Thursday, June 4, 2015

الفرق بين السمع والإصغاء



الفرق بين السمع والإصغاء :
 ما أجمل أن يتذوق الإنسان معاني كلمات القرآن الكريم،  ويبحر في آياته مستلهما راحة البال وهدوء الضمير.
ألا يجدر بالمسلم أن يعتني بالقرآن الكريم اعتناءا بالغا، فيعظمه ويقدّره ويجعل له من وقته يوميا لقراءته وتلاوته.
أما ينبغي أن يتدبر آيات القرآن الكريم ويلقي لها سمعه وبصره، بسمع مرهف دقيق وبصر متابع ولصيق.
والاستماع للقرآن الكريم أمر ندب إليه الله تعالى (فاستمعوا له وأنصتوا).

ومن جماليات القرآن الكريم نلاحظ لفظين (فاستمعوا) و(ولتصغى)

وها هنا فروق بين (السمع) و(الاصغاء):

 
الصغْو في اللغة معناه : الميل .. والعرب تقول : أصغت الناقة .. وذلك إذا أمالت رأسها إلى الرجل كأنها تستمع شيئاً..

 
فالإصغاء  هو إطراق السمع للمتكلم مع ميل القلب لما يقول .. فأنت في الطريق تسمع الكثير من الأصوات .. ولكن دون اكتراث .. فقط تسمع ولا  تُصغي .. لكن أن تعطى أذنك لمن يهمك كلامه .. فهذا هو الإصغاء .. وعليه فالإصغاء تسمُّع وليس سمع ..

 والسمع ليس للإنسان فيه اختيار .. إذ ليس لك حيلة تدفع  بها الأصوات بعيدا عن أذُنك .. أما التسمّع الذي  هو الإصغاء .. فأنت تسعى إليه باختيارك .. وطالما سعيت فأنت مُحاسب على سعيك ..

 والتسمع  أو الإصغاء ..  مطلب السمع فيه صادر من الفؤاد .. فأنت تتسمّع وفق ما في الأعماق من مضامين .. إذن فالأذُن تسمع .. والقلوب هي التى تهوَى فتُصغِي .. وكأن النفس مستعدة لذلك ..

 
وقد يصغي إنسان .. ثم تتنبه نفسه .. فيمتنع عن الاستجابة ويتراجع .. هذا حَسن موفق مثاب .. لكن هناك من يصغي .. ويستريح وجدانه  لما يسمعه ..  ثم يشرع للعمل .. ثم يقترف الإثم ..

ولنتأمل سويا معنى الإصغاء وتبعاته في قوله تعالى :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }.
 
وفي الآية التي تليها قال تعالى : { ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }.

والمعنى هنا في الآية الثانية .. ولتصغى{أَفْئِدَةُ}الكفار إلى زخرف القول .
َلِيَرْضَوْهُ } وتميل إليها أنفسهم ..
{ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } من الآثام ..

وهذه ثلاث مراحل : الإصغاء ثم الرضا ثم اقتراف الفعل
المرحلة الأولى :
{ ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة }
ثم تأتي المرحلة الثانية :
{ وَلِيَرْضَوْهُ }
وأخيرا المرحلة الثالثة :
 {وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

وعلماء النفس يطلقون على هذه المراحل الثلاثة مصطلحات أخرى هي :
الإدراك ومضمونها هنا كلمة : لتصغى  .
والوجدان ومضمونها كلمة : ليرضوه  .
ثم النزوع ومضمونه كلمة : ليقترفوا .

 الفرق بين الاستماع والسمع :
الاستماع هو أن تطرق السمع  للمتكلم لكي تفهم ما يقول .. دون ميل ولا هوى يمليه عليك باطنك .. الاستماع فيه استفادة لك .. كأن تسمع إلى محاضرة في علم الكيمياء مثلا .. هذا استماع .. ولهذا لا يقال أن الله يستمع .. وليس من أسماءه المستمع .. فهو عز وجل غني عن العالمين .. ولكن من أسماءه السميع ..

 أما الإنصات .. فهو الكف عن الكلام .. والسكوت والصمت .. بُغية تحقيق كامل الاستماع إلى من تهتم بحديثه .. فالإنصات من لوازم الإصغاء ..
قال تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

ونلاحظ هنا أنه سبحانه قال : [فاستمعوا له وأنصتوا] .. ولم يقل : [فاستمعوا له واصغوا] .. وذلك لأن الآية تخاطب المؤمنين .. وهم بحُكم إيمانهم  تميل قلوبهم إلى الإصغاء لكلام الله ؛ فعدل النص القرآني عن ذكر الإصغاء ليلفتنا إلى ما هو أدق وهو الإنصات . ولعل هذا يربطنا لما ورد بقوله :
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}.

إن الإنصات لآيات القرآن ولكلام الله مطلب ضروري لكل مسلم وعلامة على إيمانه القوي ودليل على محبته لله تعالى.

والله أعلم

No comments :

Post a Comment