Thursday, June 4, 2015

عمل التفكير في القرآن الكريم



عمل التفكير في القرآن الكريم:

  إن "التفكير" .. هو العمل البديهي للعقل، إذ لا فائدة من وجود عقل من غير تفكير، لأن العقل المشلول، ليس بعقل، بل هو جهاز معطّل، وجوده كعدمه.

  فإذا فكّر "العاقل" في أمر ما..فسينتج عن تفكيره هذا: " تقدير.."، وهذا التقدير: قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ، فيترتّب على ذلك:"حكم.." على ذلك الأمر، قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ، تبعا للتقدير، وهذه العملية الفكرية هي التي سميّناها:"عمل العقل"..

  وهذا التسلسل في عملية التفكير، ليس من عندنا، بل هو ما وجدناه صريحا في كتاب الله عز وجل، فخذ هذا العرض القرآني الرائع، لعمل العقل الذي أشرنا إليه وقل: سبحان الله العظيم:

  سئل أحد من العتاة الكفرة من العرب في "مكة"، عن القرآن الكريم" فأجاب.. ولكنّ الله تعالى لم يذكر جوابه فحسب، بل بيّن لنا بالتسلسل، كيف فكّر ذلك الرجل؟.. وكيف قدّر؟ وكيف حكم؟.. فاستمع الى قول الله الحكيم في سورة المدّثّر".

1-{إنّه فكّر وقدّر}، فهذا: تفكير.. ثم: تقدير..
2-{فقتل كيف قدّر* ثم قتل فقدّر}، هذا توبيخ له على سوء التفكير، وفساد التقدير.
3-{ثم نظر* ثم عبس وبسر* ثم أدبر واستكبر}، وهذا بيان حال المتكبّر، إذا جوبه بالحق.. فإنه يرفضه ويعرض عنه.
4-ثم بعد هذا، حكم ذلك الكافر على القرآن فقال:{ إن هذا إلا سحر يؤثر* إن هذا إلا قول البشر}.
5-فكانت عاقبته: وعيدا من الله تعالى له بالعذاب:{ سأصليه سقر}.
  ومّمن فعل مثل ذلك التفكير الفاسد:"النمرود"، صاحب العقلية "النمرودية"، التي صارت مثلا لكل متجبّر معاند، حتى درج على ألسنة العوامّ قولهم لمن هذه صفاته:" لا تتنمرد.." وبلا "نمردة"..

  لقد أخبرنا الله تعالى، كيف واجه "النمرود" الحق والحقيقة، وحاجّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الله تعالى، كما قال سبحانه: {ألم ترى الى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن أتاه الملك، إذا قال إبراهيم: ربّي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين}.

  وبالمقابل: فهناك كثير من الناس، أحسنوا التفكير والتقدير، فأصابوا.. وقد أخبر الله تعالى عن مشاهيرهم في الأمم السابقة، ليكونوا أسوة حسنة للعقلاء من الناس، في كلّ زمان ومكان، وينكتفي هنا بذكر مثلين من هؤلاء الصالحين، الذين فكّروا وتفكّروا، وقدّروا، وحكموا، فأحسنوا التفكر والتقدير والحكم، هما:

-مؤمن آل فرعون:
  جاءت قصة "مؤمن آل فرعون" مفصّلة، في سورة "غافر"، التي سميّت أيضا :"سورة المؤمن" إشارة له، وهو رجل من آل فرعون وخاصّته، آمن بما جاء به موسى عليه السلام، بلا خوف من فرعون ولا وجل، وقد جادل قومه وحاورهم، محاولا إفهامهم وإقناعهم، فلم يفهموا ولم يعقلوا، وهذا أهمّ ما قاله هذا المؤمن لقومه:
1-{أتقتلون رجلا أن يقول ربيّ الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟}.
2-{ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا}.
3-{يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب* مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد}.
4-{يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد* يوم تولّون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد}.
5-{يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد* يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار}.
6-{ويا قوم مالي أدعوكم الى النجاة وتدعونني الى النار* تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم الى العزيز الغفّارْ}.
7-ثم ختم نداءاته لقومه قائلا لهم:{ فستذكرون ما أقول لكم وأفوّض أمري الى الله إنّ الله بصير بالعباد}.
8-{فكانت عاقبة هذا الرجل: النجاة، وكانت عاقبة آل فرعون: الخسران، كما قال الله تعالى:{ فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب }.
-الرجل الساعي من أقصى المدينة:
  جاءت قصة هذا الرجل في سورة "يس"، في خبر "القرية" التي جاءها المرسلون، فكّذب أهلها المرسلين، وهدّدوهم بالرجم والتعذيب، فعلم ذلك الرجل المؤمن بالأمر، فأسرع من أقصى المدينة، ناصحا ومذكّرا، فقتلوه، فاستمع وتدبّر ما قاله هذا الرجل العاقل المفكر، يقول تعالى:{ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال: يا قوم اتبعوا المرسلين* اتبعوا من لا يسألكم عليه أجرا وهم مهتدون* ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون* أأتخذ من دونه آلهة؟! إن يردن الرحمن بضرّ لا تغن عنّي شفاعتهم شيئا ولا ينقذون* إني إذا لفي ضلال مبين* إني آمنت بربكم فاسمعون}، فقالت له الملائكة:{ادخل الجنة، قال: يا ليت قوم يعلمون* بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.

No comments :

Post a Comment