Thursday, May 22, 2014

مصر و مصرا الفرق بينهما في القرآن الكريم



(مصر و مصرا) الفرق بينهما في القرآن الكريم:
لا يخفى على المتأمل في ألفاظ القرآن وجود فروقات في معاني الكلمة المتحدة الحروف مختلفة التشكيل، إذ أن ذاك إنما جاء لحكمة أرادها الله ولمعنى لطيف ولسر بليغ أودع فيها، تظهر للمتدبر المتمعن في آيات القرآن الكريم تطبيقا لقوله ( ليدَّبروا آياته) وإظهاراً لمعاني [ تفكر ساعة خير من عبادة سنة- بأداء النوافل-] ذلك أن التدبر في القرآن الكريم يشحذ العقل ويصقله بمعاني خالدة وراقية ترفع من مستوى إيمان المسلم، وتوجه ذاته وجسده إلى القيام بفرائض الله وأوامره والابتعاد عن نواهيه ومحارمه.
ومنذ أنْ تجنب المسلمون معاني القرآن دراسة وتأملا، نشرا ودعوة، عملا وتطبيقا، تاهوا في مناحي الحياة، وتلفتوا يمنة ويسرة يأخذون من هنا ومن هناك، فتخبطوا خبط عشواء، وأصبحت الحكومات -وإن ادعت الإسلام أو السير على منهج السلف – بعيدة عن الإسلام محاربة له في السر أو العلن أو كليهما، وأصبحت دمى متحركة في مسرح عرائس الغرب تحركها اليهود أحيانا والغرب حيناً، فتقضي على أي توجه إسلامي يريد للإسلام أن يعلو، فتنشر الشائعات وتعمل على محاربته بكل الطرق المختلفة.
ولا عزة للمسلمين إلا بالرجوع للإسلام وتطبيقه بالدعوة له بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الصالحة اللطف والرفق، ونشر تعاليمه السمحة الهادية، بتدبر القرآن الكريم تفهم معانيه (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) .
والناظر للقرآن الكريم يجد فرقاً لطيفاً بين كلمتي (مِصْرَ و مِصْراً).
فهناك فرق بين (مِصْرَ) الممنوعة من الصرف، وبين (مِصْراً) المصروفة، في الاستعمال القرآني، ولا وزن لقول مَن جعلهما بمعنى واحد،إذ لا ترادف في كلمات القرآن، إذ لكل كلمة معناها حسب سياقها في القرآن الكريم.
(مصر): هي بمعنى: القطر المعروف بـ(مصر).
وردت كلمة (مصر) الممنوعة من الصرف أربع مرات في القرآن الكريم:
1- أشار القرآن إلى اشتراء (عزيز مصر) ليوسف ( قال الذي اشتراه من مصرَ لامرأته أكرمي مثواه)[ يوسف/ 21].
2- وقال يوسف لواديه وإخوته لما وفدوا إليه بعد أن صار عزيز مصر ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصرَ إن شاء الله آمنين)[يوسف/99].
3- ولما اشتدت المعركة بين موسى عليه السلام وبين فرعون،استنفر فرعون قومَه ضد موسى وامتنَّ عليهم بملكه (مصر) ( ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)[ الزخرف/51].
4- بعدما آمن السحرة بموسى وهددهم فرعون وبدأ في إيذاء أتباع موسى ،أمر موسى قومه المؤمنين أن يختاروا لهم بيوتا في مصر(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصرَ بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة)[يونس/87].

المراد بكلمة (مصر) في هذه المواضع الأربعة، هو القطر المعروف،الذي يجري فيه النيل وعاصمته القاهرة.
إن أحداث قصة يوسف عليه السلام جرت في مصر، وإن الأحداث التي وقعت بين موسى وفرعون حدثت في مصر.
إذن كلمة(مصر) الممنوعة من الصرف،وردت أربع مرات في القرآن الكريم،وهي مُعَرَّفَة،أُطلِقَت على القطر المعروف.

نأتي لكلمة (مِصْراً) وهي تعني : أيَّ قطر،غير محدد.
وقد وردت هذه الكلمة (مِصْراً) في القرآن مرة واحدة.
لقد أنجى الله بني سرائيل من فرعون،وأسكنهم في (سيناء) وظلل عليهم الغمام ،وفجَّر لهم فيها العيون،وأطعمهم فيها(المَنَّ والسلوى)، لكنهم ملّوا هذا الطعام الشهي اللذيذ،وطلبوا الحصول على البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل ،(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ  اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ  ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ  ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[البقرة/61].
وكلمة (مِصْراً) المصروفة في الآية ليست هي الإقليم المعروف،وإنما هي نكرة تنطبق على أي مِصر أو قُطر.
ومعنى (مِصر) في اللغة هو: القطر أو المدينة أو القرية.
ومعنى قول موس لبني إسرائيل(اهبطوا مِصراً) أن ما تطلبونه من الخضروات غير متوفر في الصحراء،فاذهبوا ل أيّ مِصر أو بلد أو قرية،فستجدون فيها ما تريدون.
وقَالَ لَهُم ادْخُلُوا مِصْراً مِنَ الأَمْصَارِ ( أَي ادْخُلُوا أَيَّ بَلَدٍ مِنَ البُلْدَانِ ) فَإِنَّكُمْ وَاجِدُونَ فِيهِ مَا سَأَلْتُمْ ، وَهُوَ لاَ يَسْتَحِقّ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ فِيهِ .
قال موسى -مستنكرًا عليهم-: أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا، وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أي مدينة، تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق.
و نلاحظ هنا أن مصر جاءت منوّنةً، { اهبطوا مِصْراً } بالتنوين . . هل مصر هذه هي مصر الواردة في الآيات المشار إليها؟ . . نقول لا . . لأن الشيء الممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث . . إذا كان لبقعة أو مكان . . مرة تلحظ أنه بقعة فيبقى مؤنثاً . . ومرة تلحظ أنه مكان فيكون مذكرا . . فإن كان بقعةً فهو علم ممنوع من الصرف . . وإن كان مكانا تكون فيه علمية وليس فيه تأنيث . . ومرة تكون هناك علمية وأهمية ولكن الله صرفها في القرآن الكريم، وكلمة مصر تطلق على كل مكان له مفتي وأمير وقاض . . وهي مأخوذة من الاقتطاع . . لأنه مكان يقطع إمتداد الأرض الخلاء . . ولكن الثابت في القرآن الكريم . . إن مصر التي لم تنون هي علم على مصر التي نعيش فيها . . أما مصراً التي خضعت للتنوين فهي تعني كل وادٍ فيه زرع . .

 وتنوين(مِصْراً) هو تنوين (التنكير) : وهو التنوين الذي يلحق النكرة تمييزا لها عن المعرفة.

إذن: كلمة (مِصْراً) المصروفة في القرآن: لا تعني القطر المعروف ، بل تعني أيَّ قطر أو إقليم أو بلد، لتوافر ما طلبوه في أيِّ من ذلك وتنويها تنوين تنكير يدل على عمومها.
أما كلمة(مصر) الممنوعة من الصرف ،هي مُعَرَّفَة،أُطلِقَت على القطر المعروف.

فكم في القرآن من كلمات ذات فروق تظهر للمتأمل وتعطي جمالا ورونقا في المعاني وفي الارشادات والتوجيهات، كما تُظهر مسحة جمال على جمال ونور على نور تنبعث من هذه الآيات لتدخل القلب فتغمره بالإيمان، فتتحرك الأعضاء للعمل بما أمر الله والابتعاد عما نهى عنه.
وجدير بكل مسلم أن يجعل أوقات فراغه مصروفة في تلاوة القرآن الكريم وتدبره وتعلمه وتعليمه وتطبيقه، وأن يجعل من القرآن الكريم (مِصْراً) له يسكن فيه متأملا متدبرا،يجول في آياته ويتعرف على ألفاظه ويُمعِن النظر في مرامي سوره، ويستنبط منه ما ينفعه في حياته.

والله أعلم.
يقول أحدهم:
هذا القرانُ به تحيى خواطرُنا*** يُحرِّك القلبَ ترغيبًا وترهيبا
ويَملأُ النفسَ إحساسًا بواجبها*** فلا تَسَلْ عن سرورٍ آضَ تثريبا
وعن فؤادٍ وَعَى فاجتثَّ آفتَهُ*** وكادَ يبخعُ تلك النفسَ تأنيبا
فيا غمامَ الهُدَى أمطِرْ مسامِعَنا*** أشبِعْ رغائبَنا فِقهاً وتأديبا
صوِّبْ إلى كُلِّ قلبٍ سهمَ موعظَةٍ*** بها يُصَوَّبُ للإيمانِ تصويبا
يا خالقَ الخلقِ دمِّر مَن يُحاربُنا*** عذِّبْهُ يا بارئ الأكوانِ تعذيبا
واقبَلْ أيا قابِلاً للتَّوبِ توبتَنا*** صَيِّرْ علينا سحابَ العفو ِمسكوبا
المصادر:
-القرآن الكريم.
- أيسر التفاسير لأسعد حومد
- التفسير الميسر ،مجموعة من العلماء - عدد من أساتذة التفسير
- التفسير الوسيط ، محمد سيد طنطاوي
-لطائف القرآن لصلاح الخالدي.
- تفسير الشعراوي.
- تفسير القرطبي.
-المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
- القاموس المحيط للفيروز آبادي.

No comments :

Post a Comment