Wednesday, November 27, 2013

جمع الكلمة بصور متعددة في القرآن الكريم


جمع الكلمة بصور متعددة في القرآن الكريم:
 الذي يتلو القرآن الكريم تلاوة سطحية وقراءة سريعة غير الذي يتلو القرآن بتدبر وتفكر وتأمل.
فالأول لا يستفيد كثيرا سوى حسنات بعدد الأحرف التي يقرأها، بينما الثاني يستفيد كثيراً، فبالإضافة للحسنات التي يكسبها بعدد الأحرف التي يقرأها، يستفيد علماً جديداً، وفكراً نيِّراً، وخشوعاص في القلب، وتعظيما لله ، وازدياد إيمان، وازدياد تقرب من الله تعالى.
 الفرق بينهما شاسع وكبير، وواضح وبيِّن.
ومنذ غَفل المسلمون عن القرآن الكريم ودراسته دراسةً واعيةً مستبصرةً فاحصةً مُنَقِبَةً عن الفوائد العديدة في التشريع والأحكام والأخلاق والأنفس والأكوان، هبطوا للحضيض وأصبحوا يشحذون مِنْ عدوهم وسائل الحياة فأصبحوا عبيداً وظاهرهم أسياداً، وأصبحوا تابعين وظاهرهم مستقلين.
والأدهى والأمر أن يلجأ مسلمون للغرب الصليبي والشرق الشيوعي الذين اجتمعا على محاربة الاسلام، أن يلجأ أولئك لهؤلاء فَيَتَبَنَّوا أفكار الشيوعية الحاقدة المستبدة و بعضهم يَتَبَنَّوا العلمانية الحاسدة الملحدة، ويجعلون مِن أنفسهم رماحاً وسهاماً وسيوفاً يضربون الإسلامَ وتعاليمَه والقرآنَ وآياتِه.
وهيهات هيهات، مهما فعلوا، فالله حافظ دينه وكتابه.
والقرآن الكريم نور يضيئ في ظلمات الأفكار الظلامية من الشيوعية وأتباعها والعلمانية وخدامها، والمتفكر في آيات القرآن يزداد إيمانا على إيمان كلما قرأه بإمعان واتقان.
فمثلاً:
في القرآن جمع كلمات بصور متعددة:
مثل سنبلات وسنابل جمع سنبلة:
في سورة البقرة :  (أنبتت سبع سنابل)
في سورة يوسف: ( وسبع سنبلات خضر).
في سورة البقرة جاءت (سنابل) لبيان المضاعفة والزيادة، فناسب صيغة (جمع الكثرة).
وفي سورة يوسف جاء (سنبلات) (جمع قلة)، ليناسب اللفظ المعنى .
وهو من [باب الاتساع] ، و[وقوع أحد الجمعين موقع الآخر].
ولمَّا كان الكلام في آية البقرة في تضعيف الأجر ، ناسبها (جمع الكثرة) .
 وفي سورة يوسف ذُكِرَت في سياق الكلام في سني الجدب؛ فناسبها (التقليل)؛ فَجُمِعَتْ (جمع القلة) .
قال شهاب الدين - رحمه الله - :
اعلم أن جَمْعَي السَّلامة لا يميَّز بهما عددٌ إلا في موضعين:
أحدهما : ألا يكون لذلك المفرد جمعٌ سواه ، نحو : سبع سموات ، وسبع بقرات ، وسبع سنبلات ، وتسع آيات ، وخمس صلوات ، لأنَّ هذه الأشياء لم تجمع إلا جمع السلامة.
والثاني : أن يعدل إليه لمجاوزة غيره ، كقوله : { وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ }
 عدل من « سَنَابِلَ » إِلى « سُنْبُلاَتٍ » ؛ لأجل مجاورته « سَبْعَ بَقَرات » ، ولذلك إذا لم توجد المجاورة ، ميِّز بجمع التكسير دون جمع السلامة ، وإن كان موجوداً نحو : « سَبْعَ طَرَائِق ، وسَبْعِ لَيَالٍ » مع جواز : طريقات ، وليلات .

 وعند علماء اللغة تقع أمثلة الجمع موقع بعضها، كما في قوله سبحانه(ثلاثةَ قروء)
والقُروء جمع قُرء بضم القاف (قُرء) وفتحها (قَرء) وهو الحيض، فجاء التمييز (قُرُوء) جمع كثرة على وزن فُعُول دون جمع القلة وهو (أقراء) على وزن(أفعال).
فكان حق(ثلاثة) أن تضاف إلى (أقراء) أو (أقرؤ) بوزن أفْعُل، وكلاهما جمع قلة؛ لأن تمييز العدد من ثلاثة إلى عشرة يكون جمع قلة ، والعرب يتسعون في ذلك، فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر، ولعل (القروء) كانت أكثر استعمالا من الأقرء، ففضله.

وهناك سر لطيف آخر، وهو : أن النساء تتربص وتتنظر ثلاثة أقراء، ولما أُسند التربص إلى جماعة النساء المطلقات وهن كثير، أتى بلفظ (قروء) الدال على الكثرة، فناسب انتظار النساء المطلقات وهن كثر، لفظ(قروء) الدال على جمع الكثرة.

وأيضاً فُضِّلَ جمع الكثرة هنا(قروء) لأن بناء جمع القلة شاذ، فإنه جمع قرء بفتح القاف(قَرء) وهو على وزن فَعل، وجمع فَعل صحيح العين على (أفعال) شاذ، فَجُمِع على وزن(فَعُول) الذي هو (قروء).

وها هنا سؤال:
ولم قال (يتربصن) دون غيرها من الأفعال الدالة على ذلك مثل: يمكثن،ينتظرن؟.
ولم قال(بأنفسهن) هنا، إذ في آية أخرى قال: (تربص أربعة أشهر)؟
والجواب على ذلك:
إن اختيار لفظ(التَّربص) لأمر كان خيراً أوشراً يدل على التحفز؛ لأن النساء بعد الطلاق يرين حياة أخرى جديدة، وبعد انتهاء العدة تثبت لنفسها ولغيرها، وذلك يُصاحب صورة(التربص).
وفي ذكر (الأنفس) حثّ على التربص لأن أنفس النساء تطمح إلى الرجال، وهو من باب التوكيد لما في طباعهنّ من الطموح إلى الرجال والتزويج ، فمتى أكد الكلام دل على شدة المطلوب.
 والله أعلم.
فهذا القرآن فيه ما فيه من اللطائف البلاغية و الجمال البياني الذي يُشعل القلب حباً لله وعشقاً لله وشوقاً لله، إنْ قرأه المسلم قراءة واعيةً، يستكشف بها عن المعاني الجليلة و البيان الخالب للقلوب والعقول.
حقيقٌ علينا ألا نهجر القرآن هذا الهجر المقيت الذي نراه من مسلمي العصر وخاصة مثقفيهم ومفكريهم، الذي بعضهم ولَّى وجهه تجاه الأفكار الشيوعية الداعية للكفر بالله وبوجوده والاستهزاء برسول الله وبكتابه، وبالحقد على الإسلام وعلى القرآن وعلى المسلمين.
والبعض الآخر ولَّى وجهه قِبَلَ الغرب الصليبي ومذاهبه من الوجودية الناكرة لله، أو المادية الناكرة لأمور الآخرة، أو العلمانية الناكرة للشريعة الاسلامية، أو الليبرالية الناكرة للأخلاق الفاضلة.
فكلا المعسكرين الشرقي والغربي بما فيهما من مذاهب وأفكار قد اتفقوا على نكران الله والآخرة والأخلاق  ومحاربة الإسلام وأعمدته من القرآن ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام والشريعة الإسلامية، محاربة شرسة بلا هوادة.
والمهرجون من العرب والمسلمين يتبعونهم فيما يقولون، ويتَبَنَّونَ أفكارهم، بكل حماقة وغباء، فتراهم تركوا عقولهم لأولئك، وتهدمتْ شخصياتهم، فأصبحوا أذلاء دمى بأيدي الشيوعية وما يتبعها من مذاهب، ويأيدي الغرب وما يتبعها من مذاهب.
بينما المسلم مستقل بنفسه وبفكره وبعقله وبشخصيته، تابع للإسلام ولكتابه ولنبيه، وفي هذا العزة والكرامة والاستقلال الفكري والشخصي، لأن القرآن الكريم يربي في المسلم الأنفة و كره الضيم و مقت الذل ونبذ التبعية، ومن يستخرج فوائد آيات القرآن وبلاغته وبيانه وما فيه من تشريع حكيم وسياسة للمجتمع وتربية للأفراد وتعليم الايمان والعقائد، فإنه سيشعر بالحبور والسرور والكرامة،ويقوم على أثر هذا الشعور بأعمال ترفع من شأن الإسلام وكتابه ونبيه، ويطبق ما جاء فيه من تعاليم.
إن القرآن الكريم:
 فيهِ نواميس الحياة جميعُها **** فاستنبطوها من رُبى الأوراقِ
هو معجزٌ في آيهِ وبيانهِ *** ولقد تحدَّى سادةَ الإنطاقِ
لكنَّ أرباب البلاغة أذعنوا.. *** رفعوا جميعاً راية الإخفاقِ
هو للفضيلة والمحامد جامع ٌ، *** فيه الهدى ومحاسن الأخلاقِ
هو نخلةٌ، والظلُّ منها دائمٌ **** تعلو وتُنبِتُ أروعَ الأعذاقِ
هو يربط العبد الضعيفَ بربِّه *** ويعرِّف المخلوقَ بالخلاقِ
هو دعوةٌ للمشركين إلى الهدى **** بالحكمة الحسنى وبالإرفاقِ
هو منذرٌ للمعرضين عن الهدى *** بجهنَّمِ التعذيب والإحراقِ
ومبشرٌ للمقبلين على التُّقى **** والعاملين بذلك الميثاقِ
المصادر:
-البرهان 4/22.
-الكشاف 1/366 و 393.
-البحر المحيط 2/397
-في ظلال القرآن ص451
-تفسير اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي الدمشقي 3/292.

No comments :

Post a Comment