Wednesday, June 1, 2016

أهداف التنمية في الإسلام، أولاً: تحقيق الالتزام بالعقيدة الاسلامية



أهداف التنمية في الإسلام، أولاً: تحقيق الالتزام بالعقيدة الاسلامية:

التنمية الإسلامية لها أهداف عدة تتحقق لتجلب الخير للمجتمع وتحاصر الشر وتقضي على بواعثه، كما أنها تؤمن للمجتمع الأمن والرخاء والأمان والسلامة.
فمن أهداف التنمية في الإسلام:تحقيق الالتزام بالعقيدة الاسلامية :-
 العقيدة هى :نظرة الاسلام العامة للوجود والتى دعا الاسلام للايمان بها فالعقيدة هى الاساس الذى يبنى المسلم فكره عليه ومنه يكون سلوكه ونظرته للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وتكون نظم الحياة مشتقة من عقيدته . والعقيدة تتضمن الحقائق الكبرى التى دعا القرآن للايمان بها ، وهى : تصور الوجود ، وجود الخالق ووجود الكون والانسان . 
والصلة بين الله تعالى والكون وكذلك الحياة وماوراءها من مصير ، والجزاء والنبوة . فالعبادات ترجمة لازكاء العقيدة ونقلها الى حيز الاعمال الحسية والمشاعر القلبية . والاخلاق هى ركائز السلوك فى الحياة فيما بين الفرد ونفسه . 
والاخلاق المقصودة فى الاسلام هى المثالية فى التهذيب النفسى التى يلتزم بها المسلم . فكل ما التزم المجتمع المسلم بالعقيدة كلما ساهم ذلك فى استدامة التنمية. وأى كفران بالعقيدة  ينعكس ذلك على الاستقرار الاقتصادى ، فيتحول من رفاهية إلى فقر وتخلف ،والجد في السعي يتحول إلى كسل وكسب غير مشروع وفساد كبير وعريض . 
لقد ربط الاسلام بين الالتزام بالعقيدة والتنمية والتخلف بشكل واضح كما ورد فى القرآن الكريم . قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ).


قال القرطبى : فإن له معيشة ضنكا أي عيشا ضيقا .

لقد طرح الفكر الإسلامي موضوع التخلف معبراً عنه بالضنك أى عيشة الفاقه والمعاناة والكبد .

وقال الزمخشرى : " والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحاله مظلمة " .

كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة (الفقر) لكفره قال الله تعالى ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذالك بأنهم كانوا يكفرون ) .

وقال تعالى :(ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) دلالة على النماء والرخاء الذى سيصيبهم لو التزموا بالعقيدة .

وقال ابن كثير : لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض .

وعن ابن عباس : لأكلوا من فوقهم   يعني لأرسل الله عليهم مدرارا ، ومن تحت أرجلهم ، يعني يخرج من الأرض بركاتها .

وقال بعضهم معناه لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم . يعني من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء.

 وقال تعالى : (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا  ). وقال : (وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا). وقال تعالى :(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وقال تعالى : (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحينه حياة طيبة ). أي عمل صالحاً وهو مؤمن مصدق بالله وأنبيائه ، ومنفذ لقوانين الشريعة، فقد وعده الله بان يحييه حياة طيبة . والمراد بالحياة الطيبة الرزق الحلال . أى أنه يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال .
  
وقال تعالى : (وضرب الله مثلاً قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).

ويلاحظ قوله تعالى : (قرية كانت آمنة) أي ذات آمن ، يأمن أهلها من الإغارة عليهم ، و (مطمئنة) قارة ساكنة بأهلها، لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو بضيق، و (يأتيها رزقها رغداً من كل مكان). أي يحمل إليها الرزق الواسع من كل موضع، (فكفرت بأنعم الله) أي كفر أهلها بان لم يؤدوا شكرها، فأخذهم الله بالجوع والخوف لبغيهم وكفرهم . وقيل يشملهم الجوع والخوف جميعا كما يشمل اللباس البدن كله .

وقوله تعالى :(لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكل خمط وأثل وشىء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور ).
   
 جاء فى تفسير القرطبى أن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم  علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم . وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك . ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها . وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر .
وجنتان : روى قتادة أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن .

وقال القشيري ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجنتين يمنة ويسرة أي كانت بلادهم ذات بساتين وأشجار وثمار تستتر الناس . كلوا من رزق ربكم .
وقيل أي قالت الرسل لهم : قد أباح الله تعالى لكم هذه النعم فأشكروه بالطاعة من رزق ربكم . أي من ثمار الجنتين واشكروا له  يعني على ما رزقكم . بلدة طيبة ، أي كثيرة الثمار .  
وقيل طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها . ورب غفور أي والمنعم بها عليكم رب غفور يستر ذنوبكم . فجمع لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم . وقيل إنما ذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام  .

فأعرضوا : يعني عن أمره واتباع رسله(العقيدة ) بعد أن كانوا مسلمين .
قال السدي : بعث إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم . فأرسلنا عليهم سيل العرم : روي عن ابن عباس أن العرم السد .
وقال قتادة : العرم وادي سبأ كانت تجتمع إليه مسايل من الأودية فردموا ردما بين جبلين وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض فكانوا يسقون من الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث على قدر حاجاتهم فأخصبوا وكثرت أموالهم . فلما كذبوا الرسل سلط الله عليهم الفأر فنقب  فهدم السد وفاض الماء على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم . أكل خمط .
قال أبو عبيدة هو كل شجر ذي شوك فيه مرارة .

والخمط كل ما تغير إلى ما لا يشتهى .
وأثل : قال الفراء هو شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولا ومنه اتخذ منبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

وهل نجازى إلا الكفور :  تكلم العلماء في هذا فقالوا : ليس يجازي بهذا الجزاء الذي هو الهلاك إلا من كفر .
وقال مجاهد يجازي بمعنى يعاقب ، وذلك أن المؤمن يكفر الله تعالى عنه سيئاته ، والكافر يجازي بكل سوء عمله فالمؤمن يجزى ولا يجازى لأنه يثاب .

قال تعالى: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ).

جاء فى تفسير القرطبى : أذهبتم طيباتكم أي تمتعتم بالطيبات في الدنيا واتبعتم الشهوات واللذات يعني المعاصي.

فاليوم تجزون عذاب الهون: أي عذاب الخزي والفضيحة. قال مجاهد الهون الهوان بلغة قريش .

بما كنتم تستكبرون: في الأرض بغير الحق ، أي تستعلون على أهلها بغير استحقاق . وبما كنتم تفسقون في أفعالكم بغيا وظلما .
وقال : بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق أي تتعظمون عن طاعة الله وعلى عباد الله ، وبما كنتم تفسقون ، تخرجون عن طاعة الله .

فاللالتزام بالعقيدة الاسلامية هدف تسعى التنمية لتحقيقه لأنه يقود إلى  رضا الله تعالى . وهو الهدف الأول للتنمية . 

وللالتزام بالعقيدة  على مستوى الدولة والفرد يجب الأخذ بالأصول والمبادئ الشرعية للاسلام كنظام للدولة الاسلامية في كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، وفي سلوك الفرد المسلم فى العبادات والمعاملات . ونشر التدين فى المجتمع , وقيام أجهزة البر والحسبة .

قال تعالى : (ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم آموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فُأولئك هم الخاسرون). وقال تعالى : (الذين إن مكناهم فى الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ).

وهذا يعني أن أول أهدف التنمية الاقتصادية فى الإسلام ، تبدأ بتمكين العقيدة في النفوس ، لأن التنمية  لا تعد ممارسة شرعية إلا إذا كان استجابة لحكم شرعي وذلك بوضع المجتمع تحت تأثير مجموعة من القيم والاخلاق المحفزة للعمل الصالح . إضافة إلى دور الفقه في تنظيم البيئة الاجتماعية وسياسية والاقتصادية المحفزة للتنمية . ويعتبر تمكين العقيدة بمثابة شرط الانطلاق للتنمية الاقتصادية .

المصادر والمراجع:
-العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث .
- تفسير القرطبي .
- الكشاف .
- تفسير ابن كثير.
- تفسير الطبري.

-رفيق يونس المصري ، أصول الاقتصاد الإسلامي ، دار القلم بدمشق ، الدار الشامية ببيروت ، ط3 ، 1999م.
-رفيق يونس المصري ، المجموع في الاقتصاد الإسلامي ، دار المكتبي ،سوريا ، ط1 ، 2006م.
-رفيق يونس المصري ، بحوث في الاقتصاد الإسلامي ، دار المكتبي ، سوريا، ط1، 2001م.
-سعاد إبراهيم صالح ، مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي وبعض تطبيقاته ، دار عالم الكتب ، السعودية ، ط1 ، 1997م. 

No comments :

Post a Comment