Friday, May 8, 2015

التفكر في القرآن الكريم

التفكر في القرآن الكريم:
لقد جاء ذكر التفكر في القرآن الكريم في سبع عشرة آية منها:
1 قال تعالى: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون).
في خلق هذه النحلة الصغيرة التي هداها الله الهداية العجيبة، ويسَّر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها، ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة؛ فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعى سواه.
معنى التفكر: كلمة فيها معنى النظر والتفهم.
وقد عرّف الراغب الأصفهاني التفكر بأنه جولان قوة الفكر بحسب نظر العقل.
ويستعمل الفكر في المعاني، وهو فحص الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقيقتها، ولذلك تقول اللغة: إن الفكر هو إعمال النظر في الشيء.
التفكر بالمعنى الأخلاقي الإسلامي القرآني، هو أن ينظر الإنسان في الشيء على وجه العبرة والعظة لتقوية جوانب الخير والصلاح ومقاومة دواعي الشر والفساد، ولذلك نجد المفسرين يتعرضون لمعنى قوله تعالى:  (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ، فيقولون في معنى (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)أي: لكي تتفكروا في أمر الدنيا وأمر الآخرة. فتتجنبوا ما يجلب عليكم البلاء والشقاء فيهما، وتعتصموا بما هو لائق بالمؤمنين من الأخلاق والمكارم وتستنبطوا الأحكام وتفهموا المصالح والمنافع المنوطة بها، فتأخذوا بالأصلح وتبتعدوا عما يضركم ولا ينفعكم أو يضركم أكثر مما ينفعكم.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ )،  ( والنجم إذا هوى)،( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ)،( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)،( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب)،( والسماء ذات البروج)،(والسماء ذات الحبك).
إن عشرات الآيات في كتاب الله قد عرضت أموراً فلكية غاية في التنوع بشأن بناء السماء وما فيها من آيات والليل والنهار والقمر والكواكب.
ولقد أثبت ذلك العلم بالدليل، والمعجزات المذهلة في القرآن العظيم. التي تستدعي على المسلم أن يزداد إيمانه ويقينه بإيمانه بخالقه وقدرته سبحانه، فيعمل لرضاه ويبتعد عن سخطه.
الآثار وأقوال العلماء الواردة فـي التفكر:
لقد أشاد السابقون من علماء الأمة وبصرائها بمنزلة التفكر السليم القويم.
فقال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت فيه نعمة ولي فيه عبرة.
قال بشر بن الحارث الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله.
عن الفضيل بن عياض قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.
قال الشافعي رحمه الله: استعينوا على الكلام بالصمت، وعلى الاستنباط بالفكر.
وقال أيضاً: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم، وتدبر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم.
قال أبو سليمان: عوِّدوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.
وقال: الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة، والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب.
قال ابن القيم رحمه الله: أنفع الدواء أن تَشْغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد أو تقترب من إلهك ومعبودك، الذي لا سعادة لك إلا في قُربه ورضاه عنك إلا بها، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، أنه بكى يوماً بين أصحابه، فسئل عن ذلك فقال: فكَّرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها، فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتُها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها لمواعظ لمن أدَّكر.
عن الحسن رحمه الله قال: إن أفضل العمل الورع والتفكر، وقال أيضاً: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
قال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نِعم الله  من أفضل العبادة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله.
عن عبد الله بن عتبة قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.
عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد r يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.
وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما فني وإن كان كثيراً يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية.
وعن محمد بن كعب القرظي قال: لأن أقرا ليلتي حتى الصبح بإذا زلزلت، والقارعة، لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذًّا، أو قال أنثره نثراً.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.
كان سفيان بن عيينة رحمه الله يتمثل قول الشاعر:
إذا المرء كانت له فِكرةٌ  *** ففي كل شيء له عبرةٌ
وقال بعض الأدباء:
إني رأيت عواقب الدنيا ***فتركت ما أهوى لما أخشى
فكرت في الدنيا وعالمها ***فإذا جميع أمورها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا ***كل امرئ في شأنه يسعى
أسنى منازلها وأرفعُها ***في العز أقربها من المهوى
تعفو مساويها محاسنها *** لا فرق بين النعي والبشرى
يقول الغزالي: الفكر هو مصباح الأنوار ومبدأ الاستبصار وشبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم.
والله أعلم.
المصادر:
-التفكر في ملكوت السماوات والأرض وقدرة الله تعالى،تأليف عبد الله بن محمد المنيف ومحمد بن علي العرفج.
-إحياء علوم الدين للغزالي.
- التفكير فريضة إسلامية،لمصطفى العقاد.

No comments :

Post a Comment