Monday, January 27, 2014

رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بين أنه (رسول) و(بشر)


رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بين أنه (رسول) و(بشر):
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني**وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ**كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ

(قل إنما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحَى إليَّ)
 ( ولكن رسول الله وخاتم النبيين)

إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بشر، وما يجول في فكر مسلم أو عقله أو نفسه أن يُخرجَه عن البشرية، وهذا من كمال الرسالة المحمدية وتمام النعمة الإلهية، إذ جاء في القرآن المجيد (بشرٌ يوحى إليه).
فمنتهى القول فيه أنه بشرٌ *** وأنه خير خلق الله كلهم
إن العلمانيين والليبرالين ومن سار مسارهم حينما أحدهم يقرأ القرآن –هذا إذا قرأه- فتمر عليه الآية القرآنية (قل إنما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحَى إليَّ) فيحاول التركيز عليها وتوجيه الانتباه كله إليها، وتحويل الأنظار كلها نحوها، فيتحدث عن خصائص البشرية العادية في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويبرزها ويدور حولها ويبدئ ويعيد القول فيها، ويندفع في هذا الاتجاه المنجرف اندفاعا كبيرا لا يتناسب مع قوله (يوحى إليَّ) بل إنه في اندفاعته الهوجاء وانفعالته العمياء وحديثه الأجوف ينسى (يوححى إليَّ) ويهملها إهمالا.
كل ذلك ليتحدث عن خطأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الرأي-معاذ الله- وعن صوابه، وأنه بشر يخطئ ويمكن أن يخطئ وأن تعاليمه لعصره ولوطنه في زمانه، لا علاقة لنا بها وبالدستور وبالسياسة وبالحياة ونظامها ، ويسير في حديثه أو في كتابته مستنتجا ومستنبطا استنتاجات عمياء واستنتباطات خرقاء، لو قُدِّر للجنين في بطن أمه أن يعي ما يسمع لمات ضحكا وقهرا.
ينسى هذا العلماني الليبرالي قول الله تعالى( وما ينطق عن الهوى) وينسى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (يوحى إليَّ) وينسى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) و ينسى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لا يتأمل في (صلاتي) و(نسكي) و(محياي) الحياة التي أعيشها وأحياها نظامها، قانونها، دستورها، كل ما يتعلق فيها، هي (لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ولاحظ قوله (أمرت) وقوله(أول المسلمين) إنها دعوات وأوامر لتحكيم شرع الله في الحياة والمعيشة التي يعيشها المسلم في نفسه، وفي أسرته، وفي حارته، وفي بلدته، وفي منطقته، وفي محافظته وولايته، وفي وطنه.
ينسى كل هذا ويدقق في بشرية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليصل إلى عدم تحكيم شرع الله في الحياة وإزالة المواد المتعلقة بالإسلام من الدستور، وكثير من المسلمين يدعمونهم ويساندوهم ويساعدوهم، والله ليحاسَبُنَّ على ذلك، فالكل سيموت وسيلقى الله ، فماذا سيقول له؟!
إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بشرٌ لكنه نبي وسول يُبلغ ما يُنزِل الله عليه من آيات وسور، لتكون دستوراً للمسلمين وقانوناً للمؤمنين، وميزاناً وحكماً عادلاً بين الناس أجمعين.
والرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه بشرٌ فهو على صوابٍ دائماً في الحلول التي يتخذها والأحكام التي يُصدرها والأوامر التي يأمر بها والنواهي التي ينهى عنها والتعاليم التي يُعلِّمها والوصايا التي يوصي بها، والأعمال والأفعال والتصرفات التي يعملها ويفعلها. 
ويجمع ذلك كله بما حلاه الله به من الرأفة، وما فطره عليه من الرحمة، وهو الذي يتناسب مع طابع الرسالة الإسلامية العام (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
بشرٌ سعيدٌ في النفوسِ معظمٌ**مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحبَّبُ

ولم يلغ الله سبحانه وتعالى اتجاهاً عاماً سار فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقض قضية كلية أقرها، ولم ينف مبدأ أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يسير على هدى من ربه، وعلى بصيرة من أمره، وقد شهد الله عزَّ وجلَّ بذلك إذ قال (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.صراط الله..) .
وما يتمسك به المنحرفون، ويتمحك فيه المتمحكون، ويستهزئون ويسخرون، من الرسول صلى الله عليه وسلم وتعاليمه وحياته وشريعته، فإن الله بيَّن وأخبر وأكّد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله ميزات كبيرة وخصائص جليلة وسمات حميدة وأخلاق فاضلة وصفات إيمانية قام بها بالبلاغ المبين ودعا إلى ربه وإلى الصراط المستقيم، وتوكل على ربه لأنه على الحق المبين، فقد خاطبه الله عز وجل في القرآن الكريم بما يلي:
-(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
-( وإنك على خلق عظيم) .
-( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) .
-(وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ) .
-(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ).
-(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
فهذه التأكيدات من الله عز وجل وهذه التوكيدات توضح بجلاء رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ودعوته وبلاغه.
وأن الله  بين في هذه المواطن وغيرها فضله، والفرق شاسع بين هذه الوجهة الربانية ، وبين التحدث عن خطأ وصواب، وأوضاع بشرية يركز عليها العلمانيون والملحدون ولا يلتفتون لسواها.
ولنضرب لذلك مثلا: إن الذين عادتهم الجدل، يتحدثون كثيرا عن قوله تعالى( عفا الله عنك لم أذنتَ لهم) ويقولون مباشرة: إن العفو لا يكون إلا عن خطأ.
ولهؤلاء وأمثالهم نقول: إن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا الكثير، ومنها قولهم: غفر الله لك لماذا قلت له كلاما قاسيا؟
عفا الله عنك،لم تتعب نفسك في نصيحته؟!
وكأن القائل يقول: لا ترهق نفسك كل هذا الإرهاق.
إن الآية القرآنية من هذا الشكل.
وضم هذه الآية الكريمة إلى أختها التي في سورة النور( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئتَ منهم).
تجد المعنى واضحاً جليا، وهو أن الله فوَّض الأمر لنبيه في أن يأذن أو لا يأذن لهم.
ليس النبي محمد صلى الله عليه وسلم مُعَاتَبا بهذه الآية، بل كان مخيرا، فلما أذن لهم أعلمه الله أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا، ولتخلفوا بسبب نفاقهم، وأنه مع ذلك لا حرج عليه في الإذن لهم.
إنها آية في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غاية الرقة التي نفتقدها في حياتنا وتعاملنا مع الآخرين، وخاصة أولي الأمر وأولي العلم منا.
وصدور الإذن لهم من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صدر عن قلب رحيم تميَّز به واتصف به وتخلَّق به، في حين أن أكثر أهل العلم قساة القلب.
وعن هذه الرحمة الفياضة التي اتصف بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يصدر أحكامه وتعاليمه وأوامره وحتى نواهيه كلها صادة على وفق الرحمة والرأفة ببني الإنسان وعامة الناس وكافتهم وجميع المسلمين.  
وهو متبع لقول اله عز وجل: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
فمن يسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شرعه ومن يهجوه فقد قارف إثما كبيرا وذنبا عظيما.
والذي ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقوف بوجه العلمانيين والليبراليين  وإفشال مخططاتهم، له من الله طيب الجزاء وجميل الثواب.
فكن ممن ينصرون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وينصرون شريعته ويقف في صفه.

والله أعلم.

هجوتَ محمداً، فأجبتُ عنهُ** وعندَ اللهِ في ذاكَ الجزاءُ
أتَهْجُوهُ، وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ ** فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُمَا الفِداءُ
هجوتَ مباركاً، براً، حنيفاً**أمينَ اللهِ، شيمتهُ الوفاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ**ويمدحهُ، وينصرهُ سواءُ
فَإنّ أبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضي** لعرضِ محمدٍ منكمْ وقاءُ

المصادر:
-سيرة ابن هشام.
- عبقرية محمد للعقاد.
- نور اليقين في سيرة خير المرسلين.
-محمد رسول الله، للصادق عرجون.
- الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الحليم محمود.
- طبقات ابن سعد.
- ديوان حسان بن ابت رضي الله عنه.
-عيون الشعر.

No comments :

Post a Comment