Saturday, November 2, 2013

فلسفة الأمثال

فلسفة الأمثال:
من هواة التمثيل يرجع ** بالتاريخ أدراجه مدى الأحقاب
 ومحبي الأمثال يضربها ** التالون والسابقون للأعقاب
(جبران خليل جبران).
بقدر من التأمل والتدبر والقراءة في الأمثال نلاحظ:
1-إن ما يميز الثقافات بعضها عن بعض هو الاختلاف بينها، وأن هذا الجنس الأدبي(الأمثال) يعود فيحطم هذا المعنى؛ لأن هناك تشابها مدهشا بين أمثال الشعوب على الرغم من شدة التباين بين هذه الثقافات المختلفة المنتجة.
فالطُّرفة في التراث اليهودي لشخصية ساخرة هو(هيرشل أوستروبولير) يروون عنها من الطرائف  ما نرويه عن (حجا).
إن هذا التشابه يدل على أن الشعوب هي هي، وان ما يضع الحدود بين الشعوب هم : الحكام وساساتهم والعلماء وطبقة المثقفين والأدباء والمفكرين.
فلو ترك الشعوب ولم يدخلها مطامع الساسة ولا تطرف العلماء والمفكرين والمثقفين والصحفيين لكان الوضع أفضل مما هو عليه الآن.

من الواضح أن الثقافة والعادة والفكر الجمعي يلعب في هذا المضمار وهو الذي يقرر ويحكم خط المسار.
تجرد قليلا مما أنت عليه من الأفكار السوداء والبيضاء، وانظر ترى مثلا الإسلام ينتشر بين الناس في البلاد التي يُحَارَب بها الإسلام من ناحية ساسته وقادته الروحية والعلمية والفكرية والإعلامية.
ذلك لأن تواصل الشعوب هو المقرر في نهاية المطاف.
2- إن هذا التشابه المحيِّر أَوَّلّ وهْلة إنما يرجع عند تحليله إلى عوامل عدة ، من أهمها:
أ- التأثير الحضاري بسبب حركة التجارة وهجرة الشعوب (يذكرني هذا العامل بما كانوا يقولونه لنا عن عوامل سقوط الدولة العثمانية في كتب التاريخ الهزيلة التي كنا ندرسها)
أو بعوامل نهضة مصر خلال هجوم نابليون عليها في كلام لهم مثير للشفقة والاشمئزاز.
لكن للحقيقة والحق يقال: أن التأثير الحضاري له أهميته الكبيرة في أفكار الشعوب وحواضر المدن وكيف أن هذا التأثير يدخل في مختلف مناحي الحياة والمعيشة سواء بسواء.
لَقَدْ كانَتِ الأَمْثالُ تُضْرَبُ بَيْنَنا ** بجَوْرِ سَدُومٍ وهوَ مِنْ أَظلَمِ البَشَرْ   فلمّا بَدَتْ في الكَوْنِ آياتُ ظُلْمِهمْ ** إذا بسَدُومٍ في حُكومَتِه نُثَرُ
ب- التشابه في التجربة الإنسانية الذي يولّد المعاتيَ نفسها حين تتماثل المؤئرات،ففي غينيا-بيساو وفي بلدتي شقراء- لا أحد يضحك من شدة الألم.
يكثر جريان المثل في كل مجتمع على ألسنة العامة من الناس، وكلما ارتفعت الطبقة الاجتماعية ضعف دوران المثل في كلامها – على الأغلب-، لأن المثل موروثٌ تقليدي تتناقله الثقافة الشفهية الشعبية، وليس تتأكد هوية النخبة إلا بالقدر الذي تبتعد فيه عن هوية العامة.
وإني لألْقَى من ذوي الضِّغْنِ منهمُ **و ما أصبحتْ تشكو من الوجدِ ساهره
كما لَقِيَتْ ذاتُ الصَّفا من حَليفِها ** وما انفكّتِ الأمثالُ في النّاس سائرَهْ
وما السبب:
قال أحدهم:
لأن الفقر تربة الرذيلة ، ولأن الفقر يشوه القيم في نفس الفقير، ويرثه ميزانا غير صالح يزن به العادات والأخلاق، فإن الفقير يظن أن الأغنياء وأصحاب البيوتات لم يصحبوا كذلك إلا لقيم لا يملكها، فإذا انتقل إلى طبقة أعلى من طبقته؛ فإنه يحاول أن يقترب من أخلاق هذه الطبقة وعاداتها.
قلت: هذا الكلام ساقط سقوط الورق من الأشجار في فصل الخريف، وهذا التعليل لا قيمة له في واقع الأمر، ذلك لأن الفقر بقدر ما هو صعب وقاسي على الفقير، بقدر ما يعطي للفقير من التجارب الحياتية ما يجعله يفكر بروية ويحسب الحسابات لأي عمل يفعله أو مال يصرفه أو فعل يفعله.
والفقر لا يشوه القيم في نفس الفقير-على الأغلب-، بل يزيدها تجربة وخبرة في معاني الحياة الواقعية ومسارات المعيشة الحياتية ، وأمواج التحركات العملية التي تُعطي للفقير رؤية واضحة وصالحة للأمور.
وهذا بدوره يعطيه ميزانا صالحا يُقّيم به الأمور والعادات والأخلاق على النحو الصحيح.
وما يظنه البعض من الفقراء عن قيم الأغنياء التي جعلتهم كذلك لا ينسحب على الجميع الأكثر.
وما يفعله أحد ما كان فقيرا فاغتنى من تغيير وتبديل لعادته، من محاولة الاقتراب من أخلاق هذه الطبقة وعاداتها أو تلك،فهذه سنة الحياة في مجاراة الحالة التي هو فيها حتى يألف ويُؤلَف؛ لا ترتبط بنظرة أو فكرة معينة.
قال الدكتور صلاح في كتابه (شفرات النص) في نقد بعض الشعراء:
(هو ذو بعد كوني أنطولوجي في مرحلته الأولى، وله طابع معرفيّ إبستمولوجي في الثانية، ويتمتع بأساس أكسيولوجي في الثالثة، وصفات كوزمولوجية في الرابعة، وقوةترنسندنتالية في الخامسة، وصفات فينومينولوجية في السادسة،وأيديلوجية في السابعة).
صدق من قال: حَسْبُكَ مِن شرٍّ سَماعُه...
إن استطعت أن تعيد هذه الوصفة الطبية والكلام المتشدق في نَفَسٍ واحد دون ان تصاب بحساسية في الجيوب الأنفية أو بصداع الشقيقة في الرأس أو بعسر الهضم الفكري في الدماغ، فلك عندي عشر إبستمولوجيات من الذهب الخالص مع علبة كوزمولوجي دهان موضعي عند اللزوم وإبرة فينومينولوجية عند الحالات الطارئة!!!
حسبكم الله ماذا فعلتم بعقول الناس يا نُقاد الجنون المعقول واللامعقول؟
حسبكم من هذا العته الكلامي، والتمشدق الاصطلاحي؟!
زعمَتْ أقلامُكم أنها استيقظت (من عادة النوم على الأمجاد التاريخية) ثم ماذا؟
ها هي ذا وقفتْ ذليلة تتثاءب –بلباس نومها- على باب المنهج الغربيّ تتكفّفه نموذجه المعرفي والثقافي.
دع عنك البنيوية الجامدة والتفكيكية السيالة، وخذ عن هذا العربي الطيب: لو سئلتُ عن أبرز سمةٍ تَسِمُ مُحْدَث النعمة لقلت: إنها ابتداء غياب المثل عن حديثه، والحمد لله ، وكفى الله مؤونة عسر الكلام المتشدق المتصخر.
وما الحال إلا مثل ما قال من مضى ** وبالجملة الأمثال للناس تضرب
وبعض الناس مولَع بالأمثال، يقرأ من كتبها، ويحفظ قدرا لا بأس به منها، لكنه تجده عاجزا عن استدعاء المثل أثناء الكلام-وفي العجز تؤده- فلا يكاد يحسن التمثل بهذه الأمثال التي يحفظها في الوقت التي يحتاج لها.
ثم يجد بعض مَن هو أقلُّ منه حفظاً للأمثال، تجري على لسانه بيسر وسهولة.
لذا إن التمثل بالمثل شيء آخر غير حفظه، فهؤلاء الذين نراهم يحسنون إيراد المثل في مواقعه من الكلام يملكون موهبة غير موهبة الحفظ، ولعل هذا هو السبب في أنك تجد أن كثيرا من الأمثال التي تقال غير مجهولة، لا تُحسِن أن تستدعيها على البديهة في مواقع كلامك كما يفعلون. 
وهذه أبيات من الشعر -لابن دريد- مُضَمَّنة بعض الأمثال الرائجة،أوردتُها للفائدة والمنفعة والإفادة):
1-مَا طَابَ فَرْعٌ لاَ يَطِيبُ أَصلُهُ ** حمى مؤاخاةِ اللئيمِ فعلهُ
وَكُلُّ مَنْ وَاخَى لَئِيماً مِثْلُهُ   
2-منْ أمنَ الدهرَ أتي منْ مأمنهْ ** لاَ تَسْتَثِرْ ذَا لِبَدٍ مِنْ مَكْمَنِهْ
وكلُّ شيءٍ يبتغى في معدنهْ   
3-لِكُلِّ نَاعٍ ذَاتَ يَوْمٍ نَاعِي ** وَإِنَّمَا السَّعْيُ بِقَدْرِ السَّاعِي
قدْ يهلكُ المرعيَّ عتبُ الراعي
4-مَنْ تَرَكَ القَصْدَ تَضِقْ مَذَاهِبُهْ ** دلَّ على فعلِ امرئٍ مصاحبهُ
 لاَ تَرْكَب الأَمْرَ وَأَنْتَ عَائِبُهُ
5-مالكَ إلا ما عليكَ مثلهُ ** لا تحمدنَّ المرءَ ما لمْ تبلهُ
وَالمَرْءُ كَالصُّورَةِ لَوْلاَ فِعلُهُ
  6-يا ربما أورثتِ اللجاجهْ ** مَا لَيْسَ لِلْمِرْءِ إِلَيْهِ حَاجَهْ
وضيقُ أمرٍ يتبعُ انفراجهْ
7-كمْ منْ وعيدٍ يخرقُ الآذانا ** كأنما ينبأ بهِ سوانا
أَصَمَّنَا الإِهْمَالُ أَمْ أَعْمَانَا
8-يجلُّ ما يؤذي وإنْ قلَّ الألمْ ** مَا أَطْوَلَ اللَّيْلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَنَمْ  
 وسقمُ عقلِ المرءِ منْ شرِّ السقمْ
9-ما منكَ منْ لمْ يقبلِ المعاتبهْ ** وَشَرُّ أَخْلاَقِ الفَتَى المُوَارَبَهْ )
يكفيكَ مما تكرهُ المجانبهْ
10-مَتَى تُصِيبُ الصَّاحِبَ المُهَذَّبَا ** هَيْهَاتَ مَا أَعْسَرَ هَذَا مَطْلَبَا
وَشَرُّ مَا طَلَبْتَهُ مَا اسْتَصْعَبَا  
11-لاَ يَسْلُكُ الخَيْرُ سَبِيلَ الشِّرِّ ** وَاللَّهُ يَقْضِي لَيْسَ زَجْرُ الطَّيْرِ
كمْ قمرٍ عادَ إلى قميرِ
12-لَمْ يَجْتَمِعْ جَمْعٌ لِغَيْرِ بَيْنِ ** لِفُرْقَةٍ كُلُّ اجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ
يَعْمَى الفَتَى وَهْوَ بَصِيرُ
13-الصَّمْتُ إِنْ ضَاقَ الكَلاَمُ أَوْسَعُ ** لكلِّ جنبٍ ذاتَ يومٍ مصرعُ
كمْ جامعٍ لغيرهِ ما يجمعُ
14-ما لكَ إلا ما بذلتَ مالُ ** في طرفةِ العينِ تحولُ
وَدُونَ آمَالِ الوَرَى الآجَالُ
15-كَمْ قَدْ بَكَتْ عَيْنٌ وَأُخْرَى تَضْحَكُ ** وَضَاقَ مِنْ بَعْدِ اتِّسَاعٍ مَسْلَكُ
لاَ تُبْرِمَنْ أَمْراً عَلَيْكَ يُمْلَكُ  
16-خَيْرُ الأُمُورِ مَا حَمَدْتَ غِبَّهُ ** لاَ يَرْهَبُ المُذْنِبُ إِلاَّ ذَنْبَهُ
 وَالمَرْءُ مَغْرُورٌ بِمَنْ أَحَبَّهُ
17-كلُّ مقامٍ فلهُ مقالُ ** كُلُّ زَمَانٍ فَلَهُ رِجَالُ
وَلِلْعُقُولِ تُضْرَبُ الأَمْثَالُ
18-دَعْ كُلَّ أَمْرٍ مِنْهُ يَوْماً يُعْتَذَرْ ** خَفْ كلَّ وِرْدٍ غَيْرَ مَحْمُودِ الصَّدَرْ  
 لاَ تَنْفَعُ الحِيلَةُ في مَاضِي القَدَرْ
19-نَوْمُ الفَتَى خَيْرٌ لَهُ مِن يَقَظَهْ ** لَمْ تُرْضِهِ فِيهَا الكِرَامُ الحَفَظَهْ
وَفِي صُروفِ الدَّهْرِ لِلنَّاسِ عِظَهْ
20-مَسْأَلَةُ النَّاسِ لِبَاسُ ذُلِّ ** مِنْ عَفَّ لَمْ يُسْأَمْ وَلَمْ يُمَلِّ
فارضَ من الأكثرِ بالأقلِّ  
21-جَوَابُ سُوءِ المَنْطَقِ السُّكُوتُ ** قَدْ أَفْلَحَ المُتَّئِدُ الصَّمُوتُ
ما حمَّ منْ رزقكَ لا يفوتُ
 22-في كُلِّ شَيْءٍ عِبْرَةٌ لِمَنْ عَقَلْ ** قدْ يسعدُ المرءُ إذا المرءُ اعتدلْ  
يرجو غداً ودونَ ما يرجو الأجلْ
23-كمْ زادَ في ذنبِ جهول عذرهُ ** دَعْ أَمْرَ مَنْ أَعْيَى عَلَيْكَ أَمْرُهُ
يْخَشى امْرُؤٌ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّهُ
24-رَأَيْتُ غِبَّ الصَّبْرِ مِمَّا يُحْمَدُ ** وَإِنَّمَا النَّفْسُ كَمَا تَعَوَّدُ
وَشَرُّ مَا يُطْلَبُ مَا لاَ يُوجَدُ
25-لا يأكلُ الإنسانُ إلا ما رزقْ ** ما كلُّ أخلاقِ الرجالِ
هانَ على النائمِ ما يلقى الأرقْ  
26-مَنْ يَلْدَغِ النَّاسَ يَجِدْ مَنْ يَلْدَغُهْ ** لاَ يَعْدِمُ البَاطِلُ حَقًّا يَدْمَغُهْ  
لسانُ ذي الجهلِ وشيكاً يوثقهْ  
 27-كُلُّ زَمَانٍ فَلَهُ نَوَابِغُ ** وَالحَقُّ لِلْبَاطِلِ ضِدٌّ دَامِغُ
يغصكَ المشربُ وهوَ سائغُ
28-لا خيرَ في صحبةِ منْ لا ينصفُ ** وَالدَّهْرُ يَجْفُو مَرَّةً وَيُلْطِفِ
كأنَّ صرفَ الدهرِ برقٌ يخطفُ
29-رُبَّ صَبَاحٍ لامْرىء ٍ لَمْ يُمْسِهِ ** حَتْفُ الفَتَى مُوَكَّلٌ بِنفْسِهِ  
 حتى يحلَّ في ضريحِ رمسهِ
30-إني أرى كلَّ جديدٍ بالِ ** وكلَّ شيءٍ فإلى زوالِ
فاستشفِ منْ جهلكَ بالسؤالِ  
31-إنكَ مربوبٌ مدينٌ تسألُ ** والدهرُ عنْ ذي غفلةٍ لا يغفلُ
حتى يجيءَ يومهُ المؤجلُ 
المصادر:
- تساعية نقدية لماهر فريد.
- ميراث الصمت والملكوت،عبد الله بن عبد العزيز الهدلق.
- إياك والزواج من كبيرة القدمين للباحثة الهولندية مينيكه شيبر.
- الفكاهة اليهودية لجوزيف كلازمن.
- أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند إدوارد سعيد،حسن حنفي، عبد الله العروري
- كتاب شفرات النص.

-ديوان جبران خلل جبران.

No comments :

Post a Comment