Wednesday, February 12, 2014

المحافظة على الوقت واغتنامه


المحافظة على الوقت واغتنامه:
دقات قلب المرء قائله له  ** إن الحياة دقائق و ثوان

هناك كنز كبير وعظيم يهمله أكثر الناس ،فلا يلتفتون إليه وهو معهم، ولا يهتمون به وهو بأيديهم، ولا يُلقُون له بالا وهو بجانبهم، يهملونه ويضيعونه، إن هذا الكنز هو الوقت.
 لو نظرت في القرآن الكريم لوجدته يحض المسلم والمؤمن على الحفاظ على الوقت واغتنامه، ويدعو لملء الوقت بما ينفع في الدنيا والآخرة.
وذلك مثل قوله (سارعوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين)
و(سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض أعدت للذين آمنوا بالله و رسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم) و(و السابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم) .
وغيرها من الآيات التي تُنهِض المسلم من كسله وتوقظه من نومه، وتأخذ بيده للمجد وللرفعة وللكرامة.
 ولا ننسى قسم الله بأجزاء الوقت ففيه إيماء وإشارة إلى أهمية الوقت وشأنه الكبير للإنسان، حتى يستغله و يستثمره و لكي لا يحرقه في توافه الأمور التي لا تعود عليه بالنفع أو الخير .
كمثل قوله تعالى( والعصر..) و(الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) ( والضحى و الليل إذا سجى) (و الفجر، و ليال عشر) (والليل إذا عسعس، و الصبح إذا تنفس).
ولننظر لتعليم القرآن في استثمار الوقت إذ يقول (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ).
ويذكر الله لنا حالة التأسف التي يصاب بها الإنسان بعد مضي الوقت و انقضائه
يقول تعالى :
(( و أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتى على ما فطرت في جنب الله و إن كنت لمن الخاسرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو إن لي كرة فأكون من المحسنين * بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين ))
 وسمع القشيرى أبا علىٍّ الدقاق يقول: "الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك ": أى يأخذ من العبد، دون أن يمحوه بالكلية. وكان الدقاق ينشد:
كل يوم يمر يأخذ بعضي***يورث القلب حسرة ثم يمضى

حَفِل التاريخ الإسلامي برجال حافظوا على أوقاتهم وشغلوها بالخير والنفع لأنفسهم ولأهليهم ولمجتمعهم، إذ نظروا في القرآن فرأوا أهمية الوقت فسعوا لاغتنامه وعدم تضييعه ما استطاعوا لذلك سبيلا.
 قال الله عز وجل( والعصر.إن الإنسان لفي خسر.إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
هذه السورة هي عماد المحافظين على الوقت.إذ أقسم الله بالعصر فقائل هو وقت صلاة العصر لأهميتها، وقائل هو الزمن، وقائل هو الوقت والساعة.والجميع يتفقون على الحفاظ عليها وعدم تضييعها.
ومن هذا المنطلق كان المسلمون الأوائل من علماء ومجاهدين وطلاب علم ومؤلفين وعباد وزهاد،يهتمون بالوقت ويحافظون عليه لدرجة لا تصدق.
يقول أبو سعيد الخراز:"  لا تشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء، وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل.
والأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في النبي عليه الصلاة والسلام لما عرض عليه فى ليلة المعراج زينة ملك الأرض والسماء، فلم ينظر إلى أى شىء ؛ لقوله تعالى:(ما زاغ البصر وما طغى) ، لأنه كان عزيزا، ولا يشغل العزيز إلا بالعزيز، ولم يتجاوز ما أمر به.
و قال الإمام الرازي :
إذا كان يُؤذيك حَرُّ المصيف *** ويُبسُ الخريف وبَردُ الشّتا
ويُلهيكَ حُسْنُ زمانِ الربيعِ *** فَأَخْذُكَ للعلمِ قُلْ لي مَتَى ؟
فقد كان من دعاء أبي بكر الصديق: اللهم لا تدعنا في غمرة ولا تأخذنا على غرة ولا تجعلنا من الغافلين.
فهذا دعاء يوضح بجلاء أهمية الوقت عن الصدّيق، حتى رفعه وجعله من ضمن الأدعية والمناجاة التي يناجي بها ربه.
أوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبا ذر بها حيث قال :
يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس :
شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك و فراغك قبل شغلك و حياتك قبل موتك.

وما الوقت الا طائر يقطع المدى ***فبادره اذ كل النهى في بداره.
صحابي آخر هو عمر بن الخطاب كان يدعو: اللهم إنا نسألك صلاح الساعات والبركة في الأوقات.
فهو لا يكتفي بالمحافظة على الوقت،إنما أن يكون الوقت مملوءا بالأعمال الصالحة والأفعال الناجحة المفيدة الشاملة للبركة على النفس والأسرة والمجتمع ككل.
صحابي جليل من الرعيل الأول هو عبد الله بن مسعود يوضح لنا أهمية الوقت فيقول:
 ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.
إن هذا الندم الباعث عليه هو لمعرفته بقيمة الوقت وأن الإنسان مهما بلغ من مال أو جاه أو سلطة أو صحة أو علم ومعرفة، فنهايته هو الموت.
أنفاس عمرك أثمان الجنان فـلا **تشري بها لهبا الحشر يشتعل
يا منفق العمر في عصيان خالقه **أفق فانك من خمر الهوى ثمل

وأما سيد البلغاء وأستاذ المعلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإمام علي رضي الله عنه فإنه كثيرا ما كان يدعو للحفاظ على القت واغتنامه فيما ينفع النفس والأهل والآخرين.
يقول الإمام علي عليه السلام : (( خذ من نفسك لنفسك، و تزود ليومك لغدك، و اغتنم عفو الزمان، و انتهز فرصة الإمكان )).
إن الاهتمام بالوقت وملئه بالنافع المفيد، يُضفي على المسلم رونقا من قوة الشخصية وضوءا من هيبة المكانة، ونشاطا من الحركة والسعي لا ينقطع، وقوة في الفكر باغتنام الفرص للصالح الخاص والعام لا تتوقف.

اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ **فعسى أن يكون موتك بغتـه
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ **ذهبت نفسه العزيزة فلـتـه
و قال الإمام علي  عليه السلام:
((ما أسرع الساعات في اليوم، و أسرع الأيام في الأشهر، و أسرع الشهور في السنة، و أسع السنين في العمر ! ))
و كما يقول الشاعر :
تمضي الدهور كما الشهور**كأننا في غفلة لا تنتهي
ويدعو عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس إلى اغتنام المسلم للأوقات بالاعمال المفيدة والأفعال النافعة،إذ يقول:
إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
أي أن الليل  والنهار يأخذان من عمرك ويقربانك للموت، فلا تغفل واغتنم وقتك بطاعة الله وعبادته وبالسعي لطلب الرزق وبطلب العلم ونشر العلم ومساعدة الآخرين ورضا الله ورسوله ووالديك وغير ذلك من طرق التعاون على البر والتقوى ونشر الخير.
وقد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا استيقظ يقول:
نهارُك يا مغرورٌ سهوٌ وغفلةٌ...وليلُكَ نومٌ والرَّدى لك لازمُ
تُسَرُّ بما يَفنى وتَفْرَحُ بالمنى...كما سُرَّ باللذات حالمُ
وسعيُكَ فيما سوف تكره غِبَّهُ ... كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ

وأختم بكلمات من أروع الكلام في قيمة الوقت ، هي لسيد التابعين الحسن البصري إذ يقول:
ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك.
و قال : نهارك ضيفك فأحسن إليه, فانك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك, و إن أسأت إليه ارتحل بذمك, و كذلك ليلتك.
و قال : الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه, و أما غدا فلعلك لا تدركه, و أما اليوم فلك فاعمل فيه".
 والله أعلم.
يقول أبو جعفر الشيباني :
أتانا يوما أبو مياس الشاعر، ونحن في جماعة، فقال : ما أنتم و ما تذكرون ؟
قلنا : نذكر الزمان و فساده !! (أي يعتبرون الزمان هو الفاسد و هو المسؤول عن الفساد ) .
قال : كلا ! إنما الزمن وعاء، و ما ألقي فيه من خير أو من شر كان على حاله، ثم أنشأ يقول :
أرى حللا تصان على أناس** و أخلاقا تداس فلا تصان
يقولون : الزمان به فـساد** وهم فسدوا وما فسد الزمان
 هذه القصيدة تتحدث عن أهمية الوقت وهي للأستاذ الشاعر : محمد حسن ظافر الهلالي
الوقتُ أغلى من الياقوتِ والذهبِ***ونحن نَخسرهُ في اللهوِ واللعبِ
وسوف نُسأل عنه عند خالقِنا***يوم الحسابِ بذاك الموقفِ النّشـِبِ
نلهو ونلعبُ والأيامُ مدْبِرةٌ***تجريْ سراعاً تُجِدُّ السيرَ في الهربِ
والفوتُ مقترِبٌ والموتُ مرتقِبٌ***والحالُ منقلِبٌ والناسُ في لعـبِ
وقد نسينا من الأيام أطولها***يومَ الحسابِ ويومَ العرضِِ والكربِ
خمسون ألفاً من الأعوام يِعْدِلُها***ممّا نَعُدّ من الأيام والحِقب
والشمسُ فوق رؤوسِ الناس تحرقهم***وليس يحْجُبُها شيءٌ من الحُجبِ
والنار موقدةٌ واللهُ أوقدها***وقودُها الناسُ لمْ توقدْ من الحطبِ
فاعْملْ لنفسك وأْمَلْ في السلامة لا***تركنْ إلى النومِ أو تشكو من التعبِ
فإنما أنت مَجْزِيٌّ بما عملتْ***يـداك فاعملْ لها في رفعـةِ الرتبِ
وإنما الفوز فيما كُنتَ تعملهُ***مخافةَ الله لا في الجاهِ والنسبِ
لوْ أنها تنفعُ الأنسابُ صاحبَها***شيئاً لَمَا كان مذموماً أبو لهبِ

المصادر:
-القرآن الكريم.
-الفتاوى الكبرى (الشيخ محمد متولى الشعراوى): حوار لأحمد زين ص. 80 ،261، 1 0 6، مكتبة التراث الإسلامى بالقاهرة 7 0 4 1 هـ/ 1987 م.
-الرسالة القشيرية، القشيرى ص 53 مكتبة صبيح بالقاهرة 1386 هـ/ 1966 م.
-نهج البلاغة للإمام علي وشرحه لابن أبي الحديد.
-قيمة الزمن عند العلماء، عبد الفتاح أبو غدة.
-الوقت في حياة المسلم، الدكتور يوسف القرضاوي.

No comments :

Post a Comment