Thursday, June 5, 2014

الفرق بين الزراعة في الإسلام و الإصلاح الزراعي



الفرق بين الزراعة في الإسلام و الإصلاح الزراعي:

الإسلام دين من عند الله، جاء لمصلحة الإنسان وما يتوافق مع طبيعته وفطرته، والناكبون عن الإسلام معاداة أو كراهية أو مخاصمة هم المخطئون وهم الخاسرون.
ينتج كره الإسلام من سوء فهمه من أعدائه الذين زرعوا أفكارا خاطئة عن الإسلام، ونشروا شائعات وشبهات لا تتعلق ولا تمت للإسلام وقد تبين زيفها ومغالطتها وخطؤها.

وفي هذا الموضوع سنتعرف على نظرة الإسلام للزراعة ونتائج الاصلاح الزراعي الذي قامت به بعض الدول، لنرى الفرق الشاسع بين هذه وتلك.
حث الإسلام على الزراعة:
المطلع على آيات ونصوص القرآن والحديث النبوي وعلى أعمال الصحابة يرى اهتماما بالغا بالزراعة والترغيب بها، ذلك أن الزراعة بها قوام الحياة وعليها يحيا الجسم البشري ويأخذ طاقته لمتابعة معيشته.
فقد قـال اللـه تعالــى : " وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه، انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في
ذلكم لآيات لقوم يؤمنون " صدق الله العظيـم
ففي هذه الآية تلميح إلى الزراعة وإشارة إلى العمل بها لقطف ثمارها التي بها يعتاش الإنسان وبها يتاجر ويبيع، وفيها إيماء إلى استنباط أفضل الطرق لتطوير الزراعة وسبل توسيع المساحات الزراعية الخضراء .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل "
وإني لأقف عاجزا أمام هذا الحديث الذي حضَّ وحثَّ على الزراعة وإنبات الأرض وتوسيع رقعتها الخضراء، إلى المدى الذي لو قامت الساعة ونفخ في الصور إيذانا بالموتة الأولى وفي يد أحدنا شيء يريد زراعته فلا يتوانى ولا يتقاعس بل يغرسها.
حقا إنه حديث مدهش يبعث على الإعجاب لهذه الرؤية الواضحة والواسعة والنظرة الثاقبة من النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويأتي أناس ليقولوا أن الإسلام لا علاقة له السياسة ولا بأمور الحكم وتصريف الشؤون، وهذا الحديث يصعقهم لو كانوا يعلمون وإن علموا لو كانوا يفهمون وإن فهموا لو كانوا يصدقون.
  وقد جعل الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من الأجر والثواب للمزارعين
مالايعلمه إلا الله فقال: (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه
طير أو انسان إلا كان له به صدقة) رواه البخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام:(سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من
علم علما، او كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، او
ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) اخرجه البزار وابو نعيم.

أهمية الزراعة في الإسلام

كيف تكون الزراعة في ظل حكم الإسلام، كيف يتم للشخص بسهولة وبساطة بناء أرض أو زرعها:
الأرض بالمجان
أولاً: يبيح الإسلام ـ بالمجان ـ وكهدية سائغة ـ الأرض لمن أحياها، كما دلّت على ذلك النصوص الكثيرة، كمثل قوله صلى الله عليه وسلم (الأرض لمن أحياها)
جاء رجل إلى أمير المؤمنين - علي - رضي الله عنه عندما كان  خليفة على المسلمين فقال: " يا أمير المؤمنين أتيت أرضا قد خربت  وعجز عنها أهلها فكرست انهاراً وزرعتها" ، فقال - علي رضي الله عنه -: " كل هنيئاً  وأنت مصلح غير مفسد، معمر غير مخرب".
وكان يقول لعماله : " ليكن نظركم في عمارة الأرض ابلغ من نظركم في استجلاب الخراج".
و عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - يقول وقد سُئل: أتغرس بعد الكبر؟ فقال: لأنْ توافيني السَّاعة وأنا من المصلحين خير من أن توافيني وأنا من المفسدين.
وقيل لأبي الدرداء وهو يغرس جوزة: أتغرس وأنت شيخ، ولا تُطعم إلا بعد عشرين سنة؟، فقال: لا عليَّ بعد أن يكون الأجر لي.
 
و عبد الرحمن بن عوف رغم غناه كان يمسك المسحاة بيده، ويحول بها الماء. وطلحة بن عبيد الله كان أول من زرع القمح في مزرعته بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحًا، وينتج ما يكفي أهله بالمدينة سنتهم، حتى استغنوا عمَّا يستورد من بلاد الشام.
 وكان أبو هريرة يرى المروءة في تلك الأفعال، فقد سئل مرة: ما المروءة، فقال: تقوى الله وإصلاح الضيعة.

ثايناً: إذا أحيى شخص أرضاً، ثمّ تركها حتّى ماتت، فيجوز لآخر أن يـحييها بالزرع والبناء مجاناً، وليس للمحيي الأول حق المنع عن إحيائها، إلاّ إذا كان المحيي الأول مالكاً لها، بوجه من الوجوه الشرعية، فيؤدي المحيي الثاني أجرة الأرض إلى صاحبها أو يشتريها منه.
إنّ الأرض لله يورثها مَنْ يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
وذلك لأنّ الإسلام يهدف تكثير الزرع، وتوسيع البناء، فالشخص مادام هو مشغولاً بإحياء الأرض ليس لأحد معارضته.
أما إذا ترك الأرض، حتّى صارت مواتاً خراباً، فلا تبقى له سلطة عليها، وترجع إلى حالتها الأولى مباحة لمن عمرها، وأحياها.

ثالثاً: لا يوجب الإسلام لإحياء الأرض الجرداء التي لا مالك لها، ولا لشرائها أو استيئجارها، تقديم عريضة إلى الحكومة، والاستئذان منها، والتسجيل أو التسوية، أو غير ذلك والذهاب والمجيء، واللف والدوران، وبذل الجهود والأموال وإفناء الطاقات، وغير ذلك في الروتينيات.
إذ أنّ هذه القيود هي التي تقف دون إزدهار الزراعة ، وتمنع عن تقدم العمران.

ولذلك نرى الإسلام لا يقرّ شيئاً من تلك الأمور، بل يعتبر بناء مجرّد حائط حول أرض شروعاً في إحيائها، ويكتفي بها.

فقد روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (مَنْ أحاط على أرض فهي له)(3).
وعليه فكل مَنْ بنى حائطاً في أطراف أرض، كان ذلك بمنزلة شراء تلك الأرض، وتسجيلها فيه أو التسوية وتحصيل الإجازة، للبناء والزراعة، وما إلى ذلك.
ثمّ أنّ الإسلام لا يتعرّض لتحديد مقدار البناء، والزرع، كما تحدد ذلك الحكومات اليوم في العالم. بل بالعكس يحبذ الإسلام التوسعة في البناء والزرع إلى حدٍّ لم يكن فيه هضم حقوق الآخرين.

فإلى أيّ مقدار تتصور تقدّم العمارة في البلاد في ظل الإسلام؟
وإلى أي مدى تظن ارتفاع المستوى الزراعي في حكم الإسلام؟

النتائج
ولما تحكّمت ـ في البلاد الإسلامية ـ قوانين الشرق والغرب المستوردة، التي تحدّ من نشاط البناء والزرع، اكتنز الأغنياء المثرون ثرواتهم التي لم تكن الحكومات تسمح بصرف مجموعها في البناء والزرع، وجمّدوها عن المشاركة والإستثمار، فبقيت على أثر ذلك الايادي العاملة عاطلة عن العمل ، حيث انهم فقراء ولا مال لهم يبنون به أو يزرعون..
فتقلّص الزرع وتدهور الإقتصاد، وكثرت البطالة وساد الفقر جميع البلاد.

وهنا بادرت بعض الحكومات في البلاد الإسلامية واستجارت من الرمضاء بالنار وجاءت بقانون: الإصلاح الزراعي، لتوفير الزراعة، فصنعوا لها وزراة أسموها: وزارة الإصلاح الزراعي، ووضعوا فيها قوانين لإستخراج الأرض ـ المملوكة لأناس ـ من أيدي مالكيها، وتوزيعها على الفلاحين.

وذلك ليعمل كل فلاح في قطعة أرض له ويزرعها، بغية أنْ تتقدّم الزراعة، ويعم الزرع البلاد !
ولكن النتيجة كانت عكسية ذلك حيثُ تراجع الزرع وتقلّصت المزارع، أكثر فاكثر.
نعم إننا حينما ننظر إلى الوضع الزراعي والأمور الزراعية للبلاد الإسلامية نجد الزراعة في العهد الإسلامي أوفر ـ بعشرات المرات ـ من الزراعة في أحضان قانون الإصلاح الزراعي الوضعي.

أمثال ونماذج
فالعراق مثلاً كانت كلُّ أرضها مزروعة في العهد الإسلامي، بينما اليوم الذي أصبح للإصلاح الزراعي وزارة فيها ـ نرى أرض العراق قد أصبحت جرداء في طولها وعرضها، لا غرس ولا زرع فيها إلاّ القليل والقليل منها.

ولو أردنا أنْ نقيس البلاد الإسلامية قبل الإصلاح الزراعي بما بعد الإصلاح الزراعي لوجدنا البون شاسعاً أيضاً.
فهذه العراق المعروفة بأرض السواد -كانت تسمى بـ(أرض السواد) لأن أين ما كان يذهب يبصر بمرمى بصره الزراعات والأراضي الخضراء-ـ مثلاً ـ كانت قبل الإصلاح الزراعي الوضعي تُصدّر الطعام إلى الخارج سنوياً، بينما نراها حينما جاء فيها قانون الإصلاح الزراعي ووزعت الأرض على الفلاحين، أصبحت تستورد الطعام ـ من الحنطة والشعير والأرز وغيرها ـ من الخارج سنوياً !
و اهتم المسلمون من أفراد وأمراء وحكام بإصلاحِ وسائل الري وتنظيفها، وبنوا السدود وشقوا القنوات والأنهار التي لا يُحصى عددها، لدرجة أنَّ مدينة كالبصرة وحدَها كان بها ما يزيد على مائة ألف فرع وخور ، يجري في جميعها السميرات، ولكل نهر منها اسم ينسب إلى صاحبه أو الناحية التي صب فيها الماء، وأقاموا الجسور والقناطر، كما أقاموا السُّكُورَ على الأنهار للتحكم في كَمِّية المياه

 
وما زالت تلك الأعمال تثير إعجابَ مُهندسي المياه في عصرنا الحديث، وأحد المهندسين الأوربيين الذي زار العراقَ إبَّان الانتداب البريطاني يقول: "إنَّ عمل الخلفاء في ري الفرات يشبه أعمال الري في مصر والولايات المتحدة الآن".

وهذه إيران ـ أيضاً وكذالك السودان وبقيه الدول الاسلاميه ـ كانت تموّن مدناً كثيرة ـ في خارجها ـ بالطعام قبل الإصلاح الزراعي الوضعي، فلما جاءت الحكومة بالإصلاح الزراعي الوضعي، تدهور الإقتصاد، وقلَّ الزرع، وتقلّصت الزراعة حتّى آل الأمر إلى إستيراد إيران وغيرها من الدول الإسلامية الحنطة وغيرها، من الخارج !

وضرب المسلمون بتلك الجهود مثلاً رائعًا في المهارة الزِّراعية، حتى قال بعض المستشرقين: "إنَّهم أول من نظم ممارستها بقوانين، وإنَّهم لم يقتصروا على العناية بالمزروعات... وإنَّما اعتنوا عناية فائقة بتربية القطعان، وخاصَّة الأغنام والخيل، وإن أوروبا لتدين لهم بإدخال التجارب الكُبرى، وجميع أنواع الفواكه الممتازة... وإضافة إلى المزروعات الأصغر شأنًا، مثل: السبانخ والكراث والزيتون والبرتقال و الأرز والبطيخ والقنب والمشمش والبرتقال والكبار والنخيل والهليون والزعفران والبطيخ الأصفر والعنب والعطر والورد الأزرق والأصفر والياسمين بل والقطن والقصب و...."، وصار ما ينتجونه من محاصيل يقارب "مائة نوع من الحبوب والخضر والفاكهة والأزهار"
وأنتج المسلمون كل ما يحتاجونه حتَّى قال أحد من أرَّخوا للحضارة: "لم أسمع أنَّ المسلمين في شتى الأرجاء كانوا يستوردون سلعًا غذائيَّة من خارج أقطار الوطن الإسلامي ، ووضعوا المؤلفات العلمية التي عرفوا فيها خواص التربة، وكيفية تركيب السماد، كما أدخلوا تحسينات جمة على طرق الحرث والغرس والري.
قال المقريزي ـ وهو من المؤرخين ـ:
«ان هشام بن عبد الملك سنة 107 هجرية، أمر عبد الله بن الحجاب عامله على خراج مصر أن يمسحها (أي: يستعلم مساحتها) فمسحها بنفسه، فوجد مساحة أرضها الزراعية،مما يركبه النيل 30000000 فدان (ثلاثين مليون فداناً).
 ثم يقول (جرجي زيدان): مع أن مساحة الأرض الزراعية في وادي النيل سنة1914مع ما تبذله الحكومة من العناية في اخصابها وتعميرها لم تتجاوز ستة ملايين فدان كثيراً.. الخ.
ثم يقول: لأن مساحة مصر بما فيها من الواحات في صحراء (ليبيا) والأرض بين النيل والبحر الأحمر، وبينه وبين بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) إلى العريش تزيد على 400،000 ميل مربع، وذلك يساوي نحو 187 مليون فدان، فلا غرابة ـ اذن ـ أن على يكون العامر منها (30) مليون فدان.
ثم يردف قائلاً: واعتبر نحو هذا العمران أيضاً في مدن الإٍسلام الكبرى في الأندلس مثل: قرطبة وغرناطة و طليطلة وفي العراق والشام بلاد لا تحصى، كانت في تلك الأيام مدنا كبرى، وأصبحت الآن قرى صغيرة.
وهذه الشواهد وان كانت لا تعطينا صورة تفصيلية عن العمران والزراعة في ظل الحكم الإسلامي في البلاد الإسلامية كلها، إلا أنها تكفي لأن تكون انموذجاً عن ذلك.

 فمن أين هذا التدهور السريع ؟
وعلى أي شيء يدل ؟
إنّه إنْ دلَّ على شيء فأنّه يدلُّ على ان قانون الإصلاح الزراعي الوضعي يُحطّم الزراعة، كما قد تحطمّت زراعة الدول حينما سادها هذا القانون !

ولو كانت الحكومات ـ اليوم ـ تبذل ما تصرفه من أموال طائلة على وزارة الإصلاح الزراعي وتوابعها، في إجراء أنابيب الماء , وتوفير المدخلات الزراعيه، وايصال أسلاك الكهرباء إلى كلِّ منطقة تُزرع أو تبنى وكانت تسمح بالزرع والبناء كما سمح الإسلام (مَنْ أحيى أرضاً ميتة فهي له، قضاء من الله ورسوله).
لكانت الاراضي الجرداء لا تمرُّ عليها إلاّ مدة يسيرة حتّى تنقلب دوراً وقصوراً، ومزارع وبساتين ينعم الناس فيها هادئين مطمئنين، ويعيشون في ظلّها متنعّمين غانمين، عيشة ملئها السعادة والهناء، والغنى والثراء، وإنتعاش المال والإقتصاد.

شهادات المنصفين على هذا الاهتمام في تاريخ الحضارة والتمدن الإسلامي:
وفي كتاب "الحضارة والتمدن الإسلامي بأقلام فلاسفة النصارى" يورد د. عبد المتعال الجبري شهادات لغربيين على مدى اهتمام الحضارة الإسلامية بالنشاط الزراعي، فيقول:
قال رامبو: لم يكن في عصر العباسيين أهم من مهنة الفلاحة، فقد أظهر العرب بمهارتهم مزايا فواكه الفرس، وأزهار إقليم مازندران، وقد أغنوا العلم - ولا سيما علم النبات - بمسائل جديدة كثيرة ومعظم المستحضرات والأدوية المستعملة؛ كالأشربة، والدهون، والمراهم وغيرها فهم الذين كشفوها.
ومضى دهر طويل كانت فيه شعوب الأمة العربية أول العارفين بالزراعة، وأحسن العمال، وأصبحت الزراعة التي أخذوها من أساليب بابل، والشام، ومصر علما حقيقيا للعرب، أخذوا نظرياتها من الكتب، ثم وسعوها بتدقيقاتهم وتجاربهم، وكانوا يطبقونها بمهارة، ولا يستنكف أعلى الطبقات عن العمل بأيديهم في زراعة الأرض، بينما كان غيرهم يحتقرها ويعدها عملا مهينا.
 وقد روى "دوزي" أن ابن الخطيب لم يكتسب من غير التجارة والفلاحة مالا. وقد أقام من أعمال العمران ما يحسده عليه أعظم طواغيت الزمان.
وقال سنيوبوس في "تاريخ الحضارة": جرى أمراء العرب على أصول إسقاء الأرضين بفتح الترع فحفروا الآبار، وجازوا بالمال الكثير من عثروا على ينابيع جديدة، ووضعوا المصطلحات لتوزيع المياه بين الجيران، ونقلوا إلى إسبانيا أسلوب الفواغير؛ لتمنح المياه، والسواقي التي توزعها، وإن سهل بلنسية الذي جاء كأنه حديقة واحدة هو من بقايا العرب وعنايتهم بالسقيا.
وقال أيضا: لقد نظم العرب ديوان المياه الذي كان يرجع إليه في شئون الري.
 وذكر ويليام ويلكوكس - من أعاظم مهندسي الري في أوائل الثلاثينيات في القرن الماضي - أن عمل الخلفاء في ري العراق في الأيام الماضية يشبه أعمال الري في مصر والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا في هذا العصر. ولعله يعني ري الحياض في بعض المناطق، وبالآلات في بعضها الآخر، وبالأمطار في مناطق أخرى.
وذكر سنيوبوس أن العرب استعملوا جميع أنواع الزراعة التي وجدوها في مملكتهم، وحملوا كثيرا من النباتات إلى صقلية وإسبانيا، وربوها في أوربا فأحسنوا تربيتها حتى لتظنها متوطنة.
وقال ديسون: إن استبحار عمران العرب مع سرعة انتشار سلطتهم في المعمور يدل على مكانتهم في التقدم، فكانت هذه الحضارة مزيجا للحضارات، وتم هذا المزيج المدني بأمرين: عشق التجارة، والغرام بالتعمير.
ويقول المستشرق لويس البرتغالي: إن تاريخ العرب حافل بذكائهم وتقدمهم وسيادتهم في كل العلوم والفنون حتى في الزراعة؛ فقد كانوا بعد غزوهم إحدى المقاطعات حين يجدونها خربة يحيلونها بعد سنين إلى جنات حقيقية؛ بفضل مساعيهم وتفوقهم وتدابيرهم العجيبة..
وأخذت فرنسا عن العرب - بعد فتحهم الأندلس وجنوب فرنسا - أساليبهم في الزراعة، وحفر الترع، والخلجان، ونظام الري، وبلدوا في الأندلس النباتات والأشجار التي لم تكن تعرفها، فانتقلت إلى أوربا".

وما هذا التدهور القهقرائي في الزراعات والعمارات في الدولة الإسلامية إلا من جراء إزاحة الإسلام عن مجال الحكم والتنفيذ، ومن جراء الاستبدال بالاسلام قوانين ليست من الإٍسلام، ولا الإسلام منها، وجعل قيود ثقيلة على الزراعات والعمارات والضرائب.
ولو رجعت الأنظمة الإسلامية ـ اليوم ـ إلى دست الحكم، وأبيحت الأراضي لمن عمرها وأحياها،ورفضت القوانين الحديثة، والضرائب الباهضة لساد البلاد الإسلامية ذلك العمران الشامل، وتلك الزراعات التي تملأ الدنيا وبهما تترقى الدولة الإسلامية، وتزدهر في جميع النواحي، وتستطيع أن تجعل من نفسها أغنى دول العالم وأرقاها.


وأختم :
 في كتاب "كشف الظنون" عن بعض العلماء قال: لو علم عباد الله رضا الله في إحياء أرضه لم يبق في وجه الأرض خراب.
وقد بلغ الإسلام المدى وهو يحث على إعمار الأرض، واستخراج خباياها وزراعتها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن أحيا أرضا ميتة، فهي له»
المصادر:
-القرآن الكريم.
- عبد الحي الكتاني، "التراتيب الإدارية: نظام الحكومة النبوية"
- إبراهيم سليمان الكردي، "الحضارة العربية الإسلامية"
- السيد أبو النصر أحمد الحسيني، "الملكية في الإسلام"
- البدري، "نزهة الأنام في محاسن الشام"
- أ/ محمد كرد علي، "خطط الشام"
-مقال  اهميه الزراعه في الاسلام المهندس الزراعي عارف محمد.
 -د/ علي عبدالرسول، "المبادئ الاقتصادية في الإسلام"
- خطط المقريزي.
-د/ إبراهيم سلمان الكردي، "الحضارة العربية الإسلامية".
- الحضارة والتمدن الإسلامي بأقلام فلاسفة النصارى، د. عبد المتعال الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1993م.

No comments :

Post a Comment