Saturday, April 22, 2017

الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (السميع العليم)



الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (السميع العليم):
الآيات :
       اقترن هذان الاسمان في أواخر الآيات من سورة البقرة في سبعة مواضع في الآيات التالية:-
1- (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
2- )فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَا ءَامَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
3- (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
4- (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(.
5- (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
6- (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
7- (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

معنى اسم الله ( السميع – العليم ):

السميع : قال أبو سليمان الخطابي : السميع بمعنى السامع، إلا أنه أبلغ في الصفة، وبناء فعيل بناء المبالغة، كقولهم : عليم من عالم، وقدير من قادر. وهو الذي يسمع السر والنجوى، سواء عنده الجهر والخفت، والنطق والسكوت. قال : وقد يكون السماع بمعنى قبول الإجابة، كقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع …)) أي من دعاء لا يستجاب. ومن هذا قول المصلي : سمع الله لمن حمده.

 العليم : قال أبو سليمان الخطابي: العليم هو العالم بالسرائر والخفيات، التي لا يدركها علم الخلق، كقوله تعالى ) إنه عليم بذات الصدور(، وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم، ولذلك قال سبحانه (وفوق كل ذي علم عليم)، والآدميون وإذا كانوا يوصفون بالعلم فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات ، دون نوع ، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترض علمهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان..

المناسبة في ذكر اقتران اسم الله (السميع العليم):

      تختلف مناسبة اقتران هذين الاسمين من آية إلى أخرى، وذلك لاختلاف موضوع الآيات، فالآية الأولى في شأن الدعاء، ولذا ناسب أن يختم الدعاء بالتوسل إلى الله سبحانه باستجابة الدعاء بهذين الاسمين، فالسميع بمعنى السامع للدعاء، أو مجيب الدعاء، والعليم بحال الداعي وحاجته. فإن البشر لو سأل بشراً مثله لابد له أن يعلمه بحاله وما فيه من العوز. أما الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من حال  الداعي، فهو السامع لدعائه ، العالم بحاله.
       وأما في الآية الثانية فإن اقتران هذين الاسمين يحمل معنى التهديد والوعيد لأعداء الله، فالله سبحانه وتعالى هو السامع لأقوالهم، العليم بأفعالهم. قال الطبري : فسيكفيك الله يا محمد هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) من اليهود والنصارى، إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرقوا بين الله ورسله، إما بقتل السيف، وإما بجلاء عن جوارك، وغير ذلك من العقوبات، فإن الله هو السميع لما يقولون لك بألسنتهم ويبدون لك بأفواههم من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضالة، العليم بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء. ففعل الله بهم ذلك عاجلا وأنجز وعده، فكفى نبيه (صلى الله عليه وسلم) بتسليطه إياه عليهم حتى قتل بعضهم وأجلى بعضا وأذل بعضا وأخزاه بالجزية والصغار.
       قال ابن سعدي : ولهذا وعد الله رسوله، أن يكفيه إياهم، لأنه السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، العليم بما بين أيديهم، وما خلفهم، بالغيب والشهادة، بالظواهر، والبواطن، فإذا كان كذلك كفاك الله شرهم.
      وفي الآية الثالثة أيضاً جاء اقتران الاسمين تهديداً ووعيداً لمن بدل الوصية، لذا قال القرطبي في تفسيره عن هذين الاسمين وما تضمناه من الصفات : ((صفتان لله تعالى لا يخفى معهما شيء من جَنَف الموصين وتبديل المعتدين )). وإلى هذا أيضاً أشار ابن سعدي حيث قال : ((وفيه التحذير للموصى إليه من التبديل)).  
     والآية الرابعة أيضاً يدل اقتران الاسمين فيها على التهديد لمن جعل الحلف مانعاً له من الخير، وفي ذلك يقول الطبري : والله سميع لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف، فقال: والله لا أبر، ولا أتقي، ولا أصلح بين الناس، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم، عليم بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك، الخير تريدون أم غيره، لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور، لا تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني أمر علن فظهر أو خفي فبطن، وهذا من الله تعالى ذكره تهديد ووعيد …)).  وإلى هذا المعنى أشار ابن سعدي في تفسيره فقال : ((فختم الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال (والله سميع) أي : لجميع الأصوات (عليم) بالمقاصد والنيات، ومنه سماعه لأقوال الحالفين، وعلمه بمقاصدهم هل خير أم شر. وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته، وأن أعمالكم ونياتكم قد استقر علمه بها)).
     وفي الآية الخامسة جاء اقتران الاسمين يحمل أيضاً معنى التهديد والوعيد لمن امتنع عن الفيئة من أجل المضارة والمشاقة للزوجة، ولذا يقول ابن سعدي في تفسيره في اجتماع هذين الاسمين : (( فيه وعيد وتهديد لمن يحلف هذا الحلف، ويقصد بذلك المضارة والمشاقة)). علماً بأن الآية السابقة لها وهي قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ختمت بهذين الاسمين لأن ذلك مقام إنابة ورجوع إلى طاعة الله سبحانه وتعالى فيما أمر به من المعاشرة بالمعروف.  
    وفي الآية السادسة ختام آية الأمر بالقتال باقتران الاسمين يحمل معنى التهديد والوعيد لأعداء المسلمين، ويحمل معنى التأييد للمؤمنين، وفي هذه الآية يقول الطبري (رحمه الله) : ((… واعلموا أيها المؤمنون أن ربكم سميع لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا، عليم بما تخفيه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي… واعلموا أن الله سميع لقولهم وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر والطاعة والمعصية محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا)).
      وفي الآية السابعة لما كان الأمر يتعلق بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله ناسب ختامها اقتران الاسمين كما يقول القرطبي في ذلك : ((لما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات (سميع) من أجل النطق (عليم) من أجل المعتقد)).
      والخلاصة أن اقتران هذين الاسمين ( السميع العليم) جاء في آيات الدعاء للإشعار بقربه وسمعه للداعين وعلمه بأحوالهم، وفي الجزاء لبيان سماعه لأقوالهم وعلمه بأعمالهم من خير وشر.
المصادر والمراجع:
-  صحيح سنن الترمذي . 
-  شأن الدعاء،تحقيق أحمد يوسف الدقاق
- البيهقي، كتاب الأسماء والصف.
- جامع البيان . 
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن سعدي . 
-الجوهري ، الصحاح  .  
- الجامع لأحكام القرآن . 
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
-ابن كثير، تفسير القرآن العظيم  .

No comments :

Post a Comment