Saturday, January 31, 2015

جمال التعبير في (استأنس و استأذن) معان تعمر القلب بالإيمان

جمال التعبير في (استأنس و استأذن) معان تعمر القلب بالإيمان:

يزخر القرآن الكريم بكثير من المعاني التي تجلو عن القلب صدأ الغفلة، 

وتمحي عن النفس ضباب الضلالة، وتعمر في القلب رياض الأنس بالله،  

وترقي الروحَ إلى معارج الاصطفاء ، وتحرك في النفس شجون الحنين ل

مجاورة رب العالمين، فتدمع العين ويتقد القلب وتسمو الروح وتطهر النفس.

والقرآن الكريم لا يعرف قدره من يجهله ومن يحاربه تعصبا أو ابتغاء لدنيا 

أو مال أو شهرة،  إنما يعرف قدر القرآن الكريم ومكانته من عرفه وتعرف 

إلى آياته وفهم جمال تعبيره ورونق كلماته وبدائع عباراته، 

وقال ابن جرير الطبري: إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف 

يلتذ بقراءته.

وألفاظ القرآن كثيرة المعاني جميلة المقاصد بديعة الأهداف،والمحروم مَن جحد القرآن وحاربه، والمحروم من جعل القرآن وراء كل قول أو حكم وقدَّم عليه شهواته أو طلبات حاكمه أو أميره طمعا بمال أو منصب أو إبقاء على عطاء ومكانة.

والملتذ بقراءة القرآن يعرف مواقع ألفاظ القرآن في القلوب وتأثيرها على النفوس،
قال مصطفى صادق لرافعي(ألفاظ –القرآن- إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة ، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة ، معان هي عذوبة ترويك من ماء البيان ، ورقة تستروح منها نسيم الجنان ، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان ).

فما أشدها من حسرة وما أعظمها من غبنة على من أفنى أوقاته في طلب العلم ثم يخرج من الدنيا وما فهم حقائق القرآن ولا باشر قلبه أسراره ومعانيه فالله المستعان .

ولنطلع معاً إلى جمال التعبير في (استأنس و استأذن) معان تعمر القلب بالإيمان:

(استأنس) و(استأذن) فعلان، قد يظن بعضهم أنهما بمعنى واحد،وهو طلب الإن في الدخول ، وهذا الظن غير صحيح.

لقد استخدم التعبير القرآني الفعلين، وجعل لكل منهما معنى.

استأنس: الأُنس النفسي:

كلمة (آنس) فعل ماض من (الإيناس) وردت ثلاث مرات في سياق واحد وهذا السياق هو قصة موسى عليه السلام فلما عاد من مَدْيَن بعد أن أنهى عش سنوات من خدمة أب الفتاة التي تزوجها من بلاد الشام، فلما عاد إلى مصر مع أهله ضلَّ الطريق في الصحراء ليلاً بسبب الأحوال الجوية ،فرأى ناراً على جبل الطور مِن بعيد، فلما رآها: ( قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ).

والكلمة فيها معنى الأُنْس النفسي الشعوري إذ ارتاحت نفس موسى عليه السلام لما رأى النار من بعيد وتوقع أن يجد عندها الدليل للطريق.

من ناحية أخرى؛ أوجب الله على المسلمين الاستئناس عند الدخول لبيوت الآخرين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ). 

استأذن: الاذن المادي:

وكذلك اوجب الله على المسلمين الاستئذان عند الدخول للبيوت وورد هذا في اكثر من آية قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِه  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

لقد وردت الكلمتان في موضوع واحد وهو آداب دخول البيوت :
ففي كل من الفعلين (استأذن) و(استأنس)  إشارة على معنى الطلب .
والهمزة والسين والتاء دلالة على الطلب.
لكن استأنس يدل على طلب الأُنس
واستأذن يدل على طلب الإذن.

الفرق بينهما من وجهين :

الفرق الأول: 
إن الاستئناس يسبق الاستئذان أي انه مرحلة أولى بينما الاستئذان مرحلة ثانية.
فإذا أردا المسلم زيارة أخيه في بيته فلا بد له أن يستأنس أولا قبل أن يستأذنوا لهذا أوجب الله علينا بقوله " حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ".
انه قبل أن يخرج من بيته إلى بيت أخيه يسأل نفسه هل يحصل الأُنس عند أخيه وهل يأنس أخوه به ويأنس إليه هل هذا وقت مناسب للزيارة أم لا؟
فإذا توقع الأُنس من أخيه واستأنس بالزيارة فإنه يخرج من بيته ويذهب إلى بيت أخيه ويطرق بابه ويستأذن بالدخول...
ثم إن الاستئناس حركة نفسية شعورية ذاتية
بينما الاستئذان حركة مادية عملية خارجية تتصل بالآخرين.

الفرق الثاني: 
إن الاستئناس مطلوب من الزائر الخارجي الذي ليس من أهل البيت ليكون وقته مناسبا للزيارة ثم يأتي الاستئذان
أما الاستئذان فهو حركة داخلية مطلوب من أهل البيت وموظفيه وخدمه( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ  وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ َاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).
إن الاستئناس في التعبير القرآني للقادم من بعيد في الوقت المناسب قبل الاستئذان وعند وقوفه على باب البيت.
أما الاستئذان فهو لمن كان داخل البيت يطرق الأبواب الداخلية لحجرات البيت.

قال أحمد محرم:

يا منصفي القرآن من أعدائه*** أنتم لقومكم العتاد الأكبر

هذا سبيل المؤمنين لكم به *** أجر المجاهد والمجاهد يؤجر

أنريد رحمة ربنا وكتابه *** يجفى على مر الزمان ويهجر

أنتم فريق الله ليس كصنعكم *** صنع وأنتم حزبه المتخير

الذكر محفوظ بصالح سعيكم*** باق على الدنيا يذاع وينشر

يزع النفوس عن الهوى ويردها ***عما يعيب من الأمور وينكر

ويقيم للأخلاق من آياته ***صرحا تراع له الصروح وتذعر

يعطي المقاوم والمواقف حقها ***فمبشر آنا وآنا منذر

الله أكرمكم به وأحبكم ***والله يكرم من يحب ويشكر

 والله تعالى أعلم .
المصادر:
-بدائع الفوائد لابن القيم.

- إعجاز القرآن لمصطفى صادق الرافعي.

- لطائف القرآن لصلاح الخالدي.

-معجم الأدباء.

-ديوان أحمد محرم.

No comments :

Post a Comment