اللزج أو اللاصق، أما قوله تعالى: "سلالة من طين" فقال قتادة: استل آدم من طين فسمي سلالة.
الصلصال:
يقول تعالى في سورة الرحمن الآية 14: "خلق الإنسان من صلصال كالفخار"
والصلصال كما جاء في لسان العرب: هو الطين اليابس الذي يصل من يبسه أي يصوت وجاء أيضاً: الصلصال من الطين ما لم يجعل خزفاً.
 وقال الجوهري: الصلصال الطين الحر خلط برمل فصار يتصلصل إذا جف فإذا طبخ بالنار فهو الفخار.
الحمأ:
جاء في سورة الحجر الآية 26 قوله تعالى:"ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون".
 جاء في مادة الحمأ: والحمأ والحمأ: الطين الأسود المنتن، وجاء في مادة سنن: المسنون: المصور، أو المملس أو المنتن، وقوله تعالى: "من حمأ مسنون" .
قال أبو عمرو: أي متغير منتن، وقال بن عباس: هو الرطب.
 وقال أبو عبيدة: المسنون المصوب، ويقال: المسنون المصوب، ويقال: المسنون المصبوب على صورة، وسننت التراب صببته صباً سهلاً.
وقد تكررت هذه المفردات الخمس (الأرض، التراب، الطين، الصلصال، والحمأ) في عدة آيات، فخلق الإنسان من الأرض تم ذكره أو الإشارة إليه في أربع آيات، وكلمة تراب وردت في ستة مواضع، وكلمة طين جاءت في ثمان آيات، في حين وردت مفردة حمأ في ثلاث آيات، أما كلمة الصلصال فوردت في أربعة مواضع.
كيف تعامل الباحثون والمفسرون مع هذا التعدد في المفردات:
لقد اختلف المفسرون والباحثون الذين تطرقوا لآيات خلق الإنسان (أصل الإنسان) في تعاملهم مع هذا التنوع والتعدد في الكلمات والمفردات التي أوردها القرآن الكريم بشأن المادة الترابية التي خلق الله منها آدم:
أ ـ فمنهم من لم يستوقفه هذا التعدد في الكلمات فمر عليه مرور الكرام وأكتفي بالإشارة إلى أقوال المفسرين في معاني هذه الكلمات، كابن كثير يقول في تفسير قوله تعالى: )ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون)) الحجر 26 (
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: المراد بالصلصال هنا التراب اليابس والظاهر، وعن مجاهد أيضاً (الصلصال) المنتن.وتفسير الآية بالآية الأولى ـ
وقوله: (من حمأ مسنون)أي الصلصال من حم، وهو طين والمسنون الأملس، وروي عن ابن عباس أنه قال: هو التراب الرطب....
 ب ـ ومنهم من اعتبر هذه الكلمات مترادفات تفيد نفس المعنى، يقول طلال غزال: (ولا ضير أن من علقة أو من نطفة وجميعها تؤدي نفس المعنى).
ج ـ وفريق ثالث أشار إلى أن هذه المصطلحات هي أسماء لعناصر مختلفة وجعل خلق الإنسان من جميع هذه العناصر.
 يقول وهبة الزحيلي  في تفسير سورة الرحمن: (وقد تنوعت عبارات القرآن في بيان هذا، باعتبار مراتب الخلق، من تراب، من حمأ مسنون أي طين متغير، أو من طين لازب أي لاصق باليد (من صلصال) فهذا إشارة إلى أن آدم عليه السلام :
خلق أولاً من التراب ثم صار طيناً ثم حمأ مسنوناً، ثم لازباً ثم كالفخار فكأنه خلق من هذا ومن ذاك ومن ذلك.
د ـ وفريق آخر خلص إلى وجود نوع من التطور أو التحول طرأ على المادة الأصلية التي خلق الله منها الإنسان حث مرت هذه المادة بمراحل مختلفة:
*يقول الشيخ نديم الجسر في تفسير قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا):
يكثر القرآن من ذكر الدواب والإنسان ليذكر هذا الإنسان المقصود بالهداية بأنه (أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا)، ويستنتج من هذا استنتاجاً بدهيا سهلاً أنه (حادث)، ليخرج من هذه البداهة الأولى إلى نتيجة بدهية ثانية: هي أن المادة التي حدث منها (الإنسان) لا بد أن تكون حادثة لأنها قبلت (التغير)، والقديم لا يتغير....
*
ويقول موريس بوكاي في حديثه عن ماهية التراب الذي تكون منه الإنسان انطلاقاً من قوله - عز وجل :(الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين)السجدة 7.  وعلينا أن نتوقف قليلاً عند ذكر بداية الخلق، بدأ بالطين من الواضح أنه إذا كان القرآن الكريم قد ذكر هنا بداية الخلق ذلك أن مرحلة ثانية ستتبعها .
*أما سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة فيقول في تفسير الآية السابقة: (فالتعبير قابل لأن يفهم منه أن الطين كان بداءة وكان في المرحلة الأولى ولم يحدد عدد الأطوار التي تلت تلك المرحلة ولا مداها ولا زمنها، فالباب مفتوح لأي تحقيق صحيح، وبخاصة حين يضم النص إلى نص القرآني الآخر في سورة المؤمنون:)خلق الإنسان من سلالة من طين)، فيمكن أن يفهم منه إشارة إلى تسلسل في مرحلة النشأة الإنسانية يرجع أصلاً إلى مرحلة الطين.
 ويقول في تفسير قوله تعالى:(خلق الإنسان من صلصال كالفخار: (..
والصلصال: الطين إذا يبس وصار له صوت وصلصلة عند الضرب عليه، وقد تكون هذه حلقة في سلسلة النشأة من الطين أو من التراب .
* كما جاء في تفسير الكشاف للزمخشري في تفسير قوله تعالى(خلق الإنسان من صلصال كالفخار: (...
فإن قلت: قد اختلف التنزيل في هذا، وذلك قوله عز وجل(من حمأ مسنون) (من تراب)، قلت: هو متفق المعنى ومفيد أنه حلقه من تراب جعله طيناً ثم حمأ مسنوناً، ثم صلصالاً .
* وهو نفس المعنى الذي أورده القرطبي في تفسير الآية السابقة حيث يقول : وقال هنا:  من صلصال كالفخار ، وقال هناك: إنا خلقناهم من طين لازب، وقال:كمثل آدم خلقه من تراب.
وذلك متفق المعنى، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طيناً، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالاً كالفخار .
 خلاصة ما تقدم:
من خلال الآيات والنصوص التي أوردناها نستطيع القول بأن المادة الترابية التي خلق منها الإنسان قد مرت بثلاث مراحل هي:
1 ـ المرحلة الطينية: وهي المرحلة الأولى حيث يستفاد من آية سورة السجدة أن بداية الخلق كانت من مادة الطين (بدأ خلق الإنسان من طين)، هذا الطين يتميز بخاصية وصفة اللزوجة (طين لازب) كما هو واضح في آية سورة الصافات.
2 ـ المرحلة الحمئية: وهي ثانية المراحل حيث تحول الطين إلى مادة أخرى مشتقة منه هي الحمأ أي الطين المتغير أو الطين المنتن كما سبق ورأيناه (من حمأ مسنون).
3 ـ المرحلة الصلصالية: وهي المرحلة الثالثة والأخيرة في هذه السلسة حيث انتقلت مادة الحمأ المسنون ـ كما جاء في سورة الحجر على صلصال وتخبرنا آية سورة الرحمن أن هذه المادة الصلصالية تشبه مادة الفخار وهو الطين الذي تم طبخه وشيه كما ورد في فقرة سابقة (خلق الإنسان من صلصال كالفخار).
العلاقة بين عمليتي الخلق والتصوير ومراحل تطوير المادة الترابية:

يقول تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم) الأعراف 11، ويقول أيضاً: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ص 71 ، 72،
ويقول - جل وعلا -: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك) الانفطار 6 - 8.
تشير هذه الآيات - وغيرها - إلى أن تكوين الإنسان - آدم عليه السلام - قد مر بعمليتين مختلفتين سابقتين لعملية نفخ الروح فيه هما: عملية الخلق وعملية التصوير (أو التسوية)
يقول موريس بوكاي: (في البدء ذكرت كلمة (خلق) لكل النص القرآني يتصدر مرحلة ثانية حيث منح الله الإنسان الشكل..).
لكن السؤال هو: تُرى في أي مرحلة من مراحل المادة الترابية الثلاث (الطين، الحمأ، الصلصال) كانت عملية التصوير؟
إن الإجابة على هذا السؤال ليست بالعملة اليسيرة ومن بين الأجوبة الممكنة نورد ثلاثة احتمالات توصلنا إليها في بحثنا هذا وهي:

*الاحتمال الأول:
*الاحتمال الأول:
الذي يمكن فهمه من قول الله عز وجل في سورة السجدة  )وبدأ خلق الإنسان من طين) ومن قوله تعالى في سورة الرحمن: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار)حيث تفيد أن عملية الخلق تمت على المادة الترابية في مراحلها المختلفة،
ثم بعد أن استقرت المادة الترابية على هيئتها الصلصالية، تمت عملية التصوير والتسوية،
كأن الشكل الأخير قد تم نحته المادة الصلصالية،
وهذا المعنى قد يستشف أيضاً من أحاديث المصورين الذين يؤمرون يوم القيامة بنفخ الروح فيما صوره (أي نحتوه) ـ ولله المثل الأعلى ـ
روى البخاري عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال يا ابن عباس، إني رجل إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس:لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول:من صور صورة فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً، فربا الرجل ربوة شديدة ـ يعني انتفخ من الغيظ والضيق ـ فقال ابن عباس: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح.
*الاحتمال الثاني:
وهو أن عمليتي الخلق ثم التصوير، قد تمتا على المادة الترابية في مرحلتها الأولى (المرحلة الطينية) ثم إن الشكل المصور والمعدل ترك حتى يبس.
 وإلى هذا ذهب بسام دفضع حيث يقول: (... إذاً فآدم ـ عليه السلام ـ خلق من خلاصة من التراب مع الماء حتى صار طيناً ثم يبس فصار كالفخار بعد أن سواه الله ـ عز وجل ـ بصورة سوية هي صورة الإنسان المعروفة ثم نفخ الله ـ تعالى ـ فيه الروح).
 وهذا الاستنساخ يقتضي أن كلمة (خلق) في آية سورة السجدة وكلمة (خلق) في آية سورة الرحمن لا تؤديان نفس المعنى.
*أما الاحتمال الثالث:
فهو أن عملية التصوير قد تمت على المادة الترابية في مرحلتها الثانية (المرحلة الحمئية) وإلى هذا المعنى تشير كلمة (مسنون) والتي تعنى ـ من بين ما تعنيه ـ المصور أو المصبوب على صورة.

مراحل تحول المادة الترابية والمعطيات العلمية:
إن تحديد العلاقة فيما بين عمليتي الخلق والتصوير ومراحل المادة الترابية التي خلق منها الإنسان ليست هدفاً رئيساً لهذا البحث.
والذي يعنينا بالأساس هو ذلك التطور والتحول الذي طرأ على هذه المادة الترابية والذي أشارت إليه الآيات القرآنية حيث تحول التراب من طين إلى حمأ ثم إلى صلصال كما سبقت الإشارة إليه.
هذا الأمر يقودنا إلى الحديث عن ظاهرة طبيعية تحكم عملية تشكل الصخور الرسوبية انطلاقاً من رواسب طرية والتي تعرف باسم عملية التصخر.
الدورة الصخرية:
تتكون القشرة الأرضية أو ما يعرف بالغلاف اليابس  من أنواع مختلفة من الصخور تنتمي إلى ثلاثة أقسام هي: الصخور النارية، الصخور الرسوبية، والصخور المتحولة.
ولهذه الصخور دورة تسمى بالدورة الصخرية ناتجة عن العلاقات والتفاعلات المختلفة التي تحصل فيما بينها.
 الصخور الميكانيكية النشأة، أو الصخور الحطامية أو الفتاتية: وهي عبارة عن مجموعة من الصخور تتكون من الحبيبات المعدنية والكسر (الأجزاء) الصخرية الناتجة عن تفتيت صخور سابقة بفعل عوامل التعرية ثم نقلت ميكانيكياً إلى حوض الترسيب وهناك تصلدت عملية التصخر دون أن يطرأ عليها أي تغيير كيميائي حيث رسبت بطريقة آلية ثم تماسكت فيما بعد.
وتنقسم الصخور الرسوبية الميكانيكية النشأة إلى صخور حتاتية (أو حبيبات صخرية) وإلى صخور صلدة.
إذاً أن الصخور الفتاتية أو الحطامية الصلدة تنقسم إلى رصيص وجذاذ، إلى صخور رملية وإلى صخور طينية وهذه الأخيرة هي التي تهم هذا البحث إذ استخلصنا فيما سبق أن الآيات القرآنية تتحدث عن تحول لمادة الطين (اللازب) ـ بفعل التصخر ـ إلى صخور طينية هي الصلصال.

تعريف الصخور الطينية:
هي صخور رسوبية حطامية (فتاتية) تتكون من حبات جد دقيقة قدها أقل من 1 / 16 ملم، وتحتوي على الأقل 50% من المعادن الطينية والتي يمكن أن تضاف إليها معادن أخرى جد متنوعة (حطامية أو غير حطامية) مما يؤدي إلى تنوع في هذه الصخور (طين جيري، طين رملي، طين طلقي..) والصخور الطينية صخور ناعمة يمكن خدشها بالأظافر وهي سريعة الكسر عندما تكون مترققة أو شريطية (rubannee)، ونتيجة للضغط الشديد تفقد الصخور الطينية جميع مياهها وتتحول إلى نوع آخر من الصخور يسمى بحجر الطفل، وبفقد لاصخور الطينية لمياهها تفقد جزءاً كبيراً من مساميتها (حيث تبلغ المسامية الأولية عند الترسيب ما بين 50% ـ 80%) نتيجة لدفن الرواسب والضغط المبذول عليها من الرواسب المترسبة فوقها كما تفقد الصخور الطينية جزءاً آخر من مساميتها الأولية بفعل عمليتي التماسك (الدموج والإحكام) والملط (السمنتة) التين تتعرض لهما فيما بعد.
أهم أنواع الصخور الطينية (Principales roches argileuses):
الصخور الطينية النقية (claystones): هي تلك الصخور ذات الحبيبات في حجم الطين وتتكون تقريباً كلية من مجموعة من معادن الطين(mineraux argileux).
 صخور الوحل (mudstones): وتتشكل من صخور كتلية مصمتة (massive) غير صفحية وغير متورقة بشكل عام.
الطفل أو الصلصال أو الطين الصفحي (Argile schistcuse shales): صخر رسوبي مترقق ويتكون بشكل كبير من رقيقات طين ويمتلك خاصية التورق أو التصفح بحيث تنفصم الرقائق الطينية وهذا الصفح قد ينتج عن تعاقب طبقة طينية وطبقة رملية أو ميكية (طلقية) تتصلب على شكل رقائق بتأثير ضغط ما فوقها من الصخور.

الأردواز (ardoise/slate): وهو صخر شبيه متحول  من أصل طيني (و الطين الصفحي أو الصلصال) ينتمي إلى النطاق البزخي ونطاق التحول وهو ما يسمى بنطاق شبة التحول ويعتبر الأردواز في كثير من الأحيان من ضمن الصخور الرسوبية، وهو عبارة عن صخر متورق دقيق الحبيبات تظهر فيه خاصية تصفح أو تفسخ بشكل جيد التطور وتسمى انفصاماً انفصامياً أردوازياً.
المعادن الطينية:
سنكتفي هنا بالحديث عن المعادن الطينية التي تشكل أساس الصخور الطينية في مختلف أطوار (النضج) بفعل عامل التصخر حيث يتميز كل نطاق من نطاقات التصخر الثلاثة المتتابعة بحضور وتواجد نوع معين من المعادن الطينية:
1 ـ نطاق التصخر المبكر: حيث تتكون بشكل تدريجي عن طريق البناء الترسيبي معادن طينية ما بين طبقية هي الكلوريت مونتريونيتوالالليت مونتموريونيت كما تظهر بعض الحالات الاستثنائية ـ عن طريق إعادة التشكل ـ معادن التونشاين  والبنتونيتات.
2 ـ نطاق التصخر المتوسط: حيث يتوافر الماء بكميات كبيرة تمنع اجتفاف المعادن المتورقة، وفي هذا النطاق تتم كل التحولات الكيمائية بشكل قابل للتراجع أو القلب بينما يحل الديكت  محل معدن الكالونيت  ويحل معدن الاليت  تدريجياً محل معدن المونتموريونيت.

3 ـ نطاقا لتصخر العميق: حيث تصبح التحويلات الكيمائية غير قابلة للتراجع أو القلب وتخضع معادن المونتموريونيت إلى عملية (الاليتة) أو (الكلرتة) فيتشكل معدني الاليتمونتموريونيت والكلوريتمونتموريونيت، كما يتبلور معدن الكلوريت  غير المستقر فيعطي معدن الديكيت  إذا كان الوسط قلوياًن أما معدن الاليت فيرفع من درجة تبلورشبه التحول:
في هذا النطاق يسود كل من معدن الاليت ومعدن الكلوريت.
 الخلاصة:
من خلال المعطيات السابقة نستطيع أن نصل إلى الاستنتاج التالي:
لعل المادة الترابية التي بدأ منها خلق آدم ـ عليه السلام ـ كانت عبارة عن طين رملي طري (طين لازب) هذا تحول بفعل عملية التصخر في مرحلة جد مبكرة إلى حمأ (حيث تلعب المادة العضوية ـ البكتريا ـ دورا كبيراً في تغيير الطين) ثم في مرحلة أخيرة إلى صلصال (أو طين صفحي) ولعلها المادة الأخيرة التي تم عليها التصوير والتسوية (وهو الاحتمال الراجح عندنا).

هذا الأمر يثبت إذاً أن القرآن قد أشار إلى الأصل الطيني للصلصال وهو أمر لم يعرف إلا بعد تطور علم الرسوبيات إذ المعطيات العلمية والتصنيفات المختلفة التي تربط بين الصخور الرسوبية وأصولها لم تكن معروفة بعصر النبوة فقد بقيت دراسة الصخور الرسوبية مستعصية على البحث والوصف المجهري إلى غاية بداية القرن العشرين وذلك بفضل التطور الكبير الذي عرفته الأبحاث البترولية بعد تطوير عدد من التقنيات الحديثة: كالتحاليل الكيمائية والأشعة السينية والمسبار الإلكتروني... إلخ.

وبالتالي فهذه الحقبة غاية في الإعجاز ودليل آخر على صدق رسالة محمد ـ صلى الله عليه السلام - فمحمد الرجل الأمي ـ صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليعرف أن الصلصال صخر من أصل طيني لو لم يخبره بذلك العليم الخبير: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك 14.

إذا كان هذا البحث يهدف إلى تسليط الضوء على وجه آخر من أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
 فإنه أيضاً يتوخى استنفار واستفزاز عقول العلماء والأساتذة المسلمين أن ينتبهوا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تضم إشارات علمية وينكبوا على دراستها وتدبرها وتفهم معانيها ومراميها حتى يستطيعوا أن يقدموا إلى تلاميذهم وإلى طلابهم ما يلفهم ويغطيهم ويزينهم بالإيمان .
مما يضفي على هذه العلوم قيمة روحية سامية وحتى تصبح هذه العلوم وسيلة تقرب العبد من خالقه - جل وعلا - فقد مر علينا زمن درجنا فيه - في مدارسنا وفي جامعاتنا - على تقديم العلوم جافة فارغة من روحها الواضحة بجلاء في قوله - عز وجل -: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر 28.

المراجع:
-لسان العرب لابن منظور.
-المعجم الوسيط.
-تفسير ابن كثير.
-تفسير الكشاف للزمخشري.
-تفسير القرطبي.
-التفسير المنير لوهبة الزحيلي.
-في ظلال القرآن لسيد قطب.
-قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن لنديم الجسر.
-قصة الإنسان أصله دوره بنيته لعبد اللطيف حموش
-القرآن والعلم الحديث لموريس بوكاي.
-المادة التي خلق الله منها الإنسان ،د. خلاف الغالبي .