الاختلاف والتمايز عن العالم:
قال مكسيم غوركي: جئتُ إلى هذا العالم لأختلف معه.
ولعل قائلا يقول: وأنا جئتُ إلى هذا العالم لأختلف مع مكسيم غوركي هذا، ومع
غيره.
بصراحة: الذي أكرهه في هذه الحياة أكثر مما أحبُّه ، لكنّ كُرهَ أشساء
الحياة تختلف درجاته بتفاوت أثره السيء على نفسي...
فأنا
أكره فعل العالم أو الشيخ الذي يقف بجانب الحاكم أو الرئيس أو الملك الظالم، أكره هذا
العالم الذي يبيع دينه وآخرته من أجل حفنة مال أو كلمة ثناء أو رقي وظيفة أو زيادة
جاه.
لأن
هذا الشيخ يكون متواطئا مع الظالم في ظلم الآخرين، فينتقص من دينه بزيادة قربه من
هذا الرئيس أو الملك أو الأمير الظالم.
وربما
يستعظم هذا القول أحد ما أو يرفضه، لا بأس، لكن لينظر أحدنا إلى الذين يسمون علماء
أو مشايخ ، ألا ترى الأكثر والأغلب يقفون مع القوي الظالم المستبد الفاسق ضد
الضعيف المظلوم المؤمن.
ألم
نسمع فتاوى تنهال على من يسعون لإصلاح بلادهم من الظلم والجور والاستبداد تقضي بجواز ولزوم قتلهم وحبسهم وردعهم؟
ألا
نسمع كل يوم عن مواطن يدخل السجن بسبب مواقفه الشجاعة بقول الحق ضد الظالمين من
رؤساء وأمراء وملوك ومسؤولين؟
كان
من المفترض على العلماء والباحثين ورؤوس المثقفين والأدباء أن يقولوا الحق ويقفوا
معه ضد الظلم والظالمين، وأن يجهروا بقول الحق كلما أخطأ مسؤول ويسعون لأن ينال
جزاؤه العادل، حتى يرتدع هو وغيره وأمثاله عن الظلم وسرقة الآخرين والإضرار بهم.
إلا
أننا نرى الواقع غير ذلك، فالذي ينصر الحق من هؤلاء العلماء والباحثين ورؤوس
المثقفين والأدباء قلة قليلة تعد على الأصابع في وسط زبد منهم.
هؤلاء
ليسوا بعلماء ولا شيوخ ولا مثقفين ولا كتاب ولا بحثة، إنهم : العماء المرتزقة.
نعم،
علماء مرتوقة،شيوخ مرتزقة، كتاب وباحثين ومثقفين مرتزقة، لأنهم لم يحترموا علمهم
ولا معرفتهم ولا ما حَمَّلّهم الله من أمانة العلم والمعرفة ليقولوا الحق ويقفوا
ضد الظالم أياً كان.
(إنما
يخشى الله من عباده العلماء) وهؤلاء لم يخشوا الله فخافوا من عبد الله من رئيس أو
ملك أو أمير أو مسؤول ظالم،فارتعدت فرائصهم واقشعرت جلودهم فانزوا بعلمهم و عماماتهم
ولباسهم الأنيق كالفئران إلى الجحور.
وماذا
عليهم لو أنهم قالوا الحق بوجه الظالم، ووقفوا بشجاعة أمام تعدي الرئيس والمسؤول
على الآخرين، فلو فعلوا ذلك لوجدوا العون من الله وازدادت محبتهم ومنزلتهم عند
سكان السموات من الملائكة والناس في الأرض.
إنهم
فقط يقولون ويثرثرون ويلوكون ألسنتهم ويخطبون ويحاضرون ويدرسون، فقط بالكلام، لكن
وقت الفعال تحسبهم أموات لا حس ولا حركة، كأنهم متحجرات.
ما زلنا من القرن الماضي لم نتقدم خطوة للأمام ولم نسر ولو ذراعا للأمام،ما
زلنا وراء الأمم نرى مؤخراتهم وهم يتقدمون، ونستنشق غبار سيرهم الذي تركوه ورائهم،
ونأكل من فتات ما يتكرمون عليه لنا من العلوم والمعارف، التي لا تضرهم.
ما كان ذلك ليحصل لولا طرفين من الناس:
الطرف الأول: الرؤساء والملوك الظالمين المستبدين، قاتلي شعوبهم، وخافضي
الرأس أمام الأعداء من غرب صليبي أو شرق شيوعي أو كليهما.
وهؤلاء الرؤوساء وجهان لعملة واحدة، منهم من يعادي الدين ويكره الإسلام
ويحاربه.
ومنهم من يدعي أنه على مسار القرون
الأول يسير ويخطو، لكنه مع ذلك يسمح بالبنوك الربوية في بلادهم ، ويستعين بالكفار
على قتال إخوانه المسلمين، ويمُّدُّ العلمانيين والغرب بالمال والدعم الاعلامي
والسياسي، فهذا أسوأ من الأول بأضعاف المرات.
الطرف الثاني: هم العلماء والمفكرون والمثقفون والأدباء الذين خنعوا للرئيس
الظالم وللملك المستبد وللأمير الجاهل الفاسق، فأحلوا له الحرام، ووافقوه عليه،
وشرعوا له من الدين على حسب هواه ونزواته وأهوائه.
إن هذان الطرفان هما المسؤولان الأولان على ما نحن عليه من تخلف وتراجع
وتكالب الأمم علينا،اتفقوا على هذا ومضوا عليه وأجمعوا إجماعا عمليا على المُضِيّ
فيه، فكانت هذه الحالة التي وصلنا إليها.
كيف للأمة أن تسود وتعلو وفيها قادة علم وسياسة خاضعين جبناء.
كيف للأمة الإسلامية أن تتقدم وتتطور وفيها حملة العلم والفكر والسياسة
ضيقة عقولهم وفكرهم محدود وينظرون من زاوية واحدة ولا يتقبلون الرأي الآخر .
إن الحل هو الخروج من هذه الأخطاء ونقد أنفسنا والتعرف على مواطن الخلل
والخطأ لكي نصلحها.
قال
الشاعر:
لْهَفِيْ عَلَيْهِ تَنَكَّرَتْ أَعْلاَمُهُ**إلا عَلَى الخِرِّيْتِ في ذَي
الشَّانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحت أَنْوَارُهُ**مَحْجُوْبَةً عَن سَالِكٍ
حَيْرَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحَتْ أَنْصَارُهُ**في قِلَّةٍ في هَذِهِ
الأَزْمَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَهْلُهُ في غُرْبَةٍ**أَضْحَوْا وَهُمْ في الأَهْلِ
وَالأَوْطَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِمْ أَصْبَحُوا في ضَيْعَةٍ**أَنْوَارُهُمْ تَخْفَى عَلَى
العُمْيَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِمْ كَمْ لَنَا قَدْ أَخْلَصُوْا**في النُّصْحِ لَوْ
كَانَتْ لَنَا أُذُنَانِ
لْهَفِيْ عَلَى مَنْ يَجْلِبُونَ عَلَيْهِمُ**بالنُّصْحِ كُلَّ أَذى
وَكْلَّ هَواَنِ
لْهَفِيْ عَلَى مَنْ هُمْ مَصَابَيْحُ الهُدى**مَا بَيْنَنَا لَوْ تُبْصِر
العَيْنَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِم أُوْجِدُوْا في أمَّةٍ**قَنعَتْ مِن الإٍسْلاَمِ
بالعُنْوَانِ
لاَ يُعْرَفُ المَعْرُوْفُ فَيْمَا بَيْنَنَا**والنَّكْرُ مَأْلُوفٌ بِلاَ
نُكْرَانِ
خَذَلَتْ ذَوِيْ النُّصْحِ الصَّحِيْحِِ وَأَصْبَحَتْ**عَوْنًا لِكُلِّ
مُضَلَّلٍ فَتَّانِ
يَا وَيْحَ قَوْمٍ لاَ يُمَيِّزُ جُلُّهُمْ**ذَا الْحَقِّ مِن ذِيْ
دَعْوَةِ البُطْلاَنِ
فَتَصَدَّرَ الجُهَّالُ والضُّلاَّلُ فِيْـ**ـهِمْ بادِِّعَاءِ العِلْمِ
والْعِرْفَانِ
مِنْ كُلِّ مَنْ يَخْتَالُ في فَضاضِهِ**فَدْم ثَقِيْلٌ وَاسِعُ الأرْدَانِ
مُتَقَمِّشٌ مِن هَذِهِ الأَوْضَاعِ والْـ**آرَاءِ إِمَّعَةٌ بِلاَ فُرْقَانِ
يُبْدِيْ التَّمَشْدُقَ في المَحَافِلِ كَيْ يُرَى**لِلنَّاسِ ذَا عِلْمٍ
وذَا إِتقان
تَبًّا لَهُ مِن جَاهِلٍ مُتَعَالِمٍ**مُتسَلِّطٍ بِوِلاَيَةِ السُّلْطَانِ
رَفَعَتْ خَسِيْسَتَهُ المَنَاصِبُ فازْدَرَى**أَهْلَ الهُدَى والعِلْمِ
والإِيْمَانِ
لَيْسَ التَّرَفُعُ بالمَنَاصِبِ رِفْعَةً**بالعِلْمِ والتَّقْوَى عُلُّوُ
الشَّانِ
تَرَكَ المَنَابِرَ مَنْ يَقُوْمُ بِحَقِّهَا**مِنْ كُلِّ ذِيْ لَسْنٍ
وَذِيْ عِرْفانِ
وَنَزَا عَلَيْهَا سَفْلَةٌ يَا لَيْتَهُمُ**قَدْ أُدْرِجُوْا مِنْ قَبْلُ
في الأكْفَانِ
تَبْكِيْ المَنَابِرُ مِنْهُمُ وَتَوَدُّ لَوْ** تَنْدَكُّ تَحْتهُمُو إلى
الأَرْكَانِ
وَكَذا رُءُوسُهُمُ الطَّغَاةُ فَإنَّهُمْ ** لَمْ يَرْفَعُوْا رَأْسًا
بِذَا الفُرْقَانِ
مَا حَكَّمُوْا فِيْهِمْ شَرَائِعَ دِيْنهِمْ ** وَالعَدْلُ فِيْهَا
قَائِمُ الأَرْكَانِ
وَيْحَ الشَّرِيْعَةِ مِنْ مَشَايِخِ جُبَّةٍ** واللَّابِسِيْنَ لَنَا
مُسُوْكَ الضَّانِ
غَزَوُا الوَرَى بالزِّيْ والسَّمْتِ الذِي** يُخْفِيْ مَخَازِيْ الجَهْلِ
والعِصْيَانِ
وَرْءُوسُ سُوْءٍ لاَ اهْتِمَامَ بِهمْ بِدِيْـ** ـنٍ قَامَ أوْ قَدْ خَرَّ
لِلأَذْقَانِ
وَلَربَّمَا أَبْدَوْا عِنَايَتَهُمْ بِهِ** بسِيَاسَةٍ تَخْفَى على
الإِنْسَانِ
يا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ هُبُّوْا هَبَّةً** قَدْ طَالَ نَوْمُكُمو إلَى
ذَا الآنِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ قُوْمُوْا قَوْمَةً** للهِ تَعْلِيْ كِلْمَةَ
الإِيْمَانِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ عَزْمَةَ صَادِقٍ** مُتَجَرِّدٍ للهِ غَيْرَ
جَبَانِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ أَنْتُمْ مُلْتَجَا** لِلدِّينِ عِنْدَ تَفَاقُمِ
الحَدَثَان
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ كُوْنُوا قُدْوَةً** لِلنَّاس في الإسلامِ
والإِحسان
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ أَنْتُمْ حُجَّةٌ** لِلنَّاسِ فادْعُوْهُمْ إلى
القُرْآنِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ إنَّ سُكُوْتَكُمْ** مِنْ حُجَّةِ الجُهَّالِ
كُلَّ زَمَانِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ لا تَتَخَاذَلُوْا** وَتَعَاوَنُوا في الحَقِّ لا
العُدْوَانِ
وَتَجَرَّدُوْا للهِ مِنْ أَهْوَائِكُمْ** وَدَعُوْا التَّنَافُسَ في
الحُطَامِ الفَانِي
وَتَعَاقَدُوْا وَتَعَاهَدُوْا أَنْ تَنْصُرُوْا** مُتَعَاضِدِيْنَ
شَرِيْعَةَ الرَّحْمنِ
كُوْنُوا بِحَيْثُ يَكُونُ نُصْبَ عُيُوْنِكُمْ** نَصْرُ الكتابِ وَسُنَّةُ
الإِيْمَانِ
فاللهُ يَنْصُرُ مَنْ يَقُوْمُ بِنَصْرِهِ**
واللهُ يَخْذُلُ نَاصِرَ الشيطان