Saturday, April 12, 2014

المحافظة على حفظ القرآن وآداب تلاوته

المحافظة على حفظ القرآن وآداب تلاوته:
حفظ القرآن الكريم غاية نبيلة وهدف سامي يسعى إليه المؤمنون الصالحون والمسلمون الأتقياء، وتربية الجيل عليه وحضهم إليه وتشجعيهم يزيد من حفظة القرآن ويعلي درجة الأبوين في الجنان ويسمو المسلم الحافظ في مراتب عليا في الجنة.

لذا كان على حافظ القرآن أو بعض من سوره أو آياته أن يحافظ على ما حفظه بأن يعيده ويتلوه في أوقات يخصصها وفي أوقات فراغه وفي صلاته وكلما سنحت له الفرصة كأن يكون في انتظار أو في سيارة في زحمة سير وما شابه ذلك، فإنه بذلك يعيد ويكرر فتزداد حسناته  ويرسخ حفظه وتعلو درجته في الجنة بكل آية يقرؤوها سواء كررها أم لا.

ولأن حفظ القرآن أمر جليل وصفة كبيرة وعظيمة، فإن نسيان ما حفظه يكون أمر كبير ، وقد جاءت أحاديث تنذر وتوعد من نسي ما حفظه من القرآن متعمدا قاصدا النسيان.
أخرج أبو داود  وأحمد قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم)).
 و أخرج أبو داوود والترمذي ،قال صلى الله عليه وسلم: ((عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها)).

والنسيان ليس فقط نسيان ما حفزه من آيات، بل يضاف إليه نسيان الفعل والعمل بما قرأ من آيات وسور قرآنية، وهذا النسيان يكون متعمدا قاصدا معارضة آيات الله تعالى وسوره القرآنية، فإذا كانت هناك آية تنهى عن السخرية (لا يسخر من قوم من قوم..) فإذا سخر من الآخرين فإنه يقع عليه وعيد النسيان.

ولعل مما يعين على تثبيت القرآن حفظا ودراسة وتعلما وتعليما وعملا دعاء ابن مسعود ، فقد أخرج الترمذي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من خشيَ أن ينسى القرآن فليقل : اللهم نَوِّرْ بكتابك بصري، وأطلقْ به لساني، واشرحْ به صدري واستعملْ به جسدي بحولك وقوتك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.

وحتى يتجنب المسلم نسيان ما حفظ من القرآن فقد بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقة التعاهد وهو تكرار ما حفظ من القرآن وإعادة ترتيله وتلاوة القرآن وختمه في مدة يحددها كل مسلم حسب ظروفه وحالاته. 
    ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها)).

   ومن هنا سن الختم في كل سبع أو عشر أو شهر على الأكثر لحديث الشيخين أن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ القرآن في شهر، قلت: إني أجد قوة، قال: اقرأه في عشر، قلت: إني أجد قوة، قال اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)).
لذلك كره الختم في أقل من ثلاث أيام لحديث ابن عمر مرفوعا: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)).
وقالت عائشة رضي الله عنها للذي ختم القرآن في أقل من ثلاث: "إنه قرأ وما قرأ".
وسئل مجاهد عن الذي قرأ البقرة وآل عمران في الصلاة أيهما أفضل ،قال: الذي قرأ البقرة.

ومن أراد أن يختم القرآن في مدة قصيرة كثلاثة أيام أو أقل فلا مانع من ذلك ولا بأس.
ذلك أن عثمان رضي الله عنه قرأ القرآن في ركعة يوتر بها ، وكذلك سعيد بن جبير قرأ القرآن كله في ركعة في الكعبة، وهو من كبار علماء التابعين، وكان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين ختمة كلها في الصلاة،وكذلك أبو حنيفة كان يقرأ القرآن في كل ليلة ثلاثين سنة، وفي الأثر : أن داود عليه السلام كان يأمر بدابته فتسرج فيقرأ كتابه قبل أن تُسرَج، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: خفف على داود القراءة وكان لا يأكل إلا من عمل يده. 
فالأمر فيه سعة للمسلم وللمؤمن في أن يختم القرآن في أي مدة، خاصة لمن حفظ القرآن فإن ختمه للقرآن في مدة قصيرة يعينه على ترسيخ حفظه له.

ويستحب الوضوء والسواك لتلاوة القرآن لحديث علي رضي الله عنه "إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك".

    كما يستحب له أيضا أن يجلس في أي مكان طاهر نظيف ليتلو القرآن وأفضل الأماكن المسجد مستقبلا متخشعا بسكينة ووقار، ويقرأ بترتيل وتدبر كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، وتكره القراءة في الحمام ولمتنجس الفم.

ولا تكره تلاوة القرآن للمحدث حدثا أصغر.
والأصل في ذلك ما أخرجه مالك في الموطإ  عن محمد ابن سيرين : أن عمر قرأ شيئا من القرآن بعد خروجه من حاجته، فقال له أبو مريم الحنفي وقيل غيره: أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟! فقال له عمر:من أفتاك بهذا أمسيلمة ؟!
قال ابن عبد البر وعلى هذا الاجماع إلا من شذ.
وثبت عن علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه من قراءة القرآن إلا الجنابة.
وفي هذا تيسير للمسلم في أن يتلو القرآن الكريم من حفظه أو من الكمبيوتر أو الانترنت أو من موبايل، فينال بذلك حسنات كثيرة وترفع له درجات في الجنة، فما أعظمه من دين وما أكرمها من شريعة.

أما الجنب المحدث حدثا أكبر  والحائض فتحرم عليهما قراءة القرآن لحديث ابن عمر ((لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن)). وهو مذهب الشافعية والحنفية والحنابلة وعند المالكية تجوز القراءة اليسيرة عند الضرورة لهما على تفصيل في ذلك.
وقد ورد عن ابن عباس وابن المسيب وداوود الظاهري وغيرهم قالوا : (لا بأس بقراءة القرآن للجنب). من غير أن يمس القرآن ويقلب صفحاته سواء كان تقليب الصفحات بيده أو بعصا أو بأي شيء آخر.

 و لا تجوز كتابة القرآن بشيء متنجس كما يفعله السحرة والمشعوذون.
 وتكره كتابة شيء من القرآن على الحيطان في الأماكن العامة أو في الطرقات لأنه قد يهان بأن يُكتَب فوقه شيء أو يبول أحد ما على الحائط أو يرمي أحد ما أوساخا على الحائط أو قرب منه وغير ذلك، و يكره نقشه على الثياب ولا بأس بكتابة القرآن ونقشه في قبلة المساجد وعلى حيطانه لاحترامها وتقدير وتكريم الناس للمساجد.

 ويمنع المجنون والصبي من المصحف خوف امتهانه بأن يلقيه أو يمزقه أو يبصق عليه أو يوسخه.

 ويكفر من المسلمين من استخف بمصحف أو ألقاه في قذر عامدا متعمدا على علم بما يصنع.

 ويحرم توسد القرآن بأن يُجعل مثل الوسادة و يحرم مد الرجلين إلى القرآن الكريم، لأن في ذلك امتهان للقرآن الكريم ،و كذا كتب التفسير والحديث لوجود آيات قرآنية على خلاف بين العلماء.
   وقال سعيد بن المسيب:لا يقل أحدكم مصيحف ولا مسيجد بالتصغير فما كان لله فهو عظيم .

ويكره ترقيق كتابة المصحف فقد ضرب عمر رضي الله عنه رجلا وجد معه مصحفا قد كتبه بقلم دقيق،وقال عظموا كتاب الله.

و يجب تعظيم وإجلال حملة القرآن الذين يحفظونه والذين حفظوه لحديث أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط.
وقوله صلى الله عليه وسلم : "يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله"،
وقوله أيضا : "أيهما أكثر أخذا للقرآن فليقدم في اللحد".
ومنها أخذ الفقهاء أن يولى القبلة في الدفن من هو أفضل.
 وكذلك الصحابة كانوا يجلون أهل القرآن ويعظمونهم كما جاء أن عمر ولى عن أهل مكة بن ابي أبزى وهو مولى لأنه أقرؤهم لكتاب الله، وحديث عائشة "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم"
    كان الصالحون من السلف يُجلُّون المصحف الشريف ويحترمونه.
 فقد قال النووي :روينا بسند صحيح من طريق ابن أبي ملكية أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه ويقول  كتاب ربى كتاب ربى.

  ويستحب القيام للمصحف لأن القيام للفضلاء مستحب ، فالمصحف أولى .
ومن إجلال المصحف كذلك تطييبه وتقبيله وتحليته بالفضة كما صح ذلك عن مالك و غيره من السلف.

ويقول العلامة محمد مولود اليعقوبي فى آداب التلاوة:
فالأدب الأدب ياذا التالى*** فقارئ النور يناجى العالى      
هيء لنجوى الملك الديان *** طهارة الحدث والمكان
واستكْ لها والبس لباس الزينه *** ولازم الوقار والسكينه  
مخبت قلب مخلصا مستقبلا  *** إن لم تكـن فى ملإ أما ملا
مجتمع    لذكر  أو تدارس  *** فينبغى تحليقهم  في المجلس

والله أعلم.
المصادر:
-جمال القراء للسخاوي.
- غاية النهاية لابن الجزري
-ونهاية القول المفيد دار الصحابة مصر..
-التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ، ط ابن حزم.
 - مواهب الجليل من أدلة خليل للشيخ أحمد بن أحمد الجكني ج1 طبعة إحياء التراث الإسلامي قطر، عازيا لشرح السنة للبغوي.
-الا ستذكار لابن عبد البر ط مؤسسة النداء  قال ابن عبد البر
-فضائل القرآن لابن سلام.
- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ط دار الحديث.
- تبيين لمسالك الشيخ الشيباني الشنقيطي، ط دار الغرب الإسلامي إدارة إحياء التراث الإسلامي.
-سمير الطالبين محمد علي الضباع.

-  مقدمة شرح الكفاف للشيخ محمد الحسن احمد الخديم .

No comments :

Post a Comment