Monday, March 3, 2014

الشباب بين التقليد والميوعة، والإبداع و المسؤولية


الشباب بين التقليد والميوعة، والإبداع و المسؤولية:
وَدَعْ حُبَّ الميُوعَةِ إنَّ فِيهَا*** سُمُومَاً تقتلُ الأخلاقَ فاحْذَرْ
يؤلمني حقاً ما وصل إليه أغلب الشباب العربي والمسلم إلى هذا المنحدر السحيق من انكسار الشخصية وضعفها، وترهل الأفكار وتقزمها، وانعدام المسؤولية وموتها، واتباع كل ناعق وتقليد كل غربي،دون تفكر ولا تدبر، ومن غير تأمل ولا تبصر.
أنى التفت من حولك فستشاهد شبابا قد نزعوا عنهم لباس المعالي، وأخلدوا إلى مستنقعات منخفضة في الأهداف والقيم.
إن الشباب هم العمود الفقري للمجتمع وبه قوامه وعليه نهوضه، فإذا انكسر هذا العمود الفقري واختل تركيبه، فسيتحطم المجتمع برمته.
وقد تنبه لذلك أعداء الأمة فما كان منهم إلا أن وجهوا ضرباتهم القاضية إلى الشباب، فأغرقوهم بالماديات و بهروهم بالمنتجات، وألهوهم عن التطلع للإبداع بسفاسف الأمور وصغارها.
فقام أعداء الإسلام بضرب قدوة الشباب العربي والمسلم من خلال طعنهم وتهجمهم على الصحابة الكرام، بإبراز خلافاتهم وتهويلها وتفسيرها تفسيرا يحيد المرء فيها عن الصواب ويقع في الزلل، فيتشوه لدى الشباب القدوة الحقة لهم والأمثلة الناصعة لديهم.
كما قاموا بالعمل على إغراق الشباب بطوفان من الملذت والمتعة وحبا الشهوات والانسياق وراء الغرائز، فتتبلد أفكارهم وتتقزم تطلعاتهم وتموت إبداعاتهم، ولينتشر المرض في المجتمع جراء الانكباب على الشهوات المحرمة والانغماس بالملذات المحرمة.
كما أكثروا عليهم طرق اللهو وسبل ضياع الوقت كي يظلوا دون إبداع ولا إنتاج.
ثم رمى الأعداءُ الشبابَ بسهام من أن العلم منهم فقط ولا أحد يستطيع سبقهم ولا يمكن اللحاق بهم، حتى أنك ترى هناك شبابا قد انتكسوا ورضوا بالأمر الواقع-وهذا مبتغى العدو-.
ولا ننسى دعم العدو لحكام يدينون لهم بالولاء المطلق، ويتبعونهم في كل شيء، يُصدرون عن أمرهم في كل نازلة، فإن ظهر عالم في بلاد العرب والمسلمين أُهين وحورب، وإن بدا مبدع ومنتج في الأمور الاقتصادية أو الحربية ضُيق عليه الخناق، وما ذاك إلا لتكون بلادنا تبع لهم، فهم الرعاة والذئاب معاً ونحن الغنم.
وعلينا أن لا نغفل عن حقيقة مهمة وهي سعي الغرب وتابعيهم من المستغربين على ضرب الدين ورجاله، والاستهزاء به والسخرية منه ومن رموزه، والدعوة إلى اللادينية والعلمانية والمذاهب التي تطرد الدين من ساحة فكرها، وتمقت الدين من دخول مشروعها، فظهر عندنا شباب قليلوا العلم بأمور دينهم من أحكام وتشريع مما هو ضروري في حياتهم العملية والمعاشية، فتمكن الجهل من قلوبهم، فعادوا الدين وحاربوه- والمرء عدو ما يجهل-، ومنهم من يعرف الإسلام ويعرف فضله ومكانته وموافقته للفطرة الإنسانية إلا أنه يحاربه طمعا بمنصب أو جاه أو مال، علوا واستكبارا-و هذا داء خطير-.
فكان نتيجة ذلك أنْ ركن الشباب في زوايا الدعة واللهو، واستمرؤوا الجهل والبطالة وضياع الوقت،وابتعدوا عن دينهم وسخروا من رجاله، فالتهوا بتقليد الغرب وغيره بالأمور الوضيعة كتقليد المغنيين والممثلين، من قصات الشعر إلى لبس الثياب، مرورا بطريقة الكلام وطريقة التحدث، وغير ذلك ...
وتابعوا كل ما يُلهي عن سبل المعالي، ويوصل للقمم في الإبداع والاختراع.
فكان منهم أن وقع في حفرة الميوعة ومستنقع الانحلال.
فلم يعد الشباب قادرا على تحمل المسؤولية، ولا متابعة العلم بالجد والاجتهاد، لإفادة الأمة وجلب المنفعة لنفسه.
وهذا ما سعى إليه أعداء الإسلام.
فقد جاء في مجلة المجتمع الكويتية في أعداد سنة 1409، 1410 هـ تحت عنوان الإسلام ومجلس الكونجرس بقلم الدكتور أحمد إبراهيم خضر ما يلي:
في مطلع سنة 1986م زار ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط- وهذه تسمية يهودية صليبية- الرئيس الأمريكي الأسبق- نيكسون- صاحب فضيحة ووترجيت- فقال في تصريح له- نشر في مجلة المجلة وجريدة الشرق الأوسط في ذلك الوقت ولا
يحضرني الآن رقم العدد- قال!: " ... لقد قدمت خلال جولتي في المنطقة نصيحة إلى أصدقائي حكام المنطقة بأن الخطر الحقيقي عليهم ليس إسرائيل ولا الشيوعية وإنما هو الشباب المتطرف- أي المتدين- ".
وشكل مجلس الكونجرس الأمريكي لجنة خاصة مهمتها متابعة ورصد حركة الصحوة الإسلامية ووضع الخطط للقضاء على نموها المتزايد إما بالقمع بالقوة أو إحتوائها إن أمكن، والإحتواء هو رأي هنري كيسنجز اليهودي الألماني الأصل ومنظرّ السياسة الأمريكية المعروف. انتهى.
وقد جاء في كتاب: واقعنا المعاصر للأستاذ محمد قطب، وكتاب عودة الحجاب لمحمد المُقَّدم ما يلي:
"سعى أعداء الإسلام من وقت مبكر إلى إفساد الحكم والحكام في الإسلام وإلى إفساد العلم والعلماء وإلى إفساد العباد كل ذلك من خلال ما أحدثوه من فتن وبدع وإنحرافات، ولكنهم- على الرغم مما حققوه من إنتصارات في بعض هذه المجالات-
لم يحصل لهم ما أرادوه من إقصاء الإسلام عن الحياة كلها، فلما تم التحالف الصهيوني الصليبي الجديد كان أول أمر فكروا فيه لسلخ الأمة من دينها هو:
1- القضاء على الخلافة الإسلامية رمز وحدة الأمة الإسلامية.
2- توهين عرى العقيدة في النفوس، ولضمان نجاح هذا الأمر وضعت خطة شريرة لعلمنة الحياة في المجتمعات المسلمة ولضمان إستمرار وسرعة العلمنة أحكمت الخطة لإفساد:
1- الشباب المسلم. 2- المرأة المسلمة.
لأن الشباب هم رجال المستقبل والمرأة مربية الأجيال، وركز الأعداء جهودهم لإفساد هذين العنصرين من خلال أخطر وسيلتين هما: 1- الإعلام. 2- التعليم.
وهذا الذي حصل كما نشاهده اليوم في مجتمعاتنا، وأثر هاتين الوسيلتين في ترسيخ العلمنة في المجتمعات المسلمة واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وأوضح من ذلك أثرهما في الشباب والمرأة، ففي ظل مناهج التعليم الموجهة من قبل المنظمة العالمية- اليهودية المنشأ والولادة- "اليونسكو" نشأت أجيال الشباب الذين كان أحسنهم حالاً من كان أثر هذه المناهج عليه أنها صورت له الدين حالة خاصة بينه وبين ربه لا علاقة للدين بباقي شئون حياته ولا حياة المجتمع أيضاً".انتهى.
ونشروا في الأمة الإسلامية وخاصة بين شبابها مذهب الوجودية الذي انتشر في الرب وهو مذهب يدعو إلى  التجرد التام من كل القيم والمثل والأخلاق والأعراف, فإن معناها يعادل معنى الفوضية والفراغ بأكمل صوره, فهي تتمثَّل في عبادة الإنسان لذاته, وذلك بأن يمتّعها بكل ما يستطيع الوصول إليه من المتع الدنيوية, فلا وجود فيها للإله ولا للدين ولا للأخلاق, ولا مكان فيها للحشمة أو العيب؛ لأن هذه الأمور في نظر الوجودية قيود تكبّل صاحبها عن انتهاب اللذات في وجوده الذي لا يعود إليه إذا فارق الحياة حسب اعتقاده.
فالوجودي يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء دون أي اعتبار إلّا رغبته هو, وبالتالي فلا خير ولا شر ولا وطن ولا زوجة ولا مجتمع, كل هذه قيود يجب حذفها عند الوجودي, ولهذا وجدت هذه الوجودية القذرة طريقها إلى قلوب يجب حذفها عند الوجودي, ولهذا وجدت هذه الوجودية القذرة طريقها إلى قلوب الشباب والشابات في أوربا وأمريكا وغيرها, فأنشأت لها نوادي العراة والهيبز والخنافس الذين يهيمون في هذه الحياة, لا يدرون إلى أين يسيرون ولا إلى أي مكان ينتهون إليه, بل إنَّ الوجوديين يعيبون على أهل الدين أنهم جبناء, وأنهم يهربون من واقعهم إلى واقع آخر لا وجود له وهي الآخرة وما فيها, وأن الشجاع هو الذي لا يلقي بالًا لما تذكره الأديان من بعث وحساب وجزاء." المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، لغالب عواجي 2/866
إلا أن الإسلام هو دين الفطرة، الموافقة للإنسان،(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لكلمات الله) (ذلك الدين القيم)
فقد اهتم بالشباب ودعا إلى الرفق بهم وتلبية متطلباتهم في إطار التشريع الإسلامي المبين والوصايا الربانية والأوامر الإلهية والتوجيهات والإرشادات النبوية.
شبابٌ ذللوا سبلَ المعالي***وما عرفوا سوى الإسلامَ دينا
تعهدَهُم فأنبَتَهُم نباتاً***كريماً طابَ في الدنيا غصونا
هم وَرَدُوا الحياضَ مباركات***فسالَتْ عندَهم ماءً معينا
ولم يتشدَّقُوا بقشورِ علمٍ*** ولم يَتَقَلَّبُوا في الملحدينا
ولم يَتَحَدَّثُوا في كل أمرٍ***خطيرٍ كي يُقَالَ مُثَقَفُونا
واهتمام الإسلام بهذه الفئة مهم جدا في بناء عقيدته الصحيحة وسيره على الشريعة الإسلامية وتمثله للأخلاق القرآنية واتصافه بالصفات الحميدة.
ففي مجال الشهوات، دعا الرسول عليه الصلاة والسلام الشباب للزواج ليقضي شهوته على رضا من الله واتباع لدينه ليكسب مع ذلك الأجر والثواب، فإن لم يستطع لأمر ما، فقد دعاه إلى الصوم حتى يجد السبيل وييسر الله له مطلبه.
فقال:( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاءٌ ).(أي وقاية). أخرجه البخاري رقم5165
ودعا الشباب لاغتنام أوقاتهم بالعلم والمعرفة، والعبادة والطاعة، والجمع ما بين الدنيا والآخرة:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ, وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ, وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ, وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ, وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَخرجه الحاكم في مستدركه "4/ 306" وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي.
تحيةً يا فتى الإسلام والعرب***في غمرة الهمِّ واللأواء والنّصَبِ
تحيةً وفلولُ القوم لاهثةٌ***وواثبُ الحق رغم الخرق لم يَثِبِ
 "وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)
وسبب العجب استحسان المتعجب منه واستغرابه، وهو هنا كون الشاب ليست له صبوة، أي: ميل إلى اللهو والهوى، فإن عادة الشباب الإكباب على ملذات النفس من اللهو والبطالة، فإذا وجد شاب عَزُوفٌ عن الشهوات، مُعْرِضٌ عن أنواع المشتهيات الملهية، مقبل على الآخرة وما يقرِّب إليها، كان مما يثير العجب، وهو من أسباب مضاعفة الثواب". من التعليقات على متن لمعة الاعتقاد لابن جبرين1/76.
وقد كان أصحاب الكهف فتية شبابا آمنوا بربهم وهاجروا للحفاظ على دينهم فأكرمهم الله بحسن الذكر وطيب الثناء في الدنيا والآخرة((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ)).
وكان سيدنا إبراهيم شابا لما اعتزل قومه وهدم الأصنام(سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم).
وعد عليه الصلاة والسلام ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله "شاب نشأ في عبادة ربه" رواه البخاري 1/121.
وكان أغلب صحابة الرسول رضوان الله عليهم من الشباب، فمنهم العالم كأبي بن كعب، ومنهم قائد الجيش كخالد وأسامة بن زيد، وفيهم القاضي كالإمام علي، وفيهم الحافظ للقرآن كزيد بم ثابت، وفيهم الداعي كمصعب بن عمير، وهكذا من جميع العلوم وأمور الدين والدنيا ، شباب امتلؤا حيوية ونشاطا فجمعوا ما بين الدنيا والآخرة، وانطلقوا في نشر الإسلام، وتعليم الناس الدين الإسلامي.
وهكذا الواجب الآن على المسلمين والشباب بصفة خاصة الاقتداء برسول الله والاهتداء بنجومه الصحابة رضوان الله عليهم، فبهم الهداية وبهم السعادة وبهم التقدم والحضارة.
يا شبابَ العاَلمَ المحمدي***يَنْقُصُ الكون شبابٌ مُهتَدِي
فأرُوه دينكم ليقْتَدِي*** دين عقلٍ وضميرٍ ويدِ

والله أعلم.

المصادر:
-القرآن الكريم.
- مجلة المجتمع الكويتية في أعداد سنة 1409، 1410
- المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، لغالب عواجي -
-الحاكم في مستدركه.
-صحيح البخاري.
-مقتطفات شعرية.
-التعليقات على متن لمعة الاعتقاد لابن جبرين

No comments :

Post a Comment