Thursday, June 4, 2015

من هو الإنسان



من هو الإنسان؟:

  الإنسان مخلوق مميز، أكرمه الله تعالى بالعقل، وشرّفه بأصله "آدم " عليه السلام، الذي خلقه من سلالة من طين.. ثم خلق ذريته من ماء مهين، وسخّر له الأشياء، ليعيش على الأرض ويستعمرها، كما قال عز وجل:{ وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الليل والنهار* وسخّر لكم الشمس والقمر دائبين وسخّر لكم الليل والنهار* وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفّار}.
فكان من بني آدم: مؤمن وكافر. وصالح وفاجر.. وظالم وعادل.. وشينال كل إنسان جزاء ما كسبت يداه: إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر.

  إن قصدنا من هذا السؤال:"من هو الإنسان؟" ليس الكلام في خصائص الإنسان، ومراحل تكوينه، بل مرادنا أن نتوقف عند التعريف المنطقي لـ "الإنسان"، لأنه تعريف يشرح الشخصية الإنسانية ويفرز خصائصها، ويحدّد حقيقة كل جانب من جوانبها، فيسهل بالتالي معرفة مستويات الناس المختلفة المتفاوتة، ويسهل أيضا معرفة أسباب فلاح المفلحين.

  فأزمات الشباب ليست سوى نتيجة لفشل، أو: تقصير، أو: تغرير يقع فيه الشباب، أو بعبارة أخرى: فإن الأزمات نتيجة سوء تصرّف يصدر عن الإنسان، بحقّ نفسه، أو بحق الآخرين..

  لقد عرف علماء المنطق "الإنسان" بأنه:" حيوان ناطق"، وذلك للدلالة على "المفرد" من الناس، وتمييزه عن غيره من الحيوان.

جانب الحيوانية في الإنسان

"الحيوان": صيغة، مثل: "الغليان"، و"الميدان"، وهي تعني الحركة الحيّة كقوله تعالى في وصف الآخرة:{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}، أي: لهي الحياة الكاملة السالمة من المنغّصات، ولا تكون الحيوانية في الكائن الحيّ، إلا إذا دبّت فيه "الروح"، فالروح جزء لا غنى عنه في هذا الجانب، من كل كائن حيّ، ومن هنا ندرك: أن الذين يصنّفون "الروح" في الجانب الاخر للإنسان، فيقولون: "الإنسان: مادة وروح"، ويعنون بالمادة: الجسد، وبالروح: العقل والفكر، وما يتعلق بهما، هم مخطئون في هذا التصنيف، لأن المادة لا تعتبر شيئا مهما من دون "الروح"، فأجرام جسد الإنسان وغير من الأحياء، وخلاياه كلها، لا تشكّل من دون الروح جانبا يذكر، لذلك لا يصح التصنيف المتبع للجسم البشري والشخص الإنساني، بأنه:" مادة وروح"، بل الصحيح أن يقال:" إنه حيوان وعقل" كما سنبيّن لاحقا في كلامنا عن "المادة والروح" في البند الخامس.

  إن جانب "الحيوانية" في الإنسان، يشمل جميع الشهوات والميولات والرغبات، التي خلقها الله تعالى فيه، ومن أهمها وأخطرها: شهوتا "البطن" و "الفرج"،  وما يتعلق بهما، فشهوة"البطن" تتعلق بالمأكل والمشرب، وبالسعي الى كسب ما يمكّن الإنسان منهما من وسائل وأسباب.
 وشهوة "الفرج" تتعلق بالزواج، وما يترتّب عليه من إنجاب الذريّة.
 والإنسان مأمور بسلوك السبل المشروعة، وهو يسعى للحصول على هذه الشهوات، ولا يجوز له أن يسلك المسالك المحرمة لتحقيق رغبة من رغائبه، وإن فعل فهو آثم، تماما مثلما يؤجر ويثاب على سلوك السبل الشرعية.
 وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا المعنى فيما روه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة" أي: اللسان والفرج. وليس هذا غريبا، فإن المتأمل يدرك: أن مآل كل سعي الإنسان، ينتهي إلى إشباع شهوتي بطنه وفرجه.

  إذن: فجانب "الحيوانية" في الإنسان هو عبارة عما يلي: جسد حيّ من لحم ودم وعصب وعظم، يحتاج الى: المأكل، والمشرب، والمنكح، والملبس، والمسكن.. إلخ. وشهواته هذه تجوع بعد شبع، وتشبع بعد جوع، وهكذا دواليك، وهو يطلب هذه المطالب الفطرية، ويسعى ويتعب من اجل الحصول عليها إشباعا لرغائبه وشهواته، فهو والحالة هذه، يتفق مع أي كائن حيّ آخر، يشاركه الشّبه في التكوين، فالإنسان من هذا الجانب: "حيوان"، و"الحصان" كذلك "حيوان".

  ولو أن الإنسان كان بلا عقل، لكان بهيمة بهماء، ودابّة عجماء، وهذا الجانب هو نقطة الضعف في الإنسان كما وصفه الله عز وجل بقوله:{ وخلق الإنسان ضعيفا}، فهو ضعيف في قوته الجسدية، وضعيف في مواجهة الصعوبات والمغريات، وعلى الأخص: إغراء المال...، والجاه...، والمرأة...، فالإنسان  في مواجهة هذه الإغراءات أضعف ما يكون، لأنها شهوات  حلوة، مزيّنة، مغرية فاتنة، كما وصفها الله تعالى بقوله:{ زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث}.

  لذلك كان على المسلم أن يستعين بالله تعالى في مواجهة كل المغريات، وأن يكون حذرا في تعامله وتعاطيه وتصرّفاته مع الناس، لئلا يغريه الشيطان، فتزلّ قدمه على الصراط، ويقع في الزلل؛ ولكي يتمكّن الإنسان من الإحتفاظ بتوازنه، فقد أكرمه الله عز وجل بالجانب الآخر، وهو: جانب "العقل" الذي اختصه به من بين سائر "الحيوان"..

جانب العقل في الإنسان

  لقد عبّر علماء المنطق عن هذا الجانب  بوصف:"ناطق"، فقالوا:" الإنسان حيوان ناطق"، لأن "النطق"  خصوصية إنسانية من بين سائر "الحيوان"، وهي خصوصية ظاهرة محسوسة..  ولا تصدر إلا عن كائن عاقل، فكان تعريف الإنسان بها، أدق من تعريفه بالعقل، لخفاء أمره لولا النطق، فالإنسان لو لم يكن ناطقا، لما أمكن إثبات كونه عاقلا، ولو فعل ما فعل من دقائق الأعمال، وغرائب الصناعة والحركات والأصوات، فإن لكل الحيوانات الأخرى أعمالا غريبة، يبلغ بعضها حدّ العجز عن إدراك أسراره، كالنحل والنمل، في إتقان بيوتها، وجني رزقها، مما أدهش العقول، وخيّر الألباب، وهي بلا شك حيوانات لا عقل عندها ولا نطق، فلو أنّ الإنسان كان مثلها لا يتكلم، لما أمكن معرفة أنه عاقل، لانعدام النطق المعبّر عنه كما ذكرنا.
 وأما ما جاء في القرآن الكريم، من نسبة القول الى "النملة"، وتعليم "سليمان" عليه السلام منطق الطير، في قوله تعالى:{ فلما أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون* فتبسّم من قولها..}، وقوله تعالى عن سليمان عليه السلام:{ وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير}، فلا يعني:"النطق" بعقل، المماثل لنطق الإنسان، بل هو قول ألهمه الله تعالى للحيوان، هو عبارة عن أصوات معيّنة علمه الله إياها، تصدر عنه بالغريزة لا بالعقل، لذلك لا يخطئ الحيوان في أصواته أبدا.. بل هي أصوات يصدرها على نسق معيّن، يدركها أبناء جنسه من الحيوان بغرائزهم، أما الإنسان فليس أمره كذلك، بل إنه يفكّر قبل أن ينطق، ويتكلم بالصدق وبالكذب، وبالخطأ وبالصواب، وبالحق والباطل، ويتصرّف بلسانه ولغته كما يشاء.. لأنه عاقل.. والدليل على كونه عاقلا: أنه " ناطق".

الربط ما بين الجانبين(جانب الحيوانية في الإنسان و جانب العقل في الإنسان):

  إن تقسيم شخصية الإنسان على نحو ما تقدّم، لا يعدو أن يكون تقسيما نظريّا، أما من حيث الواقع، فالإنسان لا يكون إنسانا إلا بجانبيه: الحيواني ـ الجسدي ـ والعقلي، مع التأكيد على تقدّم الجانب العقلي في الإنسان على الجانب الحيواني، في الفضل والمرتبة، وعلى أن "العقل" هو الذي يعطي " الإنسان" المعنى الصحيح لإنسانيته.

  والإسلام بتكاليفه وأحكامه، خاطب " الإنسان".. كل الإنسان.. من دون فصل أو تقسيم.. معتبرا إياه شيئا واحدا، فلم يخاطب فيه جانبا دون الآخر ولم يعامله على أنه جسم حيّ متحرّك كسائر الحيوان.. ولا على أنه لطيف مجرد كالملائكة.. بل وجّه إليه الخطاب بالتكليف، باعتباره إنسان متكاملا، وخاطبه بالترغيب والترهيب، اختبارا لحوّاسه ومواهبه وعقله، وأخبره بأنه إن أحسن فلنفسه، وإن أساء فعليها، وبأن المؤمن سيدخل الجنّة بجسده وعقله وروحه، وكلّ حواسّه، وأنّ الكافر سيدخل النار كذلك.

  وقد وبّخ الله تعالى الكافرين، بأنهم شرّ من دبّ على وجه الأرض، لأنهم كفروا، وجرّدوا أنفسهم من نعمة الإنتفاع بالعقل، فقال عز وجل:{ إنّ شرّ الدوابّ عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون}.

  كما بيّن سبحانه وتعالى: أن سبب وقوع أهل النار في الضلال، هو تعطيلهم لحواسّهم التي هي روافد العقل، حتى صاروا  وكأنهم لا أسماع لهم، ولا أبصار ولا قلوب، بل صاروا أجسادا حيّة متحرّكة، كالأنعام، فاستمع أيها المؤمن الى ما قاله الله تعالى في هذا المعنى، وتأمّل واعتبر.. وقل: الحمد لله على نعمة الإيمان.. قال تعالى:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}، وقال جلّ وعلا:{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا}، ويقول سبحانه مخاطبا رسوله الأمين محمدا صلى الله عليه وسلم، مبيّنا حال الكافرين الغافلين، الذين يستمعون إليه، ولا يسمعون، وينظرون إليه ولا يبصرون:{ ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصمّ ولو كانوا لا يعقلون* ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون* إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون}.

No comments :

Post a Comment