Saturday, October 17, 2015

النور والظلمات مفردا وجمعا،الحكمة والتفسير،ورد شبهة



النور والظلمات مفردا وجمعا،الحكمة والتفسير،ورد شبهة:
القرآن الكريم منبع العلوم والمعارف، وطريق الرقي والتقدم، وسبيل العزة والكرامة، ومبعث القوة والشجاعة، ورافد للإيمان ودعامة الإسلام ونور الإحسان.
والمتدبر في هذا القرآن الكريم، يلاحظ كنوزا خفية يكتشفها كل حين، ويتعرف على درر ولآلئ ثمينة يشاهدها كل وقت، يتدبر فيه آيات الله البينات.
أما من مرَّ على آيات الله تعالى مرور الكرام، فلن يكتشفها.
ومن نظر للقرآن الكريم على أنه كتاب عادي من تأليف بشر فلن يلاحظ روعة القرآن الكريم.
ومن عاين القرآن الكريم على أنه عبء من القرون السالفة وأنه أثر من الأيام الخالية فهذا لن يعرف قدر القرآن الكريم أبدا.,.
 والمسلم الحق والمؤمن الصادق المخلص يتلو آيات ربه، ويتفكر بها وتدبرها ويستخلص منها كل فائدة علمية ومعرفية دنيوية وأخروية، ويقطف ثمارا ناضجة تملأ العقل اندهاشا، ويطلع على نور هذه الآيات التي تغمر القلب والنفس والروح والوجدان.
والذي يقرأ القرآن يلاحظ ورورد لفظ النور مفردة والظلمات مجموعة، فما هو السبب والحكمة من وراء ذلك.
ذلك ما سنتعرف عليه في هذا الموضوع. 
جمعه الله في القرآن لفظ [الظلمات] وأفرد لفظ [النور] فقال الله النور:
((الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)).
والسبب في ذلك : أن طريق النور واحد، وهو طريق الجنة،أما طرق الظلمات  فهي شتى ومختلفة، لذلك جُمعت[الظلمات] وأُفرِدَ لفظ [النور].
وجمع الظلمات مع افراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق يعنى ان الحق واحد وهو التوحيد فالموحد لا يعبد إلا الله تعالى؛ وأما الباطل فطرقه كثيرة وهى وجوه الإشراك: فمن عابد للكواكب ،ومن عابد للنار، ومن عابد للأصنام، الى غير ذلك... فالظلمات كلها لا تجد فيها ما يساوى ذلك النور الواحد.
 وفيه اشارة إلى ظلمة النفس؛ ونور الروح؛ فان المحجوب فيها ما يساوى ذلك النور الواحد.
 وفيه اشارة الى ظلمة النفس ونور الروح فان المحجوب فى ظلمة الغفلات المتضاعفة والمكاشف فى نور الروح واليقظة.
وعلى هذا جاء قول الله العظيم ((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)).
فجاء التعبير بتوحيد (ولي الذين آمنوا) وهو الله الواحد الأحد،وجمع [أولياء الطاغوت] لتعددهم وكثرتهم.
كذلك جَمَع لفظَ [الظلمات]، إذ هي طرق الباطل والغَيّ، فجُمِعَت لكثرتها واختلافها، ووحَّد لفظ [النور] إذ هو دينُه الحق وطريقه المستقيم.
وإنما جمع الظلمات وأفرد النور اتباعا للاستعمال، لأن لفظ الظلمات بالجمع أخف، ولفظ النور بالإفراد أخف ولذلك لم يرد لفظ الظلمات في القرآن إلا جمعاً ولم يرد لفظ النور إلا مفرداً، وهما دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع.

ومثله:
قوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
أفرد النور وجمع الظلمات، وذلك أن الكفر أنواع وملل مختلفة، ودين الحق واحد، فلذلك أفرده.

ومن هذا قوله تعالى: {اللهُ وَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يَخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} ،
فوحَّد النور الذى هو سبيله، وجمع الظلمات التى هى سبيل الشيطان.
فوحد ولي الذين آمنوا وهو الله الواحد الأحد،
· وجمع الذين كفروا لتعددهم وكثرتهم.
· وجمع الظلمات وهي طرق الضلال والغي لكثرتها واختلافها،
· ووحد النور وهو دينه الحق وطريقه المستقيم الذي لا طريق إليه سواه
ومن فهم هذا فهم السر فى إفراد النور وجمع الظلمات فى قوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}  مع أن فيه سراً أَلطف من هذا يعرفه من يعرف منبع النور، ومن أَين فاض، وعن ماذا حصل، وأن أَصله كله واحد، وأَما الظلمات فهى متعددة بتعدد الحجب المقتضية لها، وهى كثيرة جداً، لكل حجاب ظلمة خاصة، ولا ترجع الظلمات إلى النور الهادى جل جلاله أصلاً لا وصفاً ولا ذاتاً ولا اسماً ولا فعلاً، وإِنما ترجع إلى مفعولاته سبحانه، فهو جاعل الظلمات ومفعولاتها متعددة متكثرة، بخلاف النور فإنه يرجع إلى اسمه وصفته جل جلاله، تعالى أن يكون كمثله شيء وهو نور السموات والأرض.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأَرض من نور وجهه" ذكره الدارمى عنه.
وفى صحيح مسلم عن أبى ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أَنَّى أَراه.
والمقصود أن الطريق إلى الله تعالى واحد، فإنه الحق المبين والحق واحد، مرجعه إلى واحد. وأما الباطل والضلال فلا ينحصر، بل كل ما سواه باطل، وكل طريق إلى الباطل فهو باطل، فالباطل متعدد، وطرقه متعددة.

ومن بديع القرآن وحكمة استعماله للكلمات أنه جمع الظلمات وأفرد النور؛ إبرازًا للتناقض بينهما، حتى من حيث اللفظ، فالتناقض بين النور والظلمة له عدة أوجه:
1)تناقض المصدر والمبدأ، فالنور مصدره إلهىٌّ، والظلمات مصادرها الشيطان والهوى والطاغوت ورفاق السوء.
2) تناقض المعنى، فالنور يعنى الإشراق، والهداية والإيمان، وكلُّها من عطاء الله، بينما الظلمات تعنى الكفر والمعصية والجهل والعذاب، وكلُّها شرور تجرُّ إليها شياطين الغواية والأهواء والضلال.
3)تناقض لفظى، حيث جاء النور بصيغة المفرد، بينما جاءت الظلمات بصيغة الجمع.

والخلاصة :
إنّ النور سواء أكان المراد به كتابا يهدي إلى الرشد ، أو حجة تكشف النقاب عن الشبهات . أو رسولا يدعو الناس إلى الحق . أو إيمانا يعمر به قلب المؤمن . أو عملا يحقق لصاحبه رضوان الله ... كل ذلك له مصدر واحد هو الله سبحانه وتعالى . والقرآن على ذلك خير شاهد :
"
الله نور السموات والأرض"،"يهدي الله لنوره من يشاء"،"ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور".
ولهذا الاعتبارات وحّد النور في القرآن تبعا لوحدة مصدره . وهو " الله " نور السموات والأرض .
أما الجهل والكفر والظلام فقد تعددت أسبابها ومصادرها . فالشيطان ضال مضل . والأصنام والأوثان مضلة . والأهواء مضلة.وأصدقاء السوء ضالون مضلون .. ولهذا تعددت الظلمات تبعا لتعدد مصادرها.. "
و لمّا كانت مصادر الظلمات متعددة .. من شياطين .. وأصدقاء سوء .. وأصنام .. وأوثان .. وأغانٍ ومعازف ؛ وكل واحدة منها تكفل لصاحبها الغواية في الدنيا والعقاب في الدنيا والآخرة - إن لم يتب - أصبحت كل واحدة منها تقوم بحالها وتعد مصدرا بذاتها .
وقد يكون لذلك قال الشاعر حين عددها :
إبليس والدنيا ونفسي والهوى **** كيف النجاة وكلهم أعدائي .

فعلى المسلم أن يمعن النظر في آيات الله ويتفكر بها، فسوف يجد كثير من الأسرار واللفتات البلاغية وجميل البيان ودقته.
 عندئذ سيلهج لسانه بذكر الله، وسيوقن عقله بعظمة الله، وسيغمر قلبه بحب الله.
إنه القرآن الكريم نبع العطاء وراحة البال والسكينة والإطمئنان.
وقال الشاعر في وصف القرآن الكريم:
هو حبلُ ربى للوجود جميعه **جَمع الأمور وصاغَ كل بيان
هو قول حق غير ذي عوج أتى ** أَنْعِم به - قد جاء من منان
وتكفّلَ اللهُ الحفيظُ بحفظه **ليعيش صرحاً كامل البنيان
يا أيها العطشى تعالوا نرتوي **ونعيش أمناً في رُبى الفرقان

والله أعلم.
المصادر:
-البرهان في علوم القرآن للزركشي4/12.
- الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/194
-ما اتفق لفظه واختلف معناه لابن الشجري ص19
-معترك الأقران في اعجاز القرآن للسيوطي 3/597.
-من أسرار التعبير في القرآن الكريم،صفاء الكلمة،صلاح لاشين ص 143- 144.
- الحاوي في تفسير القرآن الكريم، عبد الرحمن بن محمد القماش، ص 610.
- طريق الهجرتين وباب السعادتين، ابن القيم.
- خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية . د . عبدالعظيم المطعني،2/396- 397.
- تفسيرالتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.
- بدائع الفوائد - لابن القيم.
-تفسير روح البيان لاسماعيل بن حقي.

No comments :

Post a Comment