Saturday, August 30, 2014

الفرق بين (حقت عليه الضلالة) و(حق عليهم الضلالة)




الفرق بين (حقت عليه الضلالة) و(حق عليهم الضلالة): 


القرآن الكريم يبعث في القلوب نور الهداية لتنتشر في أنحاء النفس وتغمر الروح بأنوار صافية عذبة تسبح في بحار من النور والضياء التي يغتنمها العقل السليم والقلب السليم الذي يبعث الأعضاء في العمل للخير وبالخير وبما تشمله الهداية من أقوال وأعمال وأفعال.
والذي يتنكب عن الطريق السوي وعن طريق الهداية يضيع في متاهات الغواية وطرق الضلالة فلا يكاد يبصر حقا ولا يرى الحقيقة.
والقرآن الكريم يأخذ بيد المسلم ويدله على طريق الحق والهداية ليسير بها في أمن وأمان وطمأنينة وسلام، فيثيبه الله في الدنيا والآخرة.

في سورة النحل آية 36 (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة...)
في سورة الأعراف آية 30( فريقا هدى وفريقا حقَّ عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أوليآء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون)

أُثبِتَتْ التاء في آية سورة النحل (حقت) وحُذِفَت في  آية سورة الأعراف(حق):
ذلك لأن الحاجز اللفظي بين الفعل وفاعله في آية النحل قليل ، بين (عليه) و(حقت) فجاء (حقت) بالتاء.
والحاجز في آية الأعراف بين الفعل وفاعله وهو (عليهم) فحذف التاء من (حق).
وكلما كثر الحواجز كان حذف التاء أحسن.

والمعنى أن هذا الفريق، الذي حقت عليهم الضلالة، لما سمعوا الدعوة إلى التوحيد
والإسلام، لم يطلبوا النجاة ولم يتفكروا في ضلال الشرك البين، ولكنهم استوحوا شياطينهم، وطابت نفوسهم بوسوستهم، وائتمروا بأمرهم، واتخذوهم أولياء، فلا جرم أن يدوموا على ضلالهم لأجل اتخاذهم الشياطين أولياء من دون الله.

والتعبير في جانب الضلالة بلفظ «حقت عليهم» دون إسناد الإضلال إلى الله إشارة إلى أن الله لما نهاهم عن الضلالة فقد كان تصميمهم عليها إبقاء لضلالتهم السابقة «فحقت عليهم الضلالة» ، أي ثبتت ولم ترتفع.

وفي ذلك إيماء إلى أن بقاء الضلالة من كسب أنفسهم ولكن ورد في آيات أخرى أن الله يضل الضالين، كما في قوله:(ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا)[سورة الأنعام: 125]،وقوله عقب هذا ف(إن الله لا يهدي من يضل) [سورة النحل:
37] على قراءة الجمهور، ليحصل من مجموع ذلك علم بأن الله كون أسبابا عديدة بعضها جاء من توالد العقول والأمزجة واقتباس بعضها من بعض، وبعضها تابع للدعوات الضالة بحيث تهيأت من اجتماع أمور شتى لا يحصيها إلا الله، أسباب تامة تحول بين الضال وبين الهدى. 
فلا جرم كانت تلك الأسباب هي سبب حق الضلالة عليهم، فباعتبار الأسباب المباشرة كان ضلالهم من حالات أنفسهم، وباعتبار الأسباب العالية المتوالدة كان ضلالهم من لدن خالق تلك الأسباب وخالق نواميسها في متقادم العصور. فافهم.

ولم يجعل الرسل جبارين يلوون أعناق الناس إلى الإيمان، ولكن مبلغين ليس عليهم إلا البلاغ، يأمرون بعبادة الله وحده واجتناب كل ما عداه من وثنية وهوى وشهوة وسلطان:
«وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» ..
ففريق استجاب: «فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ» وفريق شرد في طريق الضلال «وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ» ..
وهذا الفريق وذلك كلاهما لم يخرج على مشيئة الله، وكلاهما لم يقسره الله قسراً على هدى أو ضلال، إنما سلك طريقه الذي شاءت إرادة الله أن تجعل إرادته حرة في سلوكه، بعد ما زودته بمعالم الطريق في نفسه وفي الآفاق.
كذلك ينفي القرآن الكريم بهذا النص وهم الإجبار الذي لوح به المشركون، والذي يستند إليه كثير من العصاة والمنحرفين. 

والعقيدة الإسلامية عقيدة ناصعة واضحة في هذه النقطة. فالله يأمر عباده بالخير وينهاهم عن الشر، ويعاقب المذنبين أحياناً في الدنيا عقوبات ظاهرة يتضح فيها غضبه عليهم. فلا مجال بعد هذا لأن يقال: إن إرادة الله تتدخل لترغمهم على الانحراف ثم يعاقبهم عليه الله! إنما هم متروكون لاختيار طريقهم وهذه هي إرادة الله. وكل ما يصدر عنهم من خير أو شر. من هدى ومن ضلال. يتم وفق مشيئة الله على هذا المعنى الذي فصلناه.

وآية سورة النحل واقعة على [الأمة] وهي مؤنثة في قوله (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا) أي من الأمم أمة ضلت وحقت عليها الضلالة.
وفي آية الأعراف واقعة على (الفريق) وهو مذكر، فناسب (حق عليهم). 

ومعنى: حق عليهم الضلالة ثبتت لهم الضلالة ولزموها. ولم يقلعوا عنها، وذلك أن المخاطبين كانوا مشركين كلهم، فلما أمروا بأن يعبدوا الله مخلصين افترقوا فريقين:
فريقا هداه الله إلى التوحيد، وفريقا لازم الشرك والضلالة، فلم يطرأ عليهم حال جديد.

وبذلك يظهر حسن موقع لفظ: حق هنا دون أن يقال أضله الله، لأن ضلالهم قديم مستمر اكتسبوه لأنفسهم، كما قال تعالى في نظيره: فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة [النحل: 36]- ثم قال- إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل [النحل: 37] ،

فليس تغيير الأسلوب بين: (فريقا هدى) وبين (وفريقا حق عليهم الضلالة) تحاشيا عن إسناد الإضلال إلى الله، كما توهمه صاحب «الكشاف» ... ولكن اختلاف الأسلوب لاختلاف الأحوال.

وجرد فعل (حق) عن علامة التأنيث لأن فاعله غير حقيقي التأنيث، وقد أظهرت علامة التأنيث في نظيره في قوله تعالى: ومنهم من حقت عليه الضلالة [النحل: 36] .

والله أعلم.
قال أحدهم:
فيا غمامَ الهُدَى أمطِرْ مسامِعَنا
أشبِعْ رغائبَنا فِقهاً وتأديبا
صوِّبْ إلى كُلِّ قلبٍ سهمَ موعظَةٍ
بها يُصَوَّبُ للإيمانِ تصويبا
يا خالقَ الخلقِ دمِّر مَن يُحاربُنا
عذِّبْهُ يا بارئ الأكوانِ تعذيبا
واحفظْ مجامِعَنا مِمَّن يفرِّقُها
ومَن يُشتِّتُها كيداً وتحزيبا
واقبَلْ أيا قابِلاً للتَّوبِ توبتَنا
صَيِّرْ علينا سحابَ العفو ِمسكوبا

المصدر:
-نتائج الفكر للسهيلي.
-البرهان : 3/369.
- تفسير الشعراوي.
-تفسير التحرير والتنوير.
-في ظلال القرآن.

No comments :

Post a Comment