Friday, January 24, 2014

الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن والمجتمع


الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن والمجتمع:

رسول العلى والفضل والخير والهدى ** لكل سطور المجد اسمك مبتدا
ولي في معانيك الحسان تأمل ** سمعت به قلبي يقول محمدا
حينما نريد أن نُكّوِّن صورة واضحة تامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الطريق الوحيد لذلك، هو الإحاطة بالقرآن إحاطة واضحة وتامة.

والإحاطة بالقرآن على هذا النسق ليست من السهولة بمكان، ولا ممكنة، إذ القرآن الكريم في كل يوم يتفتح عن معان جديدة للإنسانية، كما يتفتح على معان جديدة للشخص المتأمل المتدبر، وهذه المعاني الجديدة تكون في الإنسانية العامة، أو الفردية الشخصية، وكلها إيضاح وتفسير للصورة النبوية الكريمة.

كما أن المتدبر المتأمل في الصورة النبوية وسيرته العطرة وسنته الشريفة، عن طريق السيرة الصحيحة والأحاديث المعتمدة والأخبار الصحيحة، يفهم عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كل يوم شيئا جديدا، لا بل كل تأمل وتدبر وتفكر  جديد يفهم شيئا جديدا منه، تعانق روحه وتلمس نفسه وتزيد العلم والمعرفة في عقله وفكره وتوسع مداركه وتضيف له فكر إلى فكره، وعقلا لعقله فيزداد معرفة ويطور نفسه بهذه المعرفة وهذا الفهم، و ذاك الفهم إنما هو تفسير وإيضاح لجوانب من القرآن الكريم، وردت مُطَبَّقَة بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام.

فلا عجب إذن، أن نرى جوانب كثيرة في سيرة رسول الله نستلهم منها العلوم المتنوعة والمعارف المتعددة، ونأخذ منها العبر والعظات، ونستهدي بها في جوانب حياتنا ومجاري معيشتنا، وتفاعل تعاملنا مع الآخرين.

إذ أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفيض بالعديد من الدروس المستفادة نستطيع أن نعالج بها أوضاعنا المتردية، وأحوالنا الهاوية، وظروفنا القاسية.

كما يمكن ان نستفيد من حياة محمد صلى الله عليه وسلم  في إقامة الإسلام ونشره وإدخاله في المجتمع الإسلامي، وذاك بعد أن ندرس السيرة النبوية بمنظار عام وشامل وواعي، مع الوقوف على تغير المكان والزمان والإنسان، والتطور والتقدم في نواحي الاتصال الثقافي والمعرفي والحياتي.، فإن فعلنا ذلك نكون قد خطونا خطوة للأمام بالطريق الصحيح، لنبدأ بخطوة ثانية وهو تأهيل المجتمع لعودة الإسلام لمناحي الحياة ونواحي المعيشة المختلفة، وذلك بالدعوة بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، وإيجاد بدائل لتحسين مستوى المعيشة مشاهدة ومحسوسة ليعرف الناس مدى عظمة الإسلام المتمثل بالقرآن الكريم المتمثل بالرسول العظيم عليه الصلاة والسلام.

لقد امتزج الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن  روحا وقلبا وجسما، وامتزج القرآن به عقيدة وأخلاقا وتشريعا، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا يسيسر في الأرض بين النا يتنقل من هنا لهناك، ويعامل الآخرين بمعاملة حسنى، ويعاشر الآخرين معاشرة طيبة، قائمة على أسس الإيمان وقواعد الإسلام وتعاليم الله عز وجل.

ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام قلبا ينبض بالحب للناس أصدقائه وأعدائه أقربائه والغريبين عنه والقريبين منه، مَن يعرفهم ومَن لا يعرفهم.

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام لسانا ينطق بالهداية والإرشاد والدعوة للإسلام ونبذ الأصنام وترك الظلم والوقوف بوجه الظالمين.

لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام ثورة إيمانية إسلامية قرآنية ربانية إلهية على الطغيان والطغاة، على الظلمة والمستبدين، على الأصنام وعُبَّادها، وعلى الأوثان وسُجَادها، على الانحراف وأسبابه ومسبباته، على الجهل والظلام والقسوة والشرك والكفر والانقسام والنفاق.

ما أعظم محمدا، عليه الصلاة والسلام، لقد كان حريصا كل الحرص على أن يكون خلق الأمة الإسلامية القرآن، فقد كان نموذجا صادقاً ورجلاً مخلصاً، وبشراً أمينا.

يحدثنا القرآن الكريم عن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من الأمة ، فيقول:
( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

إنه وصف دقيق لحقيقة واقعية متمثلة بالنبي عليه الصلاة والسلام التي كان منها:
الحرص على المسلمين والمؤمنين في دعوته لأمته في التمسك بالإسلام وبالقرآن وبسنة رسول الله مع الرأفة والرحمة بهم[تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي] وفي رواية ثانية[ كتاب الله وأهل بيتي] وفي رواية ثالثة [ كتاب الله وسنتي].

قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى ... نَهجَ الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى ... مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ
فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ ... عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ

إن هذا الحرص يوضح لنا رحمة النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الأمة ورأفته بها وشفقته عليها، كما ينبهنا إلى أن نكون مثله حريصين على هداية الناس وهداية الآخرين، حتى المخالفين لنا بالرأي، ولا نكون قساة القلوب، غلاظ الكلام، فظاظ الحديث، وعلى الطالع والنازل نكفر ونفسق ونضلل، وندخل هذا إلى الجحيم وذاك إلى النار .

لا, ليس هذا هدي النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولا هذه طريقته ولا تلك سيرته، ومَن يفعل ذلك فإن له عقابا من الله لأنه خالف النبي محمد عليه الصلاة والسلام في أمره ونهيه، ثم يَدّعي بعد ذلك كلّه أنه يسير على منهج الرسول وسيرة السلف!!! فوق مخالفته للرسول وهديه عليه الصلاة والسلام، يكذب ويقول أن هذا التفسيق والتضليل والتكفير ووصف المسلمين بالشرك وأن كفار قريش أفضل منهم توحيدا وإيمانا!!!.

كان من حرص رسول الله على الناس أنْ كان يدعوهم للإسلام في كل مناسبة وفي كل مكان وفي كل وقت، يدعو الكبير والصغير، العبد والحر، الذكر والأنثى، الطفل والشاب، الفتى والفتاة، وكان يحزن أشد الحزن على الكفار والمشركين من قومه أنْ رفضوا ولم يقبلوا الدخول في الإسلام، يحزن كثيرا ويتألم ويتحسر، لدرجة أنَّ الله أنزل عليه آية تقول له (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) و(لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين) و (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماءفتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين).

ونشاهد علماء وشيوخاً يدعون النسبة للسلف الصالح ولمنهج أهل السنة والجماعة، وقلبه مملوء حقدا على الآخرين، وهو غارقٌ بالكراهية والبغضاء على مَن يخالفون رأيه، ويصف الآخرين بالضلال والفسق والكفر والشرك، مخالفاً سيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، معارضاً بفعله وعمله فعلَ وعملَ الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، مع أن أقواله وكلماته وحديثه ومحاضراته تدعو للاقتداء بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام والتأسي به، وهو في أعماله يخالف ذلك.

ما كان محمدٌ عليه الصلاة والسلام فظاً ولا غليظ القلب، ولا قاسي الفؤاد، ولا مُظلِمَ النفس والروح.

لقد كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام رفيقاً بالآخرين، رحيماً بالمسلمين، رؤوفاً بالمؤمنين، ويتحدث عن نفسه عن حرصه الشديد على هداية أمته فيقول:
[ مثلي ومثلكم  كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيه، وهو يَذبهن عنهل –يدفعهن حتى لا يقعن في النار- وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي].   

هذه صلة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بأمته، فبينما هو يدفع أمته من الوقوع بالنار والدخول فيها، يأتي بعض العلماء والمشايخ فيخالفونه ويُدخِلُون أفواجاً من المسلمين تتلوها أفواج إلى النار، أهكذا تتم الدعوة إلى الإسلام، أهكذا يتم الاقتداء بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، أهكذا يكون السير على منهجه ومنهج السلف الصالح؟.
الواجب على المسلم الصادق والمؤمن الحقيقي أن يسير على منهج رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، ويقفو خطاه، ويتبع أثره، ولا يهتم لأقوال من يخالفه ولا يسمع لأحاديث من يُعارض النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يُلقي بالاً لهم، أياً كان ومهما كان، لأن الحق هو متابعة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، والصدق هو تطبيق ما أمر والابتعاد عما نهى، والاتصاف والتخلق بأخلاق النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
والله أعلم.
راية المصطفى اُخْفُقِي في السماء ** أنت رمز الخلود رمز العلاء
 اُخْفُقِي تَخْفُقُ القلوب حنانا ** ورجاء يفوق حدَّ الرجاء
 رمقتكِ العيونُ من كل أفقٍ ** وحَبَتْكِ القلوب محض الولاء
منكِ تَسْتَلْهِمُ الزحوف نشيداً ** عبقرياً يثيرُ روح الفداء
 ويعيدُ الآمالَ تَدْفُقُ نورا ** لؤؤيَ السناءَ ثَرَّ الضياء
 ويهزُّ النفوس نحو المعالي ** ويُريها كرامةَ الشهداء
 ويُميطُ اللثامَ عن كلِّ قلبٍ ** ساورَتْهُ الشكوك بالارتقاء
ويقودُ الجموعَ بالعزم للنصرِ ** ويُنفي حثالةَ الدُّخلاء
ويَشُد القلوب بالربِّ حتى ** لا تزيغ القلوب بالأهواء
أنتِ يا رايةَ النبي عُقَابُ ** ضاربٌ في السمو للجوزاء
فيكِ معنى المجد العظيم ومعنى ** العزِّ والفضلِ والعلى والإباء
 أنتِ يا رايةَ النبي منارٌ ** يجعلُ الأفقَ ضاحك الأرجاء
 بسناه يمحو الدذُجى ويُنير ** الدَّرب للعدلِ والهدى والبناء
رفرفي في سمائِنا وأظلِّي ** موكبَ السالكين دربَ الإخاء
المصادر:
-سيرة ابن هشام.
- الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الحليم محمود.
- طبقات ابن سعد.
-عيون الشعر

No comments :

Post a Comment