Friday, September 11, 2015

الريح والرياح في القرآن الكريم مفردة وجمعا،تفسير وبيان وبلاغة



الريح والرياح في القرآن الكريم مفردة وجمعا،تفسير وبيان وبلاغة:

المسلم الصادق مهتم بالقرآن الكريم، يتتبع أوامره فيعملها، ويعرف نواهيه فيبتعد عنها، ويقرأ وصاياه فيطبقها، ويتلو آياته فيخشع لها، ويتدبر في معانيها ويعرف مغزاها.
القرآن الكريم نور يهدي الإنسان من ظلمات التيه، ومن منعرجات الهوى، ويأخذ بيده بحبله المتين من قاع بئر ظلمات المعاصي لرياض نور الطاعات.
وباستمرار تلاوته وتدبره يقترب شيئا فشيئا من الجنة ويكون القرآن له شفيعا يوم القيامة وسدا منيعا من عذاب القبر.
فما أفضلها من نتيجة وما أحلاها من عاقبة!
 والقرآن الكريم كتاب يجلوا عن الذهن القتام، هو هدى وشفاء، يدفع كل ضرَّاء ويزيل كل شقاء،اقتفاؤه صلاح ،وإتباعه فلاح ،والعمل به نجاح .
و القرآن معجز ببيانه وخطابه ، ولفظه وكَلِمِهِ،تحدى الله به العرب والعجم ، والإنس والجن في كل الأمم ، أن يأتوا بسورة ،بعشر آيات،بل بآية مثله،فما استطاعوا .
و هو كتاب معجزٌ أفحم مصاقع الخطباء ،وفاق حديث العرب العرباء ، وخطاب مفحم أعجز البلغاء من عصابة الأدباء،أساس الفصاحة، وينبوع البلاغة والبراعة.
فما علينا سوى تأمل ما في القرآن من حكم وتشريع، من علم ومعرفة، من ثقافة وكنوز خفية وظاهرة، نستلهم منها النور لتضيء لنا الطريق في هذه الحياة.

وعندما نستقرئ  أساليب القرآن الكريم نرى أن لفظة (الريح) مفردا أو جمعا، كل منهما تُستخدم في موضعها اللائق بها، ولكل كلمة منها مقام، ولكل مقام منها مقال، حيث ذكرت(الريح) في سياق الرحمة جاءت مجموعة (الرياح)،كقول الله الرحيم:
 (الله الذي يرسل الرياح).
(وأرسلنا الرياح لواقح).
( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات).
وحيث ذكرت (الريح) في سياق العذاب فإنها تأتي مفردة، كقول الله المنتقم:
(فأرسلنا عليهم ريحا صرصا في أيام نحسات).
 ( فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها).
 ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتيه).
 (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف).
 ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم).
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عباسي يقول:[هاجت ريح أشفق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها، وجثا على ركبيته،ومدَّ يديه إلى السماء ثم قال: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ].

وسر هذا الاختلاف في التعبير:
أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والماهيات والمنافع، وإذا هاجت منها ريح أُثير لها من مُقابلها ما يكسر سَورَتها، فينشأ من بينهما ريح لطيفة  تنفع الحيوان والنبات، فكل ريح منها في مقابها ما يُعدِّلُها ويردُّ سَورَتها، فكانت في الرحمة رياحا.

أما رياح العذاب فإنها تأتي من وجه واحد، لا يقوم لها شيء ولا يعارضها غيرها، حتى تنتهي إلى حيث أمرت، ولا يردُّ سَورَتها ولا يكسر شِرَّتها شيء، فتمتثل ما أُمِرَت به، وتُصيب ما أُرسِلَت إليه، ولهذا وصفها الله بــ(العقيم) فقال (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم)، وهي لا تُلقِّح ولا خير فيها على الظاهر، والتي تُعقم ما مرَّت عليه.

وقد جاءت هذه القاعدة (الريح مفردة للعذاب) و(الرياح مجموعة للرحمة) إلا في قول الله الحكيم ((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ  حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ))[يونس /22].
وابتدئ الإتيان بضمير الغيبة من آخر ذكر النعمة عند قوله: (وجرين بهم بريح طيبة) للتصريح بأن النعمة شملتهم، وللإشارة إلى أن مجيء العاصفة فجأة في حال الفرح مراد منه ابتلاؤهم وتخويفهم. فهو تمهيد لقوله: (وجاءهم الموج من كل مكان).

وفي ذكر جريهن بريح طيبة وفرحهم بها إيماء إلى أن مجيء العاصفة حدث فجأة دون توقع من دلالة علامات النوتية كما هو الغالب. وفيه إيماء إلى أن ذلك بتقدير مراد لله تعالى ليخوفهم ويذكرهم بوحدانيته. وضمير جاءتها عائد إلى الفلك لأن جمع غير العاقل يعامل معاملة المفرد المؤنث.

ومن بديع الأسلوب في الآية أنها لما كانت بصدد ذكر النعمة جاءت بضمائر الخطاب الصالحة لجميع السامعين.
 فلما تهيأت للانتقال إلى ذكر الضراء وقع الانتقال من ضمائر الخطاب إلى ضمير الغيبة لتلوين الأسلوب بما يخلصه إلى الإفضاء إلى ما يخص المشركين فقال: (وجرين بهم) على طريقة الالتفات، أي وجرين بكم.
وهكذا أجريت الضمائر جامعة للفريقين إلى أن قال: (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) فإن هذا ليس من شيم المؤمنين فتمحض ضمير الغيبة هذا للمشركين، فقد أخرج من الخبر من عدا الذين يبغون في الأرض بغير الحق تعويلا على القرينة لأن الذين يبغون في الأرض بغير الحق لا يشمل المسلمين.
وهذا ضرب من الالتفات لم ينبه عليه أهل المعاني وهو كالتخصيص بطريق الرمز.

فقد ذُكر في الآية الريح بالإفراد للرحمة، عكس القاعدة التي تتطلب أن تكون بصيغة الجمع (رياح)، فقال (بريح طيبة) فلماذا هذا الاختلاف؟

جاء التعبير بإفراد (الريح) في الآية ، لوجهين:

أحدهما: لفظي، وهو المقابلة، فقد ذكر ما يُقابلها من ريح العذاب في قوله (جاءتها ريح عاصف) وهي لا تكون إلا مفردة لأنها جاءت للعذاب، فقابلها ذكر (ريح طيبة) تجيء للرحمة ليتسق الكلام، ويحسن وضعه، وليقابل(العذاب) (الرحمة) حتى يتوازن فكر الإنسان والمسلم في الخوف من الله والرجاء لله، فيتعانق الخوف والرجاء.

الثاني: معنوي، وهو أن تمام الرحمة في الآية إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها، فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد، فإن اختلفت عليها الرياح وتصادمت كان ذلك سبب الهلاك والغرق، فالمطلوب ريح واحدة.

وهذا ما أكد المعنى فوصفها بـ [الطيبة] فقال (ريح طيبة) دفعا لتوهم أن تكون عاصفة بل هي ريح يُفْرَحُ  بطيبها.

وعلة وجود ريح الشر، ورياح للخير، يمكنك أن تستشفها من النظر إلى الوجود كله؛ هذا النظر يوضح لك أن الهواء له مراحل، فهواء الرخاء هو الذي يمر خفيفا، مثل النسيم العليل، وأحيانا يتوقف الهواء فلا تمر نسمة واحدة، ولكننا نتنفس الهواء الساكن الساخن أثناء حرارة الجو، ثم يشتد الهواء أحيانا؛ فيصير رياحا قوية بعض الشيء، ثم يتحول إلى أعاصير.

والهواء كما نعلم هو المقوم الأساسي لكل كائن حي، ولكل كائن ثابت غير حي، فإذا كان الهواء هو المقوم الأساسي للنفس الإنسانية، فالعمارات الضخمة مثل ناطحات السحاب لا تثبت بمكانها إلا نتيجة توازن تيارات الهواء حولها، وإن حدث تفريغ للهواء تجاه جانب من جوانبها؛ فالعمارة تنهار.

إذن: فالذي يحقق التوازن في الكون كله هو الهواء.
ولذلك نجد القرآن الكريم قد فصل أمر الرياح وأوضح مهمتها.
{حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} وكأنه سبحانه يتكلم هنا عن السفن الشراعية التي تسير بالهواء المتجمع في أشرعتها.
وإذا كان التقدم في صناعة السفن قد تعدى الشراع، وانتقل إلى البخار، ثم الكهرباء، فإن كلمة الحق سبحانه: {بريح طيبة} تستوعب كل مراحل الارتقاء، خصوصا وأن كلمة «الريح» قد وردت في القرآن الكريم بمعنى القوة أيا كانت: من هواء، أو محرك يسير بأية طاقة.

وقال الشوكاني في تفسير آية يونس المتقدمة: (وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد... وبيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما يشابهها، فيا عجباً لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات، فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات ولم يخلصوا لله كما فعله المشركون!)
فإذا صفا الفكر واستيقظت الفطرة أيقن الإنسان أنه لا يعبد إلا الله وحده في جميع أنواع العبادات،.

وبمثل هذا كان أسلم عكرمة بن أبي جهل فقد روى سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – ما حاصله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أهدر يوم الفتح دم جماعة منهم عكرمة بن أبي جهل هرب من مكة وركب البحر، فأصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً،فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفواً كريماً فجاء فأسلم).

إن القرآن الكريم نور للبشرية جمعاء، ودستور أنزله رب السماء،ونبراسٌ يضئ جوانب الأرض والفضاء،فيه نبأ من قبلنا من الأمم ،وما شَرَعَهُ ربنا وحَكَمْ،وما أَمَرَنَا بإتِّبَاعِهِ وألزم،وما نهانا عنه ربنا وحرَّم ،ينظم الحياة للبشر،ويـدل عـلى الـخـيـر ويحذر من الشر،ملئ بالأخبار والمواعظ والعبر .
فلينزه الفطن بصيرته في هذه الرياض المونقة المعجبة التي ترقص القلوب لها فرحاً ويغتذي بها عن الطعام والشراب فالحمد لله الفتاح العليم . فتبارك من أحيا قلوب من شاء من عباده بفهم كلامه ، وهذه المعاني ونحوها إذا تجلت للقلوب رافلة في حللها فإنها تسبي القلوب وتأخذ بمجامعها .

قال الشاعر:
سعادتنا في نهجه واتباعه **** وأسلوبه كالشهد عذب مسلسل 
ويدعو إلى الإحسان والبر والهدى *** هو العروة الوثقى لمن كان يعقلُ
ألا إنه القرآن دستور ربنا *** فأكرم به ذاك الكتابُ المفصَّلُ
هنيئاً لمن قد جاء يسعى بنوره *** وطوبى لمن في الحشر أقبل يعملُ
إذا فخر الإنسان يوماً برتبةٍ *** فحفَّاظه بالفخر أولى وأفضلُ
فطوبى لحفاظ الكتاب فإنهم *** مع الصفوة الأبرار في الروض ترفلُ

والله أعلم
المصادر:
-البرهان في علوم القرآن للزركشي4/9.
- الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/194
-ما اتفق لفظه واختلف معناه لابن الشجري ص
16-معترك الأقران في اعجاز القرآن للسيوطي 3/596.
-بدائع الفوائد لابن قيم 1/118
-من أسرار التعبير في القرآن الكريم،صفاء الكلمة،صلاح لاشين ص 141-142
-تفسير الشعراوي 2/691
-فتح القدير للشوكاني 2/435
-تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 11/135-136

1 comment :

  1. السلام عليكم:
    لا طعن بعد اليوم في القرآن
    ان نظرية ( تبخر - تكثف - مطر) تجاوزها الزمن هي و من اعتقد بها، كيف ذلك؟
    لكن الطعن في أقوال العلماء نعم و أنا من يطعن في نظرية تكوين ماء المطر و في أقوال علمائنا الذين ذهبوا للاستدلال بالقرآن لتثبيت هذه النظرية المضللة غير أننا لا ننسى أن من اجتهد ولم يصب فله أجر. اليكم : المعنى العلمي لكلمات " لواقح - المعصرات - طهورا" 1- ارسال الرياح هو ارسال التيارات الهوائيه الصاعدة و التيارات الهوائية الهابطة ( ascending and descending air currents)، 2 - المعصرات من فعل يعصر و المعصرة مفرد (compressions) و هي نتيجة التقاء قوتين ميكانيكيتين متعاكستين ( و هي ذات التيارات الهوائية الصاعدة و ذات التيارات الهوائية الهابطة) 3 - اللقاح عند بلوغ نسبة انضغاط مناسبة تمكن ذرات الهيدروجين من لقاح ذرات الأكسيجين (fertilization or combination ) فتنشيء جزيئات الماء في انفعال كيميائي انفجاري محض. 4 - و العلماء يعلمون أن عملية اصطناع الماء هي انفعال كيميائي انفجاري (the synthesis of water is explosive ) لذلك نرى البرق أولا (سرعة الضوء) ثم نسمع صوت الانفجار (صرعة الصوت) ثم نشهد مطرا (سرعة نزوله أبطأ من سرعتي الضوء و الصوت). 5 - طهورا (distillé) فالماء المنتج عن هذا اللقاح طهورا حتما لأنه يتكون من غازين فقط (المكونين للماء) 6 - الخلاصة هي أن " البرق و الرعد و المطر (الماء) هي عملية واحدة موحدة" و أن ماء المطر لم يتكون كما تعلمنا و أن بخار الماء هو مرحلة تليها مرجلة تحلل جزيئاته لتحرير مكوناته H2 و O و لم يصعد على شكل H2O لأن الماء في حاله الغازي هو H2O 7- ما يسمى الشحنات الموجبة هي في حقيقة الأمر H مؤين لأنه يوجد دائما في الأعلى(حفيف) و الشحنات السالبة هي O مؤين يوجد أسفل الأول لأنه أثقل منه. في صفحة واحدة برسومها في 3 لغات عربي- فرنسي- أنجليري http://pdf.lu/zui0/
    فالدورة الطبيعية للماء تكون اذن:
    "تبخر- تحلل البحار الى H2 و O - انضغاط - لقاح O + H2 - تكثف - مطر "

    ReplyDelete