Tuesday, March 29, 2016

منهجيه الخليفة أبو بكر الصديق في الإدارة والقيادة



منهجيه الخليفة أبو بكر الصديق في الإدارة والقيادة :
لقد سار الخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله على ذات النهج النبوي في القيادة والإدارة فكانوا خير القادة وأفضل السادة وانجح الرؤساء والمديرين،كيف لا وهم خريجوا مدرسة النبوة مدرسة النبي محمد عليه الصلاة والسلام  التي استقت مناهجها ودروسها من لدن رب العزة جل وعلا ،فكان لهم الفضل في استمرار دوله الإسلام التي بنى أسسها الرسول القائد والمعلم الأول النبي محمد عليه الصلاة والسلام ،فامتدت واتسعت أركانها وزادت قوتها وهيبتها وانتشر دين الله حتى غمر نورة أركان الكون كله ،وذلك خلال فترة قياسية من الزمن .
لقد تخلق  هؤلاء القادة والخلفاء بأخلاق الإسلام العظيم وطبقوا أخلاقياتهم هذه أثناء حكمهم للأمة متنسمين قول نبيهم الكريم النبي محمد عليه الصلاة والسلام :"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ،فاعتنوا بها وحافظوا عليها ورعوها حق الرعاية فكفلوا اليتيم وعطفوا على الفقير ،وصانوا الأرامل والعجائز ومنعوا الناس من ذل السؤال فوفروا لرعيتهم كل أسباب الكرامة والعيش الكريم.
فضربوا بذلك أروع الأمثلة في مبادئ القيادة والإدارة ما زال الزمان يسطرها بحروف من نور في أنصع صفحات التاريخ الإنساني على الإطلاق ،وسنرى ذلك من خلال بيان منهجية بعض من خلفاء رسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام في القيادة والإدارة .
منهجية أبو بكر الصديق في الإدارة والقيادة :
أبو بكر الصديق هو أول الخلفاء الراشدين وهو الصديق الحميم  لرسول الله رافقه في أعسر وأصعب لحظات حياته آمن به حين كفر به الناس وصدقه حين كذبه الناس ، وأيده ونصره حين خذله قومه ، وآذوه فهاجر معه إلى المدينة في رحلة من أصعب رحلات الفرار من الظلم والقهر فكان له أوفى صديق وخير رفيق .
ذكره رب العزة في القرآن الكريم مادحا صحبته لرسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام فقال الله تعالى :"ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " .
دعم وتأييد من الله عز وجل لرسول الله ولرفيقه الصديق .
لقد كان لهذه الصحبة دور كبير في تخلق أبي بكر بأخلاق المصطفى وإتباعه لكل ما كان النبي النبي محمد عليه الصلاة والسلام يطبق ويلتزم به في حياته.
 وقد ظهر ذلك منذ اللحظة الأولى لتولي أبو بكر مقاليد المسؤولية كخليفة للمسلمين ،حيث طبق ابو بكر كثيرا من مبادئ القائد الإداري الناجح والتي يمكن إيجازها بما يلي:
1.احترام القائد والثقة به :
إن الإخلاص والولاء للقائد وصاحب العمل مبدأ هام من مبادئ الإدارة الناجحة لأنه يشكل دافعا وحافزا نحو العطاء وزيادة الإنتاج والإقبال نحو تحقيق الأهداف وهذا ما أثبتته النظريات الاداريه الحديث.
 ويكفي ان نعرف في هذا المقام أن أبا بكر طبق  هذا المبدأ في أعسر وأصعب اللحظات التي كان يعيشها القائد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وهي الأيام الأخيرة من حياته عليه الصلاة والسلام عندما تراجع ابو بكر عن إمامة الناس في الصلاة في مرض النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما سمع صوته قد دخل المسجد احتراما وتقديرا وولاء له ،وهذا ينفي طابع الاستغلال الذي تمارسه الإدارات المتسلطة حيث يتم تولي السلطة والمسؤولية فور السماع بنبأ مرض القائد أو المدير لأن الثقة تكون بين القائد ومرؤوسيه على حافة الهاوية . 
2.الحكمة والتعقل :
لقد أثبت الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قدرته على ضبط النفس والتروي والتصرف بحكمة عندما سمع بنبأ وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان رابط الجأش رزينا متعقلا لم يندفع الى زعامة ولا رئاسة بل كان هدفه ضبط أمور المسلمين وإرشادهم إلى الطريق التي تستمر فيها المسيرة كما كانت عليه في عهد النبي النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فبعد أن بايعه الناس قام فيهم خطيبا بخطبه موجزة ترسم ملامح السياسة التي سينتهجها والطريقة التي سيتبعها في إدارة شؤون البلاد والعباد حيث قال :" أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فان أحسنتُ فأعينوني وان أسأتُ فقوِّموني،الصدق أمانة ،والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله ، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ".
إنها سياسة حكيمة تراوح ما بين التطمين والتحذير والترهيب والترغيب وهذا هو عادة وصفة القائد الناجح وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها دولة المسلمين آنذاك .
3. الحزم والقوة :
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن تلك اللحظة التي تولَّى بها الصحابي أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة  :"لما توفي رسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام اشرأب النفاق ، وارتدت العرب وانحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بابي لهاضها ، فما اختلفوا في نقطه إلا طار أبي بفضلها ".
ان الأمة كانت بحاجة الى هذا النوع من القادة يحفظون عليها دينها ويستمرون بمسيرتها إلى ما كان يريده الله ورسوله ،حيث قال أبو بكر رضي الله عنه في إنفاذ ما كان يريده رسول الله النبي محمد عليه الصلاة والسلام وخاصة استمرار جيش أسامه في مهمته:"..... والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام ما رددتُ جيشا وجهه رسول الله ولا حللتُ لواءاً عقده .." إنه الحزم والقوة والتصميم على الاستمرار والنجاح .
4.التصميم والإرادة:
لا تتحقق الأهداف والغايات بدون عزيمة قوية وإرادة صلبة ،فما بالك إن كانت هذه الأهداف تتعلق بمصير أمة ودولة ودين ورسالة ،إن قول أبي بكر رضي الله عنه عندما أراد محاربه مانعي الزكاة :"والله منعوني عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله لقاتلتهم على منعها  ..."،هذا القول يدل على الإرادة والعزم والتصميم على تحقيق الأهداف والاستمرار بالمسيرة لأن فيها حياة الأمة وبقاء الدين،وفيها أيضا زجر وترهيب لمن يحاول الخروج عن صف الأمة وشق غبارها .
5. الإنصاف والعدالة:
لقد وضَّح أبو بكر رضي الله عنه ملامح سياسته القادمة في خطابه الأول للأمة والذي سبق ان أوردنا نصه ، والذي يدل على عزمه وتصميمه على اقتفاء اثر النبي الكريم في رفع الظلم عن الناس وإحقاق الحق وإنصاف المظلومين ،فبعد أن بويع أبا بكر جاء إلى مكة فطاف بالبيت العتيق ثم جلس قريبا من دار الندوة فقال :" وهل من أحد يشتكي مظلمته أو يطلب حقا ، فما أتاه أحد ، وأثنى الناس على واليهم".
 وبهذا العدل وهذه الطمأنينة التي شملت جميع مواطني الدولة انتقل الإسلام من المدينة الى العالم كله ، ليغمر نوره أرجاء الكون وتنتشر أشعته إلى أطراف الدنيا كلها فتصيب أطراف الصين شرقا فترتد إلى أطراف فرنسا غربا.
6.المتابعة والاهتمام :
مواقف كثيرة تجلَّت بها متابعة الراعي لرعيته واهتمامه بكل صغيرة وكبيرة واهتمامه بدقائق وتفاصيل الأمور وخاضه عندما يتعلق الأمر بالناس ومصالحهم وقضاياهم.
 فوصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لجيش أسامه بن زيد رضي الله عنه خير دليل على ذلك فهاهو يوصيه فيقول له  :" لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوا ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا الا لمأكله ،وسوف تمرون على أقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له....الخ " .
7.الانسانية والرحمة :
إن وصية أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه التي أوردناها في البند السابق هي خير دليل على رحمة القائد وإنسانيته وتسطيره لكثير من بنود القانون الدولي الإنساني الذي توصلت له البشرية المعاصرة والتي تطمح الأمم التي تعاني من ويلات الحروب أن يتم تطبيقه.
لقد عانت البشرية الحديثة من ويلات الحروب والقتل والدمار وهلاك الزروع والثمار وإبادة الأرض والإنسان بحروب طاحنه سميت بالحروب العالمية والتي تجاوزت خسائرها اابشريه أكثر من خمسين مليون إنسان ومثلهم بل أكثر من الجرحى والمشردين والنازحين والمشوهين والمعوقين ..الخ ، بالاضافه الى الخسائر المادية الفادحة ،فأين الانسانيه اليوم من التهم التي توجه للإسلام بأنه دين العنف والتطرف والإرهاب ؟ ،بل انه دين الرحمة والانسانية والأخلاق الفاضلة والمتعامي عن حقائق التاريخ كالذي يريد أن يغطي الشمس بالغربال .
إن صفات أبي بكر القيادية كثيرة ومتعددة وهي تدل على تخلق هذا الخليفة العظيم بأخلاق صاحبه الكريم محمد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وتنسمه ذكراه وإقتدائه به في حكمه وقيادته ورعايته للأمة ،فكان خير القائد بعد الرسول الكريم ، جرى الخير على يديه وانتشر في عهدة الدين الجديد وغمر أجزاء واسعة وكبيرة من الكون تحت مظلة الرحمة والانسانية وبعيدا عن العنف والتطرف والتعنت .
يقول عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الصديق : يصف أبو بكر الصديق:
"  ... فلم يكن متغطرسا ، بل كان مشهورا بالدعة والتواضع مألفا لقومه كما  قال واصفوه محبا سهلا ،.....
و كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته.
ولم يكن مهددا في سيادة مضروبة على أعناق الناس ،فكان من ذوي الشرف في قريش ...
ولم يكن مغلق الذهن ولا وصفه أحد بهذه الصفة من محبيه ولا من شائنيه؛بل كان معروف الذكاء يلمح اللحن البعيد فيدركه ويسبق الحاضرين إلى فهمه والفطنة إلى موضع الإشارة فيه...
ولم يكن مغماسا للشهوات بل كان يكره ما شاع منها بين الجاهليين من ذوي الأقدار والأخطار...
وعلى هذا لم يكن أبو بكر متعصبا للجاهلية وعبادتها فقط ،فقد كان بجانب ذلك مزدريا لها مستخفا بالأصنام وبأحلام عابديها.
ولم يكن الصديق بالجبان ولا بالشجاع الذي نصيبه من الشجاعة قليل بل كانت شجاعته تفوق شجاعة الأبطال المعدودين في الجاهليه والإسلام.
ولم يكن شيخا فانيا متابعا لكل قديم ولم يكن حدثا صغيرا تطيش به شرة الشباب حين دعاه محمد الى دينه وهداه ...
 كان الرجل صادق الطبع مستقيم الضمير لا يلتوي به عما يعلم أنه الحق ،لا عوج ولا سوء دخله.
وعرف باسم الصديق إذ عرف الناس فيه الصدق من أيام الجاهلية قبل أن يدين بالإسلام لأنه كان يضمن المغارم والديات...
وكان مطبوعا على الحماسة لما يعتقد فيه الخير والصلاح .....".
المصادر والمراجع:
-عباس محمود العقاد،عبقرية الصديق،دار المعارف،القاهرة،ط14.
- سعد أبو ديه،حقوق المواطن ورفع المظالم،المجلة الثقافية،العدد70 أيار 2007 ، الجامعة الأردنية،عمان.
- محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الاسلاميه ، المكتب المصري الحديث ، ط3 ،1979.
- توفيق سلطان اليوزبكي، دراسات في النظم العربية والإسلامية ،جامعه الموصل ،1988.
- فوزي كمال ادهم ، الإدارة الاسلاميه ، دار النفائس ، 2001.
- انظر: نص الوثيقة في: د. نزار عبد اللطيف الحديثي، محاضرات في التاريخ العربي، بغداد، 1979، ص97-101.
- عبد السلام أبو قحف ،أساسيات التنظيم والإدارة ، دار الجامعه الجديدة ، الإسكندرية ،2003.
- عبد المعطي محمد عساف،  مبادئ الاداره ،المفاهيم والاتجاهات ألحديثه، مكتبة المحتسب ، عمان ، 1994.
-زهاء الدين عبيدات ،القيادة والإدارة التربوية في الإسلام ، دار البيارق ، عمان ، 2001.
- أساسيات في القيادة والإدارة النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة هايل عبد المولى طشطوش،دار الكندي،الطبعة الأولى 2008.

No comments :

Post a Comment