Thursday, May 1, 2014

(الحمد لله ) اختصاص الحمد لله وحقيقة الشكر والمدح والثناء لله

(الحمد لله ) اختصاص الحمد لله  وحقيقة الشكر والمدح والثناء لله:
مكانة الشعر عند العرب في الجاهلية:
المطلع على القرآن الكريم والمتمعن فيه يراه كتابا هاديا للضالين ومرشدا للحائرين ومنبها للغافلين ومعلما للجاهلين ومذكرا للناسين ومنذرا للمنحرفين ومبشرا للصادقين .
وكان من عادات العرب الجاهلية هي الانصات للشعراء وسماع المدائح من الشعراء.
وكان الشعر أكبر سلطان عليهم وأقساه وأقواه وأملكه لقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ومشاعرهم.
ولقد كان الشاعر يقول البيت من الشعر مدحا فيرفع القبيلة الوضيعة المنزلة، ويقول بيتا ذمّا فيضع القبيلة الرفيعة ويمت ذكرها.
فمثال الأول: ما قاله الشاعر  في قبيلة (بنو انف الناقة)
قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرُهُمُ ** ومَنْ يُسَوِّي بأنفِ الناقةِ الذنبا
فأنت ترى في هذا البيت جمال المدح بتشبيه راق بديع، ومن مدح سامٍ عالٍ، حيث جعل الأنف هو مبعث الفخر ومجلى الاشادة، وهو كذلك لأنه يكون في الوجه والوجه أكرم شيء في الإنسان، وليس هذا فقط، بل هو في مقدمة الوجه.
 فلما مدح الشاعر هذه القبيلة بهذا الوصف وبهذا التشبيه جعلهم في منزلة رفيعة ومكانة عالية فأعلى ذكرهم.
ولقد كان ذكر بني أنف الناقة مما يعير به، فلما قيل هذا البيت رفعوا رؤوسهم وفخروا بلقبهم وشرفوا بنسبهم، وكان الرجل منهم إذا سئل يقول: أنا من بني أنف الناقة، ويميل صوته عجبا وتيها وافتخارا.
وحُقَّ له ذلك لِمَا كان بيت المدح فيهم في تلك المرتبة من البلاغة العالية.
ومثال الثاني : قول جرير:
  فَغُضَّ الطَّرفَ إنك من نُمير ** فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
كان بنو نمير من قبل هذا البيت يتكبرون ويفخرون بنسبهم، فلما شاع البيت فيهم طأطؤوا رؤوسهم وغضوا من صوتهم وانخذلوا أمام غيرهم.
ولقد كانت هذه حالة العرب، كما ترى في شعر حسان مادح ملوك الغساسنة، وزهير بن أبي سلمى مادح هرم بن سنان، والنابغة الذبياني مادح النعمان وغيرهم.
فترى النابغة يقول في النعمان بيتاً من أجمل المدح :
كأنك شمس والملوك كواكب ** إذا طلعتَ لم يبدُ منهن كوكبُ   
وقوله:
ألم ترى أن الله اعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب
ويقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ** وإن خلتُ أن المنأى عنك واسع
ويقول زهير في هرم:
قد جعل المبتغون الخير في هرم ** والسائلون إلى أبوابه طرقا
وقال في قومه:
على مُكثيريهِمْ رزقُ مَنْ يَعْتَريهِمُ ** وعندَ المُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ والبذلُ
وهَلْ يُنْبِتُ الخطِّيَّ إلا وَشِيجَهُ * * وهَلْ نَبَتَتْ إلا بِمَغْرِسِهَا النَّخْلُ
يريد أن االفقراء منهم كرماء والأغنياء يعطون ما يسألون، ثم يقول: وهل الرماح الخطية التي تجلب من الخط مرفأ ببلاد البحرين تنبت إلا من شجرها، وهل النخل ينبت إلا في منابته، فكذلك قوم هرم كرماء لأنهم أهل كرم نبتوا من كرم وجود.
هذا قليل من كثير عن محامد الشعراء للملوك وشيوخ القبائل وكرماء العرب،فكانت المحامد تلقى لهم وأنظارهم قاصرة عليهم، فلما جاء القرآن فاجأهم بقوله:لا تحمدوا الملوك والمحسنين بل احمدوا الله رب العالمين وذلك في قوله (الحمد لله رب العالمين)
فلما خص الحمد كله والشكر جميعه والثناء اجمعه بالله تعالى، تشوف العرب لمعرفة (الله) الذي خُصَّ بهذا كله ، وفي هذا جذب للعرب لمعرفة الاسلام وتشويق لهم لمعرفة الله وصفاته وأفعاله.
فيا له من قرآن عظيم ببيان بليغ يأخذ بالألباب ويسبي العقول ويستولي على النفوس.
أمر العرب أن يولوا وجوههم لله تعالى، وأن يصدوا عن المدائح الملكية ولذوي البشر، وأن يعرفوا بأن الإحسان القليل الصادر من المخلوق ما هو إلا من الخالق القادر حقيقة ، لأن الله عز وجل هو المربي العظيم والخالق الحكيم.
فمنذ حقق المسلمون هذه المعاني في نفوسهم وطبقوها في حياتهم آتت ثمارا ناضجة، فأصبحوا سادة العالم وحكام الأرض والدعاة للخير وناشري السعادة، لأنهم نظروا في العوالم، وبحثوا في نظامها وعجائبها، وما فيها من حكمة وغنى وشرف، فنالوا الخير من الله المربي العظيم،بجدهم واجتهادهم وعملهم، لا بالاستجداء من الملوك والرؤوساء والدول المعادية،ففتحوا الأمم شرقا وغربا ونالوا من الخيرات فوق ما يتمنون.
فاختصاص الحمد بالله تعالى له أثره الكبير في دنيا المسلمين وحياتهم، الاختصاص بالقول وبالعمل، باللسان وبالأعمال، بالنيات وبالأفعال.
ففي سورة الفاتحة أمر الله المسلمين أن يخصوا الله بالحمد وبالعبادة والاستعانة (الحمد لله رب العالمين....إياك نعبد وإياك نستعين) كما جاء في سورة البقرة إذ أمرهم أن يذكروا الله كذكرهم آبائهم أو أشد ذكرا( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا) فرجع الأمر إلى توجيه العبادة والحمد والذكر لله تعالى،وتحريم عبادة المخلوق والخضوع فتتوفر الهمم على الأعمال العظيمة والأفعال الرفيعة.
ألا ترى ما قاله النعمان بن مقرن إلى يزدجرد ملك الفرس أيام حرب القادسية في زمن عمر رضي الله عنه: إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نبتدئ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حَسَّن الحسن وقَبَّح القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشرّ أهون من آخر شرّ منه الجزية فإن أبيتم فالمناجزة... 
وتأمل قول زهرة لرستم قائد جيش الفرس آنذاك:
إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما طلبنا وهمنا الآخرة.
فقال له رستم: ما دين الإسلام؟
قال: أن تشهد إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قال: وأي شيء أيضا؟
قال: لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ، والناس بنو آدم وحوّاء إخوة لأب وأم.
قال: ما أحسن هذا، ثم دعا رستم قومه فأنفوا من ذلك، ثم طلبوا من سعد بن أبي وقاص رجلا آخر يكلمهم، فأرسل ربعي بن عامر، فلما وصل إلى رستم داس بفرسه على النمارق والبسط والزينة والحرير، وامتنع أن ينزع سلاحه، وأخذ يمزق الوسائد والبسط، ثم ركز رمحه على البسط، ومما قال له:
فد بعثنا الله لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام...
فأعجب بكلامه وخلا بقومه، وقال لهم : هل رأيتم كلاما أعز وأوضح من هذا؟فقالوا معاذ الله أن نميل إلى دين هذا..
ثم أرسل لهم سعد المغيرةَ بن شعبة، فجلس مع رستم على سريره فأنزلوه،فقال:
ما أرى قوما أسفه أحلاما منكم ،إنا معشر العرب لا يستعبد بعضنا بعضا، وإني رأيت بعضكم أرباب بعض وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم.انتهى.
ألا ترى أن العبادة والحمد مختصان بالله تعالى، وأنه هو الذي يطلب منه الإعانة والهداية إلى الصراط السوي.
أولا ترى أن الإسلام كان له في الصدر الأول معنى غير الذي يفهمه المسلمون الآن، وأن الأمة الإسلامية اليوم غير أولئك الذين كانوا في القرون الأولى، وإلا فكيف نسمع منهم العدل والمساواة وألا يستعبد بعضهم بعضا، وأنهم خلفاء الله في أرضه ليعطوا عباده الحرية.
والإسلام إذ ذاك مبني على الفهم والعلم والعقل، وأما الآن فإنه مجرد ظواهر وأعمال لا تصل إلى أعماق القلوب، والبعض يكفر غيره ويصفه بالبدعة والضلال والإشراك، والآخر متساهل في أمور دينه، وثالث يمم وجهه شطر الغرب فأخذ عنها المعرفة والعلم الذي افتقده في بلاد الإسلام فرجع هادما مشتتا ساخرا مستهزئا.
وهذه من أسباب انحطاط الأمة الإسلامية.
وقد آن الآن لترجع الأمة الإسلامية إلى عزها ومجدها العظيم.

( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العز بغيره يذلنا الله).

No comments :

Post a Comment