Friday, June 20, 2014

الحرب في الإسلام صلاح ونجاح،أخلاق وعطف،قوة ولطف:
الذين ظلموا أنفسهم ودينهم، وتبعوا أفكار الغرب التي تكره الإسلام وتحقد عليه وتشوه صورته، أولئك هم الخاسرون، خسروا دينهم بإتباعهم أعداء الإسلام، وخسروا أنفسهم حيث جعلوها دمية بيد العدو، وخسروا مَن حولهم لأن المسلم لا يرضى الدنية ولا يرضى أن يشوه الإسلام، ومَن يرضى ذلك ومَن يفعل ذلك فإنه آثم قلبه، مُظْلِمَةٌ نفسُه، مُصْخِرَةٌ روحُه، يحتاج لتعليم وتأديب، وإفهام وتوجيه وإرشاد.
إن الحرب في الإسلام، مطلب نبيل، وغاية أخلاقية، وسبيل تربوي، يسعى فيه الإسلام إلى نشر الخير وبث السعادة وإقامة الحق، ورد العدوان ودفع الباطل ودحر الأعداء.
وأكثر باب دخله أعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام هو من باب وصف الإسلام بأنه دين إرهابي يسعى للقتل وحب سفك الدم، وهذا كلام باطل لا صحة فيه، القائلون به إما كارهون للإسلام حاقدون عليه، فيقولونه عن علم ، أو جاهلون بما في الإسلام ، أو مقلدون لأعداء  الإسلام يرددون ما يقوله عدو الإسلام وينشرون ذلك...
الذي ينظر بتمعن وبإنصاف يرى الإسلام في حربه مع الأعداء أرسى قواعد ونظما أخلاقية لم يصل لها الغرب إلا في هذا العصر، ويرى تعامل الإسلام في حروبه مع أعدائه قائم على الرحمة، والهدف هو إما الدفاع أو رد العدوان أو نشر الإسلام أو رفع الظلم أو نصرة حلفائه، وكلها غايات نبيلة لا يختلف عليها إثنان ولا يُنتَطَح بها عنزان، ولا يراها إلا من أصابه عمى الحقد أو غشاوة التقليد أو عشى الجهل.
قال غوستاف لوبون: لم يعرف العالم فاتحا أرحم من العرب.
لم يكن الإسلام غايته القتال والحرب ونشر الحروب ، ففي مراحل الإسلام الأولى  كانت مرحلة الكف والإعراض والصفح ً قال  تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً]النساء:77[.
و روى ابن جرير والنسائي في سننهِ عن ابن عباس  رضي الله عنها أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم:" فقالوا: يا رسول الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة ، فقال إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا " .
وامتدت هذه المرحلة أكثر من عشر سنوات، حتى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة للمدينة المنورة  حتى استقراره بها.    
وكانت هذه المرحلة ملازمة للوجود الإسلامي، فمن لا يقاتلهم لا يقاتلونه، ومن لا يعتدون عليه لا يحاربونه، إذ الأصل في الإسلام السلام ونشر السلم والتعايش مع الآخرين ونشر الإسلام بالدعوة والتبيين والتبليغ.
- ثم مرحلة مقاتلة من يُقاتل المسلمين ومُحاربة من يُحارِبهم، فقد شرع الله القتال لرد العدوان وحفظ الأنفس والأموال والممتلكات، ولإظهار قوة المسلمين وأنهم غير ضعفاء ولا أذلاء ولا يقبلون الضيم ولا الاعتداء فقد أذن الله لهم بالقتال ولم يفرضه عليهم فقال:(  أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) ]الحج:39[ .
- ثم المرحلة الثالثة: وهى الأمر بالقتال لمن قاتلهم دون من يقاتل: وذلك بقوله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) ]البقرة:190[ . فالذين يحملون السلاح من الأعداء ويوجهونه ضد المسلمين، والذين يُقَابِلون المسلمين بالسلاح لقتالهم وقتلهم، فهؤلاء يُقَاتَلُون ويُحَارَبُون، أما مَن لا يُوَجِه السلاحَ ولا يُقَاتِل المسلمين فهؤلاء لا يُقاتَلون ولا يُحارَبون، وفي هذا بيان أن الحرب في الإسلام قائم على رد العدوان ودفع الأعداء.     
-ثم المرحلة الرابعة: فرض الله على المسلمين قتال المشركين كافة ومحاربتهم، بقوله تعالى:  ( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ) ]التوبة:36[  ، وقوله :   ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ) ]التوبة:5[ ،  وقوله:  ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )  ]التوبة:29[ ، وقوله تعالى:  (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ) ]الأنفال:39[.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله " [متفق عليه] .
وهذه المرحلة الأخيرة هي التي استقر عليها الأمر في معاملة المسلمين للكفار من جميع الأجناس ، أهل الكتاب وغيرهم .
 ولا يختلف العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم على أنه يلزم المسلمين عند القدرة ابتداء الكفار بالقتال ولو لم يقاتلوا المسلمين ، وهذا جهاد الطلب مع لوازم جهاد الدفع بالإجماع.
وسبب ذلك هو أن أعداء الإسلام والمسلمين وإن سكنوا حينا ولم يشرعوا لقتال ومحاربة  المسلمين فإنهم سيفعلون متى استطاعوا ومتى تحين لهم الفرصة، وهذا حصل في تاريخ المسلمين كثيرا، فكلما ركن المسلمون ولم يستعدوا للأعداء ، كان الأعداء يتجهزون للقضاء على الإسلام ولوقف انتشاره، ومن أهم صفات الخليفة أو الحاكم هو قدرته على رد العدوان وشجاعته في مواطن الحرب والقتال، وقدرته على الوقوف ضد الغزاة ، وحمايته للشعب والإسلام أول وأهم صفاته، فإن خلت منه هذه الصفة فلا سمع ولا طاعة له، إذ موافقة الشعب على حكم الملك أو الرئيس هو كالعقد بينهما فإن اختل شرط بطل العقد.
فإذا نظرنا إلى الرؤساء وحكام وملوك العرب والمسلمين فإنهم لا يتصفون بتلك الصفة، إن هم إلا ورق يسهل تمزيقها من أعداء الإسلام متى أرادوا، بل إن بعضهم قد استعان ويستعين بأعداء الإسلام والمسلمين لقتال المسلمين،ويدعمهم بالمال والمواقف والاعلام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحرب في الإسلام تقوم على أعداء المسلمين كما بين في الفقه الإسلامي إذا:
كانوا يدخلون بلدة للمسلمين أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار إسلام ولو بعيداً من البلد فيلزم أهلها هذه البلاد قتالهم وحربهم ويكون فرض عين أو كفاية،حتى على فقير بما يقدر عليه وولد ومدين ولا يلزم أخذ إذن من الأبوين  أو المسؤول أو صاحب العمل أو صاحب الدين.
ويتعين الحرب في الإسلام:
بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباناً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم أيضاً الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في ذلك .
 كما أن على الإمام:
 فرض على إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة يخرج معهم بنفسه حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطو الجزية عن يد .
وإخراج الإمام طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في أوقات الغرة وعند إمكان الفرصة والإرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة فإن قيل كيف يصنع الواحد إذا قصر الجميع قيل له يعمد إلى أسير واحد فيفديه فإنه إذا فدى الواحد فقد أدى فى الواحد أكثر مما كان يلزمه في الجماعة فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسرى ما أدى كل واحد منهم إلا أقل من درهم ويغزو بنفسه إن قدر وإلا جهز غازياً
   قال صلى الله عليه وسلم " من جهز غازياً فقد غزا ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا " وذلك لأن مكانه لا يغنى وماله لا يكفى .
فالحرب تتعين في الإسلام في أحد مواضع:
أحدها : إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام لقوله تعالى:  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا ]الأنفال:45[ ، وقوله:  ( وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ]الأنفال:46[ ، وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ]الأنفال:15[.
الثاني : إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم .
الثالث : إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير لقول الله تعالى:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ]التوبة:38[ ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم:إذا استنفرتم فانفروا " .
وإن من أهداف الحرب في الإسلام ما يلي:
الهدف الأول: إعلاء كلمة الله تعالى؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).
الهدف الثاني: نصر المظلومين، قال تعالى:  (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالـْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالـِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
الهدف الثالث: رد العدوان وحفظ الإسلام، قال الله تعالى:  (الشَّهْرُ الْـحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْـحَرَامِ وَالْـحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). وقال سبحانه:  (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لـَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
أخلاقيات الحرب في الإسلام:
إن القتال في الإسلام قائم على الأخلاق مثل السياسة والاقتصاد والعلم فكلها لا تنفصل عن الأخلاق , خلافاً للحرب في قاموس الحضارة الغربية التي لا تنضبط بالأخلاق , بل يحكم الحرب عند المسلمين دستور أخلاقي نابع من الدين الإسلامي الحنيف.
ونستطيع أن نلخصها في الأمور التالية :
1- تحريم الإسلام استخدام أساليب غير أخلاقية لاختراق الأعداء وكشف أسرارهم عبر المحرمات كالجنس والخمر وسائر ما حرم الله تبارك .
2- الوفاء بالمواثيق والعهود , وتحريم الغدر والخيانة , قال تعالى : [وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا] {الإسراء:34}  .
3- عدم مشروعية استخدام أسلحة الدمار الشامل : عدم مشروعية استخدام الأسلحة الكيماوية والجرثومية ، والنووية التي تقتل الألوف بل الملايين في دقيقة واحدة وتأخذ المسيء إلى جانب البريء ، أو تعمل على تدمير الحياة البشرية , وهي محرمة كما قال الشيخ القرضاوي, لأن الأصل في الإسلام عدم قتل من لا يقاتل ، وقد أنكر صلى الله عليه وسلم  قتل امرأة في إحدى المعارك , ولكن لا يمنع الأمة من امتلاك أسلحة الدمار الشامل , بل يجب عليها السعي لامتلاك هذه الأسلحة الرادعة ما دام غيرنا يمتلكها ويهددنا بها.
وأعجب ما في الأمر أن تمتلك الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا هذه الأسلحة ثم تحظر على الآخرين امتلاكها , تمنعها عن الدول العربية والإسلامية , بينما يحق لدولة الكيان المصطنع على أرض فلسطين أن تملك أكثر من مائتي قنبلة نووية , ولا يجوز للأمة استخدام هذه الأسلحة إلا إذا تعرضت لخطر وجودها وهي حالة الخطر القصوى  .
4- يدعو الإسلام إلى التعامل مع الأسرى بإحسان : [فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً] {محمد:4} .
5- الأخلاق المستخلصة من نصوص الكتاب والسنة والتجربة الجهادية للأمة وهي كالتالي :
-عدم قتل النسـاء والأطفال والشيوخ والرهبـان وأصحاب الحرف المهنية والمكفوفين .
 يحرم قتل المدنيين .
-لا يجوز التمثيل بجثث القتلى من الأعداء .
-لا تهدم منازل لمحاربين ولا تحرق محاصيلهم وزروعهم لغير مصلحة .
-الرحمة بالأطفال والصبيان , لأنهم لا يدخلون الحرب إلّا بعد البلوغ  .
لقد كتب الله على هذه الأمة أن تكون شاهدة على الأمم وخاتمة للرسالات السماوية، ومن تبعات هذه المهمة العظمى أن تلقى العنت والتكذيب بل وتواجه بالكيد والمكر والمحاربة من قبل أعدائها، وفي مقدمتهم رأس الحربة "التحالف الصليبي اليهودي"، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: 82).
ولقد عرفت هذه الأمة هجمات عديدة من قبل هؤلاء الأعداء، على مر العصور، أو مِنْ قِبَلِ مَن ألَّبه هؤلاء، فكانت الحرب بيننا وبينهم سجال، يوم لنا ويوم علينا، تكونت من حلقات وجولات عديدة، ما زالت رحاها تدور إلى اليوم، وقد استطاعت هذه الأمة أن تقاوم هذه المكائد كلها وتواصل سيرها في أداء رسالتها وترفع الحصار المضروب عليها لخنقها وتكبيلها عن أداء هذه الأمانة الكبرى، أمانة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أجل هذا فقط تكالبت أحزاب الكفر والنفاق وتحالفت لضرب كيان هذه الأمة وزعزعة صرحها، {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج: 8].
 وإن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله – تعالى – في خلقه ، باقية إلى قيام الساعة ، قال – سبحانه - : « وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ »، وما انتصر الباطل يوماً أو علت رايته إلا في غفلة من أهل الحق أو تغيبهم عن مواقعهم .
وقد اقتضت رحمة الله – تعالى – بعباده أن يقيض للحق على - مر الدهور- جنوداً يدافعون عنه وينافحون ، ويبذلون في سبيل نصرته كل غالٍ ونفيس ؛ إيقاناً منهم أن سعادة بني الإنسان لا تتحقق إلا برفع راية الحق فوق ربوع العالمين ، وارتكازاً على الطاقة الإيمانية المتجددة المستمدة من رسالات السماء التي أتم الله صرحها ببعثة خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ففتح به أعيناً عميا ، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلْفا ، وأرسى دعائم الحق في قلوب المؤمنين ، فخاضوا ميادين الجهاد في سبيل نصرة الحق وقمع الباطل ، فتحولوا- بفضل الله جل وعلا -  من الضعف إلى القوة ، ومن الهزيمة إلى النصر ، ومن الذل إلى العز ، وتكونت على أيديهم دولة إسلامية كبرى لم يعرف التاريخ لها مثيلاً .
وبهذا امتن الله – سبحانه – على عباده المؤمنين ، فقال في كتابه الكريم : «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».
وقد تعرضت الأمة الإسلامية عبر تاريخها لحروب شرسة ومحاولات عديدة لطمس الهوية واحتلال البلاد واستعباد العباد ، وفي ميدان المواجهة لتلك الحروب والمحاولات سجلت لنا ذاكرة التاريخ صفحات مشرقات من الازدهار والانتصار في عصور الاتباع، وفي المقابل صفحات مظلمات من الاندحار والانكسار في عصور الابتداع ، وهذا يصدقه قول الله – سبحانه - : « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى».
وسنة الله لا تختلف في ميدان النصر والهزيمة ، فمع منهج الله عز وانتصار ، ومع الإعراض ذل وانكسار .
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا**فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
والشر إن تلقه بالخير ضقتَ به ذرعاً**وإن تلقه بالشر ينحسم
والله أعلم.
المصادر:
- القرآن الكريم.
- تفسير ابن جرير و تفسير القرطبي..
- سنن الترمذي.
- مغني المحتاج شرح ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني.
- المغني لابن قدامة المقدسي.
- البدائع للكاساني.
- عوامل النصر على الأعداء في ضوء الإسلام ،د/ محمد هلال الصادق هلال.
- السيرة النبوية , لأبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري.
 -فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته ، للإمام يوسف القرضاوي.

No comments :

Post a Comment