Tuesday, March 31, 2015

الأسرار والحكم في تحديد وقت الزكاة بدوران الحول

 الأسرار والحكم في تحديد وقت الزكاة بدوران الحول:
لا ريب أن الشريعة الاسلامية شريعة عملية تطبيقية في واقع المسلم، تكفي حاجاته وتحقق احتياجاته الجسددية والروحية والعقلية والمعاشية.

ولطالما كانت الشريعة الإسللامية جسراللعبور للأحسن وللأفضل وللأصلح، ويشهد على هذا أحكامها وأوامرها ونواهيها فكلها تصب في مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ومصلحة البشرية.

وحينما طبقها المسلمون سعدوا ونالوا نجاحات كبى في كافة الجوانب السياسية والعسكرية والمالية والعلمية والحضارية وغيرها.

والزكاة هي الأساس العملي للجانب المالي في العبادة، فالمال مال الله والإنسان مستخلف فيه، وعليه أنْ يأخذه بالطريق الذي حدده الله، وينفقه بالأسلوب الذي حدده الله، وما لم يستسلم الإنسان لله بالزكاة فلن يستسلم له في بقية جوانب جمع المال وإنفاقه.


وقد حدد الشرع القويم الزمن الذي تجب فيه الزكاة، وبيّن أنها تجب في المال إذا حال عليه الحول، وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول».
وإن كان هذا الحديث قد تُكلَّم فيه إلا أن اشتراط الحول هو قول جمهور الفقهاء، لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصحابة رضي الله عنهم، ولانتشار العمل به، ولاعتقادهم أنَّ مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف.

وبالنظر في المدّة الزمنية التي جُعلت الزكاة مرتبطة بها- وهي دوران الحول- يظهر في ذلك حكمة ربانية، وسرٌّ إلهي:

1-ذلك أن هذه المدّة التي عينها الشرع، ليست بالقصيرة، بحيث يَسرُع دورانها، فيتعسر أداء الزكاة فيها. وليست بالطويلة، بحيث لا تردع البخيل، ولا تسدّ حاجة الفقير. وإنما هي مدة معقولة، رُوعي فيها النظر إلى صاحب المال الذي يحرص على ماله، وإلى الفقير الذي ينتظر ما يسدّ رمقه.
فكان من رحمة الله تعالى أن جُعل أمد زكاة الأموال عاماً، لدوران مواسم الإنتاج  والأثمار فيه، ولا سيّما إنتاج الطبيعة، والذي يرتبط به جزء كبير من الإنتاج الصناعي. وكذلك جُعل أمدها عاماً لتكون لذوي الأموال فرصة التنمية وتحقق الربح أو الخسارة، أمّا إذا فرضت زكاة المال عند بداية الحصول عليه، فإنَّ ذلك يكون إرهاقاً وظلماً، ولجواز فقدانه أو فقدان جزء منه في حاجات الضرورة أو الخسائر التي تحلّ به عند المداولة والعمل في أثناء العام.
ويبين ابن القيم أن السرّ في هذا التوقيت الزمني للزكاة هو مصلحة الجميع، فيقول:
"إذ وجوبها كل شهر أو كل جمعة يضر بأرباب الأموال، ووجوبها في العمر مرة يضر بالمساكين، فلم يكن أعدل من وجوبها كل عام مرة".

2-لم يرد في القرآن الكريم شيء عن اشتراط الحول، أمَّا ما ورد فيه فهو بيان وقت زكاة الزروع والثمار، وذلك في قوله تعالى: }وَهوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{.
وحدد القرآن الكريم في ذلك، الزمن الذي تجب فيه زكاة الزروع والثمار وهو" يوم حصاده".

والسرّ في تحديد يوم الحصاد لتأدية الزكاة فيه- مع أن ذلك متعذر، لأن الحَبّ يكون في سنبله- هو الدلالة على تعلق حق الزكاة به في ذلك الزمن. وإذا كان ذلك كذلك، يكون المعنى: "واعزموا على إيتاء الحق، واقصدوه، واهتموا به، يوم الحصاد، حتى لا تؤخروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء".
وقيل: الحكمة في ذكر وقت الحصاد، إنما هي التخفيف على أصحاب الزروع، وذلك حتى لا يُحسب عليهم ما أكلوا من زرعهم قبل يوم الحصاد، فيكون ذلك موقعاً لهم في الحرج.


ويُلحظ هنا أن إيجاب الزكاة في الزروع والثمار، كان بمجرد الحصاد، ولم يشترط فيها حَوَلان الحول كباقي الأموال، وأما السر في ذلك فهو:
"أنَّ ما أعتُبر لـه الحول مُرصَد  للنماء، فالماشية، مُرصَدة للدرّ والنَّسل، وعروض التجارة مرصدة للربح، وكذا الأثمان، فاعتُبر لـه الحول، لأنه مظنة النماء، ليكون إخراج الزكاة من الربح، فإنه أسهل وأيسر، ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة.

ولم تُعتبر حقيقة النماء، لكثرة اختلافه، وعدم ضبطه، ولأن ما اعتُبرت مظنته لم يُلتفت إلى حقيقته، كالحُكْم مع الأسباب، ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلا بدّ لها من ضابط، كي لا يُفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرّات، فينفد مال المالك.

أما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها، تتكامل عند إخراج الزكاة منها، فتؤخذ الزكاة منها حينئذٍ، ثم تعود في النقص لا في النماء، فلا تجب فيها زكاة ثانية، لعدم إرصادها للنماء، والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض، بمنـزلة الزرع والثمر".

إن الشريعة الإسلامية شريعة ربانية إلهية، حددها الله خالق الإنسان العالم به الخبير بما يصلح له.
وهي شريعة واقعية عملية قابلة للتطبيق، ويؤتي تطبيقها الصحيح الحكيم ثمارا يانعة من التقدم والتحضر وإزالة الظلم والفساد وإحقاق الحق ونشر العدل.
والله أعلم.

المصادر:
- محمد ابن ماجه، السنن، تحقيق: خليل شيخا، ط1 (دار المعرفة: بيروت، 1416هـ/1996م).
- ابن حجر العسقلاني، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، تحقيق: عبد الله المدني، د.ر (د.م: د.ط، 1964م).
-محمد الترمذي، السنن، د.ر (دار إحياء التراث العربي: بيروت، 1415هـ/1995م).
 - محمد ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق: ماجد الحموي، ط1 (دار ابن حزم: بيروت، 1416هـ/1995م.
- عبد العزيز سيد الأهل، أسرار العبادات في الإسلام، ط2 (دار العلم للملايين: بيروت، 1981م).
-محمد بن أبي بكر، ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، ط4 (مؤسسة الرسالة: بيروت/ مكتبة المنار الإسلامية: الكويت، 1407هـ/1986م).
-د. عودة عبد عودة عبد الله، الأسرار والحِكَم في التوقيت الزمني للعبادات الأربع  في الإسلام.
-الزمخشري، تفسيرالكشاف.
- سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، د.ر (دار المعارف: القاهرة، د.ت).

-عبد الله بن قدامة المقدسي، المغني، تحقيق: عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، ط2 (دار هجر: القاهرة، 1412هـ/1992م).

الأسرار والحكم في تحديدفريضة الحج بأشهر معلومات

الأسرار والحكم في تحديدفريضة  الحج بأشهر معلومات:

لايَظُنَنَّ مسلم أن العبادات في الاسلام هي فقط دون غاية أو هدف ولا حكمة فيها، فهذا الأمر منافي للشرع معارض للعقل غير قابل للمنطق.

ذلك أن رب العالمين خلق الخلق وشرَّع الشرائع ووضح البيات وقدّر الأمور، وأنه عز وجل حكيم في أمره في نهيه في شريعته.

ومن حكمته أنه فرّض علينا الفرائض لأمر عظيم لنا فيه مصلحة وموافق لفطرتنا، فسبحانه هو العليم بنا وبما يصلحنا، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وعبادة الحج معيارٌ على مدى الالتزام ببذل الجهد والمال في سبيل الله، كما أنها الأساس العملي والنظري للمنهاج السياسي الإسلامي الذي يتجسَّد في وحدة المسلمين وتضامنهم.

وقد بين القرآن الكريم، أنَّ أداء الحج مرتبط بفترةٍ زمنية معينة، ينبغي التقيد بها، وذلك في موضعين:

1- قـوله تعالى: }يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{.
جاء في سبب نزول هذه الآية: أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه – قال: يا رسول الله؛ إنَّ اليهود تغشانا، ويكثرون من مسألتنا عن الأهلّة، فأُنزلت.
وقيل: نزلت في رجلين من الصحابة؛ قالا: يا رسول الله؛ ما بال الهلال يبدو دقيقاً، ثم يزيد ويمتلئ، حتى يستدير ويستوي، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، فنـزلت.
وكوْنُ الأهلَّة مواقيت ليس مما يخفى عنهم حتى يسألوا عنه؛ لأنَّ ذلك معروف بينهم، فيتعين بذلك أنهم يسألون عن الحكمة والسبب، وعليه يكون الجواب بقوله: "قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " غير مطابق للسؤال، وإنما جاء على خلاف مقتضى الظاهر، وذلك بصرف السائل إلى غير ما سأل، تنبيهاً على أنَّ ما صُرف إليه هو المهم له، لأنهم في مبدأ تشريعٍ جديد، وكان المهم أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم، عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم، وهو معرفة كون الأهلَّة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات، كالحج والصيام والعدّة، ولذلك صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدةٍ أخرى، والرسول لم يأت مبيناً لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية، والسائلون ليسوا على دراية بعلم الهيئة.
أما إفراد الحج بالذكر في قوله: }مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ { فذلك اعتناءً به، لأن الوقت أشدّ لزوماً له من بقية العبادات، وذلك لأنه لا يصح فعله أداءً ولا قضاءً إلا في وقته المعلوم، وأما غيره من العبادات، فلا يتقيد قضاؤه بوقت أدائه.

2- قـوله تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الألْبَابِ{.
ويدل هذا النص على أنَّ للحج وقتاً معلوماً، وأن وقته أشهر معلومات، وهذه الأشهر هي: شوال، ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
ولم يسمّ الله هذه الأشهر في كتابه؛ وذلك كما يقول القرطبي: "لأنها كانت معلومة عندهم".  

ودلَّت السنة النبوية على وجوب الحج مرّة واحدة في العام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: خَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: «يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحُجُّوا» فقال رجل: أكلّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم» ثم قال: «ذَروني ما تَركتُكم، فإنما هَلك مَنْ كان قبلَكم بكثرة السؤال، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».

أما الأسرار والحِكم التي وقفتُ عليها في توقيت الحج على هذا النحو، فمنها:

1- في التحديد الزمني لوقت الحج من الله سبحانه وتعالى، إنهاءٌ للجدال في مواقيته الزمانية، فقد فسَّر مجاهد وطائفة معه الجدال في الآية بأنه المماراة في الشهور، حسب ما كانت عليه العرب من النسيء، فكانوا يقدّمون الحج سنة، ويؤخرونها أخرى، وربما جعلوه في غير ذي الحجة، ويقف بعضهم بعرفة، وبعضهم بمزدلفة، ويتمارون في الصواب من ذلك. فأخبر سبحانه وتعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج، وردّ الجميع إلى وقتٍ واحد، لا يجوز الخروج عنه، وليس لهم فيه شيء من التقديم أو التأخير، وهو أمر ثابت من الله عز وجل، فالحج شأنه شأن العبادات الأخرى، مرتبط بوقته، وهو هذه الأشهر، فلا يخرج عنها.
وعلى هذا فقد ذهب الإمام الشافعي- رحمه الله- إلى أنَّه لا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات.
وإن كان غيره يعتبر الإحرام به صحيحاً على مدار السنة، ويخصص هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج في مواعيدها المعروفة.
إلا أنَّ ما ذهب إليه الشافعي هنا هو رأي جمهور العلماء، وهو الأصح كما يقول القرطبي.
2- ومن الحكم والأسرار، أنَّ احتياج الحج للتوقيت أمر ضروري، ذلك أنَّ من مقاصد الحج، أن يكون مؤتمراً سنوياً، يجتمع فيه المسلمون على اختلاف بلادهم، وأجناسهم، وألوانهم، ولغاتهم، لما في ذلك من الأثر البالغ في تربية النفوس، وفي تقوية أواصر المحبة والوحدة بين المسلمين، ولو لم يكن مثل هذا التوقيت والتحديد لزمن الحج، لجاء الناس إليه متخالفين، فلم يحصل المقصود من اجتماعهم.

يقول المودودي متحدثاً عن منافع الحج: "إن مكة المكرمة قد جُعلت مركزاً للمسلمين، تهوي إليه نفوسهم من جميع نواحي الأرض، على اختلاف سلالاتهم وأوطانهم، فيشعرون أنهم أخوة فيما بينهم وأنهم لا يؤلِّفون بمجموعهم إلا أمة واحدة، فكأن الحج هو عبادة لله تعالى في جانب، ومؤتمر عالمي سنوي يَفِدُ إليه المسلمون من جميع نواحي الأرض وأقطارها في الجانب الآخر، فهو أكبر وسيلة وأنجح طريقة لتربية الأخوَّة الإسلامية العالمية على الاتحاد والمحبة والتعاون".

وعليه فقد أصبح المسجد الحرام مركزاً للهداية والإشعاع الروحي، ويجتمع فيه العالم الإسلامي كل عام يؤدي خراجه من الطاعة وضريبته من الحب والانقياد، ويثبت تمسّكه بهذا الحبل المتين ولجوءه إلى هذا الركن الركين، ويطوف حـوله الزعماء والفقراء فيجتمعون على تفرُّق، ويلتقون على نقطة واحدة.

يقول الشيخ ولي الله الدهلوي عن هذا المؤتمر السنوي الذي يجتمع فيه المسلمون كل عام: "فإن لكل دولة أو ملة اجتماعاً يتوارده الأقاصي والأداني ليعرف فيه بعضهم بعضاً، ويستفيدوا أحكام الملّة ويعظموا شعائرها، والحج عَرْضَة المسلمين وظهور شوكتهم واجتماع جنودهم وتنويه ملَّتهم".
3-وثَمَّة سرٌّ في تحديد زمن أشهر الحج من العام، ذلك أن هذه الأشهر تبدأ بعد شهر رمضان، مما لـه الأثر العظيم في استدامة التقويم الخُلُقي، والصفاء الروحي، الذي حصل عليه المسلم بالصيام والقيام في رمضان، فيتصل الحج بالصيام ليجعل المسلم دائماً مع الله.
"فإذا كان المؤمن في رمضان، قد تعلّقت نفسُه بربه، وامتنع عما أبيح لـه من مقوّمات الحياة، فإنه بدخول شوال؛ يملأ قلبه بالشعور باستئناف رحلةٍ أخرى، تشترك فيها الروح مع البدن، ويترك وراءه الأهل والوطن، ويتحمل في سبيل تحقيقها عناء الطريق ومصاعب السفر، إنه يقطع أكثر وقته؛ ذليلاً خاشعاً معترفاً بالتقصير، ملتمساً العفو والغفران، والمعونة والرضوان، حتى إذا ما فرغ من مناسكه، واطمأنّ إلى حُسن عمله، عاد إلى وطنه آمناً مطمئناً، قوياً في نفسه، سليماً في عقيدته".

يتبين لك أيها المسلم  عظمة الدين الإسلامي وعظمة التشريع الرباني في أمره وتحديده لهذه العبادة العظيمة الشأن الرفيعة القدر العالية الرتبة، وأن الشريعة الربانية طريق لللتربية وسبيل للتقدم وجادة للتحضر، ومنارة لبناء الانسان نفسيا وخلقيا وعقليا وفكريا.
وما يقوله أعداء الاسلام وما يبثونه من شبهات واتهامات فإنما يفعلونه عن حقد سيطر على قللوبهم أو جهل عشش في عقولهم أو تعصب ملك أفكارهم، فمن يصدقهم أو يمشي على سبيلهم او يردد أفكارهم فهو إما مضيع عقله أو طامع في مال أو منصب أو جاه أو شهرة.
والواجب على المسلم الدفاع عن دينه ونبيه وقرآنه وشريعته بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة والتعليم وأن يكون قدوة ومثالا يحتذى به.
والله أعلم.

المصادر:
- علي بن أحمد الواحدي، أسباب النـزول، تحقيق: رضوان جامع رضوان، ط1 (مكتبة الإيمان: مصر، 1417هـ/1996م).
- عبد الرحمن بن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير (المكتب الإسلامي: بيروت، 1404هـ/ 1984م)، ج1.
-القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2.
- ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج2.
-سيد قطب ، في ظلال القرآن، ط22 (دار الشروق: بيروت، 1414هـ/1994م).
- سليمان بن عمر الجمل، الفتوحات الإلهية، ط1 (دار الكتب العلمية: بيروت، 1416هـ/1996م)، ج1
-أحمد بن يوسف السمين الحلبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق: أحمد الخراط، ط1 (دار القلم: دمشق، 1408هـ/1987م).
-محمد العمادي أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (دار المصحف: القاهرة، د.ت).
-د. عودة عبد عودة عبد الله، الأسرار والحِكَم في التوقيت الزمني للعبادات الأربع  في الإسلام.
- صحيح مسلم.
- الزمخشري، تفسير الكشاف.
- تقي الدين الحُصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تحقيق: كامل عويضة، ط1 (دار الكتب العلمية: بيروت، 1415هـ/1995م).
-المودودي، مبادئ الإسلام.
-الدهلوي، حجة الله البالغة.
- بدران أبو العينين، العبادات الإسلامية مقارنة على المذاهب الأربعة (مؤسسة شباب الجامعة: الإسكندرية،  د.ط، د.ت).

Sunday, March 15, 2015

الأسرار والحكم في تحديد الصيام بصوم شهر رمضان في السنة

الأسرار والحكم في تحديد الصيام بشهر رمضان في السنة:

لا يخفى على أي مسلم وعالم من أي دين، ما للصيام من حكم وأسرار وفوائد طبية ونفسية واجتماعية وروحية وجسمية وجسدية .
وإن دلَّ هذا فإنه يدل على أن أوامر الله لبني البشر هي لمصلحتهم والله غني عنهم؛كما أن النواهي والمنهيات هي لمصلحتهم والله غني عنهم.
والمتعصبون من أذناب العلمانية ودعاة الانحلال يذهبون بعيدا وعميقا في التنقيص من الإسلام والاستهزاء به والتشهير به والسخرية من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ،ويحسبون أنهم على شيء، وما هم إلا أفاعي تنفث سموما وتغير جلودها من حين لآخر، تبعاً للظرف الذي فيه.
والمسلم الحق لا ينخدع بهم ولا بأمثالهم، فيكون ثابت الإيمان راسخ العقيدة صلبَ الافتخار بدينه وبنبيه وبالقرآن الكريم الذي جاء هدى ونورا وبشرى، ومراعيا لفطرة الناس وموافقا لما جُبلَ عليه الإنسان.

ومن هذا الأمر بالصيام وتخصيصه بشهر رمضان.

إن عبادة الصوم هي المؤشر الحقيقي على ضبط النفس، وكبح جماحها، والتغلّب على شهواتها.
وقد جاء القرآن الكريم بتعيين المدة الزمنية أو الأيام التي يجب فيها الصيام، وذلك في نصين كريمين، هما:

1- قـوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ…).
ومعنى معدودات: أي مؤَقَّتات بعدد معلوم. وهذا العدد المعلوم تحديداً هو شهر رمضان، والذي يدل عليه النص الثاني وهو:

2- قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
فهذا الجزء المعروف من السَّنة القمرية بشهر رمضان، هو الذي جُعل زمناً لأداء فريضة الصيام المكتوبة في الدين، فكلما حان وقت هذا الشهر من السَّنة، فقد وجب على المسلمين أداء فريضة الصوم فيه.
ومن جهةٍ أخرى فقد حدد القرآن الكريم، الزمن الذي يبدأ فيه الصوم وينتهي، بالنسبة لليوم الواحد من أيام رمضان، ويظهر ذلك جلياً في قوله تعالى:
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون).
فقـوله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) فيه بيانُ أن الليل كله ظرفٌ للمفطرات التي منها الرَّفث؛ أي الجماع.
وقوله(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) فيه بيانُ جواز الأكل والشرب طوال الليل، وبدء الصوم هو أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود؛ أي تولّي الليل ومجيء النهار.
وقوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) بيانٌ لانتهاء وقت الصوم.
كما جاء هذا التحديد في نصوص من السنة النبوية، ومنها:
ما روته عائشة رضي الله عنها، أنَّ بلالاً كان يؤذن بليل، فقال صلى الله عليه وسلم :«كلوا واشربوا حتى يُؤذِّن ابن أمّ مكتوم، فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر».  
قال العيني: "يُستفاد من هذا الباب أن الصائم لـه أن يأكل ويشرب إلى طلوع الفجر الصادق، فإذا طلع الفجر الصادق كَفّ، وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين".
وفيما يتعلق بوقت انتهاء الإمساك، يدلّ عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم».
أما الأسرار والحكم التي وقفتُ عليها في توقيت فرضية الصوم على هذا النحو، فهي كالآتي:

1-في تحديد الصوم، وتعيين زمنه، وعدم تركه مفتوحاً، من  الحكمة مالا يخفى.
ذلك أن بعض الأديان والشرائع القديمة، تجرّدت عن تعيين أيام الصوم، وتحديدها بالبداية والنهاية، فكان الأمر بالخيار، وكان الناس في كثيرٍ من الأديان مخيَّرين في الأيام التي يصومونها، وفي تحديدها. فكانت النتيجة؛ أن ذلك جنى على الصوم وضيّعه وأضعف قوَّته، فكان للإنسان أن يصوم متى شاء، وما شاء، والأمر موكولٌ إليه، فتطرّق الوَهَن، وتسربت الخيانة إلى النفوس، وتخطّى الناس الحدود وصعبت المحاسبة، فربّ مفطر إذا حوسب تعلل بأنه قد صام فيما مضى.
وإلى هذه الحكمة الدقيقة في التحديد والتعيين، يشير الشيخ ولي الله الدهلوي بقوله:
"وإذا وقع التصدّي لتشريع عام، وإصلاح جماهير الناس، وطوائف العرب والعجم، وجب أن لا يُخيَّر في ذلك الشهر ليختار كل واحدٍ شهراً يسهل عليه صومه، لأن في ذلك فتحاً لباب الاعتذار والتسلل، وسداً لباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإهمالاً لما هو من أعظم طاعات الإسلام".
ثم يقول وهو يذكر الحاجة إلى تعيين المقدار:
" ثم وجب تعيين مقداره، لئلا يفرّط أحدٌ فيستعمل منه مالا ينفعه وينجع فيه، أو يفرط مفرط فيستعمل منه ما يوهن أركانه، ويُذهب نشاطه ويُنَفِّه نفْسه- التنفيه: الإتعاب والإعياء -، ويُزيره القبور، وإنما الصوم ترياق يُستعمل لدفع السموم النفسانية، مع ما فيه نكاية بمطيّة اللطيفة الإنسانية ومنصتها، فلا بدّ من أن يتقدر بقدر الضرورة".
2-في ارتباط فريضة الصوم بشهر واحد في العام أكبر الأثر في تضامن المسلمين ووحدتهم.
قال المودودي: إن«الله تعالى لم يفترض الصيام على المسلمين جميعاً إلا في شهرٍ واحد بعينه، ليصوموا جميعاً لا متفرِّقين.
وفي ذلك أيضاً كثير من المنافع، فإذا جاء شهر رمضان، أظل المجتمع المسلم كله جو من الطهارة والنظافة والإيمان وخشية الله وطاعة أحكامه ودماثة الأخلاق وحسن الأعمال، وكسدت سوق المنكرات، وعم انتشار الخيرات والحسنات، وبدأ الصالحون من عباد الله يتعاونون فيما بينهم على أعمال البر والإحسان، وبدأ يعتري الأشرار الخجل من اقتراف المنكرات، ونشأت في الأغنياء عاطفة المساعدة لإخوانهم الفقراء والمساكين، وبدءوا ينفقون أموالهم في سبيل الله، وأصبح المسلمون جميعاً في حالة متماثلة، وكل ذلك يكون فيهم الشعور العام بأنهم جميعاً جماعة واحدة. وتلك وسيلة ناجعة لتنشأ فيهم عاطفة التحاب والإخاء والمواساة والتعاون والوحدة».
3-في وصفه سبحانه لأيام رمضان بأنها (أياماً معدودات) ما يشير إلى قِلّة هذه الأيام، والتي تشكّل شهراً واحداً في العام، الأمر الذي يخفف وقع التكليف بالصيام على النفوس "وفي هذا تذكير للناس برحمة الله تعالى، وتيسير شرعه، لأنه لو شاء أن يفرض عليهم صوم العام كله أو معظمه لفعل، ولكنه تعالى من رحمته اكتفى منهم بالقليل".
4-أما الحكمة من تخصيص الصوم بشهر رمضان، فقد نطق بها القرآن الكريم. قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) فهو الشهر الذي شرفه الله بنـزول القرآن، وأُفيضت فيه على البشرية هداية الرحمن .
ويدل هذا التخصيص على "أنّ بين الصوم وبين نزول القرآن مناسبة عظيمة، فلما كان هذا الشهر مختصاً بنـزول القرآن، وجب أن يكون مختصاً بالصوم".
ومن مظاهر هذه الصلة المتينة بين رمضان والقرآن، ما ورد من مُدارسة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم مع جبريل – عليه السلام- في كل يوم من أيام هذا الشهر الفضيل.
يقول الشيخ أحمد السرهندي في إحدى رسائله عن العلاقة بين رمضان والقرآن: "إنَّ لهذا الشهر مناسبة تامّة بالقرآن، وبهذه المناسبة، كان نزوله فيه".
فكان تخصيص هذا الشهر بفرضية الصيام ، تذكير للمسلمين بنعمته تعالى بإنزال القرآن الكريم عليهم، حيث اقتضت حكمته تعالى" أنّ وقت أداء الطاعة، هو الوقت الذي يكون مذكراً بنعمة من نعم الله تعالى، مثل يوم عاشوراء، نصر الله تعالى فيه موسى – عليه السلام- على فرعون فصامه، وأمر بصيامه، وكرمضان؛ نزل فيه القرآن، وكان ذلك ابتداء ظهور الملة الإسلامية".

5-أمَّا السر في التحديد الزمني لهذا الصيام من طلوع الشمس إلى غروبها، والامتناع إبّان هذه الفترة عن تناول المفطرات، فلا يخفى ما فيه من تربيةٍ عملية للأمة الإسلامية على الانضباط والالتزام، والدقة في مراعاة الأوقات والانتباه لها.
وهو -بشكلٍ عام- أمرٌ ملحوظ في معظم التشريعات الإسلامية، التي جاءت لتنظم علاقة الإنسان مع الله ومع الناس ومع نفسه.
6-والحكمة من جعل شهر رمضان شهراً قمرياً، تظهر من وجهين:
أ-"لسهولة ضبط بدئه ونهايته، برؤية الهلال والتقدير".
ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل شكل القمر متغيراً، بحسب الزمن الذي يمضي من الشهر، مما يسهّل معرفة أوائل الشهور، وأنصافها، وأواخرها.
ب-ثم إنَّ كون رمضان شهراً قمرياً، يجعله يدور مع العام، في جميع أوقاته، من صيف وشتاءٍ وربيع وخريف.

إن التشريعات الإلهية عظيمة القدر جليلة الشأن بالغة الأهمية، فهي توافق فطرة الإنسان وتلائم احتياجاته، وتنظم حياته، وتنير دربه.
والمتنطعون المتطرفون من أعداء الإسلام يحاربون الشريعة الإسلامية في كل مكان، وحتى بين المسلمين ولا يريدونها أن تحكم ولا أن تأخذ مكانها في الدساتير والقوانين كما هي مكانها في القلوب والأفئدة والنفوس، ذلك أنهم يتخوفون من نهضة المسلمين ورقيهم وتطورهم عندما تعانق الشريعة الإسلامية القوانين والدساتير بشريعتها السمحة الوسطى المعتدلة.
 وعلى كل مسلم أن يسعى من مكان عمله وموطنه ووظيفته إلى النهوض بالإسلام والتعريف بشريعته وتوعية الآخرين بها من المسلمين أو غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بهدوء واتزان وعدم فوضى أو ضجيج.
والله أعلم.

المصادر:
- الزمخشري، الكشاف.
- البخاري، الجامع الصحيح.
- صديق حسن خان القنوجي، أبجد العلوم، تحقيق عبد الجبار زكار، د.ر (دار الكتب العلمية: بيروت، 1978م).
-بدر الدين العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (دار المعرفة: بيروت).
- أبو الحسن الندوي، الأركان الأربعة: الصلاة- الزكاة – الصوم- الحج، في ضوء الكتاب والسنة، ط2 (دار الفتح: بيروت، 1388هـ/1968م).
- الدهلوي، حجة الله البالغة.
- لسان العرب، د.ر (دار صادر: بيروت: د.ت)، مادة ( نَفَهَ).
-المودودي، مبادئ الإسلام.
- عبد العزيز موسى، التفسير الموضوعي لآيات الصوم في القرآن الكريم، ط1 (دار الطباعة المحمدية: القاهرة، 1414هـ/1994م).
-الرازي، التفسير الكبير.
- عبد الحي الحَسني، نزهة الخواطر.
 -مجموعة رسائل الإمام السرهندي .
-محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير،(الدار التونسية للنشر: تونس، 1984م).

Wednesday, March 11, 2015

الأسرار والحكم في تحديد الصلاة بخمسة أوقات في اليوم

الأسرار والحكم في تحديد الصلاة بخمسة أوقاتٍ في اليوم:

الصلاة هي الأساس العملي والنظري للجانب العبادي كلّه، ويُعدُّ الالتزام بها مؤشراً على مستوى العلاقة مع الله من جهة، وعلى مستوى العلاقة مع الناس من جهة أخرى. فلا تستقيم عبادة الإنسان لله إلا إذا كان يقيم الصلاة، ولا تستقيم علاقته بالناس ولن يكون لديه وازع للتعاون معهم والتحمّل عنهم ما لم يكن يقيم الصلاة.

وقد نبَّه القرآن الكريم –بعد الأمر بإقامة الصلاة- إلى قضية التوقيت في الصلاة.
قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا).
ومعنى كون الصلاة "كتاباً موقوتاً": أي واجبة في أوقات معلومة، لا يجوز إخراجها عنها في شيءٍ من الأحوال و لابد من أدائها فيها بقدر الإمكان، وإنَّ أداءها في أوقاتها مقصوراً منها بشرطه، خيرٌ من تأخيرها لقضائها تامة.

والصلوات هي الخمس المعروفة، في أوقاتها المعروفة؛ ببيانٍ من رسول الله e الذي داوم عليها مدّة حياته، ونُقلت عنه بالتواتر العملي، فتوارثتها الأمّة جيلاً بعد جيل، من غير فترةِ يومٍٍ واحد، حتى في أدقّ ساعاتها، وأعظم محنها وأزماتها.
والأحاديث في ذلك كثيرة، ويكفي للدلالة على ذلك ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمروأن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل».

وليس في القرآن الكريم ما ينص صراحةً على عدد هذه الصلوات، وأسمائها وأوقاتها، غير أن هناك آيات تدل عليها، وتشير إلى الأوقات التي تقع فيها هذه الصلوات، وهذه الآيات هي :
قوله تعالت كلمتُه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).
فهذه الآية دالة على أن عدد الصلوات خمس، وذلك " لأن قوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) يدل على الثلاثة من حيث أن أقل الجمع ثلاثة، ثم إنّ قوله تعالى: (وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) يدل على شيءٍ أزْيَد من الثلاثة؛ وإلا لزم التكرار، والأصل عدمه، ثم ذلك الزائد يمتنع أن يكون أربعة؛ وإلا فليس لها وسطى، فلا بدّ وأن ينضم إلى تلك الثلاثة عدد آخر يحصل به للمجموع وسط، وأقل ذلك أن يكون خمسة، فهذه الآية دالة على وجوب الصلوات الخمس بهذا الطريق".

وقوله سمتْ حكمتُه: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
فقولـه: (طَرَفِي النَّهَارِ) يفيد وجوب صلاتيّ الصبح والعصر، لأنهما كالواقعتين على الطرفين، وإن كانت صلاة الصبح واقعة قبل حدوث الطرف الأول، وصلاة العصر واقعة قبل حدوث الطرف الثاني. وقوله: (وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ) يفيد وجوب المغرب والعشاء.
وذهب الزمخشري إلى أنَّ طرفي النهار هما: الغدوة والعشيّة، وصلاة الغـدوة هي: الفجر، وصلاة العشية: الظهر والعصر؛ لأنَّ ما بعد الزوال عشيّ. وصلاة الزُلَف: المغرب والعشاء.
3- قـوله تعالى: (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). ودلوك الشمس هو زوالها. والغسق هو ظلمة الليل.
ويدخل في الفترة الزمنية الممتدة من الدلوك إلى الغسق: صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. وقوله (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يدل على صلاة الصبح.
هذه هي الأوقات الخمسة للصلوات، ولكنْ ما هي الحكمة في توقيتها بتلك الأزمان المعلومة؟ وما السرّ في تكرارها خمس مراتٍ في اليوم؟.

الأسرار والحكم في تحديد الصلاة بخمسة أوقاتٍ في اليوم:
يظهر في هذا التوقيت مجموعة من الأسرار والحكم، أهمها:

*ففي تكرار الصلاة خمس مراتٍ في اليوم، تطهير للمسلم من غفلات قلبه، وأدران خطاياه، وقد مَثَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في حديثه الشريف، فقال: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يومٍ خمساً، ما تقول ذلك يُبقي من دَرَنه؟» قالوا: لا يُبقي من دَرَنِه شيئاً. قال: «فذلك مَثَلُ الصلوات الخمس، يمحوا الله بهنّ الخطايا».والدرن: الوسخ.

*والمسلم قد تغلبه الشهوة، ويستفزه الغضب، ويجذبه تراب الأرض الذي خلق منه، فيقع في الأخطاء، فتكون هذه الصلوات فرصة في كل وقت يثوب فيها إلى رشده، ويرجع إلى ربه، لأنه بالصلاة تَتَساقط الذنوب، مثلما يتساقط الورق عن الغصن اليابس، كما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي يروي عنه سلمان الفارسي- رضي الله عنه-؛ أنه كان معه تحت شجرة فأخذ منها غصناً يابساً، فهزّه حتى تَحَاتّ ورقه، فقال: «يا سلمان، ألا تسألني لمَ أفعل هذا" قلت: ولم تفعله ؟ قال: «إنّ المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس، تَحَاتّت خطاياه كما يتحاتّ هذا الورق» ثم قرأ قوله تعالى: ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ). تحاتت:تساقطت،يتحات:يتساقط.

*إنّ توزيع الصلاة على ساعات اليوم، يجعل العبد دائم الصلة بالله، متذكراً له في الليل والنهار، وفي أوقاتٍ دورية، لئلا تحمله الغفلة على الشر، أو التقصير في الخير.
فحينما يتصدع الليل، ويسفر نقابه عن وجه الفجر، يقوم داعيَ الله يملأ الآفاق… موقظاً للنائمين: أن يقوموا ليتلقوا الصباح الطهور من يد الله… فتجيبه الألسنة الذاكرة، وتحلّ كل عقد الشيطان، حيث تقوم بسرعةٍ إلى الصلاة.
وحين يقوم قائم الظهيرة، وتزول الشمس عن كبد السماء، ويغرق الناس في لُجَج المشاغل الدنيوية، والمتاعب اليومية، يعود المنادي ينادي مرّة ثانية… وهناك يُنتزَع الناس من براثن أعمالهم، وروتين حياتهم، ليقفوا بين يدي خالقهم… دقائق معدودات، يخففون فيها من غلواء التصارع على المادّة، والاستغراق في طلب الدنيا، وذلك في صلاة وسط النهار: صلاة الظهر.
وحين يصير ظلّ الشيء مثله، وتبدأ الشمس تميل للمغيب، ينادي المنادي مرّة ثالثة، داعياً إلى صلاة العصر.
وحين يختفي قرص الشمس، ويغيب وجهها من الأفق، ينادي داعي الله مرة رابعة، مؤذّناً لصلاة آخر النهار، وأول الليل: صلاة المغرب.
وحين يغيب الشفق، يرتفع الصوت الرباني بالأذان الأخير للصلاة الخاتمة ليوم المسلم: صلاة العشاء.
وبهذا يفتتح يومه بالصلاة، ويختتمه بالصلاة، وهو بين الصلاتين: الفجر والعشاء، على موعد دائم متجدد مع الله، كلما دار الفلك، واختلف الليل والنهار.

فهذه الصلوات الخمس، هي وجبات الغذاء اليومي للروح، كما أنّ للمعدة وجباتها اليومية، ففي مناجاة العبد لربه في الصلاة؛ ما ينير قلبه، ويشرح صدره، ويأخذ بيده إلى الله، ليقف بين يديه بلا حجاب، ويكلمه بلا تُرجمان، ويناجيه فيناجي قريباً غير بعيد، ويستعيذ به فيستعيذ بعزيزٍ غير ذليل، ويسأله فيسأل غنياً غير بخيل.

يقول الشيخ ولي الله الدهلوي في حِكمة تكرار الصلوات، وتعاقبها في كل يومٍ وليلة:
"وسياسة الأمة لا تتم إلا بأن يُؤمر بتعهد النفس بعد كل بُرهة من الزمان، حتى يكون انتظاره للصلاة، واستعداده لها من قبل أن يفعلها، وبقية لونها وصبابة نورها بعد أن يفعلها في حكم الصلاة، فيتحقق استيعاب أكثر الأوقات إن لم يكن استيعاب كلّها، وقد جرّبنا أنَّ النائم على عزيمة قيام الليل، لا يتغلغل في النوم البهيمي، وأن المتوزّع خاطره على ارتفاقٍ دنيوي، وعلى محافظة وقت صلاة أو وِردٍ أنْ لا يفوته، لا يتجرّد للبهيمية".

*وفي توالي الصلاة وتخلُّلها لأوقات اليوم واتصالها بأعماله، ما يوحي بأنَّ الحياة كلّها –مهما كانت صروفها- مسرحٌ للتديُّن، فليس التديُّن نشاطاً يُؤخَّر لوقته المخصوص بالقداسة، ويتحلل منه المرء في سائر أوقاته. فإنَّ هذه الصلوات الخمس عندما تتمازج مع صروف الحياة وأعمال اليوم، تنقل إليها روح الدين ومعانيه.
فالصلاة وظيفة تعبُّد محض، توقظ في المصلِّي مشاعر الدين الخالصة، فإذا أحاطت طوال اليوم بأعمال الإنسان أفاضت عليها من روح التعبّد، والمصلِّي الذي لا ينفكّ يومه يتجدد مع تلك المعاني، يُقبِل على سائر شؤونه فيُؤسس أعماله جميعاً على نيّة خالصة مبتغياً بها وجه الله.
ولولا توالي الصلوات لبعُد بالإنسان العهد، وطالت الفترة، فأدركه النسيان والغفلة، وشغلته الهموم والمصالح العاجلة التي تكتنف أعماله اليومية.
واختلاط الصلاة بأعمال اليوم التي لا تحمل معنى الدين لأوِّل وهلة، يَبْسُط معنى العبادة فيها، وينبِّه إلى أبعادها الدينية، وإلى عنصر الابتلاء والمسؤولية فيها. ومتى باشر الإنسان أعماله كلَّها بهذا الوعي، انصلحت نياتُه ومقاصده، واستقامت مآخذه ومسالكه، لأنه يجعل من ضميره رقيباً على تكييف غاياته وضبط وسائله بمعايير الأخلاق وقيم الدين، وتصاحبه تلك الحالة طوال يومه ثم تدوم معه على مدى الأيام.

*ومن الحِكَم في هذا التوقيت والتحديد الزمني؛ أنَّ الأشياء إنْ لم يكن لها وقت معين، فإنَّ ذلك يؤدي إلى التقصير فيها، وعدم المحافظة عليها.
فالعبادات إنْ تُركت هكذا دُون توقيت، ربما تساهل فيها الكثيرون، ولو جُعلت الصلاة هكذا دون تحديد، لربما لم يصلّها الكثير من المتكاسلين.
ولكنه سبحانه وتعالى بتحديده لأوقات الصلوات الواجبة، يبين الحد الأدنى، فلا يجوز أن يُؤتى بأقل من ذلك، لأنَّ من قصر في هذا القدر القليل، الموزّع على هذه الأوقات الخمسة في اليوم والليلة، فهو جدير بأن ينسى ربه ونفسه، ويغرق في بحرٍ من الغفلة.
 وأما من قوي إيمانه وزكتْ نفسُه، فلا يرضى بهذا القليل من ذكر الله ومناجاته، بل يزيد عليه من النافلة، ومن أنواع الذكر الأخرى، ما شاء الله أن يزيد، ويتحرّى في تلك الزيادة، أوقات الفراغ والنشاط، التي يرجو فيها حضور قلبه وخشوعه.

*وفي هذا التوزيع للصلوات الخمس، وهذا التوقيت، من التربية العملية للأمة الإسلامية، ما يشبه الوظائف العسكرية، وذلك من حيث ضرورة الالتزام بأداء هذه الصلوات في أوقاتٍ معينة دون هوادة في ذلك.
وفي ذلك ما يعلّم المسلمين ضرورة الاهتمام بالوقت وتنظيمه، فإنّ الصلاة وهي علاقة بين العبد وربه، مرتبطة بالوقت، ومحددة في أوقاتٍ معينة، وفي هذا إشارة إلى المسلم لكي تكون علاقته بأخيه المسلم، قائمة على احترام الوقت، والاهتمام بتنظيمه، وعدم هدره فيما لا طائل من ورائه.
وينتج الاهتمام بالوقت لدى المسلم جرَّاء مراقبته لأوقات الصلاة، مما يجعله يعيش في يقظة دائمة مستشعراً مرور الزمن، ومستذكراً أنه مسؤولٌ عن طاقات حياته فيم أفناها، وعن أيام عمره فيم قضاها. ففي الصلاة وانتظام أوقاتها المتوالية تنبيهٌ إلى مراحل الوقت وهي تطوي أجل الحياة شيئاً فشيئاً.
*وفي توزيع الصلاة على خمس مراتٍ في اليوم، مع الحث على أدائها جماعة، أكبر الأثر في تضامن المسلمين.
 إن الصلاة جماعة تنشئ الاتحاد والمحبة والإخاء بين المسلمين، وتجعل منهم كتلة متراصة، فإنهم عندما يجتمعون ويقنتون لربهم ويسجدون لـه ويركعون معاً تأتلف قلوبهم، وينشأ فيهم الشعور بأنهم أخوة فيما بينهم، ثم إن الصلاة في جماعة تدربهم على طاعة أمير ينتخبونه من بين أنفسهم، وتربيهم على النظام والانضباط والمحافظة على الأوقات، وتنشئ فيهم المواساة والتراحم والمساواة والائتلاف، فتراهم جميعاً غنيهم وفقيرهم وكبيرهم وصغيرهم، وأعلاهم وأدناهم، يقومون جنباً إلى جنب، فلا شريف فيهم ولا دنيء، ولا رفيع ولا وضيع.
               
فأيُّ تضامن في أي مجتمع أفضل من هذا التضامن الإسلامي الذي يقوم على أسس من عبادة الله عز وجل وينبع من صميم هذه العبادة وشعائرها، ويظهر بهذه الصورة المشرقة التي تتجلى في إقامة الصلاة على المستوى اليومي والأسبوعي والسنوي وفي المناسبات العامة التي تتعلق بمصلحة الجماعة وحياتها كالاستسقاء والكسوف والخسوف وصلاة الجنازة.

والصلاة بتواليها خمس مرّات في اليوم الواحد، تهدي المسلمين إلى الاجتماع على كلّ أمرٍ يهمهم، والتعاون على تدبير شؤونهم كافة، لأنهم في كلِّ لقاءٍ يتجدد يتعارفون ويتآلفون، ويقف بعضهم على أحوال بعض، فيصبحون بفضل الصلاة إخواناً متَّحدين في بناءٍ اجتماعيّ متين لا توهنه القطيعة والانعزال، وتسود بينهم مظاهر الوحدة التي وصفها النبي r حين قال: «ترى المسلمين في تراحمهم وتوادّهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».
إن في توزيع الصلاة على خمس مرات في اليوم: تطهيرٌ للمسلم من غفلات قلبه، لأنها تجعله دائم الصلة بالله. كما أنَّ في هذا التوقيت ما يدعو إلى الحفاظ على هذه العبادة وعدم التهاون في أدائها في أوقاتها المحددة، وفي ذلك تربية عملية للأمة الإسلامية على احترام الوقت وضرورة العمل على تنظيمه والحفاظ عليه، ويُعدُّ ذلك عاملاً مهماً في تحقيق التضامن بين المسلمين.
والله أعلم
المصادر:
- محمود الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل، دار الكتب العلمية: بيروت.
- محمد الرازي، التفسير الكبير،دار إحياء التراث العربي: بيروت.
-عبد الله البيضاوي، أنوار التنـزيل وأسرار التأويل، دار الكتب العلمية: بيروت.
-محمد رشيد رضا، المنار ،دار المعرفة: بيروت، د.ت.
- محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن،دار إحياء التراث العربي: بيروت.
-إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط،المكتبة الإسلامية: استانبول.
- الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان داوود،دار القلم: دمشق/ الدار الشامية: بيروت.
-يوسف القرضاوي، الوقت في حياة المسلم،مكتبة وهبة: القاهرة.
- يوسف القرضاوي، العبادة في الإسلام، مؤسسة الرسالة: بيروت.
-أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي، حجة الله البالغة،دار المعرفة: بيروت.
-حسن الترابي، الصلاة عماد الدين، دار القلم: الكويت.
- عبد الحميد كشك، في رحاب التفسير،المكتب المصري الحديث: القاهرة.
- أبو الأعلى المودودي، مبادئ الإسلام،الدار السعودية للنشر والتوزيع: الرياض.
-صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد وغيرهم
- الأسرار والحِكَم في التوقيت الزمني للعبادات الأربع في الإسلام، د. عودة عبد عودة عبد الله.

عمل النساء والمرأة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم

عمل النساء والمرأة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم:

نظرة الإسلام للمرأة نظرة راقية وذات أدب عال ونظرة عادلة ومراعية لما هي عليها.

وقد بيَّن الإسلام في أحكامه والرسول محمد عليه الصلاة والسلام في سيرته وتعامله مع النساء عدل المعاملة وجمال المعاشرة ونبل الأخلاق وسمو الصفات.
والناظر في رياض الإسلام وحدائق سيرة الرسول يجد هذا التعامل واضحاً بيّنا.

دع عنك أقوال المفترين من الغربيين وأذنابهم من المنتسبين للعرب والإسلام فهؤلاء بكذبهم وتدليسهم منطلقين من التعصب ومحاربة الإسلام إذ نشروا الشبهات والأكاذيب ليشوهوا صورة الإسلام ونصاعة أحكامه ونقاء تعاليمه، ويسخروا من رسول الله ويستهزؤوا به، فلا تصدق أقوالهم ولا تمش في ركبهم ولا تسر على طريقهم فكلنا سيموت وسيحاسبه الله، فتنبه.

لقد كان عمل النساء في العهد النبوي شائعاً معروفاً, ولكنه كان منضبطاً بضوابط الشرع.

ويمكن تقسيم العمل الذي كان النساء يمارسنه في ذلك العهد إلى أربعة أقسام :

الأولعملهن في تطبيب الجرحى, والقيام على المرضى في جيوش المسلمين:
روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول  الله  صلى  الله  عليه وسلم يغزو بأم سليم  ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى.
وعن أم عطية رضي الله عنها قال : ( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام, وأداوي الجرحى, وأقوم على المرضى ) رواه مسلم.
ولاشك أن خروجهن في الغزو كان مع أزواجهن أو محارمهن كما لا يخفى.

الثانيعملهن في الزراعة:
روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك, ولا شيء غير ناضح وغير فرسه, فكنت أعلف فرسه, واستقي الماء وأخرز غربه وأعجن, وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي, وهي مني على ثلثي فرسخ.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : طلقت خالتي, فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم, فقال :(بلى فجدي نخلك, فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً)رواه مسلم.
ومعنى تجدي نخلك : تقطعي ثمره.

الثالثاشتغالهن بالأعمال اليدوية:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً،فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً, قالت : فكانت أطولهن يداً زينب رضي الله عنها, لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق وإنها كانت امرأة قصيرة, ولم تكن أطولنا ) أخرجه مسلم.
وكانت رائطة امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما امرأة صناع اليد, فكانت تنفق  عليه  وعلى ولد من صنعتها .. رواه أحمد.

الرابعاشتغالهن بالتعليم والفتوى:
وهذا مشهور بين أزواجه صلى الله عليه وسلم, بل نص العلماء على أن من الحِكَم من تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم أن يطلع الناس على سيرته في تعامله معهن ليكون قدوة للأزواج في تعاملهم مع أهليهم وكان أشهرهن عائشة وأم سلمة رضي  الله  عنهما.

الخامس: تبادل التحية بين الرجال و النساء:
عن أم هانئ ابنة أبي طالب قالت : ذهبت إلي رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه.... ( رواه البخاري ومسلم ).
عن أبي حازم عن سهل قال : كنا نفرح يوم الجمعة, قلت لسهل ولما؟ قال : كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر حبات من شعير, فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها فتقدمه إلينا فنفرح من أجله, وما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة. ( رواه البخاري).
بضاعة : اسم موضع بستان.
تكركر: تطحن.
عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال : ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا الجوع يا رسول الله , قال... قوموا,فقاموا معه حتى أتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت : مرحبا وأهلا ...

قال النووي :
في الحديث استحباب إكرام الضيف بهذا القول وشبهه وإظهار السرور بقدومه.
وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة ,
وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علما محققا أنه لا يكرهه , بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة.

عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغار...فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال مرحبا بنسب قريب... ( رواه البخاري). 

السادس:حديث المرأة مع الرجل للحاجة وفي الأمور والمصالح العامة بجدية وأدب ووقار مشروع غير محظور:
حديث : كان رسول الله يمر بنساء فيسلم عليهن.(رواه أحمد).
عن أسماء بنت يزيد قالت: "مر علينا النبي صلي الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا".(رواه أبو داود).

فهذه هي أهم الأعمال التي كان النساء يقمن بها ضمن حدود الشريعة وضوابطها.
ولاشك أنه ستظل هناك مجالات بحاجة إلى أن تعمل فيها المرأة ضمن ضوابط الشريعة وحدودها  كتعليم البنات وعلاج النساء والرجال في بعض الظروف, كحالات الحروب الشاملة والأوبئة العامة والكوارث وغيرها.

قال الشاعر:
فَخْرِيْ بِأَنِّيْ مُسْلِمٌ لا بِاْلْعُرُوْبَةِ وَاْلْنَّسبْ
وَبِأَنَّ فِيْ قَلْبِيْ هُدَىْ اْلْتَّوْحِيْدِ لاْ شِرْكَ اْلْعَطَبْ
وَبِإَنَّ لِيْ ذَاْكَ اْلْنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ عَاْلِيْ اْلأَدَبْ
صَلَّىْ عَلِيْهِ اْللهُ مَاْ ظَهَرَ اْلْسَّحَاْبُ وِمَاْ اْنْسَحَبْ
وَبِأَن دِيْنَ اْللهِ يَأْمُرُ بِاْلْصَّلاْةِ فَأَقْتَرِبْ
وَبِأَنَّ فِيْ شَهْرِ اْلْصِّيَاْمُ تُقَىً وَفِيْ اْلْصَّوْمِ اْلْرُّتَبْ
وَبِأَنَّ فِيْ اْلْمَاْلِ اْلْزَّكَاْةُ لَطُهْرَةٌ وَبِهِ اْلْقُرَبْ

وَبِأَنَّ حَجَّ اْلْبَيْتِ أَمْرٌ لاْ يُؤَجَّلُ يَاْ عَرَبْ
هَذِي اْلْمَفَاْخِرُ فَاْعْمَلُوْاْ بِعَقِيْدَةٍ لا تَضْطَرِبْ