Monday, December 22, 2014

وسائل الحفاظ على المال العام من التعدي عليه بالاختلاس و غيره من جرائم المال العام

وسائل الحفاظ على المال العام من التعدي عليه بالاختلاس و غيره من جرائم المال العام:

لما كان المال قوام الحياة  وعماد الاقتصاد و مصدر من مصادر قوة الأمة و الأفراد, فقد اعتنى الإسلام بحفظة, ولم يقتصر دلك على إنماءه و استبقاءه بل كان الأمر الأهم هو حفظه قبل تحصيله, بمعنى الاعتناء بمشروعية تملكه و اكتسابه؛ فاكتساب المال بطريق مشروع يعني عدم الاعتداء على حقوق الآخرين في تملكة, و العكس بالعكس, و من ثم انقسمت وسائل الحفاظ على المال إلى قسمين:

أولا : وسائل الحفاظ على المال العام إيجادا وتحصيلا :

1- الحث على السعي لكسب الرزق وتحصيل المعاش:

لقد اعتبر الإسلام السعي لكسب المال -إذا توفرت النية الصالحة وكان بطرق مباحة- ضربا من ضروب العبادة وطريقا للتقرب إلى الله قال تعالى : "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ".
وقال تعالى : "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ".

2ـ رفع الإسلام منزلة العمل وأعلى من أقدار العمال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده "  .
- وقرر حق العمل لكل إنسان وجعل من واجب الدولة توفير العمل لمن لا يجده.

- كما قرر كرامة العامل وأوجب الوفاء بحقوقه المادية والمعنوية ، يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :" ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا ولم يوفه حقه ".

 - وقرر أن أجر العامل يجب أن يفي بحاجياته .
قال -صلى الله عليه وسلم-:"من ولى لنا عملا ولم يكن له زوجة فليتخذ زوجة ومن لم يكن له خادم فليتخذ خادما أو ليس له مسكن فليتخذ مسكنا أو دابة فليتخذ دابة فمن أصاب سوى ذلك فهو غال أو سارق"وهذا ما يطلق عليه حاليا "بمبدأ تحديد الحد الأدنى للأجور" .

3ـ إباحة المعاملات العادلة التي لا ظلم فيها ولا اعتداء على حقوق الآخرين:

ومن أجل ذلك أقر الإسلام أنواعا من العقود كانت موجودة بعد أن نقاها مما كانت تحمله من الظلم ، وذلك كالبيع والإجارة والرهن والشركة وغيرها ، وفتح المجال أمام ما تكشف عنه التجارب الاجتماعية من عقود شريطة أن لا تنطوي على الظلم أو الإجحاف بطرف من الأطراف أو تكون من أكل أموال الناس بالباطل.

ثانيا : وسائل المحافظة على المال بقاء واستمرارا :

1ـ ضبط التصرف في المال بحدود المصلحة العامة:

وقد حرم اكتساب المال بالوسائل غير المشروعة والتي تضر بالآخرين ، ومنها الربا لما له من آثار تخل بالتوازن الاجتماعي ، قال تعالى :(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا), وقال : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ).

2ـ تحريم الاعتداء على مال الغير:

بالسرقة أو السطو أو التحايل وشرع العقوبة على ذلك قال تعالى(السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا).

وأوجب الضمان على من أتلف مال غيره قال صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ".

3ـ منع إنفاق المال في الوجوه غير المشروعة:

بل حث على إنفاقه في سبل الخير؛ وذلك مبني على قاعدة من أهم قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وهي" أن المال مال الله وأن الفرد مستخلف فيه ووكيل عليه" , قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) ،(وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ).

ومن ثم كان على صاحب المال أن يتصرف في ماله في حدود ما رسمه له الشرع، فلا يجوز أن يفتن بالمال فيطغى بسببه لأن ذلك عامل فساد ودمار قال-تعالى :(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).

 ولا يجوز له أن يبذر في غير طائل قال- تعالى -( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).

4ـ سن التشريعات الكفيلة بحفظ أموال القصر:

كالذين لا يحسنون التصرف في أموالهم،كاليتامى والصغار و السفهاء و المجانين؛ و من ثم فقد شرع تنصيب الوصي عليه قال- تعالى-:(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).

 وقال -سبحانه-:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ).
ومن ذلك الحَجر على البالغ إذا كان سيئ التصرف في ماله قال-عز وجل-:(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).

وعن قتادة في قوله- سبحانه-:(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاما):"أمر الله بهذا المال أن يخزن فيحسن خزانته ولا يملكه المرأة السفيهة والغلام السفيه".

5ـ تنظيم التعامل المالي على أساس التراضي والعدل:

ومن ثم قرر الإسلام أن العقود لا تمضي على المتعاقدين إلا إذا كانت عن تراض وعدل ولذلك حرم القمار قال- تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ).
 قال -صلى الله عليه و سلم-:"إنما البيع عن تراض".

6ـ الدعوة إلى تنمية المال واستثماره حتى يؤدي وظيفته الاجتماعية:

وبناء على ذلك حرم الإسلام حبس الأموال عن التداول وحارب ظاهرة الكنز قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).

فإذا كان حبس المال الحلال المباح من قبل صاحبه يستوجب هدا العقاب الأليم , فكيف بأحد أموال الناس التي لهم فيها حقوق مشروعة و و اجبة ثم حبسها على نفسه بغير حق.

ثالثا: حفظه بفرض عقوبات على إهداره:

وإذا كان الله سبحانه قد شرع أمورا تحفظ المال إيجادا وتحصيلا، وبقاء واستمرارا، فإنه حرَّم الاعتداء على مال الغير بأي نوع من العدوان، وجعله من ظلمات يوم القيامة، ووضع له عقوبات دنيوية بالحد أو التعزير بما يتناسب مع حجم الاعتداء وأهميته، كما حرَّم علينا الاعتداء على الممتلكات العامة التي ليس لها مالك معين، فهي ملك للجميع ولكلّ فيها قدرٌ ما يجب احترامه، والظلم فيه ظلم للغير وللنفس أيضا، والله لا يحب الظالمين، وقد قال-تعالى- في الغنائم التي هي مِلكُ للعامة )وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-قال: استعمل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رجلا من الأَزدِ - يقال له: ابن اللُّتْبِيَّة-على الصدقة ، فلما قَدِم قال : هذا لكم، وهذا أُهدِيَ إليَّ، قال: فقام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فَحَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعدُ، فإِني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله؛ فيأتي فيقول : هذا لكم، وهذا هدَّيةٌ أُهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه، وأُمه، حتى تأتيَه هَدِيَّتُهُ إن كان صادقا ؟ واللهِ لا يأخذ أَحدٌ منكم شيئا بغير حَقِّه إِلا لَقيَ الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرِفَنَّ أحدا منكم لَقيَ الله يَحْمل بعيرا له رُغَاءٌ، أَو بقرة لها خُوارٌ، أو شاة تَيْعَرُ، ثم رفع يديه حتى رُئِيَ بياضُ إِبطَيْهِ، يقول: اللهم هل بلغت؟".

وحذَّر من مجيء هذه الأموال المختلسة شاهد إدانة عليه يوم القيامة يحملها على ظهره ولا مجير له يدافع عنه، كما بيَّن أن من ولي على عمل وأخذ أجره كان ما يأخذه بعد ذلك غلولا.

وبهذه التشريعات كلها حفظ الإسلام المال وصانه عن الفساد حتى يؤدي دوره كقيمة لا غنى عنها في حفظ نظام الحياة الإنسانية، وتحقيق أهدافها الحضارية والإنسانية، شأنه في ذلك شأن كل المصالح السابقة التي تمثل أساس الوجود الإنساني وقوام الحياة الإنسانية ومركز الحضارة البشرية، والتي بدون مراعاتها وحفظ نظامها يخرب العالم وتستحيل الحياة الإنسانية ويقف عطاؤها واستثمارها في هذا الوجود.

قال الشاعر:
شريعة الله للاصلاح عنوان** وكل شيء سوى الإسلام خسران
لما تركنا الهدى حلت بنا محن*** وهاج للظلم والإفساد طوفان
لا تبعثوها لنا رجعية فترى*** باسم الحضارة والتاريخ أوثان
لا حامرابي ولا خوفو يعيد لنا*** مجدا بناه لنا بالعز قرآن
تاريخنا من رسول الله مبدؤه*** وما عداه فلا عز ولا شان
محمد أنقذ الدنيا بدعوته*** ومن هداه لنا روح وريحان
لولاه ظل أبو جهل يضللنا***وتستبيح الدما عبس وذبيان
لا خير في العيش إن كانت مواطننا*** نهبا بأيدي الأعادي أينما كانوا
لا خير في العيش إن كانت حضارتنا*** في كل يوم لها تنهد أركان
لا خير في العيش إن كانت عقيدتنا*** أضحى يزاحمها كفر وعصيان
لا خير في العيش إن كانت مبادؤنا*** جادت علينا بها للكفر أذهان
ها قد تداعى علينا الكفر أجمعه***كما تداعى على الأغنام ذؤبان
والمسلمون جماعات مفرقة *** في كل ناحية ملك وسلطان
مثل السوائم قد سارت بغير هدى ***تقودها للمهاوي السود رعيان
في كل أفق على الإسلام دائرة
*** ينهد من هولها رضوى وثهلان

والله أعلم.

المصادر:

- الطبري, أبو جعفر, محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن.1422هـ-2001م. ت: عبد المحسن التركي.(القاهرة: دار هجر, ط1).
- شحاتة, حسين حسين. الفساد الاقتصادي والإصلاح الإسلامي. نسخة نصية بصيغة word, موقع دار المشورة www.darelmashora.com  /بإشراف د/حسين شحاتة.
- السلمي, عياض بن نامي. شرح مقاصد الشريعة.
- الخادمي, نور الدين بن مختار. الاجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجالاته.. ( قطر: وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية, إصدارات كتاب الأمة,ط1, 1419هـ - 1998م).

No comments :

Post a Comment