محبة الله وأثرها في حياة المسلم وكيفية نبني محبة الله في قلوبنا:
محبة الله هي أعلى وأشرف مشاعر يمكن للإنسان أن يسعى إليها، فهي أساس
الإيمان ومحور العبادة، إذ أن الله عز وجل يحب عباده ويريد لهم الخير والسعادة،
وفي المقابل يطلب من عباده أن يبادلوه هذا الحب بطاعة وامتثال لأوامره، ومحبة الله
في الإسلام هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها إيمان المسلم، وهي التي تدفعه
للالتزام بتعاليم دينه، والعيش بأخلاق كريمة، والمعاملة الحسنة مع الناس.
محبة الله في القرآن الكريم:
محبة الله للإنسان تتجلى في العديد من آيات القرآن الكريم التي توضح كيف أن
الله هو الرحمن الرحيم، وأنه يفيض على عباده بالرحمة والمغفرة والعطاء. قال الله
تعالى:
"وَرَحْمَتِي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"
[الأعراف: 156].
وهذا يشير إلى أن رحمة الله تشمل جميع مخلوقاته بلا استثناء، وبهذا يظهر
محبته الشاملة. كما يوضح الله في القرآن محبته للمتقين والمحسنين والذين يعملون
الخير، فقال:
"إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"
[البقرة: 195]،
و"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة: 4].
وهذا يظهر لنا كيف أن الله يحب من يتحلى بالأخلاق الحميدة ويسعى لتحقيق
الخير في الأرض.
ومن دلائل محبة الله للبشرية أيضًا قوله سبحانه وتعالى:
"يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ"
[المائدة: 54].
وهذه الآية العظيمة تؤكد على المحبة المتبادلة بين الله وعباده المؤمنين،
فالله يحب المؤمنين ويعاملهم بالرحمة والكرم، وفي المقابل يبادله المؤمنون حبًا
عميقًا وطاعة خالصة.
محبة الله في الأحاديث النبوية:
النبي محمد ﷺ أكد أيضًا في أحاديثه على عظم محبة الله وكرمه بعباده، فعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
"لله أرحم بعباده من هذه بولدها" (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يصف حب الله لعباده برحمة الأم لولدها، وهي أبلغ صور الحنان
والعطف. كما ورد في الحديث القدسي عن الله عز وجل قوله:
"من تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليّ
ذراعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" (رواه البخاري).
هذا الحديث القدسي يظهر مدى قرب الله من عباده ومحبته العظيمة لمن يسعى
إليه بالتوبة والطاعة، فهو يقابل خطوات العبد بأضعافها محبةً ورغبةً في تقريبه منه.
آثار محبة الله على حياة المسلم:
محبة الله إذا سكنت في قلب المسلم، أحدثت تغييرًا جذريًا في حياته، فمن
يشعر بمحبة الله تفيض عليه السكينة والطمأنينة، ويدرك أن الله لن يتخلى عنه في أي
حال.
ومن آثار محبة الله في الحياة، أن يحرص الإنسان على طاعة الله وعبادته
بصدق، لأنه يدرك أن كل ما يفعله هو تقربًا إلى الله ومبادلةً لمحبته.
محبة الله تربي لدى الإنسان حب الخير للناس، إذ قال رسول الله ﷺ:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري ومسلم).
فالمحب لله يحب أن يكون سببًا في سعادة الآخرين، ويحرص على نشر المحبة
والخير بينهم.
محبة الله في الشعر
كان للأدب العربي نصيب وافر في التعبير عن محبة الله، إذ تغنى الشعراء
الصوفيون والعلماء في أشعارهم بمحبة الله والشوق إليه.
قال
الإمام الشافعي في محبته لله:
"رأيتك تكفيني جميع خصاصتي
وتُحسن لي من حيثُ لا أدري النفعَ
فهل تُرى نفسي تُكافيك مرةً
ومالي في الدنيا سوى وجهك شفعَ".
وهذا البيت يعبر عن الحب العميق لله والتسليم الكامل له، والإقرار بأن الله
هو الملجأ الوحيد.
كما
قالت رابعة العدوية:
"أحبك حبين، حب الهوى *** وحبًا لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى*** فشغلي بذكرك عمّن سواك".
هذان البيتان يصفان محبةً روحانية متجاوزة للذات، إذ تُعبر رابعة عن حبها
لله من منطلقين؛ حب الفطرة وحب الإدراك لمعاني كمال الله.
كيف نبني محبة الله في قلوبنا؟
من أجل بناء محبة الله في قلوبنا، يجب أن نبدأ بالتعرف على الله ومعرفة
صفاته وأسمائه الحسنى التي تُظهر عظمته ورحمته. قال الله تعالى:
"فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ"
[البقرة: 152].
الذكر والتسبيح من العبادات التي تقوي الصلة بين العبد وربه، وتجعل القلب
متعلقًا بحب الله، إذ يشعر المسلم من خلال الذكر بأن الله قريب منه ويجيب دعاءه.
كذلك، من الطرق التي تعين على زيادة محبة الله في القلب هي التفكر في خلق
الله ونعمه علينا، إذ قال الله:
"وَفِي
أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ"
[الذاريات: 21].
فالوعي بالنعم التي وهبنا الله إياها يعزز حبنا لله ويزيدنا امتنانًا.
No comments :
Post a Comment