Tuesday, June 10, 2014

الصناعة في الإسلام والصناعات في الحضارة الإسلامية

الصناعة في الإسلام  والصناعات في الحضارة الإسلامية:
الإسلام دين أنزله الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله آخر الأديان ، وبالقرآن الكريم ودعوته للحياة الفاضلة وتبيانه لسبل المعيشة الراشدة، حثنا على القيام بالعبادة بمفهومها الواسع الشامل للمهن والوظائف والأعمال المختلفة التي عليها قوام الإنسان ومعيشته.
ونظرة على آيات القرآن الكريم وعلى سنة النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية وعلى تاريخ المسلمين نلحظ العناية بالصناعة والصناعات المختلفة .
وبدءاً من أعظم مراتب البشر الأنبياء نلحظ أن سيدنا نوح كان نجارا و صانع سفن {وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}
وسيدنا داوود كان حدادا يصنع الدروع {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
وعمل سيدنا زكريا عليه السلام في النجارة والخشب ،أخرج مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :((كان زكريا عليه السلام نجاراً))   .
وفي المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما: وكان إدريس خياطاً.
وتحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "كان رسول الله  يخصفُ نعله, ويخيط ثوبه, ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته" أخرجه الترمذي وأحمد.
وعمل نبينا محمد  في رعي الغنم كما ثبت في صحيح البخاري أنه قال: ((ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم)), قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)).
 ومارس رسولنا صلى الله عليه وسلم التجارة بأموال خديجة رضي الله عنه مضاربة, وبعد الهجرة كان كسبه أفضل كسب: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)).
والصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار كانوا يعملون في أمر معاشهم, ولم يكونوا بطالين, بل كانوا أصحاب مهن وحرف, فمنهم اللحام والجزار والبزاز والحداد، والخياط والنساج والنجار والحجام, وقد احترف التجارة منهم ناسٌ براً وبحراً ، عملاً بقوله سبحانه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} [القصص:77] وبقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].
وحث الإسلام على الاحتراف والعمل ورغب فيه, وصغر من شأن من يتهاون به, أو يحتقره أو يزَّهِدُ فيه, فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي   قال :((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها, فيكف الله بها وجهه, خير له من أن يسأل الناس, أعطوه أو منعوه)) متفق عليه.
 وقد قال عمر بن الخطاب:"إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول :له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني".
وقد كان صلى الله عليه وسلم يرفع من شأن الحرفيين, فيجيب دعوتهم.
 فعن أنس بن مالك قال: "إن خياطا دعا رسول الله ، لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله إلى ذلك الطعام، فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء، قال أنس: فرأيت رسول الله   يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم. متفق عليه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، فقال لغلام له قصاب –لحَّام-: اجعل لي طعاما يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فإني قد عرفت في وجهه الجوع، فدعاهم، فجاء معهم رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن هذا قد تبعنا فإن شئت أن تأذن له فأذن له وإن شئت أن يرجع رجع))، فقال: لا بل قد أذنت له.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم بالمبدعين من أصحاب الصنائع، ويوكلهم بالأعمال.
 فعن قيس بن طلق عن أبيه قال: بنيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة فكان يقول: ((قدموا اليمامي من الطين فإنه من أحسنكم له مسا)) رواه ابن حبان، وزاد أحمد: ((وأشدكم منكباً)).
وقد انتشر فهم خاطئ عند بعض الناس, مفاده أن الاشتغال بطلب المعاش, والعمل في صنعة أو مهنة أو حرفة يمنع الوصول إلى مراتب العلماء، وأن العالم لا يبلغ هذه المنزلة إلا بالتفرغ الكامل، والبعد عن طلب المعاش والاحتراف، وأن الجمع بين العلم والحرفة صعب المنال, والصحيح أن لا تعارض بين الأمرين, فالصحابة كان العلم باعثاً لهم على العمل, فعن أبي مسعود البدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصدقة، فما يجد أحدنا شيئا يتصدق به حتى ينطلق إلى السوق، فيحمل على ظهره، فيجيء بالمد فيعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإني لأعرف اليوم رجلا له مائة ألف ما كان له يومئذ درهم. رواه النسائي.
وعلى نهج العلم والعمل سار جمع غفير من علمائنا وفقهائنا وأدبائنا من سلف هذه الأمة, فانخرط رموزها وعظماؤها في الاحتراف, والعمل لكسب الرزق إذ كانوا أصحاب حرف ومهن، وكانوا مع علمهم وزهدهم وتقواهم يسعون في هذه الدنيا, سعيا وراء عيشهم ورزقهم وقوت عيالهم, , ونسب جمع من عظماء الأمة وعلمائها إلى المهن فكان منهم: الآجري، نسبة إلى عمل الآجر وبيعه، الباقلاني، نسبة إلى الباقلا وبيعه، التوحيدي، نسبة إلى بيع التوحيد وهو نوع من التمور، والجصاص، نسبة إلى العمل بالجص وتبييض الجدران، والحاسب، نسبة إلى من يعرف الحساب، والقطعي، نسبة إلى بيع قطع الثياب، والقفال، والخراز، والخواص، والخباز، والصبان، والقطان، والحذاء، والسمان، والصواف، والزيات، والفراء .
إن انتساب هؤلاء العلماء الأجلاء للحرف أعطى صبغة العزة لأهل هذه الحرف, حتى لم يكد يوجد في المجتمع الإسلامي من ينتقص الحِرَفَ, أو ينتقص من شأن أصحابها، ولمَّا كان العلماء يعتمدون في كسبهم على عمل اليد, أو على قسمهم من أوقاف المسلمين عليهم, كانت أقوالهم تصدع بالحق, ولا يبالون في الله لومة لائم, فلم يكونوا يقومون لعرض, ولا يقعدون لغرض, فلم يكن لأهل الدنيا ولا الحكام ولا الأمراء عليهم تأثير من قريب ولا من بعيد.
وقد كانت الصناعات موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
- أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن امرأة من الأنصار رضي الله عنهم قيل هي زوج سعد بن عبادة رضي الله عنه قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ، فإن لي غلاما نجارا ؟ قال : (( إن شئت )) قال : فعملت له المنبر.
- وفي حديث أنس رضي الله عنه تتضح صنعة أبي سيف رضي الله عنه والذي كانت زوجته ترضع ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم  إبراهيم ،  فأراد النبي صلى الله عليه وسلم زيارة ابنه ، يقول أنس :  فانطلق النبي  صلى الله عليه وسلم يأتيه واتبعته  ، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره قد امتلأ البيت دخانا ، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم !! فقلت: يا أبا سيف أمسك ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسك .
- وكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش امرأة صناع تخرز وتتصدق ..
 - وكانت هناك الخياطة ، فقد روى أنس بن مالك:إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه. قال أنس ابن مالك: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام"..
-وكان هناك الصياغ ، والدباغ ، والخواص ( ما يصنع بورق النخيل ) واشتهر بها سلمان الفارسي،وكانت هناك من تغزل.
- وكانت صناعة الذهب قد وصلت درجة من الدقة الحد الذي أمر فيه النبي  صلى الله عليه وسلم الرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفاً من ذهب.
الصناعات في الحضارة الاسلامية:
لقد كانت الصناعة تتطور بتطور جوانب الحياة الأخرى في العالم الإسلامي ، فكان للتطور العلمي والزراعي والتجاري والسياسي أثره في تطور وسائل الكتابة والتدوين ، فظهرت الأوراق المصنوعة من القطن بدلاً من الأدم ( الجلد المدبوغ ) ، وكان ذلك سنة 88هـ على يد يوسف بن عمرو المكي في الحجاز ، وموسى بن نصير اتخذ الأوراق المصنوعة من الكتان والقنب في بلاد المغرب ، وجاء في فضائل الخليفة عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أبي بكرر بن عمرو بن حزم حين توليه الخلافة يأمره بتنظيم عملية توزيع قراطيس الكتابة حين بلغه التوسع في ذلك زمن سليمان ، فقال : فارق القلم ، واجمع الخط واجعل الحوائج الكثيرة في الصحيفة الواحدة فإنه لا حاجة للمسلمين في فضل أضر ببيت مالهم .. والسلام عليك " وهذا يدل على ما كان يفرق على أمراء العمالات والجهات في زمن سليمان بن عبد الملك من القراطيس للكتابة وذلك أواخر القرن الأول. ورغم ابتداء صناعة الورق من الصين إلا أن المسلمين طوروها ونشروها في الأقطار وكثروها ومنهم انتقلت إلى أوربا  .
" ولقوة الحركة العلمية والتنظيمية والتجارية ازدادت الحاجة للورق ، ولم يعد الورق القادم من مصر كافياً ، فبنى البرمكي طاحونة للورق ببغداد عام 749م ، وانتقلت هذه الصناعة إلى سائر بلدان العالم الإسلامي ، ومن الأندلس وصقلية تعرفت أوربا على هذه الصناعة المهمة للحضارة والثقافة العلمية ، وهو ما قاد أوربا لاختراع الطباعة التي شاركهم فيها المسلمون والصينيون بدليل طباعة الأوراق في وقت مبكر في عهد عبد الرحمن الثالث ".
لقد حظيت أنواع عديدة من الصناعات بالازدهار فمن ذلك :
صناعة النسيج ، ومن أشهره : الحرير المصنع في خوزستان وطبرستان ، والقطن المزروع في فارس ، وفيما بين النهرين ، وكرمان ، وأكبر مراكز لتصنيعه مرو ونيسابور، واشتهر الكتان المصري .
كما كان هناك صناعة البسط والسجاجيد .. واشتهرت به فارس ، وبخارى ، وأرمينيه .. واشتهرت إزمير بصناعة البسط.
أما صناعة العطور ..فقد اشتهرت به سابور من أعمال فارس ، وكان يحمل إلى الأندلس ، والصين ، وكافة أقطار العالم الإسلامي .
ومن الصناعات ..الصناعات الغذائية ..فمن ذلك تجفيف السمك ، حيث يصاد في بحيرة " وان " شمالي فارس ويملح ويحمل إلى الجزيرة والموصل وحلب ..وفي المغرب من شواطئ الأندلس وإفريقية .
ومن الصناعات الغذائية ..طحن الحبوب .. وتستخدم لأجله مطاحن مائية أو هوائية ، وكان أشهرها في تكريت على نهر دجلة.
أما البوصلة ، واستخدامات المغناطيس فكان للمسلمين السبق في ذلك حيث عرف عنهم ذلك منذ عام 1269م ، وهذا يدل على أن الإيطالي من أمالفي القريبة من البندقية والذي نسبوا إليه اختراع البوصلة قد أخذ ذلك من العرب الذين كان لسفنهم احتكاك معهم خلال نشاطها التجاري في المنطقة ! ورسم البوصلة يحتوي على حروف عربية كما جاء في رسالة بطرس عام 1269م الذي كان أول من أدخل لأوربا البوصلة وطريقة عملها.
وفي فن الملاحة البحرية كان لهم تميز وسبق عجيب .. حيث كانت السفن تتمتع بتجهيزات تحدث طرقات صوتية تنبه قائد السفينة إلى الأماكن التي يجب إصلاحها قبل أن تعطب !
و برع أبناء محمد بن موسى حتى بلغ بهم الأمر إلى بناء مرصد خاص لهم على ضفاف نهر الفرات ببغداد ، وكانت هذه العقول تقدم للحياة عدداً من المخترعات التي جعلت  من الحياة البيتية تتمتع بالرفاهية ، من ألعاب ترويحية للأطفال ، وآلات لتعيين كثافة السوائل ، وتركيبات تسمح للأوعية أن تمتلئ تلقائياً كلما فرغت ، وزجاجات تفرغ منها حسب الحاجة كميات معينة من الماء ، وقناديل ترتفع فيها الفتائل تلقائياً ، ويصب فيها الزيت تلقائياً أيضا ولا تطفئ الرياح ضوءها  ، وهناك آلة تحدث صوتاً كلما بلغ الماء حداً معيناً ، وأنواعا عديدة من نوافير.
 وقام أحمد بن موسى مع أخيه بصنع ساعة نحاسية كبيرة ، وقام بحسابات دقيقة تتعلق بطلوع بعض الكواكب وهبوطها أثناء النهار ،  وقد بنيا آلات مدهشة لكل من رآها فهي ذات شكل دائري تحمل صور النجوم ورموز الحيوانات في وسطها ، وتديرها قوة مائية ، وكان كلما غاب نجم في السماء اختفت صورته من الآلة ، وكلما ظهر نجم في السماء ظهرت صورته في الخط الأفقي من الآلة.
لقد كان لآلة الإسطرلاب الصغيرة التي صممها المسلمون لتكون كساعة الجيب التي تؤدي خدمات يومية جليلة للمسلم كي يعرف مواقيت صلاته واتجاه القبلة.
ولقد سعى الأوربيون إلى اقتناء هذه الآلة العجيبة خاصة أولئك الذين رحلوا لبلاد العرب سعيا وراء العلم !
وأيضا ممن أراد العيش في ظلال ما تنتجه الحضارة الإسلامية آن ذاك.
وقد حرص الطلاب في القرن العاشر على المحافظة على مقتنياتهم التي ملكوها لتذكرهم بأيام دراستهم في الجامعات الإسلامية .
واخترع الزرقاني 1028م في طليطلة آلة الصفيحة التي سميت بالإسطرلاب الزرقاني ، ففي القرن الخامس عشر نشر راجيو مونتانوس مخطوطا عن فوائد هذه الآلة ، وفي عام 1534م نشرت ترجمة جديدة للغة اللاتينية بعنوان " في علم آلة أبي العلوم الفلكية" للمؤلف يوحنا شونر بألمانيا.
و اخترع المسلمون ساعة شمسية تحدد الوقت بالاعتماد على حركة الشمس ، ولها قدرة على صنع التقاويم الزمنية ، وقد انتشرت في أطراف الغرب .
 ثم توسعت آفاق المسلمين ؛ فصنعوا الساعات التي تعمل على الماء وعلى الزئبق وعلى الشمع المشتعل ، وعلى الأثقال المختلفة ، فكان منها ما يحدث رنة عندما يحين وقت الغداء مثلاً ، ومنها ما كان يدفع بكرة من الماء عندما تمضي ساعة من الوقت إلى إناء آخر.
وفي عام 807م قدم هارون الرشيد هدية للقيصر شارلمان هدية عبارة عن ساعة ، تعجب منها القيصر وانبهر منها حتى قال عنها : كانت ساعة من النحاس صنعت بمهارة فنية مدهشة ، ثم ذكر أنها تسقط اثنتي عشرة كرة صغيرة وبطريقة جميله عند بلوغها الثانية عشرة ..".
أما صناعة الصواريخ .. فيخبرنا التاريخ بأن حاكم مدينة فان الصيني والذي كان محاصراً من أعدائه ، أرسل إلى بلاط السلطان العربي يطلب منه المساعدة بإيفاد مهندس عربي من سوريا ، فأرسل ثلاثة من أبنائه ومعهم جماعة مكنوا من بناء سبعة آلات ضخمة أتوا بها إلى المدينة المحاصرة ، وهو ما يساعد على فهم المفاجأة التي استقبل بها القائد المصري فخر الدين الجيوش الفرنجية وملكها القديس عام 1249م أثناء الحملة الصليبية السابعة.
 لقد ازدهرت صناعة اندفاع الآلات نتيجة البارود المنفجر من القرن الثاني عشر ، وبلغت قوتها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ، ومنذ ذلك الحين أخذ الأوربيون يدرسون هذا الاختراع باهتمام بالغ ، ساعدهم في ذلك قوة سلاح عرب الأندلس المتمثل في القذائف النارية في حروبهم مثل ما حدث في معارك عام 1313 و1341 لدرجة إثارة الهلع لدى الأوربيون ، وقد سميت أنبوبة الشيطان في معركة الجزيرة عام 1346م والتي انتهت بانتصار المسلمين. واهتموا بالمناجم التي أهملت واستخرجوا منها الحديد والنحاس والزئبق.

والملاحظ للمنهج الإسلامي في تفعيله للحياة الصناعية يرى أن الله سبحانه شق للإنسان طريق الابتكار والاختراع والتصنيع مع مراعاة الإتقان ! تأمل قول الله تعالى : {.. وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ..} سورة سبأ ، من الآية 10_11.
وفي قول الله تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ . وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ }سورة النحل ، الآية 80 - 81. امتنانه سبحانه على عباده بثلاثة أمور :
-أن الله أوجد لنا المواد الخام التي نستفيد منها،وذللها لقدراتنا.
-أن الله تعالى أذن لنا بالانتفاع من جميع ما خلق لنا في الأرض ، وذلك في وجوه لا ضرر فيها .
 -أن الله تعالى وهبنا القدرات التي نستطيع بها أن نعمر المساكن ، ونصنع الأثاث.

وبعد:
فهذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ونقطة من بحر.
ويأتي أناس ليقولوا إن الإسلام لا علاقة له بالدنيا ولا بالحياة ولا بالسياسة ولا بأمور المعيشة، وقد رأينا كيف ساهمت العقيدة الإسلام والتعاليم النبوية والآيات القرآنية على تطور وتقدم الأمم التي اعتنقت الإسلام، وكيف كان لهم اختراعات ونهضة صناعية في كافة المجالات,
إن العيب ليس في الإسلام ولا في الشريعة الإسلامية، إنما العيب والخلل في مدعي الإسلام والمنتسبين له، أولئك الكسالى عن الابداع والابتكار، أولئك الحكام والأمراء والرؤساء الذين أصبحوا عبيدا لأعداء الإسلام يحاربونه في السر وفي العلن ليرضى عنهم الغرب ويستثمر في بلادهم ويساعدهم على البقاء على كراسيهم مقابل اضطهاد الشعوب وخداعها، ومقابل أن يحاربوا أي حركة أو أي جماعة أو أيتوجه أو أي مسلم توجهه إسلامي يسعى لرفعة الإسلام ولعزة الإسلام.
ولن تقوم للمسلمين قائمة ولن يبلغوا المجد حتى يرجعوا لدينهم ويُقْبِلُوا على شريعة الإسلام ويُقيموا الدين في مرافق الحياة وينشروا العدل والإخاء، وستعترضهم مصاعب وعوائق وحتى يتغلبوا عليها لا بد لهم من الصبر والتعاون والوفاء والأمانة والصدق.
والمنافقون من المنتسبين للسلف ولأهل السنة و العلمانيون والليبراليون لن يرضوا بعودة الشريعة الإسلامية لأنها تفضحهم وتفقدهم ما يسرقون وينهبون من أموال الشعوب وثرواتهم، فلذا يحاربون كل توجه إسلامي يريد للإسلام أن يعلو وأن يسمو.
وواجب المسلم المخلص الصادق هو العمل بجد والسعي باجتهاد وصبر وعزيمة إلى نصرة الإسلام والعمل على رفعته بالحكمة والموعظة الحسنة واللطف والرفق واللين ونشر العلم والمعرفة ودحض الشبهات وتبين الحق للآخرين،بالحوار الهادف والجدال بالتي هي أحسن.
والله أعلم

المصادر:
- القرآن الكريم.
-صحيح البخاري ومسلم وابن حبان ومستدرك الحاكم وسنن الترمذي ومسند أحمد.
-نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية ، عبد الحي الكتاني.
- شمس العرب تشرق على الغرب ، زغريد هونكه.
- الإسلام هوالحياة،متعب عمر الحارثي.
- تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ، د . أبو زيد شلبي.

- أسس الحضارة الإسلامية ووسائلها ، عبد الرحمن حبنكه الميداني. 

No comments :

Post a Comment