Wednesday, October 21, 2015

اليمين والشمائل،بلاغة الكلام وبيان الحديث وبديع القول وإعجاز علمي للقرآن



اليمين والشمائل،بلاغة الكلام وبيان الحديث وبديع القول وإعجاز علمي للقرآن:
الابحار في تدبر القرآن الكريم، والغوص في أعماق التفكر فيه، يثمر العثور على جواهر نادرة، ودرر غالية، من البيان العالي، والتعبير الدقيق، واللمسات البيانية، والتعابير البلاغية، واحتواء المعاني في صورة مذهلة ومدهشة يخضع لها العقل، وتسمو بها الروح، وتطيب لها النفس.
ومن يسير على درب القرآن الكريم فهو من أصحاب اليمين، ومن يخادع نفسه بأن يستهزئ بالقرآن وبالإسلام وبالرسول محمد عليه الصلاة والسلام فهو من أصحاب الشمال وجماعة الشمائل السيئة الخلق، والرجعية التفكير، والظلامية المنشأ والعاقبة.

والناظر للقرآن الكريم بتمعن يلاحظ أن لفظة [اليمين] جاءت مفردة، بينما لفظة[الشمال] جاء جمعا (الشمائل).
في مثل قول الله الرحمن ((أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون))[النحل 48].
جاء التعبير القرآني هكذا، لأن جهة [اليمين] هي جهة الخير والفلاح، وأهلها هم الناجون، ولهذا جاءت مفردة.
ولما كانت جهة [الشمال] هي جهة الباطل، والباطل منافذه شتى وطرقه كثيرة ومختلفة، فقد جُمِعَت، فقال (( عن اليمين والشمائل)) .
لقد جعل الله سبحانه حرکة ظلّ الأجسام یمیناً و شمالاً في هذه الآیة دلیلاً علی عظمته و أن هذه الحرکة بالنسبة لهذه الأجسام سجود تواضع و خضوع أمام الله سبحانه. و مما لا شك فیه أن لظلال الأجسام دور مهم و مؤثّر في حیاتنا و لعل الکثیر منا غیر ملتفت إلی هذه الحقیقة، من هنا وضع القرآن الکریم إصبعه علی هذه المسألة لیثير الإنتباه حول هذه القضية المهمة.
ونقل أبو حيان عن أستاذه الحسن علي بن الصائغ أنه :
أفرد وجمع بالنظر إلى الغايتين لأن ظل الغداة يضمحل حتى لا يبقى مه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة، وهو في العشي على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان، هذا من جهة المعنى.
 وأما منجهة اللفظ فجمع الثاني ليطابق {سُجَّدًا} المجاور له شمالًا كما أفرد الأول ليطابق ضمير {ظلاله} المجاور له يمينًا.
 ولا يخفى ما في التقديم والتأخير من حسن رعاية الأصل والفرع أيضًا، فحصل في الآية مطلقة اللفظ للمعنى وملاحظتهما معًا وتلك الغاية في الإعجاز.اهـ.
و ان الله سبحانه جاء بلفظ «الیمین» مفرداً للخلاصة و الاختصار ، و «یمین» ترجع إلی لفظ «الشيء» و هو مفرد، أما «شمائل» فترجع إلی معنی «الشيء» و هو جمعٌ، لأن المراد من لفظ «الشيء» هو الجمع.
واستعملت الآية الكريمة اليمين بصيغة المفرد والشمائل بصيغة الجمع :
 ذلك أن مساحة اليابسة وعدد السكان في نصف الكرة الشمالي أكبر من مساحة اليابسة وعدد السكان بنصف الكرة الجنوبي ، وهو ما يوضح أن ظلال الأشياء المنتقلة من جهة الشمال لليمين بنصف الكرة الشمالي أكبر بكثير من ظلال الأشياء المنتقلة من جهة اليمين للشمال في نصف الكرة الجنوبي ، لذلك جاء التعبير في الآية الكريمة عن الشمائل بصيغة الجمع والتعبير عن اليمين بصيغة المفرد ، في وقت لم يكن معروفا فيه إلا ثلاث قارات فقط ( أفريقيا وآسيا وأوروبا ) ، كما لم يكن معروفا تقسيم الأرض إلى نصف شمالي وآخر جنوبي ، حيث إن اكتشاف أن البشر يعيشون على كرة أرضية تحتوي على سبع قارات ( منها ست معمورة بالسكان ،و 90% من سكان العالم يعيشون في الشطر الشمالي من الكرة الأرضية وذلك بحكم امتداد اليابسة فيه أكثر من امتدادها في نصفها الجنوبي الذي تغطي المحيطات) تأكد بعد نزول القرآن الكريم بعدة قرون ، وهذا من دلائل إعجاز الوصف القرآني لحركة الظلال في الآية (48) من سورة النحل .

 وأما وجود لفظ [الشمال] مفردة في قول الله الرحيم (( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال)) فذلك لأن المراد أهل هذه الجهة، ومصيرهم ومآلهم إلى جهة واحدة، وهي جهة أهل الشمال مستقرُّ أهل النار، فجاءت لفظة (الشمال) مفردة ليناسب السياق والمعنى القرآني، ولأن الطرق الباطلة وإن تعددت فغايتها ونهايتها آخر الأمر إلى طريق جهنم، وهي جهة الشمال.

ومجيء التعبير بـ(الشمال) مفردا، في قول الله الملك (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين  وعن الشمال قعيد)) لأنه لما كان لكل عبد وإنسان قعيدان من الملائكة معه ،قعيد عن يمينه وقعيد عن شماله، يُحصيان عليه الخير والشر، فلا معنى للجمع هاهنا.
ذلك لأنه يوجد ملك واحد لليمين وملك واحد للشمال لكل إنسان، فوافق الإفراد.

وهذا بخلاف قول الله القدوس، حكاية عن إبليس (( ثم لأتينهم من بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)):
فنلاحظ هنا جمع (اليمين والشمال) في قوله (أيمانهم وشمائلهم)
وإن إبليس أقسم أن يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن أيمانهم وعن شمائلهم،فكأنه أقسم أن يأتي كل واحد من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله،فكان الجمع هنا مقابلة لكثرة من يريد إغوائهم، مقابلة الجملة بالجملة،ولذلك كان لفظ [الجمع] في الآية مناسبا للسياق وللواقع.
وقد قال بعض الناس: إن الشمال إنما جمعت في الظلال وأفرد اليمين لأن الظل حين ينشأ أول النهار يكون في غاية الطول يبدو كذلك ظلا
واحدا من جهة اليمين ثم يأخذ في النقصان وأما إذا أخذ في جهة الشمال فإنه يتزايد شيئا فشيئا والثاني منه غير الأول فلما زاد منه شيئا فهو غير ما كان قبله فصار كل جزء منه كأنه ظل فحسن جمع الشمائل في مقابلة تعدد الظلال وهذا معنى حسن.

قال الله الصبور: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً "
كفى بكتابكم يا قوم نورا *** فشقوا السُّبْلَ ، واخترقوا الظَّلاما
كتاب الله لولا أن هدانا *** لما وضح السبيل ولا استبانا
نظام الدين والدنيا وماذا *** يكونُ الناس إن فقدوا النظاما ؟
وما نفع الحياة لكل حَيٍّ *** إذا ما أصبحت داءً عقاما ؟
كفى بكتابكم يا قوم طباً *** لمن يشكو من الأمم السَّقاما
كتاب يملأ الدنيا حياةً *** وَيَنْشُرُ في جوانبها السَّلاما

والله أعلم
المصادر:
-البرهان في علوم القرآن للزركشي4/12.
- الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/194
-ما اتفق لفظه واختلف معناه لابن الشجري ص19
-معترك الأقران في اعجاز القرآن للسيوطي 3/597.
-من أسرار التعبير في القرآن الكريم،صفاء الكلمة،صلاح لاشين ص 144-145
 -بدائع الفوائد ،لابن القيم.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـتفسير الألوسي.
- البغدادي، علاء الدین علي بن محمد، لباب التأویل في معاني التنزیل، ج 3، ص 80، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت.
- اللباب لابن عادل أبو حفص الحنبلي.
- لمعرفة مساحة اليابسة لكل قارة من قارات الكرة الأرضية يمكن الرجوع إلى: الأطلس العربي ( 1972 ) . وزارة التربية والتعليم ، جمهورية مصر العربية ، ص82 .

No comments :

Post a Comment