Tuesday, March 31, 2015

الأسرار والحكم في تحديدفريضة الحج بأشهر معلومات

الأسرار والحكم في تحديدفريضة  الحج بأشهر معلومات:

لايَظُنَنَّ مسلم أن العبادات في الاسلام هي فقط دون غاية أو هدف ولا حكمة فيها، فهذا الأمر منافي للشرع معارض للعقل غير قابل للمنطق.

ذلك أن رب العالمين خلق الخلق وشرَّع الشرائع ووضح البيات وقدّر الأمور، وأنه عز وجل حكيم في أمره في نهيه في شريعته.

ومن حكمته أنه فرّض علينا الفرائض لأمر عظيم لنا فيه مصلحة وموافق لفطرتنا، فسبحانه هو العليم بنا وبما يصلحنا، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وعبادة الحج معيارٌ على مدى الالتزام ببذل الجهد والمال في سبيل الله، كما أنها الأساس العملي والنظري للمنهاج السياسي الإسلامي الذي يتجسَّد في وحدة المسلمين وتضامنهم.

وقد بين القرآن الكريم، أنَّ أداء الحج مرتبط بفترةٍ زمنية معينة، ينبغي التقيد بها، وذلك في موضعين:

1- قـوله تعالى: }يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{.
جاء في سبب نزول هذه الآية: أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه – قال: يا رسول الله؛ إنَّ اليهود تغشانا، ويكثرون من مسألتنا عن الأهلّة، فأُنزلت.
وقيل: نزلت في رجلين من الصحابة؛ قالا: يا رسول الله؛ ما بال الهلال يبدو دقيقاً، ثم يزيد ويمتلئ، حتى يستدير ويستوي، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، فنـزلت.
وكوْنُ الأهلَّة مواقيت ليس مما يخفى عنهم حتى يسألوا عنه؛ لأنَّ ذلك معروف بينهم، فيتعين بذلك أنهم يسألون عن الحكمة والسبب، وعليه يكون الجواب بقوله: "قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " غير مطابق للسؤال، وإنما جاء على خلاف مقتضى الظاهر، وذلك بصرف السائل إلى غير ما سأل، تنبيهاً على أنَّ ما صُرف إليه هو المهم له، لأنهم في مبدأ تشريعٍ جديد، وكان المهم أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم، عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم، وهو معرفة كون الأهلَّة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات، كالحج والصيام والعدّة، ولذلك صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدةٍ أخرى، والرسول لم يأت مبيناً لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية، والسائلون ليسوا على دراية بعلم الهيئة.
أما إفراد الحج بالذكر في قوله: }مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ { فذلك اعتناءً به، لأن الوقت أشدّ لزوماً له من بقية العبادات، وذلك لأنه لا يصح فعله أداءً ولا قضاءً إلا في وقته المعلوم، وأما غيره من العبادات، فلا يتقيد قضاؤه بوقت أدائه.

2- قـوله تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الألْبَابِ{.
ويدل هذا النص على أنَّ للحج وقتاً معلوماً، وأن وقته أشهر معلومات، وهذه الأشهر هي: شوال، ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
ولم يسمّ الله هذه الأشهر في كتابه؛ وذلك كما يقول القرطبي: "لأنها كانت معلومة عندهم".  

ودلَّت السنة النبوية على وجوب الحج مرّة واحدة في العام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: خَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: «يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحُجُّوا» فقال رجل: أكلّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم» ثم قال: «ذَروني ما تَركتُكم، فإنما هَلك مَنْ كان قبلَكم بكثرة السؤال، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».

أما الأسرار والحِكم التي وقفتُ عليها في توقيت الحج على هذا النحو، فمنها:

1- في التحديد الزمني لوقت الحج من الله سبحانه وتعالى، إنهاءٌ للجدال في مواقيته الزمانية، فقد فسَّر مجاهد وطائفة معه الجدال في الآية بأنه المماراة في الشهور، حسب ما كانت عليه العرب من النسيء، فكانوا يقدّمون الحج سنة، ويؤخرونها أخرى، وربما جعلوه في غير ذي الحجة، ويقف بعضهم بعرفة، وبعضهم بمزدلفة، ويتمارون في الصواب من ذلك. فأخبر سبحانه وتعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج، وردّ الجميع إلى وقتٍ واحد، لا يجوز الخروج عنه، وليس لهم فيه شيء من التقديم أو التأخير، وهو أمر ثابت من الله عز وجل، فالحج شأنه شأن العبادات الأخرى، مرتبط بوقته، وهو هذه الأشهر، فلا يخرج عنها.
وعلى هذا فقد ذهب الإمام الشافعي- رحمه الله- إلى أنَّه لا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات.
وإن كان غيره يعتبر الإحرام به صحيحاً على مدار السنة، ويخصص هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج في مواعيدها المعروفة.
إلا أنَّ ما ذهب إليه الشافعي هنا هو رأي جمهور العلماء، وهو الأصح كما يقول القرطبي.
2- ومن الحكم والأسرار، أنَّ احتياج الحج للتوقيت أمر ضروري، ذلك أنَّ من مقاصد الحج، أن يكون مؤتمراً سنوياً، يجتمع فيه المسلمون على اختلاف بلادهم، وأجناسهم، وألوانهم، ولغاتهم، لما في ذلك من الأثر البالغ في تربية النفوس، وفي تقوية أواصر المحبة والوحدة بين المسلمين، ولو لم يكن مثل هذا التوقيت والتحديد لزمن الحج، لجاء الناس إليه متخالفين، فلم يحصل المقصود من اجتماعهم.

يقول المودودي متحدثاً عن منافع الحج: "إن مكة المكرمة قد جُعلت مركزاً للمسلمين، تهوي إليه نفوسهم من جميع نواحي الأرض، على اختلاف سلالاتهم وأوطانهم، فيشعرون أنهم أخوة فيما بينهم وأنهم لا يؤلِّفون بمجموعهم إلا أمة واحدة، فكأن الحج هو عبادة لله تعالى في جانب، ومؤتمر عالمي سنوي يَفِدُ إليه المسلمون من جميع نواحي الأرض وأقطارها في الجانب الآخر، فهو أكبر وسيلة وأنجح طريقة لتربية الأخوَّة الإسلامية العالمية على الاتحاد والمحبة والتعاون".

وعليه فقد أصبح المسجد الحرام مركزاً للهداية والإشعاع الروحي، ويجتمع فيه العالم الإسلامي كل عام يؤدي خراجه من الطاعة وضريبته من الحب والانقياد، ويثبت تمسّكه بهذا الحبل المتين ولجوءه إلى هذا الركن الركين، ويطوف حـوله الزعماء والفقراء فيجتمعون على تفرُّق، ويلتقون على نقطة واحدة.

يقول الشيخ ولي الله الدهلوي عن هذا المؤتمر السنوي الذي يجتمع فيه المسلمون كل عام: "فإن لكل دولة أو ملة اجتماعاً يتوارده الأقاصي والأداني ليعرف فيه بعضهم بعضاً، ويستفيدوا أحكام الملّة ويعظموا شعائرها، والحج عَرْضَة المسلمين وظهور شوكتهم واجتماع جنودهم وتنويه ملَّتهم".
3-وثَمَّة سرٌّ في تحديد زمن أشهر الحج من العام، ذلك أن هذه الأشهر تبدأ بعد شهر رمضان، مما لـه الأثر العظيم في استدامة التقويم الخُلُقي، والصفاء الروحي، الذي حصل عليه المسلم بالصيام والقيام في رمضان، فيتصل الحج بالصيام ليجعل المسلم دائماً مع الله.
"فإذا كان المؤمن في رمضان، قد تعلّقت نفسُه بربه، وامتنع عما أبيح لـه من مقوّمات الحياة، فإنه بدخول شوال؛ يملأ قلبه بالشعور باستئناف رحلةٍ أخرى، تشترك فيها الروح مع البدن، ويترك وراءه الأهل والوطن، ويتحمل في سبيل تحقيقها عناء الطريق ومصاعب السفر، إنه يقطع أكثر وقته؛ ذليلاً خاشعاً معترفاً بالتقصير، ملتمساً العفو والغفران، والمعونة والرضوان، حتى إذا ما فرغ من مناسكه، واطمأنّ إلى حُسن عمله، عاد إلى وطنه آمناً مطمئناً، قوياً في نفسه، سليماً في عقيدته".

يتبين لك أيها المسلم  عظمة الدين الإسلامي وعظمة التشريع الرباني في أمره وتحديده لهذه العبادة العظيمة الشأن الرفيعة القدر العالية الرتبة، وأن الشريعة الربانية طريق لللتربية وسبيل للتقدم وجادة للتحضر، ومنارة لبناء الانسان نفسيا وخلقيا وعقليا وفكريا.
وما يقوله أعداء الاسلام وما يبثونه من شبهات واتهامات فإنما يفعلونه عن حقد سيطر على قللوبهم أو جهل عشش في عقولهم أو تعصب ملك أفكارهم، فمن يصدقهم أو يمشي على سبيلهم او يردد أفكارهم فهو إما مضيع عقله أو طامع في مال أو منصب أو جاه أو شهرة.
والواجب على المسلم الدفاع عن دينه ونبيه وقرآنه وشريعته بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة والتعليم وأن يكون قدوة ومثالا يحتذى به.
والله أعلم.

المصادر:
- علي بن أحمد الواحدي، أسباب النـزول، تحقيق: رضوان جامع رضوان، ط1 (مكتبة الإيمان: مصر، 1417هـ/1996م).
- عبد الرحمن بن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير (المكتب الإسلامي: بيروت، 1404هـ/ 1984م)، ج1.
-القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2.
- ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج2.
-سيد قطب ، في ظلال القرآن، ط22 (دار الشروق: بيروت، 1414هـ/1994م).
- سليمان بن عمر الجمل، الفتوحات الإلهية، ط1 (دار الكتب العلمية: بيروت، 1416هـ/1996م)، ج1
-أحمد بن يوسف السمين الحلبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق: أحمد الخراط، ط1 (دار القلم: دمشق، 1408هـ/1987م).
-محمد العمادي أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (دار المصحف: القاهرة، د.ت).
-د. عودة عبد عودة عبد الله، الأسرار والحِكَم في التوقيت الزمني للعبادات الأربع  في الإسلام.
- صحيح مسلم.
- الزمخشري، تفسير الكشاف.
- تقي الدين الحُصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تحقيق: كامل عويضة، ط1 (دار الكتب العلمية: بيروت، 1415هـ/1995م).
-المودودي، مبادئ الإسلام.
-الدهلوي، حجة الله البالغة.
- بدران أبو العينين، العبادات الإسلامية مقارنة على المذاهب الأربعة (مؤسسة شباب الجامعة: الإسكندرية،  د.ط، د.ت).

No comments :

Post a Comment