Tuesday, February 18, 2014

نظرة على مكانة الإنسان في القرآن والسنة


نظرة على مكانة الإنسان في القرآن والسنة:
يقوم الإسلام على تكريم الإنسان، وتعظيم شأنه، وإعلاء مكانته، وبيان حقيقة وجوده، ومآله.
إذ لا يكتفي الإسلام بالعناية بالإنسان من ناحيته المادية فقط كبعض الفلسفات، أو بناحيته الروحية فقط كبعض الاتجاهات، أو بإشباع رغباته وشهواته وتطلعاته، كبعض المناهج.
لا. إن الإسلام يجمع ذلك كله، يعتني بالإنسان من ناحية روحه فيرقيها، ومن ناحية نفسه فيهذبها بالأخلاق الفاضلة ويطهرها من الأخلاق السيئة، ومن ناحية عقله فينميه بالعلم ويرفده بالمعرفة، ومن ناحية المادة يرشده للسبيل القوم للاعتناء بجسده والاهتمام بجسمه، فيقر شهواته ورغباته وتطلعاته فيهذبها في إطار الشرع الحنيف، فيشرع الزواج وتعدد الزوجات والبيع والشراء والقضاء والعدل وطلب السعي للرزق مع ايتاء الزكاة وبذل المعروف، وآداب المأكل والمشرب والملبس، والتعامل مع الآخرين، وغير ذلك.
كما أن الإسلام يهتم بفكر الإنسان ويعتني به فيطلق له العنان في التفكر والتدبر والتأمل والنظر في السموات والأرض، فكم من دعوة قرآنية للتأمل والنظر في السموات والأرض والأنفس.
الإنسان في القرآن الكريم كائن متفرد خلقه الله عز وجل لحكمة أرادها ولمهمة اختاره لها بعد أن فضله على بقية الكائنات . قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) .
يشار إليه بالمعاني جميعها ** وكل كلام كان من كل إنسان
وهذا التكريم والتفضيل قائم على احترام حقوق الإنسان من خلال حريته في التعبير والرأي وطرح الأفكار أو اعتناق الدين، بين ذلك القرآن الكريم في قوله (لا إكراه في الدين) و( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (إنك لا تهدي من أحببت).
يقول الشيخ محمد الغزالي :الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن فالحرية هي أساس الفضيلة ...
كما أن احترام القرآن لحرية الرأي مضمونة في تعاليمه التي لا تشوبها رأي فاسد أو تأويل ضال قائم على العصبية والتعصب والتزمت ، فقد جاء في القرآن الكريم ( إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
إن جمال تعاليم القرآن الكريم شابه الكثير من سوء تصرفات المسلمين وظلام رؤيتهم للأمور حكمهم على الآخرين ، ممن انحرفوا أو ضلوا أو حادوا أو لم يهتدوا.
للقرآن الكريم أسلوبه الرائع في النظر لمثل هؤلاء فهو يدعوهم للهداية بقولٍ لَيِّنٍ ودعوةِ سمحةٍ إذ يقول مخاطبا موسى في دعوته لفرعون (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)
وقد دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى التمثل بأخلاق سمجة وصفات طيبة في دعوة الآخرين وهي (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ).
وقد تمثل رسول الله ليه الصلاة والسلام بهذا الخلق الكريم خلق الرحمة واللطف والعفو والحنان والرأفة والشفقة، إذ امتنع عن قتل المنافقين في المدينة وصلى على من مات منهم صلاة الجنازة، وعاملهم برق ولطف وسامح ما يصدر عنهم وصبر على أذاهم القولية والفعلية.
ورافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم رفيق ولم يذممه إنسان
في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار . وقال المهاجري : يا للمهاجرين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال دعوى الجاهلية ؟ قالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال : دعوها فإنها منتنة ، فسمعها عبد الله بن أُبيّ فقال : قد فعلوها ! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل . قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق ! فقال : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه .
فانظر أيها المسلم إلى نظرة رسول الله الثاقبة وحكمته الباهرة في التعامل مع أمثال هؤلاء.
 فقد قالوا عنه وعن أصحابه ما قالوا ونالوا منه ومن أصحابه،وآذوه في عرضه الشريف صلى الله عليه وسلم،ومع ذلك صبر عليهم،مع دوام مناصحتهم وتربيتهم وهديهم وتعليمهم.
هذه واقعة ينال فيها رجل من النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعفو عنه عليه الصلاة والسلام ويُعامله بالرفق .
روى الإمام مسلم :
بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل ، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء . قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء . يأتيني خبر السماء صباحا ومساء . قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار ، فقال : يا رسول الله اتق الله ! فقال : ويلك ! أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله . قال ثم ولّى الرجل ، فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ فقال : لا لعله أن يكون يصلي . قال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم .
وكان عمر رضي الله عنه فيه من الشدة ما فيه حتى إنه في كل مرة يقول : دعني أضرب عنقه !
ومع ذلك يعفو عليه الصلاة والسلام عن المنافقين رجاء توبتهم وإسلامهم .
قال سبحانه وبحمده عن المنافقين : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).
ومع أنه عليه الصلاة والسلام أُمِـر بإغلاظ القول للمنافقين ، إلا أنه ما كان يُصرّح بأسمائهم ، وهذه طريقة القرآن ( ومنهم .. ) ، ولذا ما كان يعرف أسماء المنافقين بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا حُذيفة رضي الله عنه .
ومن هنا فإن هناك من يغلط في عدم استعمال الشدة ، مُستدلا بقول الله تعالى لموسى وهارون في أمر فرعون : (َ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ).
فيظن بعض الناس أن اللين في القول والمعاملة بالحسنى تكون باستمرار ، وليس الأمر كذلك ، فإن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لما احتاج إلى إغلاظ القول لفرعون أغلظ له فقال : ( قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا )
ومع ذلك هو ملتزم بالأمر الأول ( فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا ) ولكن لكل مقام مقال .
فالشدة في موضعها ، واللين في موضعه .
ولا أعني عدم الكلام على المنافقين ، أو مجاهدتهم ، بل يُتّبع في ذلك طريقة القرآن في توضيح الأوصاف ، ومُجاهدة من رفع رأس النفاق باسمه خاصة إذا تصدّر في وسائل الإعلام وغيرها .
قال المتنبي :
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا **مضر كوضع السيف في موضع الندى
 إن احترام الإسلام للإنسان كثير جدا في تعاليمه، وغزير جدا في تشريعاته، لكن المكابرين من أهل العناد والإلحاد، ممن ساروا على منهج العلمانية والليبرالية التي تكره الإسلام وشريعته وتحاربها حربا شديدة وتقف بصف اليهود والنصارى والملحدين ضد الاسلام والمسلمين هؤلاء لا يُقِرُون بذلك وينشرون شبهات كاذبة وإشاعات لا صحة فيها، حول الإسلام وشريعته، فالواجب على المسلم أن يتحصن منهم بقراءة القرآن الكريم وفهمه وتدبره وقراءة السنة النبوية وفهمها وتدبرها، وعلى المسلم أن يكون معتزا بدينه الذي احترم الإنسان وشرَّع حقوقه قبل المدنية الحديثة بألف وأربعمائة وأربع وثلاثين سنة.
 فقد ضمن القرآن الكريم للإنسان التعلم والتعليم ( اقرأ) و( نون والقلم وما يسطرون) و(لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
وضمن القرآن الكريم للإنسان بالاختراع والابداع والاكتشاف (قُلْ اُنْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض)
دعا إلى الفكر والتفكر (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
ومعناها لا تقل شيئا لا تعلمه حتى تتعلمه وتعرفه.
وضمن حق المساواة إذ قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) و(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) و(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) و(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) و(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) و(لَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ )و(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
 إن بعض المسلمين لما أعرض عن القرآن وهجره، غاب عنه حقائق مذهلة في تشريعاته وأوامره.
وقد أوضح لنا المنهج الإسلامي ما يحتاج أن يعرفه الإنسان عن نفسه ، فبين أيدينا نحن المسلمين مصدر أصيل(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)،منه نصدر ومنه نورد في كل حال وفي أي وقت . فمنه يستقي الفرد المسلم تصوراته وآرائه لنفسه ولما حوله من موجودات فيهتدي إلى الصواب ويحظى برضى رب الأرباب .
والله أعلم.
نبي الحياة بوحي من عقيدتنا ** وعندنا للهدى والحق ميزان
قرآننا مشعل يهدي إلى سبل ** من حاد عن نهجها لا شك خسران
هو السعادة فلنأخذ بشرعته ** وما عداه فتضليل وبهتان
هو السلام الذي تهفو القلوب له ** فلم يعد يقتل الانسان إنسان
هو النشيد الذي ظلت تردده ** على مسامع هذا الكون أزمان
قد ارتضيناه حكما لا نبذله ** ما دام ينبض فينا منه شريان
المصادر:
-القرآن الكريم.
-الصحيحان.
-التربية الذاتية من الكتاب والسنة،الدكتور هاشم علي الأهدل.
-كيفية التعامل مع المنافقين، عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم.
- إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
-كبرى اليقينات الكونية، محمد سعيد رمضان البوطي.
- مشكلات الحضارة، مالك بن نبي.
- من هدي القرآن الكريم، الشيخ أحمد كفتارو.

No comments :

Post a Comment